الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
من أهم المقاصد العامة لبعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مكافحة الفساد وإزالته، وحفظ البلاد والعباد من شرور المفسدين، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقد خاطب الأنبياء عليهم السلام أقوامهم بكافة أشكال النصح والنهي عن الكذب والغش والفساد، ومن ذلك ما جاء على لسان سيدنا شعيب عليه السلام مخاطباً قومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]، وكذلك قوله ناصحاً لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
ومن المعلوم أن الفساد بجميع أنواعه وصوره وجوانبه من أعظم المحرمات وأبشع المنكرات التي نهى الإسلام عنها ودعا إلى إزالتها، بل هو جريمة من الجرائم التي توجب العقوبة الدنيوية والأخروية، سواء كان هذا الفساد مالياً أو إدارياً، وسواء كان في القطاع العام أو الخاص، بل يشتد خطورة وإثماً إذا كان الفساد في الأمور العامة والمال العام؛ لأنّ ذلك ملك لجميع الناس، ولذلك فإنه يجب شرعاً مقاومة الفساد في كافة الميادين والمجالات وبكل السبل المتاحة والطاقات الممكنة.
ولأجل تحقيق هذه الغاية العظيمة واستقرار العدل والحفاظ على الأموال والممتلكات واستمرار الأمن والسلم؛ وجهت النصوص الشريفة من القرآن الكريم والسنة النبوية إلى قول الحقّ والتصريح به، ولو كان ذلك مضاداً لهوى الإنسان، لأنّ الحقّ ينبغي أن يكون أحبّ إلى الإنسان من كلّ شيء، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.
ويجب شرعاً التقدم بالبلاغ عن أيّ حالة فساد مالي أو إداري في الأموال العامة، وهو ما يشمل النقود والعروض والأراضي والآليات والمصانع وغيرها مما تملكه خزينة الدولة؛ وذلك لضرورة الحفاظ على المال العام من الأيدي العابثة بأمن الوطن والمواطن، وهذا من باب التعاون على الخير؛ امتثالاً لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وقد وجه الله تعالى المسلمين إلى إبلاغ أهل الاختصاص وأولي الأمر بالأمور المخالفة؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء /83. وقد جاء في الحديث الشريف عن خولة بنت عامر الأنصارية -وهي امرأة حمزة رضي الله عنهما- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري، وورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هُوَ فِي النَّارِ)، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَ. رواه البخاري.
ومن أشكال الفساد المحرّم المحسوبية والواسطة السيئة التي تؤكل بها حقوق الآخرين، وتعتدي على مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، وهي فوق كونها فساداً تعدّ من الظلم الاجتماعي الذي حرمه الله عز وجل، حيث قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا...) رواه مسلم، ويتجلى هذا الظلم والفساد عندما تؤخذ حقوق الآخرين، أو يوضع شخص في مكان لا يستحقه، أو يعتدى على حقوق الآخرين، ومن كان سبباً في الواسطة فعليه وزر كذلك، يقول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85].
وعليه؛ فإن الواجب على الإنسان في خاصة نفسه أن يكون أميناً وناصحاً للأمة؛ يحفظ أموال الدولة وأوقاتها بصدق وإخلاص وعناية؛ حتى تبرأ ذمته، ويطيب كسبه، ويُرضي ربه، وينصح لوطنه ولأمته، فإذا أخطأ بأخذ شيء فيجب عليه رده والتوبة من ذلك، ومن وجد شيئاً من الفساد فيجب عليه أن ينهى عنه بقدر طاقته، ومن ذلك تبليغ الجهات المختصة بذلك، كهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ليقوموا بدورهم الوطني وواجبهم الديني في هذا المجال.
