أخبار اليوم - مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية، تشهد الساحة الإسرائيلية حراكًا متناميًا يقوده ضباط وجنود من وحدات الاحتياط في جيش الاحتلال، يطالبون بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
هذا الحراك، وإن بدا في ظاهره محدود التأثير، فإنه يحمل في طياته مؤشرات على انقسام داخلي عميق وخلل في منظومة اتخاذ القرار داخل (إسرائيل)، بحسب خبراء في الشأن الإسرائيلي.
وبعد العريضة التي دعت إلى رفض الخدمة، والتحركات التي شهدتها قوات سلاح الجو والبحرية، انضم ضباط وجنود من وحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية 'أمان' إلى هذه الاحتجاجات، من بينهم جنود في الخدمة الفعلية، وضباط احتياط، إضافة إلى متقاعدين من الجيش.
كما انضم نحو ألفَي أكاديمي من أعضاء هيئة التدريس إلى هذه الاحتجاجات، مؤكدين ضرورة التوصل إلى صفقة تُفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين – وعددهم 59 أسيرًا، بينهم 24 لا يزالون على قيد الحياة – حتى لو تطلّب ذلك وقف العمليات القتالية في غزة.
ويعكس هذا التحرك تناميًا في حالة الاحتجاجات ضد استمرار الحرب داخل قطاعات مؤثرة من المجتمع الإسرائيلي، ومنها الأوساط الأمنية والعلمية، حيث جُمعت مئات التوقيعات من المشاركين، في وقت يعتزم فيه المنظمون إطلاق عريضة جديدة تُعلن رفض الخدمة العسكرية.
ويأتي ذلك على غرار ما فعله ضباط في سلاح الجو الإسرائيلي، حيث وقّع نحو 950 طيار احتياط على عريضة نُشرت الخميس الماضي، طالبوا فيها الحكومة بإبرام صفقة تبادل تُعيد الأسرى الإسرائيليين، بحسب ما أفادت به هيئة البث العامة الإسرائيلية 'كان 11'.
تأثير محدود حتى الآن
يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي، نزار نزال، أن هذا الحراك ليس عشوائيًا أو فرديًا كما تحاول حكومة الاحتلال تصويره، بل تقوده جهات محسوبة على 'الدولة العميقة' في (إسرائيل)، وعلى رأسها جنرالات الجيش المتقاعدون والنخب السياسية الليبرالية والعلمانية.
ويضيف: 'نتنياهو يحاول التقليل من شأن هذا التحرك، وذهب إلى حد وصف المشاركين فيه بـ'الطحالب'، لكن الحقيقة أن هذا الحراك هو رسالة سياسية خطيرة تُظهر حجم التصدع داخل البنية السياسية والعسكرية'.
ويرى نزال، في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن التأثير الفعلي للاحتجاجات على أداء الجيش في الميدان لا يزال محدودًا، 'طالما أن هذا الحراك محصور في جنود الاحتياط ولم يتسلل إلى وحدات الجيش النظامية أو الأجهزة الأمنية الفاعلة، فلن يشكل خطرًا مباشرًا على قرارات الحكومة أو استمرارية الحرب'، لكنه في الوقت ذاته يُحذّر من أن 'توسع هذا الحراك واستمراره مع تصاعد الخسائر في الحرب وتعدد الجبهات، قد يغيّر قواعد اللعبة'.
ويشير إلى أن خطورة هذا الحراك تكمن في احتمالية انتقاله إلى وحدات الجيش النظامي والمؤسسة الأمنية، وهو ما سيُحدث خلخلة في ما يُعرف بـ'الإجماع الأمني' داخل (إسرائيل). ويضيف: 'إذا وصل هذا الحراك إلى قلب المؤسسة العسكرية، فإنه سيهدد ليس فقط الحكومة، بل كل المنظومة الحاكمة في (إسرائيل)، وسيضعها أمام أزمة حقيقية'.
سابقة خطيرة
من أخطر ما يشير إليه نزال هو ما يصفه بـ'تسييس الجيش'، معتبرًا أن تدخل قيادات عسكرية في جيش الاحتلال في الشأن السياسي يمثل تحولًا خطيرًا في بنية الدولة.
