في كل انتخابات رئاسية إيرانية جديدة تضج وسائل الإعلام ومراكز الدراسات وتحليل السياسات العربية والغربية بالتنبؤات والتوقعات حول مسار المتغيرات السياسية الإيرانية مع قدوم أي رئيس جديد واليوم وبعدما وصل الإصلاحيون إلى سدة الرئاسة في الجمهورية الإسلامية في إيران بفوز (مسعود بزشكيان) يتحدث الكثيرون بأمل عن توجهات وسياسات السلطة الحاكمة الجديدة بأن تكون مختلفة كليا عن فترة حكم الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي على المستويين الداخلي والخارجي، والذي منذ تولّيه أعلى منصب في السلطة التنفيذية قبل ثلاث سنوات بعد انتهاء ولاية حسن روحاني اتخذ نهجاً دبلوماسياً يتماشى على نحو وثيق مع رؤية المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي الخامنئي.
التجارب الرئاسية الماضية والواقع الملوس يشيان بغير ذلك كون أي متغيرات مرتقبة ترتبط بسقوف محدودة، ويتحكم في مساراتها بشكل تام المرشد الأعلى بموجب نظام الثورة الإسلامية المعمول به في إيران وهو ما عرفته العواصم الغربية والدولية منذ انطلاق الثورة عام 1979 وخلال فترة حكم كل من الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني حيث لم تحصل أي متغيرات جوهرية كبيرة في السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية، كما أنه في الأصل لا يسمح لرئيس الجمهورية بالانفتاح المُطلق واللامحدود، والذي يعتبر خطراً مستفحلاً على فكر ووجود إيران مع الاعتراف بأن هناك مصلحة إيرانية حقيقية ومهمة في فتح الأبواب لإعادة العلاقات مع الدول الغربية وإنجاز المصالحات الإقليمية والتعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي مع بعض الدول العربية خاصة الخليجية منها
وضرورة استمرار تمتين العلاقات والتحالفات مع الصين وروسيا وتركيا حيث شهد عهد الرئيس الراحل رئيسي نجاحا في بعض تلك المحطات على المستوى الإقليمي، إلا أن المأمول والمنتظر من الرئيس المنتخب بزشكيان هو زيادة توثيقها وتوسيعها وتأطيرها بكل مصداقية وثبات، خصوصا في السعي الجاد نحو إزالة العقوبات الخارجية وبناء علاقات تعاون مع الدول النافذة والمؤثرة في العالمً دون إغفال أهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمعيشية الداخلية لإمكانية النهوض بالبلاد.
الملاحظ عمليا في هذه الجزئية أنه على الرغم من أهمية موقع رئاسة الجمهورية كرأس للسلطة التنفيذية أي الحكومة، إلا أن موقع القرار الحاسم والمتحكم في القضايا كلهم يتمثل بالمرشد الأعلى الذي يعين من قبل مجلس الخبراء، والذي يشغل منصبه حتى وفاته إلا في ظروف استثنائية محددة (الجميع يستظل عباءة المرشد، ويطلب رضاه ورعايته)، ولهذا لم يحصل أي تهديد للقيادة والحكم وعمل المؤسسات والأجهزة الرسمية في المشهد الإيراني بعد وفاة رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير اللهيان، بالرغم من هول المصيبة وشدتها حيث استلم فورا محمد مخبر نائب الرئيس شؤون الرئاسة، وكلف علي السيد باقري بشؤون وزارة الخارجية، وقد حدد موعدا لإجراء الانتخابات دون أي معوقات، واُنْتُخِب رئيس جديد إصلاحياً بنزاهة وشافية والمهم هنا أن نعلم أن نصوص الدستور الإيراني لا تترك أي مجال للتأويل أو للفراغ في أي موقع رسمي هام حيث تسمح على نحو تلقائي بملء أي فراغ دون أية مشاكل دستورية، إضافة إلى أن المرجعية الحاسمة لموقع المرشد الأعلى تستطيع أن تؤمّن أجواء ملائمة من الطمأنينة والاستقرار عند أي استحقاق أو معضلة تطال البلاد مهما عظم شأنها
النظام الإيراني كأيدولوجية ونهج ديني وسياسي استطاع بحزم وقوة بناء قواعد المؤسسات القيادية وترسيخ منظومة عمل أجهزة الدولة وإدارة مؤسساتها بكل إنسانية وعدم التأثر جوهريا بأي أزمة أو مرحلة مهما كانت صعبة أو مفاجئة وبالتالي فإن قدوم أي رئيس للبلاد وبأي هوية أو توجه سيكون محدد الصلاحيات ومقدوره ممارسة حد معين من التكتيكات الداخلية والمناورات الخارجية دون أي تغيير أو مساس بمرتكزات وثوابت الدولة العميقة، وهذا ما على الغرب أن يفهمه جيدا قبل أن يفرك يديه فرحا بقدوم رئيس يمثل التيار الإصلاحي، أو يظهر الخشية والفزع عند فوز أي من أتباع التيار المحافظ المتشدد.