وأمّا صاحب المسؤولية التي أنيطت به هذه المهمّة فيجب عليه أن يكافح الفساد، وأن يحرص على عدم وقوع هذه الممارسات مطلقاً، بأن يسعى في تنفيذ القوانين المتعلقة بهذا الشأن، والمحافظة على سرية المعلومات وحقوق من يبلغ عن أيّ حالة فساد، ليكون قائماً بمسؤوليته على أتمّ وجه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري. والله تعالى أعلم.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
من أهم المقاصد العامة لبعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مكافحة الفساد وإزالته، وحفظ البلاد والعباد من شرور المفسدين، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقد خاطب الأنبياء عليهم السلام أقوامهم بكافة أشكال النصح والنهي عن الكذب والغش والفساد، ومن ذلك ما جاء على لسان سيدنا شعيب عليه السلام مخاطباً قومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]، وكذلك قوله ناصحاً لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
ومن المعلوم أن الفساد بجميع أنواعه وصوره وجوانبه من أعظم المحرمات وأبشع المنكرات التي نهى الإسلام عنها ودعا إلى إزالتها، بل هو جريمة من الجرائم التي توجب العقوبة الدنيوية والأخروية، سواء كان هذا الفساد مالياً أو إدارياً، وسواء كان في القطاع العام أو الخاص، بل يشتد خطورة وإثماً إذا كان الفساد في الأمور العامة والمال العام؛ لأنّ ذلك ملك لجميع الناس، ولذلك فإنه يجب شرعاً مقاومة الفساد في كافة الميادين والمجالات وبكل السبل المتاحة والطاقات الممكنة.
ولأجل تحقيق هذه الغاية العظيمة واستقرار العدل والحفاظ على الأموال والممتلكات واستمرار الأمن والسلم؛ وجهت النصوص الشريفة من القرآن الكريم والسنة النبوية إلى قول الحقّ والتصريح به، ولو كان ذلك مضاداً لهوى الإنسان، لأنّ الحقّ ينبغي أن يكون أحبّ إلى الإنسان من كلّ شيء، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.
ويجب شرعاً التقدم بالبلاغ عن أيّ حالة فساد مالي أو إداري في الأموال العامة، وهو ما يشمل النقود والعروض والأراضي والآليات والمصانع وغيرها مما تملكه خزينة الدولة؛ وذلك لضرورة الحفاظ على المال العام من الأيدي العابثة بأمن الوطن والمواطن، وهذا من باب التعاون على الخير؛ امتثالاً لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وقد وجه الله تعالى المسلمين إلى إبلاغ أهل الاختصاص وأولي الأمر بالأمور المخالفة؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء /83. وقد جاء في الحديث الشريف عن خولة بنت عامر الأنصارية -وهي امرأة حمزة رضي الله عنهما- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري، وورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هُوَ فِي النَّارِ)، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَ. رواه البخاري.
ومن أشكال الفساد المحرّم المحسوبية والواسطة السيئة التي تؤكل بها حقوق الآخرين، وتعتدي على مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، وهي فوق كونها فساداً تعدّ من الظلم الاجتماعي الذي حرمه الله عز وجل، حيث قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا...) رواه مسلم، ويتجلى هذا الظلم والفساد عندما تؤخذ حقوق الآخرين، أو يوضع شخص في مكان لا يستحقه، أو يعتدى على حقوق الآخرين، ومن كان سبباً في الواسطة فعليه وزر كذلك، يقول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85].
وعليه؛ فإن الواجب على الإنسان في خاصة نفسه أن يكون أميناً وناصحاً للأمة؛ يحفظ أموال الدولة وأوقاتها بصدق وإخلاص وعناية؛ حتى تبرأ ذمته، ويطيب كسبه، ويُرضي ربه، وينصح لوطنه ولأمته، فإذا أخطأ بأخذ شيء فيجب عليه رده والتوبة من ذلك، ومن وجد شيئاً من الفساد فيجب عليه أن ينهى عنه بقدر طاقته، ومن ذلك تبليغ الجهات المختصة بذلك، كهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ليقوموا بدورهم الوطني وواجبهم الديني في هذا المجال.
