راكان السعايدة
للوهلة الأولى تبدو إجابة سؤال: 'ما مشكلتنا في الأردن..؟' صعبة ومعقدة، لكنها في الواقع سهلة وبسيطة؛ مشكلتنا أن طبقة المسؤولين منفصلة عن الواقع، وعن الناس. ويتفرع عن هذه المشكلة عشرات المشاكل والعلل.
هكذا، باختصار وبكل وضوح، فأي طبقة تقرأ الواقع وما في قلوب الناس وعقولهم من أبراجها العالية، لن تقرأ كما ينبغي للقراءة أن تكون.
من هنا يحدث الانفصال بين المسؤول والناس، وتتعمق الغربة، وتنعدم الثقة، ويبرز الشك، فيحدث التحول في وعي الناس واتجاهاتهم ونظرتهم إلى دولتهم ويصبح الكامن في نفوسهم صعبًا ومقلقًا، ولن أقول مرعبًا.
إن طبقة المسؤولين التي لا تنظر إلى الواقع باهتمام، وإلى ما في نفوس الناس بتقدير، تجلب المخاطر لأنها بأسلوبها في إدارة الدولة تحفر في وجدان الناس جارفة كل قيمهم وثوابتهم.
لماذا..؟
لأنه ببساطة، الحكومات ومؤسساتها لا تقوم بدورها، ومجالس الأمة لا تمارس صلاحياتها، رقابة وتشريعًا، فيقع الخلل في كل الشؤون، والمتضرر الأكبر هنا قاعدة الدولة الاجتماعية.
العلة ليست في هياكل الدولة المؤسسية والوظيفية، وإن كانت هذه الأخيرة قد تضررت، وإنما العلة في الأشخاص الذين يقودونها، هذه الطبقة من الأشخاص المسؤولين لا تتوافر فيهم مواصفات القيادة، وتحكمهم عقلية الموظف لا عقلية رجل الدولة.
لذا؛ لم تصدر هذه المؤسسات، في ظل نوعية الأشخاص القائمين عليها، إلى القاعدة الاجتماعية إلاّ الوعود الوهمية الإنشائية، وسنة فوق سنة تراكم يقين القاعدة الاجتماعية وقناعتها بعدم الجدوى ولسان حالهم يقول: 'فالج لا تعالج'.
لقد وصل الناس مرحلة الإشباع الكامل ولم يعودوا يصدقون شيئًا مما يوعدون به ويسمعونه، ولا يرون إلّا لعبة تدوير الكراسي والزوايا.
وفي كل مرة، في هذه اللعبة، تأتي طبقة من المسؤولين تكون منقطعة الصلة عن واقعها أكثر من سابقتها، فيدب اليأس ويتغلغل في نفوس الناس، وكون قناعتهم ألّا أمل.
هل هذه النهاية..؟
بالتأكيد لا، ليست هذه هي النهاية، لدينا فرصة، وربما أخيرة، لتغيير الواقع وقلب المسار. هذه الفرصة تتوقف على أمرين:
الأول: الاقتناع بأن الواقع الراهن وصل خط النهاية، وأن 'ثورة بيضاء' لإصلاح نوعي لكل أشكال الخلل باتت ضرورة. والآخر: إرادة حاسمة ونهائية قائمة على الوعي والفهم والإدراك بضرورة التغيير.
ولتكن البداية مع مجلس نواب نوعي ومختلف، وطبقة حكم أكثر كفاءة وأكثر صلة بواقع القاعدة الاجتماعية، وأكثر قدرة وواقعية في معالجة الاختلالات والعلل بلا تذاكٍ أو فهلوة.
والأصل أن مجلس النواب المقبل والحكومة التعبير الدقيق عن مرحلة جديدة تم التأسيس لها في برنامج التحديث السياسي بما يستدعي ليس فقط تحديث المؤسسات وآليات عملها، وإنما أيضًا نوعية من يقودها.
