أخبار اليوم - في ليالي غزة الظلماء وسمائها الملبدة بالمقاتلات والطائرات الحربية دون طيار، وبين ركام الحرب وأعمدة الدخان، تتكرر مآسي العائلات التي تفتقد الاستقرار منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية الممتدة للشهر التاسع عشر تواليًا. فقد تحولت حياة أهالي قطاع غزة الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، إلى جحيم متواصل بسبب جرائم جيش الاحتلال وما يرافقها من تشريد ونزوح مستمرين. في القطاع الساحلي الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، لم تعد المدن والأحياء وحتى الملاعب والساحات الفارغة قادرة على استيعاب أعداد النازحين بفعل احتلال مناطق واسعة وإجبار أهلها على تركها تحت عمليات القصف والتوغل البري.
حتى أن المراكز المخصصة للإيواء لم تعد تتسع لمزيد من النازحين، فأجبروا على نصب خيامهم على حافة الطريق؛ تمامًا كما حصل مع بشرى العطار وعائلتها المكونة من 11 فردًا. إخلاء قسري مع الأيام الأولى لحرب الإبادة التي بدأها جيش الاحتلال يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أجبرت بشرى (37 عامًا)، على ترك منزلها برفقة عائلتها في بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة.
'طلب جيش الاحتلال إخلاء بيت حانون، وألقت طائراته من فوقنا منشورات ورقية تطالب بالإخلاء وهدد بقصفنا في حال عدم خروجنا.' قالت لـ 'فلسطين أون لاين'. توجهت بشرى مع عائلتها في بداية مأساة النزوح إلى مخيم جباليا، شمالاً، قبل أن يجبروا جميعًا على تركه والنزوح إلى مدينة رفح، جنوبي القطاع. وهناك نزحت العائلة أكثر من 8 مرات قبل أن تتمكن من العودة إلى بيت حانون مجددًا بعد وقف إطلاق النار ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل. وأضافت: عندما وصلنا منطقة سكننا فوجئنا بحجم الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال في المنطقة.
لم يعد في بيت حانون أي مظاهر أو مقومات للحياة. لم يمضِ على وصولهم سوى بضعة أسابيع فقط، حتى انهار اتفاق وقف إطلاق النار، وأصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة وترك العنان لترسانته العسكرية باستهداف المدنيين شمالي قطاع غزة، فأجبرت بشرى وعائلتها مثل آلاف العائلات على مغادرة بيت حانون مجددًا. تقيم هذه العائلة حاليًا في خيمة بالية مصنوعة من القماش غرست أوتادها بين ركام المنازل المدمرة بحي الرمال الشمالي في مدينة غزة. تبدوا آثار الإنهاك واضحة عليهم جميعًا. تقول بشرى: 'هربنا مشيًا على الأقدام إلى مخيم جباليًا وهناك وجدنا أن المواطنين يفرون أيضًا. لم نكن نملك شيئًا سوى الملابس التي نرتديها. بعدها قصف جيش الاحتلال عدد من المنازل فاضطررنا للنزوح مجددًا إلى مدينة غزة، والآن نقيم في خيمة نصبتها لنا إحدى الجمعيات.' يحيط بها أبنائها -أكبرهم يبلغ (15 عامًا) وأصغرهم (عامين).
يسألونها يوميًا: متى ستنتهي الحرب ونعود إلى منطقتنا؟ فلا تجد إجابة. فُقدان ونزوح مأساة النزوح المتكرر واجهتها أيضًا حنين الكفارنة من سكان بيت حانون أيضًا، وهي التي فقدت زوجها في بداية الحرب وتحديدًا في اليوم الأخير من الشهر الأول للحرب، 31 أكتوبر. قالت حنين لـ 'فلسطين أون لاين' وقد تجلى الألم على وجهها: إنها لم تعد تعرف الاستقرار منذ أن بدأ جيش الاحتلال حربه وقتل زوجها ودمر منزلها في بيت حانون. وأضافت وهي أم لطفليْن: في كل مرة ننزح فيها نترك كل شيء ورائنا. بالكاد نتمكن من أخذ ملابسنا واحتياجات أطفالنا الأساسية.
