أخبار اليوم - في مايو/أيار الماضي 2024، بدأت سلسلة من الأحداث الغامضة ضمن أروقة القصر الجمهوري السوري، أولها كان الإعلان ببيان رسمي عن إصابة أسماء الأسد قرينة الرئيس بشار الأسد بسرطان الدم (لوكيميا)، وخرجت بعده بمقطع فيديو مثير للجدل تتحدث فيه براحة تامة عن مرضها واستعدادها لمواجهته.
كانت أسماء الأسد لسنوات طويلة واجهة تسويقية للنظام السوري -بحسب مراقبين- كما لعبت دورًا مهمًّا في استقطاب الدعم الأممي والدولي عبر مؤسسة الأمانة العامة للتنمية التي تديرها.
وقبيل الإعلان عن إصابة أسماء بالسرطان، أفادت وسائل إعلام مختصة بنقل أخبار العاصمة دمشق، بتعرض المستشار الاقتصادي يسار إبراهيم -المقرّب من أسماء- لمحاولة اغتيال عن طريق تسميمه بمادة كيميائية.
وتسربت في السنوات الماضية أنباء عن صراعات بين أسماء الأسد ورجال الاقتصاد المحسوبين على 'الدولة' وكانوا واجهتها المالية، مثل رامي مخلوف الذي خرج من المشهد كليًّا بداية عام 2020، ثم انتشرت تسريبات عن صراع بين أسماء ورجال الأعمال من آل قاطرجي وعلى رأسهم حسام وبراء.
أحداث متعاقبة تثير الشكوك
استمر الجدل حول مصير أسماء أسابيع قليلة، ليستحوذ على المشهد في القصر الجمهوري إعلان الرئاسة في مطلع يوليو/تموز الجاري وفاة لونا الشبل المستشارة الخاصة لبشار الأسد، والتي لعبت دورًا مؤثرًا في وضع سياساته الإعلامية التي واجه بها الاحتجاجات الشعبية ضده بعد عام 2011.
وفاة الشبل أتت بعد أيام من الإعلان عن تعرضها لحادث مروري أثناء تنقلها على أحد الطرق الموصلة لمدينة دمشق، حيث تعرضت لنزيف حاد بالدماغ، ورافق الخبر سيل من التسريبات من طرف المعارضة السورية التي تحدثت عن تصفيتها من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني بسبب 'تورطها في تمرير معلومات إلى إسرائيل، ساهمت في اغتيال قيادات للحرس بسوريا'.
ولم يكد يهدأ الجدل حول ظروف وفاة لونا الشبل وحقيقة ما يدور داخل الشبكة الاقتصادية والإعلامية التي اعتمد عليها الأسد طوال فترة الأزمة، حتى أثاره من جديد مقتل رجل الأعمال المقرب من آل الأسد براء القاطرجي جراء استهداف سيارته على الطريق الواصل بين دمشق وبيروت، حيث تحدثت الرواية السورية الرسمية عن تعرضه لغارة إسرائيلية بطائرة مسيرة.
وساهمت عائلة القاطرجي خلال السنوات الماضية في تمويل النظام السوري عبر أنشطتها التجارية، كما لعبت دور الوساطة في تجارة النفط بينه وبين تنظيم 'قسد' (قوات سوريا الديمقراطية) المسيطر على الحقول النفطية شمال شرق سوريا، وقبل ذلك عملت على نقل النفط من الحقول التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي وقت سابق، أدرجت الولايات المتحدة الأميركية كلًّا من براء وحسام على قائمة العقوبات، بسبب تورطهما بتجارة النفط مع تنظيم الدولة، ومساعدة النظام السوري على التهرّب من العقوبات.
إعادة بناء النظام الحاكم
وعلم موقع الجزيرة نت من مصادر في المعارضة السورية لديها متابعة للمباحثات العربية مع الحكومة السورية، ولها اتصالات مع فاعلين إقليميين، أن الدول العربية التي انفتحت مؤخرًا على النظام اشترطت عليه إجراء تغييرات سياسية حقيقية من أجل العمل على إعادة تأهيله، ثم الشروع بمرحلة إعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين.