كما أن هنالك في النظام القيادي والسياسي الإيراني عدة سدود حصينة وبوابات دفاعية متينة تقف في وجه أية محاولة لاختراق النظام أو التمرد عليه أو إسقاطه تتمثل في (مجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور مع مجلس النواب وموقع المرشد ودور الحوزة الدينية والأجهزة العسكرية والحرس الثوري والدولة العميقة في الجيش والقضاء والتعليم خاصة الجامعات) وهي مستعدة بحذر ومدربة بكفاءة للتعامل مع استمرارية التشدد الغربي والأميركي تحديداً اللذين ينظران بالشك والريبة إلى التجربة الإيرانية في الحكم القائمة على أساس ديني (الفكر الشيعي الاثني عشري) وولاية الفقيه التي بموجبها يتسلم المرشد الأعلى القيادة والسلطة والمرجعية كنائب للإمام الغائب المهدي المُنتظر محمد بن الحسن العسكري، وبالرغم من كل ذلك لا زالت أمريكا وبعض الدول الغربية تعمل في الدهاليز المخابراتية والمؤامرات المشتركة على محاولة إسقاط الحكم في إيران بالوسائل كلهم بعد فشل محاصرته ومحاولات عزله التي لم تجدِ نفعاً خاصة بعد بروز تيارات وأفكار دولية وسطية تنادي بالتعاون مع إيران والقبول بالحقائق والوقائع والتحولات السياسية القائمة فيها كحل بديل وأفضل لسياسات العداء معها.
العالم بأجمعه راقب مشهد جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي الحاشدة ورفاقه عبر مسيرات التشييع وحجم الحضور الدولي في تقديم العزاء حيث كانت أكبر دليل على رسوخ مبادئ وقواعد النظام والاحتضان الشعبي لتياره والالتفاف حول مؤسسات الدولة والقيادة مع وجود عدم الرضى الداخلي لبعض الفئات كما بعثت عدة رسائل سياسية مهمة إلى الغرب تحديدا والمعارضين في الداخل بعدم إثارة الاحتجاجات كتلك التي حصلت بعد الاضطرابات التي أعقبت مقتل الفتاة مها أميني؛ بسبب قضية الحجاب وكذلك إلى الخارج الذي يرعى أنشطة المعارضين وخصوصاّ جماعة مجاهدي خلق الموجودة حاليا في ألبانيا بعد خروجها من العراق.
لسياسة الخارجية في مختلف أنحاء العالم لا تمليها وزارة الخارجية، بل مستويات السلطة الأعلى وكذلك الحال في إيران، فهي ترسم بالتنسيق والشراكة بين المُرشد الأعلى والمجلس الأعلى للأمن القومي الذي يتألف من الرئيس والوزراء الرئيسيين والقادة العسكريين وأعضاء آخرين يسميهم المرشد شخصياً حيث يناقش مجلس الأمن القومي الملفات المتعلقة بالأمور الدفاعية والسياسة الخارجية، ثم يقدم المقترحات بشأن تنفيذها للمرشد كي يوافق عليها وبدون موافقته الشخصية لا تصبح سارية المفعول بتاتا.
بعد فوز جراح القلب بزشكيان البالغ من العمر 69 عاماً بالرئاسة الإيرانية بعد حصوله على نحو 54 بالمئة من أصوات الناخبين خلال الجولة الثانية بعد سنوات من هيمنة المحافظين على الرئاسة تعهد بالسعي الجادً لفتح حوار مع الغرب لتحسين العلاقات وتسوية الخلافات مع القوى العالمية الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والتخفيف من وطأة العقوبات على بلاده؛ لأن من شأن ذلك أن يحدث حراكًا للاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى تبني سياسة خارجية عملية وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.
