ما شهده العالم على مدى السنوات الثلاث المنصرمة من تحديات اقتصادية وسياسية وصحية وطبيعية، هي من جهة، الأشدُّ التصاقاً بالحاجة إلى وسائل وممكِّنات وسبُل لإدارة المخاطر، بل وتجنُّب تكرارها مستقبلاً، ومن جهة أخرى، كانت مجالاً رحباً للتفكير ملياً في بناء الرشاقة الاقتصادية الحقيقية التي تقوم على بناء المنعة الاقتصادية وتحويل التحديات إلى فرص، ومواجهة متطلبات المستقبل نحو الوصول إلى الاستقلالية السيادية، أخذاً في الاعتبار تفعيل مفهوم الاعتمادية المتبادلة بين دول العالم، بعيداً عن التبعية، ولتجسير الهوَّة بين الوفرة والندرة عبر التعاون الاقتصادي المثمر للجميع.
ومن هنا برز مفهوم التنوُّع الاقتصادي البعيد عن التركُّز في المخاطر القائمة على محاور الإنتاج، والتجارة، وحتى في تحقيق مستويات آمنة متنوَّعة من المالية العامة. وفي هذا الإطار جاءت أهمية صدور النسخة الجديدة من مؤشر التنوُّع الاقتصادي، Economic Diversification Index، الذي بدأ بالصدور منذ عامين، وهو تقرير نوعي يقوم على إعداده فريق من المختصين من كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD. وقد أُطلِقَت النسخة الجديدة من تقرير مؤشر التنوُّع الاقتصادي، على هامش القمة العالمية للحكومات 2023، التي عُقِدَت في دبي منتصف شهر شباط/فبراير المنصرم، وبمشاركة واسعة ممَّا يزيد على 150 دولة، ونحو 10 آلاف من المتخصِّصين وصُنّاع القرار العالميين، وقرابة 80 منظمة عالمية وإقليمية.
وقد أوضحت نتائج التقرير أنَّ الاقتصادات التي حقَّقت معايير التنوُّع الاقتصادي التي يعتمدها المؤشر من حيث الإنتاج، والتجارة الدولية، ومصادر الإيرادات العامة، هي بالضرورة الاقتصادات الأكثر تقدُّماً، والأوسع انتشاراً، والأقدر على الرشاقة، واستيعاب التغيُّرات العالمية، والأكثر منعةً واستشرافاً للمستقبل. وفي هذا السياق، وضمن معايير التنوُّع الثالثة، والقائمة أساساً، على تنوُّع قاعدة الإنتاج أو الناتج، وتنوُّع قاعدة التعاملات الدولية، عبر التجارة الخارجية، وتنوُّع مصادر الإيرادات العامة، عبر توسُّع قاعدة الإيرادات العامة الضريبية منها وغير الضريبية، فقد تربَّعت الاقتصادات الأكبر عالمياً على عرش مؤشر التنوُّع الاقتصادي للعام 2023، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى، تبعتها الصين، ومن ثمَّ المانيا. وتشير الخريطة الجغرافية الإقليمية للمؤشر إلى أنَّ الفترة من العام 2000 إلى العام 2021 شهدت قفزات نوعية في اهتمام دول العالم أجمع في تنويع قواعدها الاقتصادية الثلاث، إنتاجاً، وتجارةً، وماليةً عامة، حيث قفز المؤشر في دول شمال أمريكا نحو عشر درجات ليصل إلى ما يقرب من 131 نقطة مئوية، متقدماً على سائر دول العالم في الحجم والقوة، وبفارق كبير نسبياً عن باقي الكتل الاقتصادية العالمية الأوروبية، أو الآسيوية، أو الإفريقية. وفي الوقت الذي تقبع فيه مجموعة دول إفريقيا جنوب الصحراء في نهاية ترتيب المجموعات العالمية في المؤشر، حيث حقَّقت في مؤشر التنوُّع الاقتصادي في العام 2020/2021 نحو 89% فقط، وبفارق بسيط عمّا كانت عليه في العام 2000 (نحو 87%)، فإنَّ المؤشر لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومناطق أمريكا اللاتينية، وجنوب آسيا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى تتراوح بين 97% و101%، وبمعدلات جيدة من التقدُّم عن بداية الألفية الجديدة.