وبحسب المصادر، فإن الحكومة السورية قد تفكر في إبعاد الوجوه القديمة التي تصدرت المشهد طوال فترة الأزمة، وأصبحت شخصيات إشكالية على المستويين الداخلي والخارجي.
وترى المصادر أن الاهتمام الذي أبداه الأسد بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت منتصف يوليو/تموز الجاري، وظهوره بمقابلة مرئية أثناء الإدلاء بصوته وحديثه عن أهمية البرلمان، ودور المؤسسات التي لا تبنى على الأشخاص، وإمكانية تعديل النظام الداخلي للبرلمان والقوانين التي تحكم عمله؛ كل ذلك يفتح الباب لاحقًا على تسويق إجراء إصلاحات قانونية في سياق التجاوب مع المطالب الدولية.
وأيّد هذا التفسيرَ لما يجري في أروقة الحكم السورية، الباحث في مجال الاقتصادي السياسي والإدارة المحلية، أيمن الدسوقي، حيث اعتبر أن ما يجري يمكن إدراجه ضمن إعادة بناء النظام وما تتطلبه العملية من الضبط الداخلي للنخبة، وإزاحة كل من يشكّل مصدر خطر على مستقبله.
وأكد الدسوقي في حديثه لموقع الجزيرة نت أن النظام السوري لم يتوان سابقًا عن تصفية كل من يشك بولائه، مثل وزير الداخلية الأسبق غازي كنعان وغيره، كما أن مقتل الشبل والقاطرجي في مناطق خاضعة لسيطرة الفرقة الرابعة التي يشرف عليها ماهر الأسد شقيق بشار يعزز من الشكوك أن ما تم هو تصفيات وليست حوادث عادية.
وأشار الدسوقي إلى أن التسريبات تحدثت عن تورط الشبل في تبادل معلومات مع جهات خارجية، كما أن القاطرجي أصبح يمتلك شبكة علاقات قوية مع كل من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وهذا التواصل الخارجي لا بد أنه يقلق أي نظام قائم على أشخاص متشبثين بالسلطة.
كما لم يستبعد الدسوقي أن تكون 'تصفية' الشبل هي إرضاء لإيران من أجل إبعاد الشكوك عن تورط كامل النظام في تسريب معلومات لإسرائيل. وبالمحصلة، فإن التصفيات هي عملية ضبط لمجتمع النخبة السياسية والاقتصادية ضمن الخطوط التي يحددها النظام.
سيناريو التنافس الإيراني الروسي
من جهته، أشار الباحث والدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي إلى صعوبة معرفة ما يجري داخل الحلقة الضيقة لصانع القرار في دمشق؛ بسبب الآلية الأمنية التي يتبعها، وقيام النظام ذاته في كثير من الأحيان بتسريب روايات محددة عما يدور في أروقته، لتتبناها المعارضة السورية وترددها.
ولم يستبعد بربندي -في تصريحاته التي أفاد بها لموقع الجزيرة نت- أن يكون ما جرى في سياق التنافس الروسي الإيراني على مستقبل شكل الحكم في سوريا، حيث يمتلك كل طرف أدواته وأشخاصه داخل المؤسسات السورية.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها الجزيرة نت، فإن القاطرجي عزز علاقاته خلال السنتين الأخيرتين مع حزب الله اللبناني وقيادات الحرس الثوري الإيراني، نظرًا لتقديمه التمويل للفصائل المرتبطة بهما والمنتشرة على الأراضي السورية، مما أعطاه حظوة لدى قيادات حزب الله الرفيعة، ولذلك فإنه كان يقوم بزيارات متكررة إلى بيروت للقاء هذه القيادات.
ومن اللافت أن روسيا لا تعترض الضربات الإسرائيلية التي تطال القيادات الإيرانية والمرتبطة بها على الأراضي السورية، وتكتفي بتحذيرات من تأجيج الصراع في الشرق الأوسط، كما فعلت بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية بسوريا في أبريل/نيسان الفائت.
واستبعد بربندي أن تفضي الأحداث الأخيرة إلى حصول تغيير حقيقي في بنية النظام السوري على المستوى القريب، بالرغم من وصوله لمرحلة ضعف، حيث يعتقد الدبلوماسي السوري السابق أن الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في سوريا راغبة ببقاء النظام بشكله الضعيف الحالي بما يحقق لها مصالحها.