على الرغم من أي نوايا صادقة أو سياسات عملية قد يتحلى بها الرئيس الإصلاحي الجديد، فإن العقبات التي ستواجهه كبيرة ومعقدة، وقد تعطل برنامجه، وتفشل مهماته خاصة وكما أسلفنا أننا أن الكلمة الحاسمة في هذا الشأن للمرشد الإيراني ناهيك عن التأثير لبعض القوى المحافظة والمتشددة المتغلغلة في مختلف مفاصل الدولة الهامة يضاف إلى كل ذلك نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة التي سيكون لها تأثير سلبي على السياسة الخارجية والداخلية الإيرانية في حال فوز الرئيس السابق ترامب، وترافق ذلك مع صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية الرئيسية.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة رئيسية ومحورية في المنطقة والعالم، وتحظى بموقع استراتيجي هام جدا حيث شكلت في الماضي القريب والبعيد حاجزاً بين الكتل الدولية المتصارعة؛ ولهذا كانت أراضيها ساحة تنافس شديد خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق، وقد استخدمت جغرافيتها كمفصل جيوسياسي في أكثر من مرحلة، ومن المفيد أن تستعيد إيران دورها الريادي، وأن تحافظ على مكانتها المرموقة ومواجهة العقبات والتحديات بالحكمة غير المفرطة والحزم غير المتشدد في ظل الأجواء المشحونة بالكراهية والعداء مع معظم دول العالم
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com
مهدي مبارك عبد الله
في كل انتخابات رئاسية إيرانية جديدة تضج وسائل الإعلام ومراكز الدراسات وتحليل السياسات العربية والغربية بالتنبؤات والتوقعات حول مسار المتغيرات السياسية الإيرانية مع قدوم أي رئيس جديد واليوم وبعدما وصل الإصلاحيون إلى سدة الرئاسة في الجمهورية الإسلامية في إيران بفوز (مسعود بزشكيان) يتحدث الكثيرون بأمل عن توجهات وسياسات السلطة الحاكمة الجديدة بأن تكون مختلفة كليا عن فترة حكم الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي على المستويين الداخلي والخارجي، والذي منذ تولّيه أعلى منصب في السلطة التنفيذية قبل ثلاث سنوات بعد انتهاء ولاية حسن روحاني اتخذ نهجاً دبلوماسياً يتماشى على نحو وثيق مع رؤية المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي الخامنئي.
التجارب الرئاسية الماضية والواقع الملوس يشيان بغير ذلك كون أي متغيرات مرتقبة ترتبط بسقوف محدودة، ويتحكم في مساراتها بشكل تام المرشد الأعلى بموجب نظام الثورة الإسلامية المعمول به في إيران وهو ما عرفته العواصم الغربية والدولية منذ انطلاق الثورة عام 1979 وخلال فترة حكم كل من الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني حيث لم تحصل أي متغيرات جوهرية كبيرة في السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية، كما أنه في الأصل لا يسمح لرئيس الجمهورية بالانفتاح المُطلق واللامحدود، والذي يعتبر خطراً مستفحلاً على فكر ووجود إيران مع الاعتراف بأن هناك مصلحة إيرانية حقيقية ومهمة في فتح الأبواب لإعادة العلاقات مع الدول الغربية وإنجاز المصالحات الإقليمية والتعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي مع بعض الدول العربية خاصة الخليجية منها
وضرورة استمرار تمتين العلاقات والتحالفات مع الصين وروسيا وتركيا حيث شهد عهد الرئيس الراحل رئيسي نجاحا في بعض تلك المحطات على المستوى الإقليمي، إلا أن المأمول والمنتظر من الرئيس المنتخب بزشكيان هو زيادة توثيقها وتوسيعها وتأطيرها بكل مصداقية وثبات، خصوصا في السعي الجاد نحو إزالة العقوبات الخارجية وبناء علاقات تعاون مع الدول النافذة والمؤثرة في العالمً دون إغفال أهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمعيشية الداخلية لإمكانية النهوض بالبلاد.