ما يعني أنَّ دول العالم تسعى نحو إيجاد قواعد للتنوُّع الاقتصادي تساعدها على تحقيق معدلات تقدُّم وتطوير في مجالاتها الإنتاجية والتجارية والمالية. ومن المهم القول إنَّ مؤشِّر التنوُّع الاقتصادي بقواعده الثلاث، الإنتاجية والتجارية والمالية، ينطوي على أهمية كبرى للمنطقة العربية بشكل خاص، وذلك ضمن محورين أساسيين: الأول أنَّ المنطقة العربية بشكل عام تكاد تكون الأقل تنوُّعاً بسبب التركز النسبي في مصادر الإنتاج والموارد المالية، سواء أكان الحديث هنا عن الدول الغنية بالموارد الطبيعية أم لا، والثاني: دروس وإرهاصات السنوات الثلاث، بين الوباء والحرب القائمة، التي عزَّزت ضرورة النزوع إلى التعاون المشترك والتحوُّل من الانكشاف للعالم الخارجي إلى أهمية مفهوم الاعتمادية الاقتصادية المتبادلة، تحقيقاً للأمن الغذائي المشترك، وأمن واستدامة سلاسل التزويد، وأمن واستدامة الموارد المالية العامة، وجميع ذلك بالضرورة مرتبطٌ بشكل جوهري بتنوُّع القواعد الاقتصادية للدول. وهو أمر لن يتحقَّق للمنطقة العربية بعيداً عن الاعتمادية المتبادلة، أي التعاون الاقتصادي الإنتاجي، والتجاري، وحتى المالي- وما يرتبط بذلك من استثمارات متنوِّعة مشتركة في مجالات الأمن الغذائي، والصحي، والزراعي، وحتى التعليم والمعرفي. وقد يكون من المناسب الحديث هنا عن أهمية التوجُّهات التي برزت في دول المنطقة منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن الحالي، والتي اتجهت نحو العمل على تنويع القاعدة المالية لإيرادات الدولة بعيداً عن مصادر الإيرادات التقليدية التي اعتمدت على الموارد الطبيعية، من نفط وغاز، وغيرها من الصناعات الاستخراجية في مجالات المعادن التي تزخر بها العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
معركة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، نجم عنهما ظهور حالات انكشاف اقتصادي، وخاصة في توفير المواد الأساسية الزراعية منها والصناعية، وحتى في مجال الخدمات اللوجستية، التي أظهرت حالات متعددة من الانكشاف الرقمي للعديد من الدول التي لم تمتلك اقتصاداتها البنية التحتية المناسبة للتحوُّل من الخدمات المباشرة إلى الخدمات اللوجستية عن بُعد، في مجالات التعليم، والصحة، والخدمات المالية، وخدمات النقل اللوجستي بأشكاله الاستثمارية، والاستهلاكية، والحكومية كافة. وقد أظهر تقرير مؤشر التنوُّع الاقتصادي أنَّ السلسلة الزمنية خلال السنوات العشر المنصرمة من هذا العقد ولَّدَتْ العديد من القناعات التي تعزِّز أهمية التنوُّع الاقتصادي، بعيداً عن الاعتماد المُفرط على مصدر إنتاجي واحد، حتى لو كان منخفض الكلفة في الاستخراج، أو كان ذا وفرة في خزائن الأرض، وبعيداً عن التركز الزائد في مجالات التجارة الخارجية، حتى لو كانت تعتمد على اتفاقيات دولية مُلزمة، أو معونات غذائية مجانية، أو حتى الإفراط في الارتكاز والركون إلى مصادر دخل وإيرادات عامة سهلة المنال أو غزيرة الهطول Windfalls. والجميل أنَّ دول المنطقة العربية، وخاصة منطقة الخليج العربي، طفقت منذ بداية الألفية الثالثة نحو البحث عن مصادر لتنويع اقتصاداتها ضمن المعطيات الثلاثة لمؤشر التنوُّع الاقتصادي، حيث ارتفع المؤشر العام للمنطقة ككل من نحو 92% عام 2000 إلى ما يزيد على 97% في العام 21/2020. وقد جاء الأردن في المرتبة الأولى بين دول المنطقة العربية بمؤشر يصل إلى نحو 101، ودون أي تغيير على تلك المرتبة خلال الفترة المشار إليها، في حين جاءت دولة الإمارات العربية في المؤشر، الأعلى بين دول منطقة الخليج الست، وبتطوُّر نوعي خلال الفترة المذكورة، تلتها البحرين، ثمَّ السعودية، وقطر، وعُمان والكويت. والشاهد ممَّا سبق أنَّ العالم اليوم يتعلَّم دروساً استشرافية جديدة في إنتاجه، وتجارته، وماليته العامة، عبر الاهتمام الحقيقي بتنويع مصادر كلٍّ منها، ويمكن القول إنَّ مؤشر التنوُّع الاقتصادي يعدُّ أداة نوعية بين يدي صنّاع القرار الاقتصادي في العالم نحو تبنّي سياسات اقتصادية عامة تتعامل مع المخاطر بفكر الاستشراف، تجنُّباً لها في المرتبة الأولى، قبل حتى الحديث عن حُسْنِ إدارة تلك المخاطر إن حدثت.