نترك ورائنا كل شيء من طعام وشراب وخيام، وعندما نعود إليها لا نجد شيء سوى الدمار. تتحمل هذه الأم مسؤولية كبيرة، وقد رافقت طفليها مأساة النزوح منذ بداية الحرب، وتنقلت بهما بين محافظات قطاع غزة محاولة الحفاظ عليهم من بطش الاحتلال.
وتقيم حاليًا مع الطفلين في خيمة رثَّة غرب مدينة غزة. وتابعت: صحيح أن الاحتلال دمر منزلي وبدل معالم الحياة في بيت حانون، لكننا تواقون للعودة إليها حتى لو في خيمة مهترئة. كذلك الحال بالنسبة لشحدة أبو صلاح (24 عامًا)، الذي حاول البقاء في محافظة شمال قطاع غزة، لكن الغارات الجوية العنيفة التي شنها جيش الاحتلال والقصف المدفعي المستمر والتوغل البري لقوات الجيش، أجبره على النزوح القسري على مدار أكثر من سنة ونصف. لقد حاول شحدة من خلال النزوح البحث عن مكان آمن يحمي فيه زوجته شذى أبو جراد وطفله الوحيد محمود البالغ، ويبلغ عمره عام واحد. 'لكن جيش الاحتلال لم يترك مكانًا آمنًا في قطاع غزة. تنقلت بين العديد من مراكز الإيواء وجميعها كانت عرضة للاستهداف واستشهد وجرح العشرات من أصدقائي وأقاربي بعد قصفها.' أضاف شحدة بصوت اعترضته غصَّة. واقع لا يرحم في زاوية نائية من أرض خصصت لاستقبال نازحي حرب الإبادة في دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس أم إياد أبو أمونة داخل خيمة مهترئة، لا تقي حرًا ولا بردًا، وتلفح وجهها رائحة الغبار، تُرهق أنفاسها المتعبة، وتزيد من اختناق لحظاتها في واقع لا يرحم. أم إياد، سيدة في منتصف العقد الخامس من عمرها، تختصر في قصتها مأساة آلاف الفلسطينيين الذين شُردوا من بيوتهم قسرًا، وقُذف بهم إلى أماكن لا تصلح للعيش الآدمي. بدأت رحلتها مع النزوح حين أجبرت على مغادرة منزلها في مخيم البريج، المحاذي للسياج الفاصل شرقي القطاع، بفعل التصعيد الإسرائيلي المتكرر.
كانت وجهتها الأولى منزل ابنتها في الأطراف الغربية من المخيم، وهو لا تتجاوز مساحته 60 مترًا مربعًا، ويأوي بالفعل خمسة أفراد. رغم ضيق المساحة، فتحت ابنتها الباب لوالدتها، لكن ضغط العدد وسوء التهوية وتكدّس الأشخاص في غرف ضيقة فاقموا من حالتها الصحية، لا سيما مع ضعف مناعتها الناتج عن التقدم في السن.
لم يدم المقام هناك طويلاً. فقد اضطرت لاحقًا للانتقال وكامل أسرتها إلى خيمة نصبت في منطقة نزوح مفتوحة في دير البلح، تفتقر لأبسط مقومات الحياة. تقول بصوتٍ خافت لـ 'فلسطين أون لاين': 'الهواء ملوث، والرعاية الطبية نادرة، والدواء أبعد ما يكون عن متناول اليد'. وتضيف: نواجه الموت كل يوم ولا أحد في العالم يلتفت إلى معاناتنا. أما النازح يوسف أبو عبده، فيروي جانبًا آخر من المعاناة بقوله: 'الاحتلال لا يعرف شيئًا عن حقوق الإنسان يجبروننا على الإخلاء الفوري تحت جنح الظلام، دون إنذار، ودون أن نملك فرصة لجمع أغراضنا. يضيف أبو عبده لـ 'فلسطين أون لاين': 'نخرج نحمل أطفالنا وألمنا، ولا نعلم إلى أين النزوح مكلف، لا فقط من الناحية المالية، بل على مستوى الكرامة، والنفس، والجسد'.
