يوافق اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية الـ19 لاستشهاد مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ أحمد ياسين، إثر اغتياله من طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعد خروجه من صلاة الفجر.
وشكلت جريمة اغتياله محطة استوقفت كل أحرار العالم، ونبَّهت الأمتين العربية والإسلامية للخطر الحقيقي الذي يمثِّله الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة.
وارتبط اسم الشيخ أحمد ياسين، منذ ستينيات القرن الماضي، بالمقاومة والحث عليها، في كل مواقفه وأفكاره، ليصبح “الأب الروحي” لفكرة مقاومة الاحتلال، حتى قبل أن يُمارسها تنظيمه واقعًا على الأرض.
وكان الشيخ ياسين يتمتع بمنزلة روحية وسياسية متميزة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته، حتى ترسخت صورته في الأذهان كواحدٍ من أبرز رموز التاريخ والعمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي.
ويعد مصدر إلهام كبير للأجيال الفلسطينية الصاعدة التواقة للحرية والانعتاق من الاحتلال، لتواصل من بعده طريق الجهاد والمقاومة والتحرير الذي خطه بدمائه.
ففي فجر 22 آذار/ مارس عام 2004م، كان الشيخ ياسين على موعد مع الشهادة، حينما استهدفته طائرات الاحتلال الحربية أثناء عودته من صلاة الفجر، ما أدى لاستشهاده وسبعة آخرين.
ذلك الفجر الحزين الذي كان خاتمة رحلة الرجل الذي يعد أحد الشخصيات التي أطلقت العمل المقاوم ضد الاحتلال، وتركت إرثًا مقاومًا وروحًا جهادية لا تزال تسري في أبناء الشعب الفلسطيني، وحاضرة في مواجهة الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية.
النشأة والتأسيس
ولد الشيخ ياسين في قرية الجورة قضاء مدينة عسقلان عام 1936، قبل أن تجبر “العصابات الصهيونية” عائلته على الهجرة منها عام 1948، إلى قطاع غزة برفقة مئات آلاف الفلسطينيين الذي هجروا من منازلهم وقراهم ومدنهم بفعل النكبة الفلسطينية.
وتعرض لحادثة أليمة وهو في السادسة عشر من عمره، أثناء ممارسته رياضة الجمباز على شاطئ بحر غزة مع أقرانه منتصف تموز/يوليو عام 1952، مما نتج عنه شللًا تامًا في جميع أطرافه.
وعمل الشهيد ياسين مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة، وأصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيبٍ عرفه القطاع، لقوة حجته وجسارته في الحق، كما اختير رئيسًا لـ”المجمع الإسلامي” في غزة، وكان له نشاط متميز في الدعوة إلى الله.
وبعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، كان للشيخ نشاطات اجتماعية ودعوية، ثم تأسيس المجمع الإسلامي الذي أصبح مركزًا هامًا للنشطاء الإسلاميين في القطاع.
واعتقل عام 1983، بتهمة “حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكريٍّ، والتحريض على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود”، وعرض أمام محكمةٍ عسكريةٍ إسرائيلية أصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا.
إلا أنه أُفرج عنه عام 1985، في إطار عملية تبادلٍ للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.
وفي كانون أول/ ديسمبر عام 1987، أسس الشيخ ياسين مع مجموعةٍ من الناشطين الإسلاميين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وتعرَّض للتهديد بالإبعاد، وداهمت قوات الاحتلال منزله أواخر أغسطس/ آب 1988م، وفتشته وهدَّدته بنفيه إلى لبنان.
ملاحقة واعتقال
وبتاريخ 18/5/1989، اعتقلته سلطات الاحتلال مع المئات من أبناء حماس، في محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء.
وفي 16/10/1991، حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن مدى الحياة و15 عامًا، بتهمة تأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام والأمني “مجد”، والتحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين.