ولعلَّ متابعة تطوُّر مؤشر التنوُّع الاقتصادي، على مدى الأعوام المقبلة، هو سبيلٌ حقيقيٌّ نحو ما يمكن تسميته نظام تتبع، أو نظام الإنذار المُبكِّر، لمخاطر التركُّزات الاقتصادية الإنتاجية والتجارية والمالية، وهو مؤشر يمكن أيضاً الاعتماد عليه في معرفة مستوى رشاقة الاقتصادات، ومستوى منعتها وقدرتها على امتصاص الأزمات، وأخيراً وليس آخراً، قدرتها على الاستشراف الأمثل للمخاطر الاقتصادية.
ما شهده العالم على مدى السنوات الثلاث المنصرمة من تحديات اقتصادية وسياسية وصحية وطبيعية، هي من جهة، الأشدُّ التصاقاً بالحاجة إلى وسائل وممكِّنات وسبُل لإدارة المخاطر، بل وتجنُّب تكرارها مستقبلاً، ومن جهة أخرى، كانت مجالاً رحباً للتفكير ملياً في بناء الرشاقة الاقتصادية الحقيقية التي تقوم على بناء المنعة الاقتصادية وتحويل التحديات إلى فرص، ومواجهة متطلبات المستقبل نحو الوصول إلى الاستقلالية السيادية، أخذاً في الاعتبار تفعيل مفهوم الاعتمادية المتبادلة بين دول العالم، بعيداً عن التبعية، ولتجسير الهوَّة بين الوفرة والندرة عبر التعاون الاقتصادي المثمر للجميع.
ومن هنا برز مفهوم التنوُّع الاقتصادي البعيد عن التركُّز في المخاطر القائمة على محاور الإنتاج، والتجارة، وحتى في تحقيق مستويات آمنة متنوَّعة من المالية العامة. وفي هذا الإطار جاءت أهمية صدور النسخة الجديدة من مؤشر التنوُّع الاقتصادي، Economic Diversification Index، الذي بدأ بالصدور منذ عامين، وهو تقرير نوعي يقوم على إعداده فريق من المختصين من كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD. وقد أُطلِقَت النسخة الجديدة من تقرير مؤشر التنوُّع الاقتصادي، على هامش القمة العالمية للحكومات 2023، التي عُقِدَت في دبي منتصف شهر شباط/فبراير المنصرم، وبمشاركة واسعة ممَّا يزيد على 150 دولة، ونحو 10 آلاف من المتخصِّصين وصُنّاع القرار العالميين، وقرابة 80 منظمة عالمية وإقليمية.