أخبار اليوم - في مايو/أيار الماضي 2024، بدأت سلسلة من الأحداث الغامضة ضمن أروقة القصر الجمهوري السوري، أولها كان الإعلان ببيان رسمي عن إصابة أسماء الأسد قرينة الرئيس بشار الأسد بسرطان الدم (لوكيميا)، وخرجت بعده بمقطع فيديو مثير للجدل تتحدث فيه براحة تامة عن مرضها واستعدادها لمواجهته.
كانت أسماء الأسد لسنوات طويلة واجهة تسويقية للنظام السوري -بحسب مراقبين- كما لعبت دورًا مهمًّا في استقطاب الدعم الأممي والدولي عبر مؤسسة الأمانة العامة للتنمية التي تديرها.
وقبيل الإعلان عن إصابة أسماء بالسرطان، أفادت وسائل إعلام مختصة بنقل أخبار العاصمة دمشق، بتعرض المستشار الاقتصادي يسار إبراهيم -المقرّب من أسماء- لمحاولة اغتيال عن طريق تسميمه بمادة كيميائية.
وتسربت في السنوات الماضية أنباء عن صراعات بين أسماء الأسد ورجال الاقتصاد المحسوبين على 'الدولة' وكانوا واجهتها المالية، مثل رامي مخلوف الذي خرج من المشهد كليًّا بداية عام 2020، ثم انتشرت تسريبات عن صراع بين أسماء ورجال الأعمال من آل قاطرجي وعلى رأسهم حسام وبراء.
أحداث متعاقبة تثير الشكوك
استمر الجدل حول مصير أسماء أسابيع قليلة، ليستحوذ على المشهد في القصر الجمهوري إعلان الرئاسة في مطلع يوليو/تموز الجاري وفاة لونا الشبل المستشارة الخاصة لبشار الأسد، والتي لعبت دورًا مؤثرًا في وضع سياساته الإعلامية التي واجه بها الاحتجاجات الشعبية ضده بعد عام 2011.
وفاة الشبل أتت بعد أيام من الإعلان عن تعرضها لحادث مروري أثناء تنقلها على أحد الطرق الموصلة لمدينة دمشق، حيث تعرضت لنزيف حاد بالدماغ، ورافق الخبر سيل من التسريبات من طرف المعارضة السورية التي تحدثت عن تصفيتها من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني بسبب 'تورطها في تمرير معلومات إلى إسرائيل، ساهمت في اغتيال قيادات للحرس بسوريا'.
ولم يكد يهدأ الجدل حول ظروف وفاة لونا الشبل وحقيقة ما يدور داخل الشبكة الاقتصادية والإعلامية التي اعتمد عليها الأسد طوال فترة الأزمة، حتى أثاره من جديد مقتل رجل الأعمال المقرب من آل الأسد براء القاطرجي جراء استهداف سيارته على الطريق الواصل بين دمشق وبيروت، حيث تحدثت الرواية السورية الرسمية عن تعرضه لغارة إسرائيلية بطائرة مسيرة.
وساهمت عائلة القاطرجي خلال السنوات الماضية في تمويل النظام السوري عبر أنشطتها التجارية، كما لعبت دور الوساطة في تجارة النفط بينه وبين تنظيم 'قسد' (قوات سوريا الديمقراطية) المسيطر على الحقول النفطية شمال شرق سوريا، وقبل ذلك عملت على نقل النفط من الحقول التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي وقت سابق، أدرجت الولايات المتحدة الأميركية كلًّا من براء وحسام على قائمة العقوبات، بسبب تورطهما بتجارة النفط مع تنظيم الدولة، ومساعدة النظام السوري على التهرّب من العقوبات.
إعادة بناء النظام الحاكم
وعلم موقع الجزيرة نت من مصادر في المعارضة السورية لديها متابعة للمباحثات العربية مع الحكومة السورية، ولها اتصالات مع فاعلين إقليميين، أن الدول العربية التي انفتحت مؤخرًا على النظام اشترطت عليه إجراء تغييرات سياسية حقيقية من أجل العمل على إعادة تأهيله، ثم الشروع بمرحلة إعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين.
وبحسب المصادر، فإن الحكومة السورية قد تفكر في إبعاد الوجوه القديمة التي تصدرت المشهد طوال فترة الأزمة، وأصبحت شخصيات إشكالية على المستويين الداخلي والخارجي.