مثل هذه النقلة النوعية، إن أردنا، تستدعي اللجوء إلى خيارات وظيفية مختلفة ونوعية، بمعنى أنها تحتاج إلى رجال دولة في مواقع المسؤولية كلها، وليس موظفين في مواقع وظيفية كبيرة.
رجال الدولة معنيٌّون بالدولة وكل مكوناتها، وهؤلاء يختلف نمط تفكيرهم وعملهم واشتباكهم مع القضايا الوطنية اختلافًا كليًا عن نمط تفكير الموظف وعمله واشتباكه، الذي همه الأول والأخير المحافظة على مكاسبه وامتيازاته ولو 'خربت مالطا'.
نعم، لدينا فرصة ثمينة يجب ألّا نفوّتها، أو نتجاهلها، كي لا نندم، علينا اقتناصها والاستثمار فيها لبناء حالة وطنية متماسكة قوية تجابه التحديات والصعاب، فلا قدرة على مجابهة مخاطر الإقليم إلّا بجبهة وطنية موحدة، وأول وحدتها أن يقودها رجال دولة.
استدعوا رجال دولة.. الآن.. فهم يعلمون ما ينبغي أن يكون وما يفعلون وما سيحققون..
راكان السعايدة
للوهلة الأولى تبدو إجابة سؤال: 'ما مشكلتنا في الأردن..؟' صعبة ومعقدة، لكنها في الواقع سهلة وبسيطة؛ مشكلتنا أن طبقة المسؤولين منفصلة عن الواقع، وعن الناس. ويتفرع عن هذه المشكلة عشرات المشاكل والعلل.
هكذا، باختصار وبكل وضوح، فأي طبقة تقرأ الواقع وما في قلوب الناس وعقولهم من أبراجها العالية، لن تقرأ كما ينبغي للقراءة أن تكون.
من هنا يحدث الانفصال بين المسؤول والناس، وتتعمق الغربة، وتنعدم الثقة، ويبرز الشك، فيحدث التحول في وعي الناس واتجاهاتهم ونظرتهم إلى دولتهم ويصبح الكامن في نفوسهم صعبًا ومقلقًا، ولن أقول مرعبًا.
إن طبقة المسؤولين التي لا تنظر إلى الواقع باهتمام، وإلى ما في نفوس الناس بتقدير، تجلب المخاطر لأنها بأسلوبها في إدارة الدولة تحفر في وجدان الناس جارفة كل قيمهم وثوابتهم.
لماذا..؟
لأنه ببساطة، الحكومات ومؤسساتها لا تقوم بدورها، ومجالس الأمة لا تمارس صلاحياتها، رقابة وتشريعًا، فيقع الخلل في كل الشؤون، والمتضرر الأكبر هنا قاعدة الدولة الاجتماعية.
العلة ليست في هياكل الدولة المؤسسية والوظيفية، وإن كانت هذه الأخيرة قد تضررت، وإنما العلة في الأشخاص الذين يقودونها، هذه الطبقة من الأشخاص المسؤولين لا تتوافر فيهم مواصفات القيادة، وتحكمهم عقلية الموظف لا عقلية رجل الدولة.
لذا؛ لم تصدر هذه المؤسسات، في ظل نوعية الأشخاص القائمين عليها، إلى القاعدة الاجتماعية إلاّ الوعود الوهمية الإنشائية، وسنة فوق سنة تراكم يقين القاعدة الاجتماعية وقناعتها بعدم الجدوى ولسان حالهم يقول: 'فالج لا تعالج'.
لقد وصل الناس مرحلة الإشباع الكامل ولم يعودوا يصدقون شيئًا مما يوعدون به ويسمعونه، ولا يرون إلّا لعبة تدوير الكراسي والزوايا.
وفي كل مرة، في هذه اللعبة، تأتي طبقة من المسؤولين تكون منقطعة الصلة عن واقعها أكثر من سابقتها، فيدب اليأس ويتغلغل في نفوس الناس، وكون قناعتهم ألّا أمل.