وقد أوضحت نتائج التقرير أنَّ الاقتصادات التي حقَّقت معايير التنوُّع الاقتصادي التي يعتمدها المؤشر من حيث الإنتاج، والتجارة الدولية، ومصادر الإيرادات العامة، هي بالضرورة الاقتصادات الأكثر تقدُّماً، والأوسع انتشاراً، والأقدر على الرشاقة، واستيعاب التغيُّرات العالمية، والأكثر منعةً واستشرافاً للمستقبل. وفي هذا السياق، وضمن معايير التنوُّع الثالثة، والقائمة أساساً، على تنوُّع قاعدة الإنتاج أو الناتج، وتنوُّع قاعدة التعاملات الدولية، عبر التجارة الخارجية، وتنوُّع مصادر الإيرادات العامة، عبر توسُّع قاعدة الإيرادات العامة الضريبية منها وغير الضريبية، فقد تربَّعت الاقتصادات الأكبر عالمياً على عرش مؤشر التنوُّع الاقتصادي للعام 2023، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى، تبعتها الصين، ومن ثمَّ المانيا. وتشير الخريطة الجغرافية الإقليمية للمؤشر إلى أنَّ الفترة من العام 2000 إلى العام 2021 شهدت قفزات نوعية في اهتمام دول العالم أجمع في تنويع قواعدها الاقتصادية الثلاث، إنتاجاً، وتجارةً، وماليةً عامة، حيث قفز المؤشر في دول شمال أمريكا نحو عشر درجات ليصل إلى ما يقرب من 131 نقطة مئوية، متقدماً على سائر دول العالم في الحجم والقوة، وبفارق كبير نسبياً عن باقي الكتل الاقتصادية العالمية الأوروبية، أو الآسيوية، أو الإفريقية. وفي الوقت الذي تقبع فيه مجموعة دول إفريقيا جنوب الصحراء في نهاية ترتيب المجموعات العالمية في المؤشر، حيث حقَّقت في مؤشر التنوُّع الاقتصادي في العام 2020/2021 نحو 89% فقط، وبفارق بسيط عمّا كانت عليه في العام 2000 (نحو 87%)، فإنَّ المؤشر لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومناطق أمريكا اللاتينية، وجنوب آسيا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى تتراوح بين 97% و101%، وبمعدلات جيدة من التقدُّم عن بداية الألفية الجديدة.
ما يعني أنَّ دول العالم تسعى نحو إيجاد قواعد للتنوُّع الاقتصادي تساعدها على تحقيق معدلات تقدُّم وتطوير في مجالاتها الإنتاجية والتجارية والمالية. ومن المهم القول إنَّ مؤشِّر التنوُّع الاقتصادي بقواعده الثلاث، الإنتاجية والتجارية والمالية، ينطوي على أهمية كبرى للمنطقة العربية بشكل خاص، وذلك ضمن محورين أساسيين: الأول أنَّ المنطقة العربية بشكل عام تكاد تكون الأقل تنوُّعاً بسبب التركز النسبي في مصادر الإنتاج والموارد المالية، سواء أكان الحديث هنا عن الدول الغنية بالموارد الطبيعية أم لا، والثاني: دروس وإرهاصات السنوات الثلاث، بين الوباء والحرب القائمة، التي عزَّزت ضرورة النزوع إلى التعاون المشترك والتحوُّل من الانكشاف للعالم الخارجي إلى أهمية مفهوم الاعتمادية الاقتصادية المتبادلة، تحقيقاً للأمن الغذائي المشترك، وأمن واستدامة سلاسل التزويد، وأمن واستدامة الموارد المالية العامة، وجميع ذلك بالضرورة مرتبطٌ بشكل جوهري بتنوُّع القواعد الاقتصادية للدول. وهو أمر لن يتحقَّق للمنطقة العربية بعيداً عن الاعتمادية المتبادلة، أي التعاون الاقتصادي الإنتاجي، والتجاري، وحتى المالي- وما يرتبط بذلك من استثمارات متنوِّعة مشتركة في مجالات الأمن الغذائي، والصحي، والزراعي، وحتى التعليم والمعرفي. وقد يكون من المناسب الحديث هنا عن أهمية التوجُّهات التي برزت في دول المنطقة منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن الحالي، والتي اتجهت نحو العمل على تنويع القاعدة المالية لإيرادات الدولة بعيداً عن مصادر الإيرادات التقليدية التي اعتمدت على الموارد الطبيعية، من نفط وغاز، وغيرها من الصناعات الاستخراجية في مجالات المعادن التي تزخر بها العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