وترى المصادر أن الاهتمام الذي أبداه الأسد بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت منتصف يوليو/تموز الجاري، وظهوره بمقابلة مرئية أثناء الإدلاء بصوته وحديثه عن أهمية البرلمان، ودور المؤسسات التي لا تبنى على الأشخاص، وإمكانية تعديل النظام الداخلي للبرلمان والقوانين التي تحكم عمله؛ كل ذلك يفتح الباب لاحقًا على تسويق إجراء إصلاحات قانونية في سياق التجاوب مع المطالب الدولية.
وأيّد هذا التفسيرَ لما يجري في أروقة الحكم السورية، الباحث في مجال الاقتصادي السياسي والإدارة المحلية، أيمن الدسوقي، حيث اعتبر أن ما يجري يمكن إدراجه ضمن إعادة بناء النظام وما تتطلبه العملية من الضبط الداخلي للنخبة، وإزاحة كل من يشكّل مصدر خطر على مستقبله.
وأكد الدسوقي في حديثه لموقع الجزيرة نت أن النظام السوري لم يتوان سابقًا عن تصفية كل من يشك بولائه، مثل وزير الداخلية الأسبق غازي كنعان وغيره، كما أن مقتل الشبل والقاطرجي في مناطق خاضعة لسيطرة الفرقة الرابعة التي يشرف عليها ماهر الأسد شقيق بشار يعزز من الشكوك أن ما تم هو تصفيات وليست حوادث عادية.
وأشار الدسوقي إلى أن التسريبات تحدثت عن تورط الشبل في تبادل معلومات مع جهات خارجية، كما أن القاطرجي أصبح يمتلك شبكة علاقات قوية مع كل من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وهذا التواصل الخارجي لا بد أنه يقلق أي نظام قائم على أشخاص متشبثين بالسلطة.
كما لم يستبعد الدسوقي أن تكون 'تصفية' الشبل هي إرضاء لإيران من أجل إبعاد الشكوك عن تورط كامل النظام في تسريب معلومات لإسرائيل. وبالمحصلة، فإن التصفيات هي عملية ضبط لمجتمع النخبة السياسية والاقتصادية ضمن الخطوط التي يحددها النظام.
سيناريو التنافس الإيراني الروسي
من جهته، أشار الباحث والدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي إلى صعوبة معرفة ما يجري داخل الحلقة الضيقة لصانع القرار في دمشق؛ بسبب الآلية الأمنية التي يتبعها، وقيام النظام ذاته في كثير من الأحيان بتسريب روايات محددة عما يدور في أروقته، لتتبناها المعارضة السورية وترددها.
ولم يستبعد بربندي -في تصريحاته التي أفاد بها لموقع الجزيرة نت- أن يكون ما جرى في سياق التنافس الروسي الإيراني على مستقبل شكل الحكم في سوريا، حيث يمتلك كل طرف أدواته وأشخاصه داخل المؤسسات السورية.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها الجزيرة نت، فإن القاطرجي عزز علاقاته خلال السنتين الأخيرتين مع حزب الله اللبناني وقيادات الحرس الثوري الإيراني، نظرًا لتقديمه التمويل للفصائل المرتبطة بهما والمنتشرة على الأراضي السورية، مما أعطاه حظوة لدى قيادات حزب الله الرفيعة، ولذلك فإنه كان يقوم بزيارات متكررة إلى بيروت للقاء هذه القيادات.
ومن اللافت أن روسيا لا تعترض الضربات الإسرائيلية التي تطال القيادات الإيرانية والمرتبطة بها على الأراضي السورية، وتكتفي بتحذيرات من تأجيج الصراع في الشرق الأوسط، كما فعلت بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية بسوريا في أبريل/نيسان الفائت.
واستبعد بربندي أن تفضي الأحداث الأخيرة إلى حصول تغيير حقيقي في بنية النظام السوري على المستوى القريب، بالرغم من وصوله لمرحلة ضعف، حيث يعتقد الدبلوماسي السوري السابق أن الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في سوريا راغبة ببقاء النظام بشكله الضعيف الحالي بما يحقق لها مصالحها.