ويتابع: 'مع نقص الوقود، توقفت ما تبقى من المركبات، وحتى التكاتك لم تعد قادرة على العمل، فأصبح نقل الأمتعة تحديًا قاسيًا التكلفة مرتفعة، فنضطر لترك حاجياتنا ونفرّ بملابسنا وبعض المتعلقات البسيطة'. فيما يؤكد سميح أبو كويك، نازح آخر، أن مراكز الإيواء المؤقتة، التي يلجأ إليها البعض بحثًا عن الأمان، لا تُشكل ملاذًا حقيقيًا، بل تستهدفها آلة القصف، خاصة تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا.
ويضيف لـ 'فلسطين أون لاين': 'أماكن النزوح تفتقر إلى الخصوصية، وتُحدث مشاكل اجتماعية ونفسية متزايدة الخدمات رديئة للغاية، خاصة دورات المياه وشبكات الصرف، ما تسبب بانتشار الأمراض والأوبئة بين السكان، لا سيما الأطفال وكبار السن'. تحت نار حرب الإبادة، لا بزال مليونا نسمة وأكثر يكتوون بنار الصواريخ والقنابل الفتاكة. وبينما يكتفي العالم بالمراقبة يعيش أهالي غزة بين أمل الاستقرار وكابوس النزوح الذي لا ينتهي وقد أصبحت أسمى أمانيهم؛ إنهاء الحرب.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في ليالي غزة الظلماء وسمائها الملبدة بالمقاتلات والطائرات الحربية دون طيار، وبين ركام الحرب وأعمدة الدخان، تتكرر مآسي العائلات التي تفتقد الاستقرار منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية الممتدة للشهر التاسع عشر تواليًا. فقد تحولت حياة أهالي قطاع غزة الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، إلى جحيم متواصل بسبب جرائم جيش الاحتلال وما يرافقها من تشريد ونزوح مستمرين. في القطاع الساحلي الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، لم تعد المدن والأحياء وحتى الملاعب والساحات الفارغة قادرة على استيعاب أعداد النازحين بفعل احتلال مناطق واسعة وإجبار أهلها على تركها تحت عمليات القصف والتوغل البري.
حتى أن المراكز المخصصة للإيواء لم تعد تتسع لمزيد من النازحين، فأجبروا على نصب خيامهم على حافة الطريق؛ تمامًا كما حصل مع بشرى العطار وعائلتها المكونة من 11 فردًا. إخلاء قسري مع الأيام الأولى لحرب الإبادة التي بدأها جيش الاحتلال يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أجبرت بشرى (37 عامًا)، على ترك منزلها برفقة عائلتها في بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة.
'طلب جيش الاحتلال إخلاء بيت حانون، وألقت طائراته من فوقنا منشورات ورقية تطالب بالإخلاء وهدد بقصفنا في حال عدم خروجنا.' قالت لـ 'فلسطين أون لاين'. توجهت بشرى مع عائلتها في بداية مأساة النزوح إلى مخيم جباليا، شمالاً، قبل أن يجبروا جميعًا على تركه والنزوح إلى مدينة رفح، جنوبي القطاع. وهناك نزحت العائلة أكثر من 8 مرات قبل أن تتمكن من العودة إلى بيت حانون مجددًا بعد وقف إطلاق النار ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل. وأضافت: عندما وصلنا منطقة سكننا فوجئنا بحجم الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال في المنطقة.
لم يعد في بيت حانون أي مظاهر أو مقومات للحياة. لم يمضِ على وصولهم سوى بضعة أسابيع فقط، حتى انهار اتفاق وقف إطلاق النار، وأصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة وترك العنان لترسانته العسكرية باستهداف المدنيين شمالي قطاع غزة، فأجبرت بشرى وعائلتها مثل آلاف العائلات على مغادرة بيت حانون مجددًا. تقيم هذه العائلة حاليًا في خيمة بالية مصنوعة من القماش غرست أوتادها بين ركام المنازل المدمرة بحي الرمال الشمالي في مدينة غزة. تبدوا آثار الإنهاك واضحة عليهم جميعًا. تقول بشرى: 'هربنا مشيًا على الأقدام إلى مخيم جباليًا وهناك وجدنا أن المواطنين يفرون أيضًا. لم نكن نملك شيئًا سوى الملابس التي نرتديها. بعدها قصف جيش الاحتلال عدد من المنازل فاضطررنا للنزوح مجددًا إلى مدينة غزة، والآن نقيم في خيمة نصبتها لنا إحدى الجمعيات.' يحيط بها أبنائها -أكبرهم يبلغ (15 عامًا) وأصغرهم (عامين).