معركة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، نجم عنهما ظهور حالات انكشاف اقتصادي، وخاصة في توفير المواد الأساسية الزراعية منها والصناعية، وحتى في مجال الخدمات اللوجستية، التي أظهرت حالات متعددة من الانكشاف الرقمي للعديد من الدول التي لم تمتلك اقتصاداتها البنية التحتية المناسبة للتحوُّل من الخدمات المباشرة إلى الخدمات اللوجستية عن بُعد، في مجالات التعليم، والصحة، والخدمات المالية، وخدمات النقل اللوجستي بأشكاله الاستثمارية، والاستهلاكية، والحكومية كافة. وقد أظهر تقرير مؤشر التنوُّع الاقتصادي أنَّ السلسلة الزمنية خلال السنوات العشر المنصرمة من هذا العقد ولَّدَتْ العديد من القناعات التي تعزِّز أهمية التنوُّع الاقتصادي، بعيداً عن الاعتماد المُفرط على مصدر إنتاجي واحد، حتى لو كان منخفض الكلفة في الاستخراج، أو كان ذا وفرة في خزائن الأرض، وبعيداً عن التركز الزائد في مجالات التجارة الخارجية، حتى لو كانت تعتمد على اتفاقيات دولية مُلزمة، أو معونات غذائية مجانية، أو حتى الإفراط في الارتكاز والركون إلى مصادر دخل وإيرادات عامة سهلة المنال أو غزيرة الهطول Windfalls. والجميل أنَّ دول المنطقة العربية، وخاصة منطقة الخليج العربي، طفقت منذ بداية الألفية الثالثة نحو البحث عن مصادر لتنويع اقتصاداتها ضمن المعطيات الثلاثة لمؤشر التنوُّع الاقتصادي، حيث ارتفع المؤشر العام للمنطقة ككل من نحو 92% عام 2000 إلى ما يزيد على 97% في العام 21/2020. وقد جاء الأردن في المرتبة الأولى بين دول المنطقة العربية بمؤشر يصل إلى نحو 101، ودون أي تغيير على تلك المرتبة خلال الفترة المشار إليها، في حين جاءت دولة الإمارات العربية في المؤشر، الأعلى بين دول منطقة الخليج الست، وبتطوُّر نوعي خلال الفترة المذكورة، تلتها البحرين، ثمَّ السعودية، وقطر، وعُمان والكويت. والشاهد ممَّا سبق أنَّ العالم اليوم يتعلَّم دروساً استشرافية جديدة في إنتاجه، وتجارته، وماليته العامة، عبر الاهتمام الحقيقي بتنويع مصادر كلٍّ منها، ويمكن القول إنَّ مؤشر التنوُّع الاقتصادي يعدُّ أداة نوعية بين يدي صنّاع القرار الاقتصادي في العالم نحو تبنّي سياسات اقتصادية عامة تتعامل مع المخاطر بفكر الاستشراف، تجنُّباً لها في المرتبة الأولى، قبل حتى الحديث عن حُسْنِ إدارة تلك المخاطر إن حدثت.
ولعلَّ متابعة تطوُّر مؤشر التنوُّع الاقتصادي، على مدى الأعوام المقبلة، هو سبيلٌ حقيقيٌّ نحو ما يمكن تسميته نظام تتبع، أو نظام الإنذار المُبكِّر، لمخاطر التركُّزات الاقتصادية الإنتاجية والتجارية والمالية، وهو مؤشر يمكن أيضاً الاعتماد عليه في معرفة مستوى رشاقة الاقتصادات، ومستوى منعتها وقدرتها على امتصاص الأزمات، وأخيراً وليس آخراً، قدرتها على الاستشراف الأمثل للمخاطر الاقتصادية.
ما شهده العالم على مدى السنوات الثلاث المنصرمة من تحديات اقتصادية وسياسية وصحية وطبيعية، هي من جهة، الأشدُّ التصاقاً بالحاجة إلى وسائل وممكِّنات وسبُل لإدارة المخاطر، بل وتجنُّب تكرارها مستقبلاً، ومن جهة أخرى، كانت مجالاً رحباً للتفكير ملياً في بناء الرشاقة الاقتصادية الحقيقية التي تقوم على بناء المنعة الاقتصادية وتحويل التحديات إلى فرص، ومواجهة متطلبات المستقبل نحو الوصول إلى الاستقلالية السيادية، أخذاً في الاعتبار تفعيل مفهوم الاعتمادية المتبادلة بين دول العالم، بعيداً عن التبعية، ولتجسير الهوَّة بين الوفرة والندرة عبر التعاون الاقتصادي المثمر للجميع.
ومن هنا برز مفهوم التنوُّع الاقتصادي البعيد عن التركُّز في المخاطر القائمة على محاور الإنتاج، والتجارة، وحتى في تحقيق مستويات آمنة متنوَّعة من المالية العامة. وفي هذا الإطار جاءت أهمية صدور النسخة الجديدة من مؤشر التنوُّع الاقتصادي، Economic Diversification Index، الذي بدأ بالصدور منذ عامين، وهو تقرير نوعي يقوم على إعداده فريق من المختصين من كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD. وقد أُطلِقَت النسخة الجديدة من تقرير مؤشر التنوُّع الاقتصادي، على هامش القمة العالمية للحكومات 2023، التي عُقِدَت في دبي منتصف شهر شباط/فبراير المنصرم، وبمشاركة واسعة ممَّا يزيد على 150 دولة، ونحو 10 آلاف من المتخصِّصين وصُنّاع القرار العالميين، وقرابة 80 منظمة عالمية وإقليمية.
