أخبار اليوم - في زوايا الألم المتناثرة على تراب غزة، لا تزال قصة الصحفي فادي حجازي (35 عامًا) تُروى بوجع لا يمكن لحبر الصحافة أن يحتويه، ولا لعدسة كاميرا أن توثّقه كما هو. هو الصحفي الرياضي الأشهر في قطاع غزة، المثابر، المتألق، المتوّج بالجوائز، الذي كان صوته يُسمع في كل الملاعب، وابتسامته لا تفارقه في المؤتمرات والفعاليات، صار اليوم إنسانًا يحمل على كتفيه ما يفوق طاقة البشر.
حجازي، الذي لطالما نقل بصوته قصص الانتصارات والهزائم الرياضية، وجد نفسه فجأة بطلًا لقصة مأساوية تفوق كل ما كتب وغطى. في أحد أيام حرب الإبادة الجارية ضد غزة، وبينما كانت أصوات القصف تقترب من كل زقاق، كان نازحا مع أسرته في المحافظة الوسطى، يحاول أن يبث الطمأنينة في قلوب أطفاله الصغار وزوجته.
لكنه لم يكن يعلم أن ذلك المنزل، الذي اعتقد أنه مأوى، سيكون مقبرة لأحلامه. صاروخٌ إسرائيلي غادر، لم يميز بين الصحفي والطفل، بين الرياضي والمدني، سقط على المنزل، لينتشل من حجازي أعزّ ما يملك: طفله محمد، وبنته زينة. لم تكن صرخته يومها صرخة رجل فقد أبناءه فحسب، بل كانت صرخة وطن بأكمله، صرخة كل أب يرى أولاده يتحولون إلى أشلاء تحت الركام. زوجته أصيبت بجروح خطيرة، وما تزال ترقد في المستشفى، تصارع الألم والجراح، أما هو، فقد أصيب بضربة لا ترى بالعين المجردة، ضربة نفسية حطّمت ما تبقى من روحه. يقول بصوت مكسور لصحيفة 'فلسطين': 'يا الله قديش كنت أستنى هاليوم على أحر من الجمر... كنت أتخيل حالي حامل ابني محمد على كتفي وبنتي زينة مع زوجتي وماشيين شارع جامعة القدس المفتوحة، وعند الكوربة راح نلف على اليمين وأشوف أهلي وأحكيلهم: أولادي كبروا بالحرب وصاروا شاطرين كتير كتير. ولكن... أولادي سافروا بدون رجعة، خلص. حتى الحلم البسيط إلي كنت أحلمه ما تحقق معي.
الحمد لله على كل حال، والله روحي سافرت معكم يا بابا بدون رجعة، ولا راح ترجع حياتي'. قبل الحرب، كان حجازي نموذجًا يُحتذى به في الصحافة الرياضية. عرفه الناس بنشاطه، بحضوره البهي، بموضوعيته واحترافيته في تغطية الأحداث. حصل على عشرات الجوائز الدولية، وشارك في تغطية فعاليات رياضية إقليمية ودولية باسم فلسطين. كان صوته يحمل روح غزة في كل كلمة، وكان من أوائل من نقلوا معاناة الرياضيين تحت الحصار، وأثر الحرب على الرياضة. لكن بعد الفاجعة، تغيّر كل شيء. أصبح شخصًا آخر.
لم يعد قادرًا على حمل الكاميرا، ولا على الجلوس خلف المايكروفون، ولا حتى على فتح صفحته في 'فيسبوك' التي كانت تعجّ بمتابعيه. أعلن بنفسه انسحابه المؤقت من المشهد الصحفي، وقال: 'أنا الصحفي النشيط الذي لا ينام قبل أن يُنجز مهمته، صرت لا أستطيع حتى فتح اللابتوب. الصور، الأصوات، الضحكات، كل شيء يعيدني إلى تلك الليلة، إلى لحظة الموت والوجع'. تفاصيل رمادية لم يعد حجازي يرى الحياة كما كانت، باتت تفاصيلها رمادية، باهتة، بلا معنى. يتنقل بين المستشفى لزيارة زوجته، والمقبرة لزيارة أطفاله، وبين صمتٍ ثقيل يملأ زوايا بيته الذي أصبح خاليًا من ضحكات محمد وزينة. في كل مرة كان يلتقط فيها صورةً لأحد الرياضيين وهو يرفع الكأس، كان يحلم أن يحمل أولاده يومًا ويرفعهم عاليًا، ليقول للعالم: 'هؤلاء أولادي.. تربوا في الحرب، لكنهم انتصروا'. لكن الحرب كانت أقوى، وأبشع، وأسوأ من كل الأحلام.