يسألونها يوميًا: متى ستنتهي الحرب ونعود إلى منطقتنا؟ فلا تجد إجابة. فُقدان ونزوح مأساة النزوح المتكرر واجهتها أيضًا حنين الكفارنة من سكان بيت حانون أيضًا، وهي التي فقدت زوجها في بداية الحرب وتحديدًا في اليوم الأخير من الشهر الأول للحرب، 31 أكتوبر. قالت حنين لـ 'فلسطين أون لاين' وقد تجلى الألم على وجهها: إنها لم تعد تعرف الاستقرار منذ أن بدأ جيش الاحتلال حربه وقتل زوجها ودمر منزلها في بيت حانون. وأضافت وهي أم لطفليْن: في كل مرة ننزح فيها نترك كل شيء ورائنا. بالكاد نتمكن من أخذ ملابسنا واحتياجات أطفالنا الأساسية.
نترك ورائنا كل شيء من طعام وشراب وخيام، وعندما نعود إليها لا نجد شيء سوى الدمار. تتحمل هذه الأم مسؤولية كبيرة، وقد رافقت طفليها مأساة النزوح منذ بداية الحرب، وتنقلت بهما بين محافظات قطاع غزة محاولة الحفاظ عليهم من بطش الاحتلال.
وتقيم حاليًا مع الطفلين في خيمة رثَّة غرب مدينة غزة. وتابعت: صحيح أن الاحتلال دمر منزلي وبدل معالم الحياة في بيت حانون، لكننا تواقون للعودة إليها حتى لو في خيمة مهترئة. كذلك الحال بالنسبة لشحدة أبو صلاح (24 عامًا)، الذي حاول البقاء في محافظة شمال قطاع غزة، لكن الغارات الجوية العنيفة التي شنها جيش الاحتلال والقصف المدفعي المستمر والتوغل البري لقوات الجيش، أجبره على النزوح القسري على مدار أكثر من سنة ونصف. لقد حاول شحدة من خلال النزوح البحث عن مكان آمن يحمي فيه زوجته شذى أبو جراد وطفله الوحيد محمود البالغ، ويبلغ عمره عام واحد. 'لكن جيش الاحتلال لم يترك مكانًا آمنًا في قطاع غزة. تنقلت بين العديد من مراكز الإيواء وجميعها كانت عرضة للاستهداف واستشهد وجرح العشرات من أصدقائي وأقاربي بعد قصفها.' أضاف شحدة بصوت اعترضته غصَّة. واقع لا يرحم في زاوية نائية من أرض خصصت لاستقبال نازحي حرب الإبادة في دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس أم إياد أبو أمونة داخل خيمة مهترئة، لا تقي حرًا ولا بردًا، وتلفح وجهها رائحة الغبار، تُرهق أنفاسها المتعبة، وتزيد من اختناق لحظاتها في واقع لا يرحم. أم إياد، سيدة في منتصف العقد الخامس من عمرها، تختصر في قصتها مأساة آلاف الفلسطينيين الذين شُردوا من بيوتهم قسرًا، وقُذف بهم إلى أماكن لا تصلح للعيش الآدمي. بدأت رحلتها مع النزوح حين أجبرت على مغادرة منزلها في مخيم البريج، المحاذي للسياج الفاصل شرقي القطاع، بفعل التصعيد الإسرائيلي المتكرر.
كانت وجهتها الأولى منزل ابنتها في الأطراف الغربية من المخيم، وهو لا تتجاوز مساحته 60 مترًا مربعًا، ويأوي بالفعل خمسة أفراد. رغم ضيق المساحة، فتحت ابنتها الباب لوالدتها، لكن ضغط العدد وسوء التهوية وتكدّس الأشخاص في غرف ضيقة فاقموا من حالتها الصحية، لا سيما مع ضعف مناعتها الناتج عن التقدم في السن.