لكن في الأول من أكتوبر عام 1997م، أفرج عن الشيخ ياسين بموجب اتفاق جرى التواصل إليه بين الأردن والكيان الإسرائيلي، مقابل تسليم عميلين من الموساد الإسرائيلي فشلا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل.
وفور الإفراج عنه، عمل الشهيد ياسين على إعادة تنظيم صفوف حماس من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من أجهزة الأمن الفلسطينية آنذاك، وشهدت علاقته بها فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحيانًا إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.
وفرضت السلطة الفلسطينية عليه إقامتين جبريتين بتحريض من الاحتلال بسبب مسؤوليته عن العمليات المقاومة ضد “إسرائيل”، فكانت الأولى في ديسمبر عام 2001، والثانية في يونيو عام 2002.
ومع إصراره على مواصلة طريق المقاومة ومعارضته لاتفاق أوسلو، ورغم فرض الإقامة الجبرية عليه، إلا أنه ظل محافظًا على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.
وفي مايو/ أيار عام 1998، نفذ الشيخ ياسين حملة علاقات عامة واسعة لحماس في الخارج، نجح خلالها بجمع مساعدات معنوية ومادية كبيرة للحركة، فأثار “إسرائيل” آنذاك، واتخذت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سلسلة قرارات تجاه ما وصفته “بحملة التحريض ضد إسرائيل في الخارج”.
وسارعت “إسرائيل” إلى رفع شكوى إلى الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية بالامتناع عن تقديم المساعدة للحركة، وطالبت بمنع الشيخ ياسين من العودة إلى قطاع غزة، لكنه عاد بعد ذلك بترتيب مع السلطة الفلسطينية.
ونجا الشيخ ياسين من محاولتي اغتيال إسرائيلية، الأولى كانت في شهر رمضان عام 2002 بمسجد الرحمة في منطقة الصبرة، والثانية في 6/9/2003م عندما كان بشقة سكنية وسط مدينة غزة، برفقة مجموعة من قيادات حماس.
جهاد ومقاومة
وفى إطار العمل الوطني، حرص الشيخ على الوحدة الوطنية واتسمت مواقفه بالتركيز عليها وأولاها أهمية كبيرة، وظلت الوحدة الوطنية إحدى القضايا الأساسية التي آمن بها الشيخ وسعى لترسيخها.
وأولى الشيخ ياسين أهمية كبيرة لقضية الأسرى الفلسطينيين وحريتهم والعمل على إطلاق سراحهم بكل الوسائل الممكنة، حتى باتت كلماته ومواقفه ترددها الأجيال من بعده، وليس أدل على ذلك من مقولته المشهورة “بدنا أولادنا يروحوا غصبًا عنهم”.
وساهم في دعم توجه حركة حماس وذراعها المسلح كتائب القسام للقيام بعمليات عسكرية مشتركة مع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الأخرى.
وختم الشيخ سجل حياته المكللة بالجهاد والمقاومة شهيدًا بعد أدائه صلاة الفجر في 22 مارس 2004م، ليرسم نهجًا أحيا به نضالات الشعب الفلسطيني، ويرسخ مبدأ “الحياة مقاومة”.
وأشغل استشهاده غضبًا عارمًا واستنكارًا رسميًا وشعبيًا واسع حول العالم، وخرجت تظاهرات عديدة في مدن عربية وعالمية، تنديدًا بالجريمة الإسرائيلية.
وشارك عشرات آلاف المواطنين الغاضبين في تشييع جثمانه، وطالبوا برد قاسٍ عليها.
وعقب اغتيال الشيخ ياسين، خاضت حركة حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في سبتمبر 2005، وفازت فيها بالأغلبية الساحقة، وشكلت معها الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.
وتلا ذلك صد أربعة حروب إسرائيلية على قطاع غزة بين عام 2009-2021، استشهد فيها خيرة أبنائها وقدمت تضحيات كبيرة، ونفذ جناحها العسكري عمليات نوعية أبهرت العالم رغم قلة الإمكانيات وما تواجهه من حصار داخلي وخارجي.-(صفا)
يوافق اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية الـ19 لاستشهاد مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ أحمد ياسين، إثر اغتياله من طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعد خروجه من صلاة الفجر.