ويقول: 'من إفرازات السابع من أكتوبر أن العسكر باتوا يتدخلون في السياسة بشكل مباشر، وهذا تطور غير مسبوق في (إسرائيل) التي طالما حافظت على الفصل بين المؤسستين السياسية والعسكرية'.
ويشير نزال إلى أن أحد أبرز دوافع الحراك الحالي هو شعور قطاعات من الجيش والمجتمع بأن الحكومة تخلّت عن الجنود الأسرى لدى حماس، قائلاً: 'هناك غضب حقيقي في الأوساط الليبرالية والعسكرية من تخلّي نتنياهو عن الأسرى، ما أدى إلى انهيار ما يمكن تسميته بالعقد الغليظ بين الدولة ومواطنيها، القائم على الأمن كأولوية لا مساومة فيها'، حسب اعتقاده.
تشظٍّ وانقسام
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أن ما تعيشه (إسرائيل) اليوم هو حالة تشظٍّ داخلي حقيقي، وانقسام عمودي بين مكوناتها. ويشرح: 'هناك اليوم ثلاث دول داخل (إسرائيل): دولة دينية يقودها المستوطنون في الضفة الغربية، ودولة علمانية يقودها الجنرالات والنخب، ودولة ثالثة يحكمها نتنياهو'، مبينًا أن هذا 'الانقسام الحاد بين مكونات المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته العسكرية والسياسية يُنذر بانفجار داخلي قد يهدد استقرار الدولة على المدى الطويل'.
ورغم الحراك المتصاعد، يعتقد نزال أن الوضع لا يزال تحت السيطرة من وجهة نظر نتنياهو، ولا توجد مؤشرات حقيقية على توجه فوري نحو وقف إطلاق النار أو الانسحاب من غزة.
ويقول: 'هناك حديث عن وقف مؤقت لإطلاق النار قد يمتد إلى 50 يومًا، لكن لا يوجد حتى اللحظة ما يدل على أن إسرائيل تتجه نحو حل سياسي شامل'.
ويخلص إلى أن ما يجري داخل (إسرائيل) اليوم ليس مجرد خلاف سياسي أو احتجاج عسكري عابر، بل هو انعكاس لأزمة وجودية تعيشها الدولة في بنيتها العميقة.
ويؤكد: 'من يقول إن (إسرائيل) لا تزال كما كانت قبل السابع من أكتوبر، فهو إما أعمى أو لا يسمع.. نحن أمام دولة ممزقة، تعيش انقسامًا غير مسبوق بين نخبها ومؤسساتها، وما لم يُعالج هذا التشظي، فإن القادم سيكون أكثر اضطرابًا'.
خلخلة
ورغم أن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية غالبًا ما تُظهر تماسكًا في فترات الحرب، فإن وجود أصوات معارضة من داخل منظومتها الأمنية والأكاديمية، حسب مراسلة الشؤون العسكرية لهيئة البث العامة الإسرائيلية كرميلا منشه، قد يُحدث خلخلة في 'الإجماع الوطني' ويضع ضغوطًا متزايدة على القيادة السياسية.
ومن المتوقع أن تتوسع رقعة الاحتجاجات، بحسب منشه، إذا استمرت الحرب وتفاقمت تداعياتها، خاصة مع تزايد الخسائر البشرية وضغط المجتمع الدولي. كما أن احتجاج الأكاديميين يمكن أن يُلقي بظلاله على الرأي العام الإسرائيلي ويُعزز الانقسامات المجتمعية حيال استمرار العمليات العسكرية.
ووفقًا لمنشه، فإن قدرة هذه الاحتجاجات على التأثير المباشر في صنع القرار تتوقف على مدى تصاعدها وانتقالها إلى قطاعات أوسع تشمل الاحتياطيين في الجيش، وقيادات سابقة، ومجموعات ضغط سياسية. أما في حال تبنّي الحكومة لخطوات حاسمة نحو وقف إطلاق النار أو التهدئة، فقد تتراجع وتيرة هذه الاحتجاجات تدريجيًا.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية، تشهد الساحة الإسرائيلية حراكًا متناميًا يقوده ضباط وجنود من وحدات الاحتياط في جيش الاحتلال، يطالبون بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
هذا الحراك، وإن بدا في ظاهره محدود التأثير، فإنه يحمل في طياته مؤشرات على انقسام داخلي عميق وخلل في منظومة اتخاذ القرار داخل (إسرائيل)، بحسب خبراء في الشأن الإسرائيلي.