لم يدم المقام هناك طويلاً. فقد اضطرت لاحقًا للانتقال وكامل أسرتها إلى خيمة نصبت في منطقة نزوح مفتوحة في دير البلح، تفتقر لأبسط مقومات الحياة. تقول بصوتٍ خافت لـ 'فلسطين أون لاين': 'الهواء ملوث، والرعاية الطبية نادرة، والدواء أبعد ما يكون عن متناول اليد'. وتضيف: نواجه الموت كل يوم ولا أحد في العالم يلتفت إلى معاناتنا. أما النازح يوسف أبو عبده، فيروي جانبًا آخر من المعاناة بقوله: 'الاحتلال لا يعرف شيئًا عن حقوق الإنسان يجبروننا على الإخلاء الفوري تحت جنح الظلام، دون إنذار، ودون أن نملك فرصة لجمع أغراضنا. يضيف أبو عبده لـ 'فلسطين أون لاين': 'نخرج نحمل أطفالنا وألمنا، ولا نعلم إلى أين النزوح مكلف، لا فقط من الناحية المالية، بل على مستوى الكرامة، والنفس، والجسد'.
ويتابع: 'مع نقص الوقود، توقفت ما تبقى من المركبات، وحتى التكاتك لم تعد قادرة على العمل، فأصبح نقل الأمتعة تحديًا قاسيًا التكلفة مرتفعة، فنضطر لترك حاجياتنا ونفرّ بملابسنا وبعض المتعلقات البسيطة'. فيما يؤكد سميح أبو كويك، نازح آخر، أن مراكز الإيواء المؤقتة، التي يلجأ إليها البعض بحثًا عن الأمان، لا تُشكل ملاذًا حقيقيًا، بل تستهدفها آلة القصف، خاصة تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا.
ويضيف لـ 'فلسطين أون لاين': 'أماكن النزوح تفتقر إلى الخصوصية، وتُحدث مشاكل اجتماعية ونفسية متزايدة الخدمات رديئة للغاية، خاصة دورات المياه وشبكات الصرف، ما تسبب بانتشار الأمراض والأوبئة بين السكان، لا سيما الأطفال وكبار السن'. تحت نار حرب الإبادة، لا بزال مليونا نسمة وأكثر يكتوون بنار الصواريخ والقنابل الفتاكة. وبينما يكتفي العالم بالمراقبة يعيش أهالي غزة بين أمل الاستقرار وكابوس النزوح الذي لا ينتهي وقد أصبحت أسمى أمانيهم؛ إنهاء الحرب.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في ليالي غزة الظلماء وسمائها الملبدة بالمقاتلات والطائرات الحربية دون طيار، وبين ركام الحرب وأعمدة الدخان، تتكرر مآسي العائلات التي تفتقد الاستقرار منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية الممتدة للشهر التاسع عشر تواليًا. فقد تحولت حياة أهالي قطاع غزة الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، إلى جحيم متواصل بسبب جرائم جيش الاحتلال وما يرافقها من تشريد ونزوح مستمرين. في القطاع الساحلي الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، لم تعد المدن والأحياء وحتى الملاعب والساحات الفارغة قادرة على استيعاب أعداد النازحين بفعل احتلال مناطق واسعة وإجبار أهلها على تركها تحت عمليات القصف والتوغل البري.
حتى أن المراكز المخصصة للإيواء لم تعد تتسع لمزيد من النازحين، فأجبروا على نصب خيامهم على حافة الطريق؛ تمامًا كما حصل مع بشرى العطار وعائلتها المكونة من 11 فردًا. إخلاء قسري مع الأيام الأولى لحرب الإبادة التي بدأها جيش الاحتلال يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أجبرت بشرى (37 عامًا)، على ترك منزلها برفقة عائلتها في بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة.