وشكلت جريمة اغتياله محطة استوقفت كل أحرار العالم، ونبَّهت الأمتين العربية والإسلامية للخطر الحقيقي الذي يمثِّله الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة.
وارتبط اسم الشيخ أحمد ياسين، منذ ستينيات القرن الماضي، بالمقاومة والحث عليها، في كل مواقفه وأفكاره، ليصبح “الأب الروحي” لفكرة مقاومة الاحتلال، حتى قبل أن يُمارسها تنظيمه واقعًا على الأرض.
وكان الشيخ ياسين يتمتع بمنزلة روحية وسياسية متميزة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته، حتى ترسخت صورته في الأذهان كواحدٍ من أبرز رموز التاريخ والعمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي.
ويعد مصدر إلهام كبير للأجيال الفلسطينية الصاعدة التواقة للحرية والانعتاق من الاحتلال، لتواصل من بعده طريق الجهاد والمقاومة والتحرير الذي خطه بدمائه.
ففي فجر 22 آذار/ مارس عام 2004م، كان الشيخ ياسين على موعد مع الشهادة، حينما استهدفته طائرات الاحتلال الحربية أثناء عودته من صلاة الفجر، ما أدى لاستشهاده وسبعة آخرين.
ذلك الفجر الحزين الذي كان خاتمة رحلة الرجل الذي يعد أحد الشخصيات التي أطلقت العمل المقاوم ضد الاحتلال، وتركت إرثًا مقاومًا وروحًا جهادية لا تزال تسري في أبناء الشعب الفلسطيني، وحاضرة في مواجهة الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية.
النشأة والتأسيس
ولد الشيخ ياسين في قرية الجورة قضاء مدينة عسقلان عام 1936، قبل أن تجبر “العصابات الصهيونية” عائلته على الهجرة منها عام 1948، إلى قطاع غزة برفقة مئات آلاف الفلسطينيين الذي هجروا من منازلهم وقراهم ومدنهم بفعل النكبة الفلسطينية.
وتعرض لحادثة أليمة وهو في السادسة عشر من عمره، أثناء ممارسته رياضة الجمباز على شاطئ بحر غزة مع أقرانه منتصف تموز/يوليو عام 1952، مما نتج عنه شللًا تامًا في جميع أطرافه.
وعمل الشهيد ياسين مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة، وأصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيبٍ عرفه القطاع، لقوة حجته وجسارته في الحق، كما اختير رئيسًا لـ”المجمع الإسلامي” في غزة، وكان له نشاط متميز في الدعوة إلى الله.
وبعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، كان للشيخ نشاطات اجتماعية ودعوية، ثم تأسيس المجمع الإسلامي الذي أصبح مركزًا هامًا للنشطاء الإسلاميين في القطاع.
واعتقل عام 1983، بتهمة “حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكريٍّ، والتحريض على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود”، وعرض أمام محكمةٍ عسكريةٍ إسرائيلية أصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا.
إلا أنه أُفرج عنه عام 1985، في إطار عملية تبادلٍ للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.
وفي كانون أول/ ديسمبر عام 1987، أسس الشيخ ياسين مع مجموعةٍ من الناشطين الإسلاميين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وتعرَّض للتهديد بالإبعاد، وداهمت قوات الاحتلال منزله أواخر أغسطس/ آب 1988م، وفتشته وهدَّدته بنفيه إلى لبنان.
ملاحقة واعتقال
وبتاريخ 18/5/1989، اعتقلته سلطات الاحتلال مع المئات من أبناء حماس، في محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء.
وفي 16/10/1991، حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن مدى الحياة و15 عامًا، بتهمة تأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام والأمني “مجد”، والتحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين.