يقول حجازي: 'لقد دفنتني الحرب مع طفلي وكسرت قلبي... حسرتي عليكما حتى يوم اللقاء، إن شاء الله تعالى'. رغم كل ذلك، يرفض حجازي أن يُسمّى 'ضحية'، ويصر أن يكون 'شاهدًا'. يرى أن قصته ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تُكتب كل يوم في غزة. لكنه يدرك أن صوته، كصحفي، مسؤول أن يوصل هذه القصص، عندما يستطيع. حتى وإن قرر التوقف الآن، فإنه يعد بالعودة يومًا ما، حين تهدأ العاصفة داخله. لعل الحرب سرقت من حجازي طفليه، وسلامه الداخلي، لكنها لم تستطع أن تسكت صوته إلى الأبد.
سيعود، كما يعرفه الناس، لكنه سيحمل في صوته حزنًا لا يراه الجميع... وصدقًا لا يُشترى. هذه هي حكاية فادي حجازي، الذي قتلت الحرب أطفاله، وأصابت زوجته، ودفنته حيًا... لكنه لا يزال واقفًا، يحدّق في السماء، ويهمس: 'سنروي الحقيقة... ولو بعد حين'.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في زوايا الألم المتناثرة على تراب غزة، لا تزال قصة الصحفي فادي حجازي (35 عامًا) تُروى بوجع لا يمكن لحبر الصحافة أن يحتويه، ولا لعدسة كاميرا أن توثّقه كما هو. هو الصحفي الرياضي الأشهر في قطاع غزة، المثابر، المتألق، المتوّج بالجوائز، الذي كان صوته يُسمع في كل الملاعب، وابتسامته لا تفارقه في المؤتمرات والفعاليات، صار اليوم إنسانًا يحمل على كتفيه ما يفوق طاقة البشر.
حجازي، الذي لطالما نقل بصوته قصص الانتصارات والهزائم الرياضية، وجد نفسه فجأة بطلًا لقصة مأساوية تفوق كل ما كتب وغطى. في أحد أيام حرب الإبادة الجارية ضد غزة، وبينما كانت أصوات القصف تقترب من كل زقاق، كان نازحا مع أسرته في المحافظة الوسطى، يحاول أن يبث الطمأنينة في قلوب أطفاله الصغار وزوجته.
لكنه لم يكن يعلم أن ذلك المنزل، الذي اعتقد أنه مأوى، سيكون مقبرة لأحلامه. صاروخٌ إسرائيلي غادر، لم يميز بين الصحفي والطفل، بين الرياضي والمدني، سقط على المنزل، لينتشل من حجازي أعزّ ما يملك: طفله محمد، وبنته زينة. لم تكن صرخته يومها صرخة رجل فقد أبناءه فحسب، بل كانت صرخة وطن بأكمله، صرخة كل أب يرى أولاده يتحولون إلى أشلاء تحت الركام. زوجته أصيبت بجروح خطيرة، وما تزال ترقد في المستشفى، تصارع الألم والجراح، أما هو، فقد أصيب بضربة لا ترى بالعين المجردة، ضربة نفسية حطّمت ما تبقى من روحه. يقول بصوت مكسور لصحيفة 'فلسطين': 'يا الله قديش كنت أستنى هاليوم على أحر من الجمر... كنت أتخيل حالي حامل ابني محمد على كتفي وبنتي زينة مع زوجتي وماشيين شارع جامعة القدس المفتوحة، وعند الكوربة راح نلف على اليمين وأشوف أهلي وأحكيلهم: أولادي كبروا بالحرب وصاروا شاطرين كتير كتير. ولكن... أولادي سافروا بدون رجعة، خلص. حتى الحلم البسيط إلي كنت أحلمه ما تحقق معي.
الحمد لله على كل حال، والله روحي سافرت معكم يا بابا بدون رجعة، ولا راح ترجع حياتي'. قبل الحرب، كان حجازي نموذجًا يُحتذى به في الصحافة الرياضية. عرفه الناس بنشاطه، بحضوره البهي، بموضوعيته واحترافيته في تغطية الأحداث. حصل على عشرات الجوائز الدولية، وشارك في تغطية فعاليات رياضية إقليمية ودولية باسم فلسطين. كان صوته يحمل روح غزة في كل كلمة، وكان من أوائل من نقلوا معاناة الرياضيين تحت الحصار، وأثر الحرب على الرياضة. لكن بعد الفاجعة، تغيّر كل شيء. أصبح شخصًا آخر.