'طلب جيش الاحتلال إخلاء بيت حانون، وألقت طائراته من فوقنا منشورات ورقية تطالب بالإخلاء وهدد بقصفنا في حال عدم خروجنا.' قالت لـ 'فلسطين أون لاين'. توجهت بشرى مع عائلتها في بداية مأساة النزوح إلى مخيم جباليا، شمالاً، قبل أن يجبروا جميعًا على تركه والنزوح إلى مدينة رفح، جنوبي القطاع. وهناك نزحت العائلة أكثر من 8 مرات قبل أن تتمكن من العودة إلى بيت حانون مجددًا بعد وقف إطلاق النار ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل. وأضافت: عندما وصلنا منطقة سكننا فوجئنا بحجم الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال في المنطقة.
لم يعد في بيت حانون أي مظاهر أو مقومات للحياة. لم يمضِ على وصولهم سوى بضعة أسابيع فقط، حتى انهار اتفاق وقف إطلاق النار، وأصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة وترك العنان لترسانته العسكرية باستهداف المدنيين شمالي قطاع غزة، فأجبرت بشرى وعائلتها مثل آلاف العائلات على مغادرة بيت حانون مجددًا. تقيم هذه العائلة حاليًا في خيمة بالية مصنوعة من القماش غرست أوتادها بين ركام المنازل المدمرة بحي الرمال الشمالي في مدينة غزة. تبدوا آثار الإنهاك واضحة عليهم جميعًا. تقول بشرى: 'هربنا مشيًا على الأقدام إلى مخيم جباليًا وهناك وجدنا أن المواطنين يفرون أيضًا. لم نكن نملك شيئًا سوى الملابس التي نرتديها. بعدها قصف جيش الاحتلال عدد من المنازل فاضطررنا للنزوح مجددًا إلى مدينة غزة، والآن نقيم في خيمة نصبتها لنا إحدى الجمعيات.' يحيط بها أبنائها -أكبرهم يبلغ (15 عامًا) وأصغرهم (عامين).
يسألونها يوميًا: متى ستنتهي الحرب ونعود إلى منطقتنا؟ فلا تجد إجابة. فُقدان ونزوح مأساة النزوح المتكرر واجهتها أيضًا حنين الكفارنة من سكان بيت حانون أيضًا، وهي التي فقدت زوجها في بداية الحرب وتحديدًا في اليوم الأخير من الشهر الأول للحرب، 31 أكتوبر. قالت حنين لـ 'فلسطين أون لاين' وقد تجلى الألم على وجهها: إنها لم تعد تعرف الاستقرار منذ أن بدأ جيش الاحتلال حربه وقتل زوجها ودمر منزلها في بيت حانون. وأضافت وهي أم لطفليْن: في كل مرة ننزح فيها نترك كل شيء ورائنا. بالكاد نتمكن من أخذ ملابسنا واحتياجات أطفالنا الأساسية.
نترك ورائنا كل شيء من طعام وشراب وخيام، وعندما نعود إليها لا نجد شيء سوى الدمار. تتحمل هذه الأم مسؤولية كبيرة، وقد رافقت طفليها مأساة النزوح منذ بداية الحرب، وتنقلت بهما بين محافظات قطاع غزة محاولة الحفاظ عليهم من بطش الاحتلال.