الملاحظ عمليا في هذه الجزئية أنه على الرغم من أهمية موقع رئاسة الجمهورية كرأس للسلطة التنفيذية أي الحكومة، إلا أن موقع القرار الحاسم والمتحكم في القضايا كلهم يتمثل بالمرشد الأعلى الذي يعين من قبل مجلس الخبراء، والذي يشغل منصبه حتى وفاته إلا في ظروف استثنائية محددة (الجميع يستظل عباءة المرشد، ويطلب رضاه ورعايته)، ولهذا لم يحصل أي تهديد للقيادة والحكم وعمل المؤسسات والأجهزة الرسمية في المشهد الإيراني بعد وفاة رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير اللهيان، بالرغم من هول المصيبة وشدتها حيث استلم فورا محمد مخبر نائب الرئيس شؤون الرئاسة، وكلف علي السيد باقري بشؤون وزارة الخارجية، وقد حدد موعدا لإجراء الانتخابات دون أي معوقات، واُنْتُخِب رئيس جديد إصلاحياً بنزاهة وشافية والمهم هنا أن نعلم أن نصوص الدستور الإيراني لا تترك أي مجال للتأويل أو للفراغ في أي موقع رسمي هام حيث تسمح على نحو تلقائي بملء أي فراغ دون أية مشاكل دستورية، إضافة إلى أن المرجعية الحاسمة لموقع المرشد الأعلى تستطيع أن تؤمّن أجواء ملائمة من الطمأنينة والاستقرار عند أي استحقاق أو معضلة تطال البلاد مهما عظم شأنها
النظام الإيراني كأيدولوجية ونهج ديني وسياسي استطاع بحزم وقوة بناء قواعد المؤسسات القيادية وترسيخ منظومة عمل أجهزة الدولة وإدارة مؤسساتها بكل إنسانية وعدم التأثر جوهريا بأي أزمة أو مرحلة مهما كانت صعبة أو مفاجئة وبالتالي فإن قدوم أي رئيس للبلاد وبأي هوية أو توجه سيكون محدد الصلاحيات ومقدوره ممارسة حد معين من التكتيكات الداخلية والمناورات الخارجية دون أي تغيير أو مساس بمرتكزات وثوابت الدولة العميقة، وهذا ما على الغرب أن يفهمه جيدا قبل أن يفرك يديه فرحا بقدوم رئيس يمثل التيار الإصلاحي، أو يظهر الخشية والفزع عند فوز أي من أتباع التيار المحافظ المتشدد.
كما أن هنالك في النظام القيادي والسياسي الإيراني عدة سدود حصينة وبوابات دفاعية متينة تقف في وجه أية محاولة لاختراق النظام أو التمرد عليه أو إسقاطه تتمثل في (مجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور مع مجلس النواب وموقع المرشد ودور الحوزة الدينية والأجهزة العسكرية والحرس الثوري والدولة العميقة في الجيش والقضاء والتعليم خاصة الجامعات) وهي مستعدة بحذر ومدربة بكفاءة للتعامل مع استمرارية التشدد الغربي والأميركي تحديداً اللذين ينظران بالشك والريبة إلى التجربة الإيرانية في الحكم القائمة على أساس ديني (الفكر الشيعي الاثني عشري) وولاية الفقيه التي بموجبها يتسلم المرشد الأعلى القيادة والسلطة والمرجعية كنائب للإمام الغائب المهدي المُنتظر محمد بن الحسن العسكري، وبالرغم من كل ذلك لا زالت أمريكا وبعض الدول الغربية تعمل في الدهاليز المخابراتية والمؤامرات المشتركة على محاولة إسقاط الحكم في إيران بالوسائل كلهم بعد فشل محاصرته ومحاولات عزله التي لم تجدِ نفعاً خاصة بعد بروز تيارات وأفكار دولية وسطية تنادي بالتعاون مع إيران والقبول بالحقائق والوقائع والتحولات السياسية القائمة فيها كحل بديل وأفضل لسياسات العداء معها.
العالم بأجمعه راقب مشهد جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي الحاشدة ورفاقه عبر مسيرات التشييع وحجم الحضور الدولي في تقديم العزاء حيث كانت أكبر دليل على رسوخ مبادئ وقواعد النظام والاحتضان الشعبي لتياره والالتفاف حول مؤسسات الدولة والقيادة مع وجود عدم الرضى الداخلي لبعض الفئات كما بعثت عدة رسائل سياسية مهمة إلى الغرب تحديدا والمعارضين في الداخل بعدم إثارة الاحتجاجات كتلك التي حصلت بعد الاضطرابات التي أعقبت مقتل الفتاة مها أميني؛ بسبب قضية الحجاب وكذلك إلى الخارج الذي يرعى أنشطة المعارضين وخصوصاّ جماعة مجاهدي خلق الموجودة حاليا في ألبانيا بعد خروجها من العراق.