وبعد العريضة التي دعت إلى رفض الخدمة، والتحركات التي شهدتها قوات سلاح الجو والبحرية، انضم ضباط وجنود من وحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية 'أمان' إلى هذه الاحتجاجات، من بينهم جنود في الخدمة الفعلية، وضباط احتياط، إضافة إلى متقاعدين من الجيش.
كما انضم نحو ألفَي أكاديمي من أعضاء هيئة التدريس إلى هذه الاحتجاجات، مؤكدين ضرورة التوصل إلى صفقة تُفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين – وعددهم 59 أسيرًا، بينهم 24 لا يزالون على قيد الحياة – حتى لو تطلّب ذلك وقف العمليات القتالية في غزة.
ويعكس هذا التحرك تناميًا في حالة الاحتجاجات ضد استمرار الحرب داخل قطاعات مؤثرة من المجتمع الإسرائيلي، ومنها الأوساط الأمنية والعلمية، حيث جُمعت مئات التوقيعات من المشاركين، في وقت يعتزم فيه المنظمون إطلاق عريضة جديدة تُعلن رفض الخدمة العسكرية.
ويأتي ذلك على غرار ما فعله ضباط في سلاح الجو الإسرائيلي، حيث وقّع نحو 950 طيار احتياط على عريضة نُشرت الخميس الماضي، طالبوا فيها الحكومة بإبرام صفقة تبادل تُعيد الأسرى الإسرائيليين، بحسب ما أفادت به هيئة البث العامة الإسرائيلية 'كان 11'.
تأثير محدود حتى الآن
يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي، نزار نزال، أن هذا الحراك ليس عشوائيًا أو فرديًا كما تحاول حكومة الاحتلال تصويره، بل تقوده جهات محسوبة على 'الدولة العميقة' في (إسرائيل)، وعلى رأسها جنرالات الجيش المتقاعدون والنخب السياسية الليبرالية والعلمانية.
ويضيف: 'نتنياهو يحاول التقليل من شأن هذا التحرك، وذهب إلى حد وصف المشاركين فيه بـ'الطحالب'، لكن الحقيقة أن هذا الحراك هو رسالة سياسية خطيرة تُظهر حجم التصدع داخل البنية السياسية والعسكرية'.
ويرى نزال، في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن التأثير الفعلي للاحتجاجات على أداء الجيش في الميدان لا يزال محدودًا، 'طالما أن هذا الحراك محصور في جنود الاحتياط ولم يتسلل إلى وحدات الجيش النظامية أو الأجهزة الأمنية الفاعلة، فلن يشكل خطرًا مباشرًا على قرارات الحكومة أو استمرارية الحرب'، لكنه في الوقت ذاته يُحذّر من أن 'توسع هذا الحراك واستمراره مع تصاعد الخسائر في الحرب وتعدد الجبهات، قد يغيّر قواعد اللعبة'.
ويشير إلى أن خطورة هذا الحراك تكمن في احتمالية انتقاله إلى وحدات الجيش النظامي والمؤسسة الأمنية، وهو ما سيُحدث خلخلة في ما يُعرف بـ'الإجماع الأمني' داخل (إسرائيل). ويضيف: 'إذا وصل هذا الحراك إلى قلب المؤسسة العسكرية، فإنه سيهدد ليس فقط الحكومة، بل كل المنظومة الحاكمة في (إسرائيل)، وسيضعها أمام أزمة حقيقية'.
سابقة خطيرة
من أخطر ما يشير إليه نزال هو ما يصفه بـ'تسييس الجيش'، معتبرًا أن تدخل قيادات عسكرية في جيش الاحتلال في الشأن السياسي يمثل تحولًا خطيرًا في بنية الدولة.
