د. سلطان إبراهيم العطين
يشهد المجتمع الأردني منذ سنوات تصاعدًا في ظاهرة العنف الطلابي داخل الجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأردنية التي تعدّ منارة للتعليم العالي في البلاد. هذه الظاهرة المقلقة ليست مجرد انعكاس لحالة العنف الاجتماعي، بل تكشف أيضًا عن إخفاقات متعددة الأبعاد في بناء منظومة معرفية وثقافية قادرة على تحصين الحرم الجامعي من مثل هذه السلوكيات.
الجامعة الأردنية ومنظومة المعرفة: إخفاق أم تحدٍ؟
تتحمل الجامعة الأردنية - كصرح أكاديمي وطني - مسؤولية كبيرة في بناء منظومة معرفية وثقافية متكاملة لطلابها. لكن الواقع يشير إلى غياب واضح لهذه المنظومة، حيث أصبحت الجامعة تركز على التصنيفات العالمية أكثر من تركيزها على بناء الطالب كإنسان واعٍ وقادر على الحوار والتفكير النقدي. المفارقة هنا أن التعليم الذي يفترض أن يكون أداة لتهذيب السلوك وتوسيع المدارك، بات منفصلًا عن واقعه المجتمعي، مما أتاح مجالًا أوسع لانتشار النزاعات والعنف بين الطلبة.
القيادات الجامعية، سواء الإدارية أو الأكاديمية، تبدو بعيدة عن تلمس مشكلات الجسم الطلابي. هناك ضعف في تفعيل القنوات الحقيقية للتواصل بين الإدارة والطلاب، وهو ما ساهم في اتساع الفجوة بينهم. في ظل غياب هذه القيادة الفاعلة، باتت النزاعات تتفاقم، وغياب الحسم الإداري جعل من العنف خيارًا للبعض في مواجهة الأزمات الطلابية.
النخب الجامعية، من أكاديميين ومثقفين، التي كان يُنتظر منها أن تؤدي دورًا أساسيًا في توجيه الطلاب نحو الحوار والتسامح، أصبحت عاجزة عن تقديم الحلول. كثير من هذه النخب منشغلة بالقضايا النظرية والبحثية، بعيدًا عن المساهمة الفاعلة في إصلاح المشهد الجامعي.
رغم وجود لوائح وقوانين رادعة في الجامعة، إلا أن تطبيق العقوبات على الطلاب المتورطين في أعمال العنف يعاني التباطؤ أو غياب الحزم، مما يرسل رسائل ضمنية بأن العنف يمكن أن يمر بلا عواقب جدية. أما عمادة شؤون الطلبة، التي يُفترض أنها الجهة المسؤولة عن رعاية الطلبة وتنظيم الأنشطة التي تساهم في تقليل التوتر بينهم، فهي بدورها تبدو غارقة في الأنشطة الشكلية وغير قادرة على تنفيذ برامج حقيقية تُعزز الوعي الطلابي.
الجامعة الأردنية، شأنها شأن كثير من المؤسسات الأكاديمية، تركّز بشكل كبير على تحسين موقعها في التصنيفات العالمية. ومع أهمية هذا الهدف، إلا أن التركيز المفرط عليه أتى على حساب العناية بالحياة الطلابية الداخلية. لقد أصبحت القضايا المتعلقة بتطوير المناهج، والبحث العلمي، والأنشطة الطلابية ذات أولوية ثانوية مقارنة بمسألة التصنيف.
الإدارة الجامعية تبدو منفصلة تمامًا عن نبض الطلبة ومشاكلهم الحقيقية. غياب الحوار المفتوح، وندرة اللقاءات الفاعلة بين الطلاب والإدارة، ساهم في تعزيز الشعور بالإقصاء لدى الطلبة، مما أوجد بيئة خصبة لنمو العنف كوسيلة للتعبير عن الغضب أو الإحباط.
لعلاج ظاهرة العنف الطلابيّ لا بد من
1. إعادة بناء المنظومة الثقافية: يجب على الجامعة أن تعيد النظر في دورها الثقافي والاجتماعي، من خلال تعزيز قيم الحوار والتسامح في المناهج والأنشطة الطلابية.
2. تفعيل دور القيادات الجامعية: على القيادات الجامعية أن تكون أكثر قربًا من الطلبة عبر مبادرات حقيقية تتلمس احتياجاتهم ومشاكلهم.
3. إصلاح عمادة شؤون الطلبة: ينبغي إعادة هيكلة عمادة شؤون الطلبة بحيث تُركّز على تنظيم أنشطة بناءة تُقلل من حدة التوتر بين الطلبة، كالمسابقات الثقافية والرياضية وحلقات الحوار المفتوح.