وقد أوضحت نتائج التقرير أنَّ الاقتصادات التي حقَّقت معايير التنوُّع الاقتصادي التي يعتمدها المؤشر من حيث الإنتاج، والتجارة الدولية، ومصادر الإيرادات العامة، هي بالضرورة الاقتصادات الأكثر تقدُّماً، والأوسع انتشاراً، والأقدر على الرشاقة، واستيعاب التغيُّرات العالمية، والأكثر منعةً واستشرافاً للمستقبل. وفي هذا السياق، وضمن معايير التنوُّع الثالثة، والقائمة أساساً، على تنوُّع قاعدة الإنتاج أو الناتج، وتنوُّع قاعدة التعاملات الدولية، عبر التجارة الخارجية، وتنوُّع مصادر الإيرادات العامة، عبر توسُّع قاعدة الإيرادات العامة الضريبية منها وغير الضريبية، فقد تربَّعت الاقتصادات الأكبر عالمياً على عرش مؤشر التنوُّع الاقتصادي للعام 2023، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى، تبعتها الصين، ومن ثمَّ المانيا. وتشير الخريطة الجغرافية الإقليمية للمؤشر إلى أنَّ الفترة من العام 2000 إلى العام 2021 شهدت قفزات نوعية في اهتمام دول العالم أجمع في تنويع قواعدها الاقتصادية الثلاث، إنتاجاً، وتجارةً، وماليةً عامة، حيث قفز المؤشر في دول شمال أمريكا نحو عشر درجات ليصل إلى ما يقرب من 131 نقطة مئوية، متقدماً على سائر دول العالم في الحجم والقوة، وبفارق كبير نسبياً عن باقي الكتل الاقتصادية العالمية الأوروبية، أو الآسيوية، أو الإفريقية. وفي الوقت الذي تقبع فيه مجموعة دول إفريقيا جنوب الصحراء في نهاية ترتيب المجموعات العالمية في المؤشر، حيث حقَّقت في مؤشر التنوُّع الاقتصادي في العام 2020/2021 نحو 89% فقط، وبفارق بسيط عمّا كانت عليه في العام 2000 (نحو 87%)، فإنَّ المؤشر لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومناطق أمريكا اللاتينية، وجنوب آسيا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى تتراوح بين 97% و101%، وبمعدلات جيدة من التقدُّم عن بداية الألفية الجديدة.
ما يعني أنَّ دول العالم تسعى نحو إيجاد قواعد للتنوُّع الاقتصادي تساعدها على تحقيق معدلات تقدُّم وتطوير في مجالاتها الإنتاجية والتجارية والمالية. ومن المهم القول إنَّ مؤشِّر التنوُّع الاقتصادي بقواعده الثلاث، الإنتاجية والتجارية والمالية، ينطوي على أهمية كبرى للمنطقة العربية بشكل خاص، وذلك ضمن محورين أساسيين: الأول أنَّ المنطقة العربية بشكل عام تكاد تكون الأقل تنوُّعاً بسبب التركز النسبي في مصادر الإنتاج والموارد المالية، سواء أكان الحديث هنا عن الدول الغنية بالموارد الطبيعية أم لا، والثاني: دروس وإرهاصات السنوات الثلاث، بين الوباء والحرب القائمة، التي عزَّزت ضرورة النزوع إلى التعاون المشترك والتحوُّل من الانكشاف للعالم الخارجي إلى أهمية مفهوم الاعتمادية الاقتصادية المتبادلة، تحقيقاً للأمن الغذائي المشترك، وأمن واستدامة سلاسل التزويد، وأمن واستدامة الموارد المالية العامة، وجميع ذلك بالضرورة مرتبطٌ بشكل جوهري بتنوُّع القواعد الاقتصادية للدول. وهو أمر لن يتحقَّق للمنطقة العربية بعيداً عن الاعتمادية المتبادلة، أي التعاون الاقتصادي الإنتاجي، والتجاري، وحتى المالي- وما يرتبط بذلك من استثمارات متنوِّعة مشتركة في مجالات الأمن الغذائي، والصحي، والزراعي، وحتى التعليم والمعرفي. وقد يكون من المناسب الحديث هنا عن أهمية التوجُّهات التي برزت في دول المنطقة منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن الحالي، والتي اتجهت نحو العمل على تنويع القاعدة المالية لإيرادات الدولة بعيداً عن مصادر الإيرادات التقليدية التي اعتمدت على الموارد الطبيعية، من نفط وغاز، وغيرها من الصناعات الاستخراجية في مجالات المعادن التي تزخر بها العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