وأمّا صاحب المسؤولية التي أنيطت به هذه المهمّة فيجب عليه أن يكافح الفساد، وأن يحرص على عدم وقوع هذه الممارسات مطلقاً، بأن يسعى في تنفيذ القوانين المتعلقة بهذا الشأن، والمحافظة على سرية المعلومات وحقوق من يبلغ عن أيّ حالة فساد، ليكون قائماً بمسؤوليته على أتمّ وجه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري. والله تعالى أعلم.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
من أهم المقاصد العامة لبعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مكافحة الفساد وإزالته، وحفظ البلاد والعباد من شرور المفسدين، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقد خاطب الأنبياء عليهم السلام أقوامهم بكافة أشكال النصح والنهي عن الكذب والغش والفساد، ومن ذلك ما جاء على لسان سيدنا شعيب عليه السلام مخاطباً قومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]، وكذلك قوله ناصحاً لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
ومن المعلوم أن الفساد بجميع أنواعه وصوره وجوانبه من أعظم المحرمات وأبشع المنكرات التي نهى الإسلام عنها ودعا إلى إزالتها، بل هو جريمة من الجرائم التي توجب العقوبة الدنيوية والأخروية، سواء كان هذا الفساد مالياً أو إدارياً، وسواء كان في القطاع العام أو الخاص، بل يشتد خطورة وإثماً إذا كان الفساد في الأمور العامة والمال العام؛ لأنّ ذلك ملك لجميع الناس، ولذلك فإنه يجب شرعاً مقاومة الفساد في كافة الميادين والمجالات وبكل السبل المتاحة والطاقات الممكنة.
ولأجل تحقيق هذه الغاية العظيمة واستقرار العدل والحفاظ على الأموال والممتلكات واستمرار الأمن والسلم؛ وجهت النصوص الشريفة من القرآن الكريم والسنة النبوية إلى قول الحقّ والتصريح به، ولو كان ذلك مضاداً لهوى الإنسان، لأنّ الحقّ ينبغي أن يكون أحبّ إلى الإنسان من كلّ شيء، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.
ويجب شرعاً التقدم بالبلاغ عن أيّ حالة فساد مالي أو إداري في الأموال العامة، وهو ما يشمل النقود والعروض والأراضي والآليات والمصانع وغيرها مما تملكه خزينة الدولة؛ وذلك لضرورة الحفاظ على المال العام من الأيدي العابثة بأمن الوطن والمواطن، وهذا من باب التعاون على الخير؛ امتثالاً لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وقد وجه الله تعالى المسلمين إلى إبلاغ أهل الاختصاص وأولي الأمر بالأمور المخالفة؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء /83. وقد جاء في الحديث الشريف عن خولة بنت عامر الأنصارية -وهي امرأة حمزة رضي الله عنهما- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري، وورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هُوَ فِي النَّارِ)، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَ. رواه البخاري.
ومن أشكال الفساد المحرّم المحسوبية والواسطة السيئة التي تؤكل بها حقوق الآخرين، وتعتدي على مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، وهي فوق كونها فساداً تعدّ من الظلم الاجتماعي الذي حرمه الله عز وجل، حيث قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا...) رواه مسلم، ويتجلى هذا الظلم والفساد عندما تؤخذ حقوق الآخرين، أو يوضع شخص في مكان لا يستحقه، أو يعتدى على حقوق الآخرين، ومن كان سبباً في الواسطة فعليه وزر كذلك، يقول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85].
وعليه؛ فإن الواجب على الإنسان في خاصة نفسه أن يكون أميناً وناصحاً للأمة؛ يحفظ أموال الدولة وأوقاتها بصدق وإخلاص وعناية؛ حتى تبرأ ذمته، ويطيب كسبه، ويُرضي ربه، وينصح لوطنه ولأمته، فإذا أخطأ بأخذ شيء فيجب عليه رده والتوبة من ذلك، ومن وجد شيئاً من الفساد فيجب عليه أن ينهى عنه بقدر طاقته، ومن ذلك تبليغ الجهات المختصة بذلك، كهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ليقوموا بدورهم الوطني وواجبهم الديني في هذا المجال.
وأمّا صاحب المسؤولية التي أنيطت به هذه المهمّة فيجب عليه أن يكافح الفساد، وأن يحرص على عدم وقوع هذه الممارسات مطلقاً، بأن يسعى في تنفيذ القوانين المتعلقة بهذا الشأن، والمحافظة على سرية المعلومات وحقوق من يبلغ عن أيّ حالة فساد، ليكون قائماً بمسؤوليته على أتمّ وجه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري. والله تعالى أعلم.
التعليقات