ويقول: 'من إفرازات السابع من أكتوبر أن العسكر باتوا يتدخلون في السياسة بشكل مباشر، وهذا تطور غير مسبوق في (إسرائيل) التي طالما حافظت على الفصل بين المؤسستين السياسية والعسكرية'.
ويشير نزال إلى أن أحد أبرز دوافع الحراك الحالي هو شعور قطاعات من الجيش والمجتمع بأن الحكومة تخلّت عن الجنود الأسرى لدى حماس، قائلاً: 'هناك غضب حقيقي في الأوساط الليبرالية والعسكرية من تخلّي نتنياهو عن الأسرى، ما أدى إلى انهيار ما يمكن تسميته بالعقد الغليظ بين الدولة ومواطنيها، القائم على الأمن كأولوية لا مساومة فيها'، حسب اعتقاده.
تشظٍّ وانقسام
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أن ما تعيشه (إسرائيل) اليوم هو حالة تشظٍّ داخلي حقيقي، وانقسام عمودي بين مكوناتها. ويشرح: 'هناك اليوم ثلاث دول داخل (إسرائيل): دولة دينية يقودها المستوطنون في الضفة الغربية، ودولة علمانية يقودها الجنرالات والنخب، ودولة ثالثة يحكمها نتنياهو'، مبينًا أن هذا 'الانقسام الحاد بين مكونات المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته العسكرية والسياسية يُنذر بانفجار داخلي قد يهدد استقرار الدولة على المدى الطويل'.
ورغم الحراك المتصاعد، يعتقد نزال أن الوضع لا يزال تحت السيطرة من وجهة نظر نتنياهو، ولا توجد مؤشرات حقيقية على توجه فوري نحو وقف إطلاق النار أو الانسحاب من غزة.
ويقول: 'هناك حديث عن وقف مؤقت لإطلاق النار قد يمتد إلى 50 يومًا، لكن لا يوجد حتى اللحظة ما يدل على أن إسرائيل تتجه نحو حل سياسي شامل'.
ويخلص إلى أن ما يجري داخل (إسرائيل) اليوم ليس مجرد خلاف سياسي أو احتجاج عسكري عابر، بل هو انعكاس لأزمة وجودية تعيشها الدولة في بنيتها العميقة.
ويؤكد: 'من يقول إن (إسرائيل) لا تزال كما كانت قبل السابع من أكتوبر، فهو إما أعمى أو لا يسمع.. نحن أمام دولة ممزقة، تعيش انقسامًا غير مسبوق بين نخبها ومؤسساتها، وما لم يُعالج هذا التشظي، فإن القادم سيكون أكثر اضطرابًا'.
خلخلة
ورغم أن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية غالبًا ما تُظهر تماسكًا في فترات الحرب، فإن وجود أصوات معارضة من داخل منظومتها الأمنية والأكاديمية، حسب مراسلة الشؤون العسكرية لهيئة البث العامة الإسرائيلية كرميلا منشه، قد يُحدث خلخلة في 'الإجماع الوطني' ويضع ضغوطًا متزايدة على القيادة السياسية.
ومن المتوقع أن تتوسع رقعة الاحتجاجات، بحسب منشه، إذا استمرت الحرب وتفاقمت تداعياتها، خاصة مع تزايد الخسائر البشرية وضغط المجتمع الدولي. كما أن احتجاج الأكاديميين يمكن أن يُلقي بظلاله على الرأي العام الإسرائيلي ويُعزز الانقسامات المجتمعية حيال استمرار العمليات العسكرية.
ووفقًا لمنشه، فإن قدرة هذه الاحتجاجات على التأثير المباشر في صنع القرار تتوقف على مدى تصاعدها وانتقالها إلى قطاعات أوسع تشمل الاحتياطيين في الجيش، وقيادات سابقة، ومجموعات ضغط سياسية. أما في حال تبنّي الحكومة لخطوات حاسمة نحو وقف إطلاق النار أو التهدئة، فقد تتراجع وتيرة هذه الاحتجاجات تدريجيًا.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية، تشهد الساحة الإسرائيلية حراكًا متناميًا يقوده ضباط وجنود من وحدات الاحتياط في جيش الاحتلال، يطالبون بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
هذا الحراك، وإن بدا في ظاهره محدود التأثير، فإنه يحمل في طياته مؤشرات على انقسام داخلي عميق وخلل في منظومة اتخاذ القرار داخل (إسرائيل)، بحسب خبراء في الشأن الإسرائيلي.