لكن في الأول من أكتوبر عام 1997م، أفرج عن الشيخ ياسين بموجب اتفاق جرى التواصل إليه بين الأردن والكيان الإسرائيلي، مقابل تسليم عميلين من الموساد الإسرائيلي فشلا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل.
وفور الإفراج عنه، عمل الشهيد ياسين على إعادة تنظيم صفوف حماس من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من أجهزة الأمن الفلسطينية آنذاك، وشهدت علاقته بها فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحيانًا إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.
وفرضت السلطة الفلسطينية عليه إقامتين جبريتين بتحريض من الاحتلال بسبب مسؤوليته عن العمليات المقاومة ضد “إسرائيل”، فكانت الأولى في ديسمبر عام 2001، والثانية في يونيو عام 2002.
ومع إصراره على مواصلة طريق المقاومة ومعارضته لاتفاق أوسلو، ورغم فرض الإقامة الجبرية عليه، إلا أنه ظل محافظًا على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.
وفي مايو/ أيار عام 1998، نفذ الشيخ ياسين حملة علاقات عامة واسعة لحماس في الخارج، نجح خلالها بجمع مساعدات معنوية ومادية كبيرة للحركة، فأثار “إسرائيل” آنذاك، واتخذت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سلسلة قرارات تجاه ما وصفته “بحملة التحريض ضد إسرائيل في الخارج”.
وسارعت “إسرائيل” إلى رفع شكوى إلى الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية بالامتناع عن تقديم المساعدة للحركة، وطالبت بمنع الشيخ ياسين من العودة إلى قطاع غزة، لكنه عاد بعد ذلك بترتيب مع السلطة الفلسطينية.
ونجا الشيخ ياسين من محاولتي اغتيال إسرائيلية، الأولى كانت في شهر رمضان عام 2002 بمسجد الرحمة في منطقة الصبرة، والثانية في 6/9/2003م عندما كان بشقة سكنية وسط مدينة غزة، برفقة مجموعة من قيادات حماس.
جهاد ومقاومة
وفى إطار العمل الوطني، حرص الشيخ على الوحدة الوطنية واتسمت مواقفه بالتركيز عليها وأولاها أهمية كبيرة، وظلت الوحدة الوطنية إحدى القضايا الأساسية التي آمن بها الشيخ وسعى لترسيخها.
وأولى الشيخ ياسين أهمية كبيرة لقضية الأسرى الفلسطينيين وحريتهم والعمل على إطلاق سراحهم بكل الوسائل الممكنة، حتى باتت كلماته ومواقفه ترددها الأجيال من بعده، وليس أدل على ذلك من مقولته المشهورة “بدنا أولادنا يروحوا غصبًا عنهم”.
وساهم في دعم توجه حركة حماس وذراعها المسلح كتائب القسام للقيام بعمليات عسكرية مشتركة مع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الأخرى.
وختم الشيخ سجل حياته المكللة بالجهاد والمقاومة شهيدًا بعد أدائه صلاة الفجر في 22 مارس 2004م، ليرسم نهجًا أحيا به نضالات الشعب الفلسطيني، ويرسخ مبدأ “الحياة مقاومة”.
وأشغل استشهاده غضبًا عارمًا واستنكارًا رسميًا وشعبيًا واسع حول العالم، وخرجت تظاهرات عديدة في مدن عربية وعالمية، تنديدًا بالجريمة الإسرائيلية.
وشارك عشرات آلاف المواطنين الغاضبين في تشييع جثمانه، وطالبوا برد قاسٍ عليها.
وعقب اغتيال الشيخ ياسين، خاضت حركة حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في سبتمبر 2005، وفازت فيها بالأغلبية الساحقة، وشكلت معها الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.
وتلا ذلك صد أربعة حروب إسرائيلية على قطاع غزة بين عام 2009-2021، استشهد فيها خيرة أبنائها وقدمت تضحيات كبيرة، ونفذ جناحها العسكري عمليات نوعية أبهرت العالم رغم قلة الإمكانيات وما تواجهه من حصار داخلي وخارجي.-(صفا)
يوافق اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية الـ19 لاستشهاد مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ أحمد ياسين، إثر اغتياله من طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعد خروجه من صلاة الفجر.