لسياسة الخارجية في مختلف أنحاء العالم لا تمليها وزارة الخارجية، بل مستويات السلطة الأعلى وكذلك الحال في إيران، فهي ترسم بالتنسيق والشراكة بين المُرشد الأعلى والمجلس الأعلى للأمن القومي الذي يتألف من الرئيس والوزراء الرئيسيين والقادة العسكريين وأعضاء آخرين يسميهم المرشد شخصياً حيث يناقش مجلس الأمن القومي الملفات المتعلقة بالأمور الدفاعية والسياسة الخارجية، ثم يقدم المقترحات بشأن تنفيذها للمرشد كي يوافق عليها وبدون موافقته الشخصية لا تصبح سارية المفعول بتاتا.
بعد فوز جراح القلب بزشكيان البالغ من العمر 69 عاماً بالرئاسة الإيرانية بعد حصوله على نحو 54 بالمئة من أصوات الناخبين خلال الجولة الثانية بعد سنوات من هيمنة المحافظين على الرئاسة تعهد بالسعي الجادً لفتح حوار مع الغرب لتحسين العلاقات وتسوية الخلافات مع القوى العالمية الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والتخفيف من وطأة العقوبات على بلاده؛ لأن من شأن ذلك أن يحدث حراكًا للاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى تبني سياسة خارجية عملية وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.
على الرغم من أي نوايا صادقة أو سياسات عملية قد يتحلى بها الرئيس الإصلاحي الجديد، فإن العقبات التي ستواجهه كبيرة ومعقدة، وقد تعطل برنامجه، وتفشل مهماته خاصة وكما أسلفنا أننا أن الكلمة الحاسمة في هذا الشأن للمرشد الإيراني ناهيك عن التأثير لبعض القوى المحافظة والمتشددة المتغلغلة في مختلف مفاصل الدولة الهامة يضاف إلى كل ذلك نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة التي سيكون لها تأثير سلبي على السياسة الخارجية والداخلية الإيرانية في حال فوز الرئيس السابق ترامب، وترافق ذلك مع صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية الرئيسية.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة رئيسية ومحورية في المنطقة والعالم، وتحظى بموقع استراتيجي هام جدا حيث شكلت في الماضي القريب والبعيد حاجزاً بين الكتل الدولية المتصارعة؛ ولهذا كانت أراضيها ساحة تنافس شديد خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق، وقد استخدمت جغرافيتها كمفصل جيوسياسي في أكثر من مرحلة، ومن المفيد أن تستعيد إيران دورها الريادي، وأن تحافظ على مكانتها المرموقة ومواجهة العقبات والتحديات بالحكمة غير المفرطة والحزم غير المتشدد في ظل الأجواء المشحونة بالكراهية والعداء مع معظم دول العالم
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com
مهدي مبارك عبد الله
في كل انتخابات رئاسية إيرانية جديدة تضج وسائل الإعلام ومراكز الدراسات وتحليل السياسات العربية والغربية بالتنبؤات والتوقعات حول مسار المتغيرات السياسية الإيرانية مع قدوم أي رئيس جديد واليوم وبعدما وصل الإصلاحيون إلى سدة الرئاسة في الجمهورية الإسلامية في إيران بفوز (مسعود بزشكيان) يتحدث الكثيرون بأمل عن توجهات وسياسات السلطة الحاكمة الجديدة بأن تكون مختلفة كليا عن فترة حكم الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي على المستويين الداخلي والخارجي، والذي منذ تولّيه أعلى منصب في السلطة التنفيذية قبل ثلاث سنوات بعد انتهاء ولاية حسن روحاني اتخذ نهجاً دبلوماسياً يتماشى على نحو وثيق مع رؤية المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي الخامنئي.