معركة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، نجم عنهما ظهور حالات انكشاف اقتصادي، وخاصة في توفير المواد الأساسية الزراعية منها والصناعية، وحتى في مجال الخدمات اللوجستية، التي أظهرت حالات متعددة من الانكشاف الرقمي للعديد من الدول التي لم تمتلك اقتصاداتها البنية التحتية المناسبة للتحوُّل من الخدمات المباشرة إلى الخدمات اللوجستية عن بُعد، في مجالات التعليم، والصحة، والخدمات المالية، وخدمات النقل اللوجستي بأشكاله الاستثمارية، والاستهلاكية، والحكومية كافة. وقد أظهر تقرير مؤشر التنوُّع الاقتصادي أنَّ السلسلة الزمنية خلال السنوات العشر المنصرمة من هذا العقد ولَّدَتْ العديد من القناعات التي تعزِّز أهمية التنوُّع الاقتصادي، بعيداً عن الاعتماد المُفرط على مصدر إنتاجي واحد، حتى لو كان منخفض الكلفة في الاستخراج، أو كان ذا وفرة في خزائن الأرض، وبعيداً عن التركز الزائد في مجالات التجارة الخارجية، حتى لو كانت تعتمد على اتفاقيات دولية مُلزمة، أو معونات غذائية مجانية، أو حتى الإفراط في الارتكاز والركون إلى مصادر دخل وإيرادات عامة سهلة المنال أو غزيرة الهطول Windfalls. والجميل أنَّ دول المنطقة العربية، وخاصة منطقة الخليج العربي، طفقت منذ بداية الألفية الثالثة نحو البحث عن مصادر لتنويع اقتصاداتها ضمن المعطيات الثلاثة لمؤشر التنوُّع الاقتصادي، حيث ارتفع المؤشر العام للمنطقة ككل من نحو 92% عام 2000 إلى ما يزيد على 97% في العام 21/2020. وقد جاء الأردن في المرتبة الأولى بين دول المنطقة العربية بمؤشر يصل إلى نحو 101، ودون أي تغيير على تلك المرتبة خلال الفترة المشار إليها، في حين جاءت دولة الإمارات العربية في المؤشر، الأعلى بين دول منطقة الخليج الست، وبتطوُّر نوعي خلال الفترة المذكورة، تلتها البحرين، ثمَّ السعودية، وقطر، وعُمان والكويت. والشاهد ممَّا سبق أنَّ العالم اليوم يتعلَّم دروساً استشرافية جديدة في إنتاجه، وتجارته، وماليته العامة، عبر الاهتمام الحقيقي بتنويع مصادر كلٍّ منها، ويمكن القول إنَّ مؤشر التنوُّع الاقتصادي يعدُّ أداة نوعية بين يدي صنّاع القرار الاقتصادي في العالم نحو تبنّي سياسات اقتصادية عامة تتعامل مع المخاطر بفكر الاستشراف، تجنُّباً لها في المرتبة الأولى، قبل حتى الحديث عن حُسْنِ إدارة تلك المخاطر إن حدثت.
ولعلَّ متابعة تطوُّر مؤشر التنوُّع الاقتصادي، على مدى الأعوام المقبلة، هو سبيلٌ حقيقيٌّ نحو ما يمكن تسميته نظام تتبع، أو نظام الإنذار المُبكِّر، لمخاطر التركُّزات الاقتصادية الإنتاجية والتجارية والمالية، وهو مؤشر يمكن أيضاً الاعتماد عليه في معرفة مستوى رشاقة الاقتصادات، ومستوى منعتها وقدرتها على امتصاص الأزمات، وأخيراً وليس آخراً، قدرتها على الاستشراف الأمثل للمخاطر الاقتصادية.
التعليقات