وبعد العريضة التي دعت إلى رفض الخدمة، والتحركات التي شهدتها قوات سلاح الجو والبحرية، انضم ضباط وجنود من وحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية 'أمان' إلى هذه الاحتجاجات، من بينهم جنود في الخدمة الفعلية، وضباط احتياط، إضافة إلى متقاعدين من الجيش.
كما انضم نحو ألفَي أكاديمي من أعضاء هيئة التدريس إلى هذه الاحتجاجات، مؤكدين ضرورة التوصل إلى صفقة تُفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين – وعددهم 59 أسيرًا، بينهم 24 لا يزالون على قيد الحياة – حتى لو تطلّب ذلك وقف العمليات القتالية في غزة.
ويعكس هذا التحرك تناميًا في حالة الاحتجاجات ضد استمرار الحرب داخل قطاعات مؤثرة من المجتمع الإسرائيلي، ومنها الأوساط الأمنية والعلمية، حيث جُمعت مئات التوقيعات من المشاركين، في وقت يعتزم فيه المنظمون إطلاق عريضة جديدة تُعلن رفض الخدمة العسكرية.
ويأتي ذلك على غرار ما فعله ضباط في سلاح الجو الإسرائيلي، حيث وقّع نحو 950 طيار احتياط على عريضة نُشرت الخميس الماضي، طالبوا فيها الحكومة بإبرام صفقة تبادل تُعيد الأسرى الإسرائيليين، بحسب ما أفادت به هيئة البث العامة الإسرائيلية 'كان 11'.
تأثير محدود حتى الآن
يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي، نزار نزال، أن هذا الحراك ليس عشوائيًا أو فرديًا كما تحاول حكومة الاحتلال تصويره، بل تقوده جهات محسوبة على 'الدولة العميقة' في (إسرائيل)، وعلى رأسها جنرالات الجيش المتقاعدون والنخب السياسية الليبرالية والعلمانية.
ويضيف: 'نتنياهو يحاول التقليل من شأن هذا التحرك، وذهب إلى حد وصف المشاركين فيه بـ'الطحالب'، لكن الحقيقة أن هذا الحراك هو رسالة سياسية خطيرة تُظهر حجم التصدع داخل البنية السياسية والعسكرية'.
ويرى نزال، في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن التأثير الفعلي للاحتجاجات على أداء الجيش في الميدان لا يزال محدودًا، 'طالما أن هذا الحراك محصور في جنود الاحتياط ولم يتسلل إلى وحدات الجيش النظامية أو الأجهزة الأمنية الفاعلة، فلن يشكل خطرًا مباشرًا على قرارات الحكومة أو استمرارية الحرب'، لكنه في الوقت ذاته يُحذّر من أن 'توسع هذا الحراك واستمراره مع تصاعد الخسائر في الحرب وتعدد الجبهات، قد يغيّر قواعد اللعبة'.
ويشير إلى أن خطورة هذا الحراك تكمن في احتمالية انتقاله إلى وحدات الجيش النظامي والمؤسسة الأمنية، وهو ما سيُحدث خلخلة في ما يُعرف بـ'الإجماع الأمني' داخل (إسرائيل). ويضيف: 'إذا وصل هذا الحراك إلى قلب المؤسسة العسكرية، فإنه سيهدد ليس فقط الحكومة، بل كل المنظومة الحاكمة في (إسرائيل)، وسيضعها أمام أزمة حقيقية'.
سابقة خطيرة
من أخطر ما يشير إليه نزال هو ما يصفه بـ'تسييس الجيش'، معتبرًا أن تدخل قيادات عسكرية في جيش الاحتلال في الشأن السياسي يمثل تحولًا خطيرًا في بنية الدولة.