التجارب الرئاسية الماضية والواقع الملوس يشيان بغير ذلك كون أي متغيرات مرتقبة ترتبط بسقوف محدودة، ويتحكم في مساراتها بشكل تام المرشد الأعلى بموجب نظام الثورة الإسلامية المعمول به في إيران وهو ما عرفته العواصم الغربية والدولية منذ انطلاق الثورة عام 1979 وخلال فترة حكم كل من الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني حيث لم تحصل أي متغيرات جوهرية كبيرة في السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية، كما أنه في الأصل لا يسمح لرئيس الجمهورية بالانفتاح المُطلق واللامحدود، والذي يعتبر خطراً مستفحلاً على فكر ووجود إيران مع الاعتراف بأن هناك مصلحة إيرانية حقيقية ومهمة في فتح الأبواب لإعادة العلاقات مع الدول الغربية وإنجاز المصالحات الإقليمية والتعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي مع بعض الدول العربية خاصة الخليجية منها
وضرورة استمرار تمتين العلاقات والتحالفات مع الصين وروسيا وتركيا حيث شهد عهد الرئيس الراحل رئيسي نجاحا في بعض تلك المحطات على المستوى الإقليمي، إلا أن المأمول والمنتظر من الرئيس المنتخب بزشكيان هو زيادة توثيقها وتوسيعها وتأطيرها بكل مصداقية وثبات، خصوصا في السعي الجاد نحو إزالة العقوبات الخارجية وبناء علاقات تعاون مع الدول النافذة والمؤثرة في العالمً دون إغفال أهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمعيشية الداخلية لإمكانية النهوض بالبلاد.
الملاحظ عمليا في هذه الجزئية أنه على الرغم من أهمية موقع رئاسة الجمهورية كرأس للسلطة التنفيذية أي الحكومة، إلا أن موقع القرار الحاسم والمتحكم في القضايا كلهم يتمثل بالمرشد الأعلى الذي يعين من قبل مجلس الخبراء، والذي يشغل منصبه حتى وفاته إلا في ظروف استثنائية محددة (الجميع يستظل عباءة المرشد، ويطلب رضاه ورعايته)، ولهذا لم يحصل أي تهديد للقيادة والحكم وعمل المؤسسات والأجهزة الرسمية في المشهد الإيراني بعد وفاة رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير اللهيان، بالرغم من هول المصيبة وشدتها حيث استلم فورا محمد مخبر نائب الرئيس شؤون الرئاسة، وكلف علي السيد باقري بشؤون وزارة الخارجية، وقد حدد موعدا لإجراء الانتخابات دون أي معوقات، واُنْتُخِب رئيس جديد إصلاحياً بنزاهة وشافية والمهم هنا أن نعلم أن نصوص الدستور الإيراني لا تترك أي مجال للتأويل أو للفراغ في أي موقع رسمي هام حيث تسمح على نحو تلقائي بملء أي فراغ دون أية مشاكل دستورية، إضافة إلى أن المرجعية الحاسمة لموقع المرشد الأعلى تستطيع أن تؤمّن أجواء ملائمة من الطمأنينة والاستقرار عند أي استحقاق أو معضلة تطال البلاد مهما عظم شأنها
النظام الإيراني كأيدولوجية ونهج ديني وسياسي استطاع بحزم وقوة بناء قواعد المؤسسات القيادية وترسيخ منظومة عمل أجهزة الدولة وإدارة مؤسساتها بكل إنسانية وعدم التأثر جوهريا بأي أزمة أو مرحلة مهما كانت صعبة أو مفاجئة وبالتالي فإن قدوم أي رئيس للبلاد وبأي هوية أو توجه سيكون محدد الصلاحيات ومقدوره ممارسة حد معين من التكتيكات الداخلية والمناورات الخارجية دون أي تغيير أو مساس بمرتكزات وثوابت الدولة العميقة، وهذا ما على الغرب أن يفهمه جيدا قبل أن يفرك يديه فرحا بقدوم رئيس يمثل التيار الإصلاحي، أو يظهر الخشية والفزع عند فوز أي من أتباع التيار المحافظ المتشدد.
كما أن هنالك في النظام القيادي والسياسي الإيراني عدة سدود حصينة وبوابات دفاعية متينة تقف في وجه أية محاولة لاختراق النظام أو التمرد عليه أو إسقاطه تتمثل في (مجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور مع مجلس النواب وموقع المرشد ودور الحوزة الدينية والأجهزة العسكرية والحرس الثوري والدولة العميقة في الجيش والقضاء والتعليم خاصة الجامعات) وهي مستعدة بحذر ومدربة بكفاءة للتعامل مع استمرارية التشدد الغربي والأميركي تحديداً اللذين ينظران بالشك والريبة إلى التجربة الإيرانية في الحكم القائمة على أساس ديني (الفكر الشيعي الاثني عشري) وولاية الفقيه التي بموجبها يتسلم المرشد الأعلى القيادة والسلطة والمرجعية كنائب للإمام الغائب المهدي المُنتظر محمد بن الحسن العسكري، وبالرغم من كل ذلك لا زالت أمريكا وبعض الدول الغربية تعمل في الدهاليز المخابراتية والمؤامرات المشتركة على محاولة إسقاط الحكم في إيران بالوسائل كلهم بعد فشل محاصرته ومحاولات عزله التي لم تجدِ نفعاً خاصة بعد بروز تيارات وأفكار دولية وسطية تنادي بالتعاون مع إيران والقبول بالحقائق والوقائع والتحولات السياسية القائمة فيها كحل بديل وأفضل لسياسات العداء معها.