4. تطبيق العقوبات بصرامة: على الجامعة أن تطبق القوانين بحزم دون تهاون مع أي شكل من أشكال العنف، مع ضمان أن تكون العقوبات تربوية، وليست عقابية فقط.
5. إشراك النخب في الحلول: يجب أن يُتاح للنخب الأكاديمية دور أكبر في توجيه الطلاب وتنظيم الندوات والمحاضرات التي تسهم في معالجة جذور المشكلة.
6. تقليل الفجوة بين الإدارة والطلبة: عبر إنشاء مجالس طلابية حقيقية، يكون لها دور فعّال في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحياة الجامعية.
7. الاهتمام بالبعد النفسي والاجتماعي: توفير خدمات استشارية ونفسية داخل الجامعة تُعالج الأزمات التي قد يواجهها الطلبة، مثل ضغوط الدراسة أو المشاكل الاجتماعية.
العنف الطلابي في الجامعة الأردنية ليس قضية مستعصية على الحل، لكنه يحتاج إلى إرادة صادقة وإجراءات متكاملة. الجامعة ليست مجرد مكان للتعليم، بل هي مختبر اجتماعي يُفترض أن يُنتج أجيالًا واعية وقادرة على المساهمة في بناء المجتمع. إذا لم تتحرك الجامعة سريعًا لتصحيح مسارها، فإن المشكلة لن تتفاقم فقط، بل قد تُفقد المؤسسة الأكاديمية مكانتها الريادية على المدى البعيد.
د. سلطان إبراهيم العطين
يشهد المجتمع الأردني منذ سنوات تصاعدًا في ظاهرة العنف الطلابي داخل الجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأردنية التي تعدّ منارة للتعليم العالي في البلاد. هذه الظاهرة المقلقة ليست مجرد انعكاس لحالة العنف الاجتماعي، بل تكشف أيضًا عن إخفاقات متعددة الأبعاد في بناء منظومة معرفية وثقافية قادرة على تحصين الحرم الجامعي من مثل هذه السلوكيات.
الجامعة الأردنية ومنظومة المعرفة: إخفاق أم تحدٍ؟
تتحمل الجامعة الأردنية - كصرح أكاديمي وطني - مسؤولية كبيرة في بناء منظومة معرفية وثقافية متكاملة لطلابها. لكن الواقع يشير إلى غياب واضح لهذه المنظومة، حيث أصبحت الجامعة تركز على التصنيفات العالمية أكثر من تركيزها على بناء الطالب كإنسان واعٍ وقادر على الحوار والتفكير النقدي. المفارقة هنا أن التعليم الذي يفترض أن يكون أداة لتهذيب السلوك وتوسيع المدارك، بات منفصلًا عن واقعه المجتمعي، مما أتاح مجالًا أوسع لانتشار النزاعات والعنف بين الطلبة.
القيادات الجامعية، سواء الإدارية أو الأكاديمية، تبدو بعيدة عن تلمس مشكلات الجسم الطلابي. هناك ضعف في تفعيل القنوات الحقيقية للتواصل بين الإدارة والطلاب، وهو ما ساهم في اتساع الفجوة بينهم. في ظل غياب هذه القيادة الفاعلة، باتت النزاعات تتفاقم، وغياب الحسم الإداري جعل من العنف خيارًا للبعض في مواجهة الأزمات الطلابية.
النخب الجامعية، من أكاديميين ومثقفين، التي كان يُنتظر منها أن تؤدي دورًا أساسيًا في توجيه الطلاب نحو الحوار والتسامح، أصبحت عاجزة عن تقديم الحلول. كثير من هذه النخب منشغلة بالقضايا النظرية والبحثية، بعيدًا عن المساهمة الفاعلة في إصلاح المشهد الجامعي.
رغم وجود لوائح وقوانين رادعة في الجامعة، إلا أن تطبيق العقوبات على الطلاب المتورطين في أعمال العنف يعاني التباطؤ أو غياب الحزم، مما يرسل رسائل ضمنية بأن العنف يمكن أن يمر بلا عواقب جدية. أما عمادة شؤون الطلبة، التي يُفترض أنها الجهة المسؤولة عن رعاية الطلبة وتنظيم الأنشطة التي تساهم في تقليل التوتر بينهم، فهي بدورها تبدو غارقة في الأنشطة الشكلية وغير قادرة على تنفيذ برامج حقيقية تُعزز الوعي الطلابي.