أخبار اليوم - في مايو/أيار الماضي 2024، بدأت سلسلة من الأحداث الغامضة ضمن أروقة القصر الجمهوري السوري، أولها كان الإعلان ببيان رسمي عن إصابة أسماء الأسد قرينة الرئيس بشار الأسد بسرطان الدم (لوكيميا)، وخرجت بعده بمقطع فيديو مثير للجدل تتحدث فيه براحة تامة عن مرضها واستعدادها لمواجهته.
كانت أسماء الأسد لسنوات طويلة واجهة تسويقية للنظام السوري -بحسب مراقبين- كما لعبت دورًا مهمًّا في استقطاب الدعم الأممي والدولي عبر مؤسسة الأمانة العامة للتنمية التي تديرها.
وقبيل الإعلان عن إصابة أسماء بالسرطان، أفادت وسائل إعلام مختصة بنقل أخبار العاصمة دمشق، بتعرض المستشار الاقتصادي يسار إبراهيم -المقرّب من أسماء- لمحاولة اغتيال عن طريق تسميمه بمادة كيميائية.
وتسربت في السنوات الماضية أنباء عن صراعات بين أسماء الأسد ورجال الاقتصاد المحسوبين على 'الدولة' وكانوا واجهتها المالية، مثل رامي مخلوف الذي خرج من المشهد كليًّا بداية عام 2020، ثم انتشرت تسريبات عن صراع بين أسماء ورجال الأعمال من آل قاطرجي وعلى رأسهم حسام وبراء.
أحداث متعاقبة تثير الشكوك
استمر الجدل حول مصير أسماء أسابيع قليلة، ليستحوذ على المشهد في القصر الجمهوري إعلان الرئاسة في مطلع يوليو/تموز الجاري وفاة لونا الشبل المستشارة الخاصة لبشار الأسد، والتي لعبت دورًا مؤثرًا في وضع سياساته الإعلامية التي واجه بها الاحتجاجات الشعبية ضده بعد عام 2011.
وفاة الشبل أتت بعد أيام من الإعلان عن تعرضها لحادث مروري أثناء تنقلها على أحد الطرق الموصلة لمدينة دمشق، حيث تعرضت لنزيف حاد بالدماغ، ورافق الخبر سيل من التسريبات من طرف المعارضة السورية التي تحدثت عن تصفيتها من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني بسبب 'تورطها في تمرير معلومات إلى إسرائيل، ساهمت في اغتيال قيادات للحرس بسوريا'.
ولم يكد يهدأ الجدل حول ظروف وفاة لونا الشبل وحقيقة ما يدور داخل الشبكة الاقتصادية والإعلامية التي اعتمد عليها الأسد طوال فترة الأزمة، حتى أثاره من جديد مقتل رجل الأعمال المقرب من آل الأسد براء القاطرجي جراء استهداف سيارته على الطريق الواصل بين دمشق وبيروت، حيث تحدثت الرواية السورية الرسمية عن تعرضه لغارة إسرائيلية بطائرة مسيرة.
وساهمت عائلة القاطرجي خلال السنوات الماضية في تمويل النظام السوري عبر أنشطتها التجارية، كما لعبت دور الوساطة في تجارة النفط بينه وبين تنظيم 'قسد' (قوات سوريا الديمقراطية) المسيطر على الحقول النفطية شمال شرق سوريا، وقبل ذلك عملت على نقل النفط من الحقول التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي وقت سابق، أدرجت الولايات المتحدة الأميركية كلًّا من براء وحسام على قائمة العقوبات، بسبب تورطهما بتجارة النفط مع تنظيم الدولة، ومساعدة النظام السوري على التهرّب من العقوبات.
إعادة بناء النظام الحاكم
وعلم موقع الجزيرة نت من مصادر في المعارضة السورية لديها متابعة للمباحثات العربية مع الحكومة السورية، ولها اتصالات مع فاعلين إقليميين، أن الدول العربية التي انفتحت مؤخرًا على النظام اشترطت عليه إجراء تغييرات سياسية حقيقية من أجل العمل على إعادة تأهيله، ثم الشروع بمرحلة إعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين.
وبحسب المصادر، فإن الحكومة السورية قد تفكر في إبعاد الوجوه القديمة التي تصدرت المشهد طوال فترة الأزمة، وأصبحت شخصيات إشكالية على المستويين الداخلي والخارجي.