لم يعد قادرًا على حمل الكاميرا، ولا على الجلوس خلف المايكروفون، ولا حتى على فتح صفحته في 'فيسبوك' التي كانت تعجّ بمتابعيه. أعلن بنفسه انسحابه المؤقت من المشهد الصحفي، وقال: 'أنا الصحفي النشيط الذي لا ينام قبل أن يُنجز مهمته، صرت لا أستطيع حتى فتح اللابتوب. الصور، الأصوات، الضحكات، كل شيء يعيدني إلى تلك الليلة، إلى لحظة الموت والوجع'. تفاصيل رمادية لم يعد حجازي يرى الحياة كما كانت، باتت تفاصيلها رمادية، باهتة، بلا معنى. يتنقل بين المستشفى لزيارة زوجته، والمقبرة لزيارة أطفاله، وبين صمتٍ ثقيل يملأ زوايا بيته الذي أصبح خاليًا من ضحكات محمد وزينة. في كل مرة كان يلتقط فيها صورةً لأحد الرياضيين وهو يرفع الكأس، كان يحلم أن يحمل أولاده يومًا ويرفعهم عاليًا، ليقول للعالم: 'هؤلاء أولادي.. تربوا في الحرب، لكنهم انتصروا'. لكن الحرب كانت أقوى، وأبشع، وأسوأ من كل الأحلام.
يقول حجازي: 'لقد دفنتني الحرب مع طفلي وكسرت قلبي... حسرتي عليكما حتى يوم اللقاء، إن شاء الله تعالى'. رغم كل ذلك، يرفض حجازي أن يُسمّى 'ضحية'، ويصر أن يكون 'شاهدًا'. يرى أن قصته ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تُكتب كل يوم في غزة. لكنه يدرك أن صوته، كصحفي، مسؤول أن يوصل هذه القصص، عندما يستطيع. حتى وإن قرر التوقف الآن، فإنه يعد بالعودة يومًا ما، حين تهدأ العاصفة داخله. لعل الحرب سرقت من حجازي طفليه، وسلامه الداخلي، لكنها لم تستطع أن تسكت صوته إلى الأبد.
سيعود، كما يعرفه الناس، لكنه سيحمل في صوته حزنًا لا يراه الجميع... وصدقًا لا يُشترى. هذه هي حكاية فادي حجازي، الذي قتلت الحرب أطفاله، وأصابت زوجته، ودفنته حيًا... لكنه لا يزال واقفًا، يحدّق في السماء، ويهمس: 'سنروي الحقيقة... ولو بعد حين'.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في زوايا الألم المتناثرة على تراب غزة، لا تزال قصة الصحفي فادي حجازي (35 عامًا) تُروى بوجع لا يمكن لحبر الصحافة أن يحتويه، ولا لعدسة كاميرا أن توثّقه كما هو. هو الصحفي الرياضي الأشهر في قطاع غزة، المثابر، المتألق، المتوّج بالجوائز، الذي كان صوته يُسمع في كل الملاعب، وابتسامته لا تفارقه في المؤتمرات والفعاليات، صار اليوم إنسانًا يحمل على كتفيه ما يفوق طاقة البشر.
حجازي، الذي لطالما نقل بصوته قصص الانتصارات والهزائم الرياضية، وجد نفسه فجأة بطلًا لقصة مأساوية تفوق كل ما كتب وغطى. في أحد أيام حرب الإبادة الجارية ضد غزة، وبينما كانت أصوات القصف تقترب من كل زقاق، كان نازحا مع أسرته في المحافظة الوسطى، يحاول أن يبث الطمأنينة في قلوب أطفاله الصغار وزوجته.