الجامعة الأردنية، شأنها شأن كثير من المؤسسات الأكاديمية، تركّز بشكل كبير على تحسين موقعها في التصنيفات العالمية. ومع أهمية هذا الهدف، إلا أن التركيز المفرط عليه أتى على حساب العناية بالحياة الطلابية الداخلية. لقد أصبحت القضايا المتعلقة بتطوير المناهج، والبحث العلمي، والأنشطة الطلابية ذات أولوية ثانوية مقارنة بمسألة التصنيف.
الإدارة الجامعية تبدو منفصلة تمامًا عن نبض الطلبة ومشاكلهم الحقيقية. غياب الحوار المفتوح، وندرة اللقاءات الفاعلة بين الطلاب والإدارة، ساهم في تعزيز الشعور بالإقصاء لدى الطلبة، مما أوجد بيئة خصبة لنمو العنف كوسيلة للتعبير عن الغضب أو الإحباط.
لعلاج ظاهرة العنف الطلابيّ لا بد من
1. إعادة بناء المنظومة الثقافية: يجب على الجامعة أن تعيد النظر في دورها الثقافي والاجتماعي، من خلال تعزيز قيم الحوار والتسامح في المناهج والأنشطة الطلابية.
2. تفعيل دور القيادات الجامعية: على القيادات الجامعية أن تكون أكثر قربًا من الطلبة عبر مبادرات حقيقية تتلمس احتياجاتهم ومشاكلهم.
3. إصلاح عمادة شؤون الطلبة: ينبغي إعادة هيكلة عمادة شؤون الطلبة بحيث تُركّز على تنظيم أنشطة بناءة تُقلل من حدة التوتر بين الطلبة، كالمسابقات الثقافية والرياضية وحلقات الحوار المفتوح.
4. تطبيق العقوبات بصرامة: على الجامعة أن تطبق القوانين بحزم دون تهاون مع أي شكل من أشكال العنف، مع ضمان أن تكون العقوبات تربوية، وليست عقابية فقط.
5. إشراك النخب في الحلول: يجب أن يُتاح للنخب الأكاديمية دور أكبر في توجيه الطلاب وتنظيم الندوات والمحاضرات التي تسهم في معالجة جذور المشكلة.
6. تقليل الفجوة بين الإدارة والطلبة: عبر إنشاء مجالس طلابية حقيقية، يكون لها دور فعّال في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحياة الجامعية.
7. الاهتمام بالبعد النفسي والاجتماعي: توفير خدمات استشارية ونفسية داخل الجامعة تُعالج الأزمات التي قد يواجهها الطلبة، مثل ضغوط الدراسة أو المشاكل الاجتماعية.
العنف الطلابي في الجامعة الأردنية ليس قضية مستعصية على الحل، لكنه يحتاج إلى إرادة صادقة وإجراءات متكاملة. الجامعة ليست مجرد مكان للتعليم، بل هي مختبر اجتماعي يُفترض أن يُنتج أجيالًا واعية وقادرة على المساهمة في بناء المجتمع. إذا لم تتحرك الجامعة سريعًا لتصحيح مسارها، فإن المشكلة لن تتفاقم فقط، بل قد تُفقد المؤسسة الأكاديمية مكانتها الريادية على المدى البعيد.
د. سلطان إبراهيم العطين
يشهد المجتمع الأردني منذ سنوات تصاعدًا في ظاهرة العنف الطلابي داخل الجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأردنية التي تعدّ منارة للتعليم العالي في البلاد. هذه الظاهرة المقلقة ليست مجرد انعكاس لحالة العنف الاجتماعي، بل تكشف أيضًا عن إخفاقات متعددة الأبعاد في بناء منظومة معرفية وثقافية قادرة على تحصين الحرم الجامعي من مثل هذه السلوكيات.
الجامعة الأردنية ومنظومة المعرفة: إخفاق أم تحدٍ؟
تتحمل الجامعة الأردنية - كصرح أكاديمي وطني - مسؤولية كبيرة في بناء منظومة معرفية وثقافية متكاملة لطلابها. لكن الواقع يشير إلى غياب واضح لهذه المنظومة، حيث أصبحت الجامعة تركز على التصنيفات العالمية أكثر من تركيزها على بناء الطالب كإنسان واعٍ وقادر على الحوار والتفكير النقدي. المفارقة هنا أن التعليم الذي يفترض أن يكون أداة لتهذيب السلوك وتوسيع المدارك، بات منفصلًا عن واقعه المجتمعي، مما أتاح مجالًا أوسع لانتشار النزاعات والعنف بين الطلبة.