وتقيم حاليًا مع الطفلين في خيمة رثَّة غرب مدينة غزة. وتابعت: صحيح أن الاحتلال دمر منزلي وبدل معالم الحياة في بيت حانون، لكننا تواقون للعودة إليها حتى لو في خيمة مهترئة. كذلك الحال بالنسبة لشحدة أبو صلاح (24 عامًا)، الذي حاول البقاء في محافظة شمال قطاع غزة، لكن الغارات الجوية العنيفة التي شنها جيش الاحتلال والقصف المدفعي المستمر والتوغل البري لقوات الجيش، أجبره على النزوح القسري على مدار أكثر من سنة ونصف. لقد حاول شحدة من خلال النزوح البحث عن مكان آمن يحمي فيه زوجته شذى أبو جراد وطفله الوحيد محمود البالغ، ويبلغ عمره عام واحد. 'لكن جيش الاحتلال لم يترك مكانًا آمنًا في قطاع غزة. تنقلت بين العديد من مراكز الإيواء وجميعها كانت عرضة للاستهداف واستشهد وجرح العشرات من أصدقائي وأقاربي بعد قصفها.' أضاف شحدة بصوت اعترضته غصَّة. واقع لا يرحم في زاوية نائية من أرض خصصت لاستقبال نازحي حرب الإبادة في دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس أم إياد أبو أمونة داخل خيمة مهترئة، لا تقي حرًا ولا بردًا، وتلفح وجهها رائحة الغبار، تُرهق أنفاسها المتعبة، وتزيد من اختناق لحظاتها في واقع لا يرحم. أم إياد، سيدة في منتصف العقد الخامس من عمرها، تختصر في قصتها مأساة آلاف الفلسطينيين الذين شُردوا من بيوتهم قسرًا، وقُذف بهم إلى أماكن لا تصلح للعيش الآدمي. بدأت رحلتها مع النزوح حين أجبرت على مغادرة منزلها في مخيم البريج، المحاذي للسياج الفاصل شرقي القطاع، بفعل التصعيد الإسرائيلي المتكرر.
كانت وجهتها الأولى منزل ابنتها في الأطراف الغربية من المخيم، وهو لا تتجاوز مساحته 60 مترًا مربعًا، ويأوي بالفعل خمسة أفراد. رغم ضيق المساحة، فتحت ابنتها الباب لوالدتها، لكن ضغط العدد وسوء التهوية وتكدّس الأشخاص في غرف ضيقة فاقموا من حالتها الصحية، لا سيما مع ضعف مناعتها الناتج عن التقدم في السن.
لم يدم المقام هناك طويلاً. فقد اضطرت لاحقًا للانتقال وكامل أسرتها إلى خيمة نصبت في منطقة نزوح مفتوحة في دير البلح، تفتقر لأبسط مقومات الحياة. تقول بصوتٍ خافت لـ 'فلسطين أون لاين': 'الهواء ملوث، والرعاية الطبية نادرة، والدواء أبعد ما يكون عن متناول اليد'. وتضيف: نواجه الموت كل يوم ولا أحد في العالم يلتفت إلى معاناتنا. أما النازح يوسف أبو عبده، فيروي جانبًا آخر من المعاناة بقوله: 'الاحتلال لا يعرف شيئًا عن حقوق الإنسان يجبروننا على الإخلاء الفوري تحت جنح الظلام، دون إنذار، ودون أن نملك فرصة لجمع أغراضنا. يضيف أبو عبده لـ 'فلسطين أون لاين': 'نخرج نحمل أطفالنا وألمنا، ولا نعلم إلى أين النزوح مكلف، لا فقط من الناحية المالية، بل على مستوى الكرامة، والنفس، والجسد'.
ويتابع: 'مع نقص الوقود، توقفت ما تبقى من المركبات، وحتى التكاتك لم تعد قادرة على العمل، فأصبح نقل الأمتعة تحديًا قاسيًا التكلفة مرتفعة، فنضطر لترك حاجياتنا ونفرّ بملابسنا وبعض المتعلقات البسيطة'. فيما يؤكد سميح أبو كويك، نازح آخر، أن مراكز الإيواء المؤقتة، التي يلجأ إليها البعض بحثًا عن الأمان، لا تُشكل ملاذًا حقيقيًا، بل تستهدفها آلة القصف، خاصة تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا.
ويضيف لـ 'فلسطين أون لاين': 'أماكن النزوح تفتقر إلى الخصوصية، وتُحدث مشاكل اجتماعية ونفسية متزايدة الخدمات رديئة للغاية، خاصة دورات المياه وشبكات الصرف، ما تسبب بانتشار الأمراض والأوبئة بين السكان، لا سيما الأطفال وكبار السن'. تحت نار حرب الإبادة، لا بزال مليونا نسمة وأكثر يكتوون بنار الصواريخ والقنابل الفتاكة. وبينما يكتفي العالم بالمراقبة يعيش أهالي غزة بين أمل الاستقرار وكابوس النزوح الذي لا ينتهي وقد أصبحت أسمى أمانيهم؛ إنهاء الحرب.
فلسطين أون لاين
التعليقات