وترى المصادر أن الاهتمام الذي أبداه الأسد بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت منتصف يوليو/تموز الجاري، وظهوره بمقابلة مرئية أثناء الإدلاء بصوته وحديثه عن أهمية البرلمان، ودور المؤسسات التي لا تبنى على الأشخاص، وإمكانية تعديل النظام الداخلي للبرلمان والقوانين التي تحكم عمله؛ كل ذلك يفتح الباب لاحقًا على تسويق إجراء إصلاحات قانونية في سياق التجاوب مع المطالب الدولية.
وأيّد هذا التفسيرَ لما يجري في أروقة الحكم السورية، الباحث في مجال الاقتصادي السياسي والإدارة المحلية، أيمن الدسوقي، حيث اعتبر أن ما يجري يمكن إدراجه ضمن إعادة بناء النظام وما تتطلبه العملية من الضبط الداخلي للنخبة، وإزاحة كل من يشكّل مصدر خطر على مستقبله.
وأكد الدسوقي في حديثه لموقع الجزيرة نت أن النظام السوري لم يتوان سابقًا عن تصفية كل من يشك بولائه، مثل وزير الداخلية الأسبق غازي كنعان وغيره، كما أن مقتل الشبل والقاطرجي في مناطق خاضعة لسيطرة الفرقة الرابعة التي يشرف عليها ماهر الأسد شقيق بشار يعزز من الشكوك أن ما تم هو تصفيات وليست حوادث عادية.
وأشار الدسوقي إلى أن التسريبات تحدثت عن تورط الشبل في تبادل معلومات مع جهات خارجية، كما أن القاطرجي أصبح يمتلك شبكة علاقات قوية مع كل من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وهذا التواصل الخارجي لا بد أنه يقلق أي نظام قائم على أشخاص متشبثين بالسلطة.
كما لم يستبعد الدسوقي أن تكون 'تصفية' الشبل هي إرضاء لإيران من أجل إبعاد الشكوك عن تورط كامل النظام في تسريب معلومات لإسرائيل. وبالمحصلة، فإن التصفيات هي عملية ضبط لمجتمع النخبة السياسية والاقتصادية ضمن الخطوط التي يحددها النظام.
سيناريو التنافس الإيراني الروسي
من جهته، أشار الباحث والدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي إلى صعوبة معرفة ما يجري داخل الحلقة الضيقة لصانع القرار في دمشق؛ بسبب الآلية الأمنية التي يتبعها، وقيام النظام ذاته في كثير من الأحيان بتسريب روايات محددة عما يدور في أروقته، لتتبناها المعارضة السورية وترددها.
ولم يستبعد بربندي -في تصريحاته التي أفاد بها لموقع الجزيرة نت- أن يكون ما جرى في سياق التنافس الروسي الإيراني على مستقبل شكل الحكم في سوريا، حيث يمتلك كل طرف أدواته وأشخاصه داخل المؤسسات السورية.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها الجزيرة نت، فإن القاطرجي عزز علاقاته خلال السنتين الأخيرتين مع حزب الله اللبناني وقيادات الحرس الثوري الإيراني، نظرًا لتقديمه التمويل للفصائل المرتبطة بهما والمنتشرة على الأراضي السورية، مما أعطاه حظوة لدى قيادات حزب الله الرفيعة، ولذلك فإنه كان يقوم بزيارات متكررة إلى بيروت للقاء هذه القيادات.
ومن اللافت أن روسيا لا تعترض الضربات الإسرائيلية التي تطال القيادات الإيرانية والمرتبطة بها على الأراضي السورية، وتكتفي بتحذيرات من تأجيج الصراع في الشرق الأوسط، كما فعلت بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية بسوريا في أبريل/نيسان الفائت.
واستبعد بربندي أن تفضي الأحداث الأخيرة إلى حصول تغيير حقيقي في بنية النظام السوري على المستوى القريب، بالرغم من وصوله لمرحلة ضعف، حيث يعتقد الدبلوماسي السوري السابق أن الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في سوريا راغبة ببقاء النظام بشكله الضعيف الحالي بما يحقق لها مصالحها.
التعليقات