وشكلت جريمة اغتياله محطة استوقفت كل أحرار العالم، ونبَّهت الأمتين العربية والإسلامية للخطر الحقيقي الذي يمثِّله الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة.
وارتبط اسم الشيخ أحمد ياسين، منذ ستينيات القرن الماضي، بالمقاومة والحث عليها، في كل مواقفه وأفكاره، ليصبح “الأب الروحي” لفكرة مقاومة الاحتلال، حتى قبل أن يُمارسها تنظيمه واقعًا على الأرض.
وكان الشيخ ياسين يتمتع بمنزلة روحية وسياسية متميزة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته، حتى ترسخت صورته في الأذهان كواحدٍ من أبرز رموز التاريخ والعمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي.
ويعد مصدر إلهام كبير للأجيال الفلسطينية الصاعدة التواقة للحرية والانعتاق من الاحتلال، لتواصل من بعده طريق الجهاد والمقاومة والتحرير الذي خطه بدمائه.
ففي فجر 22 آذار/ مارس عام 2004م، كان الشيخ ياسين على موعد مع الشهادة، حينما استهدفته طائرات الاحتلال الحربية أثناء عودته من صلاة الفجر، ما أدى لاستشهاده وسبعة آخرين.
ذلك الفجر الحزين الذي كان خاتمة رحلة الرجل الذي يعد أحد الشخصيات التي أطلقت العمل المقاوم ضد الاحتلال، وتركت إرثًا مقاومًا وروحًا جهادية لا تزال تسري في أبناء الشعب الفلسطيني، وحاضرة في مواجهة الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية.
النشأة والتأسيس
ولد الشيخ ياسين في قرية الجورة قضاء مدينة عسقلان عام 1936، قبل أن تجبر “العصابات الصهيونية” عائلته على الهجرة منها عام 1948، إلى قطاع غزة برفقة مئات آلاف الفلسطينيين الذي هجروا من منازلهم وقراهم ومدنهم بفعل النكبة الفلسطينية.
وتعرض لحادثة أليمة وهو في السادسة عشر من عمره، أثناء ممارسته رياضة الجمباز على شاطئ بحر غزة مع أقرانه منتصف تموز/يوليو عام 1952، مما نتج عنه شللًا تامًا في جميع أطرافه.
وعمل الشهيد ياسين مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة، وأصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيبٍ عرفه القطاع، لقوة حجته وجسارته في الحق، كما اختير رئيسًا لـ”المجمع الإسلامي” في غزة، وكان له نشاط متميز في الدعوة إلى الله.
وبعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، كان للشيخ نشاطات اجتماعية ودعوية، ثم تأسيس المجمع الإسلامي الذي أصبح مركزًا هامًا للنشطاء الإسلاميين في القطاع.
واعتقل عام 1983، بتهمة “حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكريٍّ، والتحريض على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود”، وعرض أمام محكمةٍ عسكريةٍ إسرائيلية أصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا.
إلا أنه أُفرج عنه عام 1985، في إطار عملية تبادلٍ للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.
وفي كانون أول/ ديسمبر عام 1987، أسس الشيخ ياسين مع مجموعةٍ من الناشطين الإسلاميين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وتعرَّض للتهديد بالإبعاد، وداهمت قوات الاحتلال منزله أواخر أغسطس/ آب 1988م، وفتشته وهدَّدته بنفيه إلى لبنان.
ملاحقة واعتقال
وبتاريخ 18/5/1989، اعتقلته سلطات الاحتلال مع المئات من أبناء حماس، في محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء.
وفي 16/10/1991، حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن مدى الحياة و15 عامًا، بتهمة تأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام والأمني “مجد”، والتحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين.