العالم بأجمعه راقب مشهد جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي الحاشدة ورفاقه عبر مسيرات التشييع وحجم الحضور الدولي في تقديم العزاء حيث كانت أكبر دليل على رسوخ مبادئ وقواعد النظام والاحتضان الشعبي لتياره والالتفاف حول مؤسسات الدولة والقيادة مع وجود عدم الرضى الداخلي لبعض الفئات كما بعثت عدة رسائل سياسية مهمة إلى الغرب تحديدا والمعارضين في الداخل بعدم إثارة الاحتجاجات كتلك التي حصلت بعد الاضطرابات التي أعقبت مقتل الفتاة مها أميني؛ بسبب قضية الحجاب وكذلك إلى الخارج الذي يرعى أنشطة المعارضين وخصوصاّ جماعة مجاهدي خلق الموجودة حاليا في ألبانيا بعد خروجها من العراق.
لسياسة الخارجية في مختلف أنحاء العالم لا تمليها وزارة الخارجية، بل مستويات السلطة الأعلى وكذلك الحال في إيران، فهي ترسم بالتنسيق والشراكة بين المُرشد الأعلى والمجلس الأعلى للأمن القومي الذي يتألف من الرئيس والوزراء الرئيسيين والقادة العسكريين وأعضاء آخرين يسميهم المرشد شخصياً حيث يناقش مجلس الأمن القومي الملفات المتعلقة بالأمور الدفاعية والسياسة الخارجية، ثم يقدم المقترحات بشأن تنفيذها للمرشد كي يوافق عليها وبدون موافقته الشخصية لا تصبح سارية المفعول بتاتا.
بعد فوز جراح القلب بزشكيان البالغ من العمر 69 عاماً بالرئاسة الإيرانية بعد حصوله على نحو 54 بالمئة من أصوات الناخبين خلال الجولة الثانية بعد سنوات من هيمنة المحافظين على الرئاسة تعهد بالسعي الجادً لفتح حوار مع الغرب لتحسين العلاقات وتسوية الخلافات مع القوى العالمية الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والتخفيف من وطأة العقوبات على بلاده؛ لأن من شأن ذلك أن يحدث حراكًا للاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى تبني سياسة خارجية عملية وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.
على الرغم من أي نوايا صادقة أو سياسات عملية قد يتحلى بها الرئيس الإصلاحي الجديد، فإن العقبات التي ستواجهه كبيرة ومعقدة، وقد تعطل برنامجه، وتفشل مهماته خاصة وكما أسلفنا أننا أن الكلمة الحاسمة في هذا الشأن للمرشد الإيراني ناهيك عن التأثير لبعض القوى المحافظة والمتشددة المتغلغلة في مختلف مفاصل الدولة الهامة يضاف إلى كل ذلك نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة التي سيكون لها تأثير سلبي على السياسة الخارجية والداخلية الإيرانية في حال فوز الرئيس السابق ترامب، وترافق ذلك مع صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية الرئيسية.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة رئيسية ومحورية في المنطقة والعالم، وتحظى بموقع استراتيجي هام جدا حيث شكلت في الماضي القريب والبعيد حاجزاً بين الكتل الدولية المتصارعة؛ ولهذا كانت أراضيها ساحة تنافس شديد خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق، وقد استخدمت جغرافيتها كمفصل جيوسياسي في أكثر من مرحلة، ومن المفيد أن تستعيد إيران دورها الريادي، وأن تحافظ على مكانتها المرموقة ومواجهة العقبات والتحديات بالحكمة غير المفرطة والحزم غير المتشدد في ظل الأجواء المشحونة بالكراهية والعداء مع معظم دول العالم
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com
التعليقات
بعد الانتخابات الأخيرة الغرب لا زال عاجزاً عن فهم إيران
 
طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور
اظهار التعليقات
التعليقات