القيادات الجامعية، سواء الإدارية أو الأكاديمية، تبدو بعيدة عن تلمس مشكلات الجسم الطلابي. هناك ضعف في تفعيل القنوات الحقيقية للتواصل بين الإدارة والطلاب، وهو ما ساهم في اتساع الفجوة بينهم. في ظل غياب هذه القيادة الفاعلة، باتت النزاعات تتفاقم، وغياب الحسم الإداري جعل من العنف خيارًا للبعض في مواجهة الأزمات الطلابية.
النخب الجامعية، من أكاديميين ومثقفين، التي كان يُنتظر منها أن تؤدي دورًا أساسيًا في توجيه الطلاب نحو الحوار والتسامح، أصبحت عاجزة عن تقديم الحلول. كثير من هذه النخب منشغلة بالقضايا النظرية والبحثية، بعيدًا عن المساهمة الفاعلة في إصلاح المشهد الجامعي.
رغم وجود لوائح وقوانين رادعة في الجامعة، إلا أن تطبيق العقوبات على الطلاب المتورطين في أعمال العنف يعاني التباطؤ أو غياب الحزم، مما يرسل رسائل ضمنية بأن العنف يمكن أن يمر بلا عواقب جدية. أما عمادة شؤون الطلبة، التي يُفترض أنها الجهة المسؤولة عن رعاية الطلبة وتنظيم الأنشطة التي تساهم في تقليل التوتر بينهم، فهي بدورها تبدو غارقة في الأنشطة الشكلية وغير قادرة على تنفيذ برامج حقيقية تُعزز الوعي الطلابي.
الجامعة الأردنية، شأنها شأن كثير من المؤسسات الأكاديمية، تركّز بشكل كبير على تحسين موقعها في التصنيفات العالمية. ومع أهمية هذا الهدف، إلا أن التركيز المفرط عليه أتى على حساب العناية بالحياة الطلابية الداخلية. لقد أصبحت القضايا المتعلقة بتطوير المناهج، والبحث العلمي، والأنشطة الطلابية ذات أولوية ثانوية مقارنة بمسألة التصنيف.
الإدارة الجامعية تبدو منفصلة تمامًا عن نبض الطلبة ومشاكلهم الحقيقية. غياب الحوار المفتوح، وندرة اللقاءات الفاعلة بين الطلاب والإدارة، ساهم في تعزيز الشعور بالإقصاء لدى الطلبة، مما أوجد بيئة خصبة لنمو العنف كوسيلة للتعبير عن الغضب أو الإحباط.
لعلاج ظاهرة العنف الطلابيّ لا بد من
1. إعادة بناء المنظومة الثقافية: يجب على الجامعة أن تعيد النظر في دورها الثقافي والاجتماعي، من خلال تعزيز قيم الحوار والتسامح في المناهج والأنشطة الطلابية.
2. تفعيل دور القيادات الجامعية: على القيادات الجامعية أن تكون أكثر قربًا من الطلبة عبر مبادرات حقيقية تتلمس احتياجاتهم ومشاكلهم.
3. إصلاح عمادة شؤون الطلبة: ينبغي إعادة هيكلة عمادة شؤون الطلبة بحيث تُركّز على تنظيم أنشطة بناءة تُقلل من حدة التوتر بين الطلبة، كالمسابقات الثقافية والرياضية وحلقات الحوار المفتوح.
4. تطبيق العقوبات بصرامة: على الجامعة أن تطبق القوانين بحزم دون تهاون مع أي شكل من أشكال العنف، مع ضمان أن تكون العقوبات تربوية، وليست عقابية فقط.
5. إشراك النخب في الحلول: يجب أن يُتاح للنخب الأكاديمية دور أكبر في توجيه الطلاب وتنظيم الندوات والمحاضرات التي تسهم في معالجة جذور المشكلة.
6. تقليل الفجوة بين الإدارة والطلبة: عبر إنشاء مجالس طلابية حقيقية، يكون لها دور فعّال في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحياة الجامعية.
7. الاهتمام بالبعد النفسي والاجتماعي: توفير خدمات استشارية ونفسية داخل الجامعة تُعالج الأزمات التي قد يواجهها الطلبة، مثل ضغوط الدراسة أو المشاكل الاجتماعية.
العنف الطلابي في الجامعة الأردنية ليس قضية مستعصية على الحل، لكنه يحتاج إلى إرادة صادقة وإجراءات متكاملة. الجامعة ليست مجرد مكان للتعليم، بل هي مختبر اجتماعي يُفترض أن يُنتج أجيالًا واعية وقادرة على المساهمة في بناء المجتمع. إذا لم تتحرك الجامعة سريعًا لتصحيح مسارها، فإن المشكلة لن تتفاقم فقط، بل قد تُفقد المؤسسة الأكاديمية مكانتها الريادية على المدى البعيد.
التعليقات