لكن في الأول من أكتوبر عام 1997م، أفرج عن الشيخ ياسين بموجب اتفاق جرى التواصل إليه بين الأردن والكيان الإسرائيلي، مقابل تسليم عميلين من الموساد الإسرائيلي فشلا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل.
وفور الإفراج عنه، عمل الشهيد ياسين على إعادة تنظيم صفوف حماس من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من أجهزة الأمن الفلسطينية آنذاك، وشهدت علاقته بها فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحيانًا إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.
وفرضت السلطة الفلسطينية عليه إقامتين جبريتين بتحريض من الاحتلال بسبب مسؤوليته عن العمليات المقاومة ضد “إسرائيل”، فكانت الأولى في ديسمبر عام 2001، والثانية في يونيو عام 2002.
ومع إصراره على مواصلة طريق المقاومة ومعارضته لاتفاق أوسلو، ورغم فرض الإقامة الجبرية عليه، إلا أنه ظل محافظًا على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.
وفي مايو/ أيار عام 1998، نفذ الشيخ ياسين حملة علاقات عامة واسعة لحماس في الخارج، نجح خلالها بجمع مساعدات معنوية ومادية كبيرة للحركة، فأثار “إسرائيل” آنذاك، واتخذت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سلسلة قرارات تجاه ما وصفته “بحملة التحريض ضد إسرائيل في الخارج”.
وسارعت “إسرائيل” إلى رفع شكوى إلى الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية بالامتناع عن تقديم المساعدة للحركة، وطالبت بمنع الشيخ ياسين من العودة إلى قطاع غزة، لكنه عاد بعد ذلك بترتيب مع السلطة الفلسطينية.
ونجا الشيخ ياسين من محاولتي اغتيال إسرائيلية، الأولى كانت في شهر رمضان عام 2002 بمسجد الرحمة في منطقة الصبرة، والثانية في 6/9/2003م عندما كان بشقة سكنية وسط مدينة غزة، برفقة مجموعة من قيادات حماس.
جهاد ومقاومة
وفى إطار العمل الوطني، حرص الشيخ على الوحدة الوطنية واتسمت مواقفه بالتركيز عليها وأولاها أهمية كبيرة، وظلت الوحدة الوطنية إحدى القضايا الأساسية التي آمن بها الشيخ وسعى لترسيخها.
وأولى الشيخ ياسين أهمية كبيرة لقضية الأسرى الفلسطينيين وحريتهم والعمل على إطلاق سراحهم بكل الوسائل الممكنة، حتى باتت كلماته ومواقفه ترددها الأجيال من بعده، وليس أدل على ذلك من مقولته المشهورة “بدنا أولادنا يروحوا غصبًا عنهم”.
وساهم في دعم توجه حركة حماس وذراعها المسلح كتائب القسام للقيام بعمليات عسكرية مشتركة مع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الأخرى.
وختم الشيخ سجل حياته المكللة بالجهاد والمقاومة شهيدًا بعد أدائه صلاة الفجر في 22 مارس 2004م، ليرسم نهجًا أحيا به نضالات الشعب الفلسطيني، ويرسخ مبدأ “الحياة مقاومة”.
وأشغل استشهاده غضبًا عارمًا واستنكارًا رسميًا وشعبيًا واسع حول العالم، وخرجت تظاهرات عديدة في مدن عربية وعالمية، تنديدًا بالجريمة الإسرائيلية.
وشارك عشرات آلاف المواطنين الغاضبين في تشييع جثمانه، وطالبوا برد قاسٍ عليها.
وعقب اغتيال الشيخ ياسين، خاضت حركة حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في سبتمبر 2005، وفازت فيها بالأغلبية الساحقة، وشكلت معها الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.
وتلا ذلك صد أربعة حروب إسرائيلية على قطاع غزة بين عام 2009-2021، استشهد فيها خيرة أبنائها وقدمت تضحيات كبيرة، ونفذ جناحها العسكري عمليات نوعية أبهرت العالم رغم قلة الإمكانيات وما تواجهه من حصار داخلي وخارجي.-(صفا)
التعليقات