ويقول: 'من إفرازات السابع من أكتوبر أن العسكر باتوا يتدخلون في السياسة بشكل مباشر، وهذا تطور غير مسبوق في (إسرائيل) التي طالما حافظت على الفصل بين المؤسستين السياسية والعسكرية'.
ويشير نزال إلى أن أحد أبرز دوافع الحراك الحالي هو شعور قطاعات من الجيش والمجتمع بأن الحكومة تخلّت عن الجنود الأسرى لدى حماس، قائلاً: 'هناك غضب حقيقي في الأوساط الليبرالية والعسكرية من تخلّي نتنياهو عن الأسرى، ما أدى إلى انهيار ما يمكن تسميته بالعقد الغليظ بين الدولة ومواطنيها، القائم على الأمن كأولوية لا مساومة فيها'، حسب اعتقاده.
تشظٍّ وانقسام
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أن ما تعيشه (إسرائيل) اليوم هو حالة تشظٍّ داخلي حقيقي، وانقسام عمودي بين مكوناتها. ويشرح: 'هناك اليوم ثلاث دول داخل (إسرائيل): دولة دينية يقودها المستوطنون في الضفة الغربية، ودولة علمانية يقودها الجنرالات والنخب، ودولة ثالثة يحكمها نتنياهو'، مبينًا أن هذا 'الانقسام الحاد بين مكونات المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته العسكرية والسياسية يُنذر بانفجار داخلي قد يهدد استقرار الدولة على المدى الطويل'.
ورغم الحراك المتصاعد، يعتقد نزال أن الوضع لا يزال تحت السيطرة من وجهة نظر نتنياهو، ولا توجد مؤشرات حقيقية على توجه فوري نحو وقف إطلاق النار أو الانسحاب من غزة.
ويقول: 'هناك حديث عن وقف مؤقت لإطلاق النار قد يمتد إلى 50 يومًا، لكن لا يوجد حتى اللحظة ما يدل على أن إسرائيل تتجه نحو حل سياسي شامل'.
ويخلص إلى أن ما يجري داخل (إسرائيل) اليوم ليس مجرد خلاف سياسي أو احتجاج عسكري عابر، بل هو انعكاس لأزمة وجودية تعيشها الدولة في بنيتها العميقة.
ويؤكد: 'من يقول إن (إسرائيل) لا تزال كما كانت قبل السابع من أكتوبر، فهو إما أعمى أو لا يسمع.. نحن أمام دولة ممزقة، تعيش انقسامًا غير مسبوق بين نخبها ومؤسساتها، وما لم يُعالج هذا التشظي، فإن القادم سيكون أكثر اضطرابًا'.
خلخلة
ورغم أن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية غالبًا ما تُظهر تماسكًا في فترات الحرب، فإن وجود أصوات معارضة من داخل منظومتها الأمنية والأكاديمية، حسب مراسلة الشؤون العسكرية لهيئة البث العامة الإسرائيلية كرميلا منشه، قد يُحدث خلخلة في 'الإجماع الوطني' ويضع ضغوطًا متزايدة على القيادة السياسية.
ومن المتوقع أن تتوسع رقعة الاحتجاجات، بحسب منشه، إذا استمرت الحرب وتفاقمت تداعياتها، خاصة مع تزايد الخسائر البشرية وضغط المجتمع الدولي. كما أن احتجاج الأكاديميين يمكن أن يُلقي بظلاله على الرأي العام الإسرائيلي ويُعزز الانقسامات المجتمعية حيال استمرار العمليات العسكرية.
ووفقًا لمنشه، فإن قدرة هذه الاحتجاجات على التأثير المباشر في صنع القرار تتوقف على مدى تصاعدها وانتقالها إلى قطاعات أوسع تشمل الاحتياطيين في الجيش، وقيادات سابقة، ومجموعات ضغط سياسية. أما في حال تبنّي الحكومة لخطوات حاسمة نحو وقف إطلاق النار أو التهدئة، فقد تتراجع وتيرة هذه الاحتجاجات تدريجيًا.
المصدر / فلسطين أون لاين
التعليقات