لكنه لم يكن يعلم أن ذلك المنزل، الذي اعتقد أنه مأوى، سيكون مقبرة لأحلامه. صاروخٌ إسرائيلي غادر، لم يميز بين الصحفي والطفل، بين الرياضي والمدني، سقط على المنزل، لينتشل من حجازي أعزّ ما يملك: طفله محمد، وبنته زينة. لم تكن صرخته يومها صرخة رجل فقد أبناءه فحسب، بل كانت صرخة وطن بأكمله، صرخة كل أب يرى أولاده يتحولون إلى أشلاء تحت الركام. زوجته أصيبت بجروح خطيرة، وما تزال ترقد في المستشفى، تصارع الألم والجراح، أما هو، فقد أصيب بضربة لا ترى بالعين المجردة، ضربة نفسية حطّمت ما تبقى من روحه. يقول بصوت مكسور لصحيفة 'فلسطين': 'يا الله قديش كنت أستنى هاليوم على أحر من الجمر... كنت أتخيل حالي حامل ابني محمد على كتفي وبنتي زينة مع زوجتي وماشيين شارع جامعة القدس المفتوحة، وعند الكوربة راح نلف على اليمين وأشوف أهلي وأحكيلهم: أولادي كبروا بالحرب وصاروا شاطرين كتير كتير. ولكن... أولادي سافروا بدون رجعة، خلص. حتى الحلم البسيط إلي كنت أحلمه ما تحقق معي.
الحمد لله على كل حال، والله روحي سافرت معكم يا بابا بدون رجعة، ولا راح ترجع حياتي'. قبل الحرب، كان حجازي نموذجًا يُحتذى به في الصحافة الرياضية. عرفه الناس بنشاطه، بحضوره البهي، بموضوعيته واحترافيته في تغطية الأحداث. حصل على عشرات الجوائز الدولية، وشارك في تغطية فعاليات رياضية إقليمية ودولية باسم فلسطين. كان صوته يحمل روح غزة في كل كلمة، وكان من أوائل من نقلوا معاناة الرياضيين تحت الحصار، وأثر الحرب على الرياضة. لكن بعد الفاجعة، تغيّر كل شيء. أصبح شخصًا آخر.
لم يعد قادرًا على حمل الكاميرا، ولا على الجلوس خلف المايكروفون، ولا حتى على فتح صفحته في 'فيسبوك' التي كانت تعجّ بمتابعيه. أعلن بنفسه انسحابه المؤقت من المشهد الصحفي، وقال: 'أنا الصحفي النشيط الذي لا ينام قبل أن يُنجز مهمته، صرت لا أستطيع حتى فتح اللابتوب. الصور، الأصوات، الضحكات، كل شيء يعيدني إلى تلك الليلة، إلى لحظة الموت والوجع'. تفاصيل رمادية لم يعد حجازي يرى الحياة كما كانت، باتت تفاصيلها رمادية، باهتة، بلا معنى. يتنقل بين المستشفى لزيارة زوجته، والمقبرة لزيارة أطفاله، وبين صمتٍ ثقيل يملأ زوايا بيته الذي أصبح خاليًا من ضحكات محمد وزينة. في كل مرة كان يلتقط فيها صورةً لأحد الرياضيين وهو يرفع الكأس، كان يحلم أن يحمل أولاده يومًا ويرفعهم عاليًا، ليقول للعالم: 'هؤلاء أولادي.. تربوا في الحرب، لكنهم انتصروا'. لكن الحرب كانت أقوى، وأبشع، وأسوأ من كل الأحلام.
يقول حجازي: 'لقد دفنتني الحرب مع طفلي وكسرت قلبي... حسرتي عليكما حتى يوم اللقاء، إن شاء الله تعالى'. رغم كل ذلك، يرفض حجازي أن يُسمّى 'ضحية'، ويصر أن يكون 'شاهدًا'. يرى أن قصته ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تُكتب كل يوم في غزة. لكنه يدرك أن صوته، كصحفي، مسؤول أن يوصل هذه القصص، عندما يستطيع. حتى وإن قرر التوقف الآن، فإنه يعد بالعودة يومًا ما، حين تهدأ العاصفة داخله. لعل الحرب سرقت من حجازي طفليه، وسلامه الداخلي، لكنها لم تستطع أن تسكت صوته إلى الأبد.
سيعود، كما يعرفه الناس، لكنه سيحمل في صوته حزنًا لا يراه الجميع... وصدقًا لا يُشترى. هذه هي حكاية فادي حجازي، الذي قتلت الحرب أطفاله، وأصابت زوجته، ودفنته حيًا... لكنه لا يزال واقفًا، يحدّق في السماء، ويهمس: 'سنروي الحقيقة... ولو بعد حين'.
فلسطين أون لاين
التعليقات