هل هذه النهاية..؟
بالتأكيد لا، ليست هذه هي النهاية، لدينا فرصة، وربما أخيرة، لتغيير الواقع وقلب المسار. هذه الفرصة تتوقف على أمرين:
الأول: الاقتناع بأن الواقع الراهن وصل خط النهاية، وأن 'ثورة بيضاء' لإصلاح نوعي لكل أشكال الخلل باتت ضرورة. والآخر: إرادة حاسمة ونهائية قائمة على الوعي والفهم والإدراك بضرورة التغيير.
ولتكن البداية مع مجلس نواب نوعي ومختلف، وطبقة حكم أكثر كفاءة وأكثر صلة بواقع القاعدة الاجتماعية، وأكثر قدرة وواقعية في معالجة الاختلالات والعلل بلا تذاكٍ أو فهلوة.
والأصل أن مجلس النواب المقبل والحكومة التعبير الدقيق عن مرحلة جديدة تم التأسيس لها في برنامج التحديث السياسي بما يستدعي ليس فقط تحديث المؤسسات وآليات عملها، وإنما أيضًا نوعية من يقودها.
مثل هذه النقلة النوعية، إن أردنا، تستدعي اللجوء إلى خيارات وظيفية مختلفة ونوعية، بمعنى أنها تحتاج إلى رجال دولة في مواقع المسؤولية كلها، وليس موظفين في مواقع وظيفية كبيرة.
رجال الدولة معنيٌّون بالدولة وكل مكوناتها، وهؤلاء يختلف نمط تفكيرهم وعملهم واشتباكهم مع القضايا الوطنية اختلافًا كليًا عن نمط تفكير الموظف وعمله واشتباكه، الذي همه الأول والأخير المحافظة على مكاسبه وامتيازاته ولو 'خربت مالطا'.
نعم، لدينا فرصة ثمينة يجب ألّا نفوّتها، أو نتجاهلها، كي لا نندم، علينا اقتناصها والاستثمار فيها لبناء حالة وطنية متماسكة قوية تجابه التحديات والصعاب، فلا قدرة على مجابهة مخاطر الإقليم إلّا بجبهة وطنية موحدة، وأول وحدتها أن يقودها رجال دولة.
استدعوا رجال دولة.. الآن.. فهم يعلمون ما ينبغي أن يكون وما يفعلون وما سيحققون..
راكان السعايدة
للوهلة الأولى تبدو إجابة سؤال: 'ما مشكلتنا في الأردن..؟' صعبة ومعقدة، لكنها في الواقع سهلة وبسيطة؛ مشكلتنا أن طبقة المسؤولين منفصلة عن الواقع، وعن الناس. ويتفرع عن هذه المشكلة عشرات المشاكل والعلل.
هكذا، باختصار وبكل وضوح، فأي طبقة تقرأ الواقع وما في قلوب الناس وعقولهم من أبراجها العالية، لن تقرأ كما ينبغي للقراءة أن تكون.
من هنا يحدث الانفصال بين المسؤول والناس، وتتعمق الغربة، وتنعدم الثقة، ويبرز الشك، فيحدث التحول في وعي الناس واتجاهاتهم ونظرتهم إلى دولتهم ويصبح الكامن في نفوسهم صعبًا ومقلقًا، ولن أقول مرعبًا.
إن طبقة المسؤولين التي لا تنظر إلى الواقع باهتمام، وإلى ما في نفوس الناس بتقدير، تجلب المخاطر لأنها بأسلوبها في إدارة الدولة تحفر في وجدان الناس جارفة كل قيمهم وثوابتهم.
لماذا..؟
لأنه ببساطة، الحكومات ومؤسساتها لا تقوم بدورها، ومجالس الأمة لا تمارس صلاحياتها، رقابة وتشريعًا، فيقع الخلل في كل الشؤون، والمتضرر الأكبر هنا قاعدة الدولة الاجتماعية.
العلة ليست في هياكل الدولة المؤسسية والوظيفية، وإن كانت هذه الأخيرة قد تضررت، وإنما العلة في الأشخاص الذين يقودونها، هذه الطبقة من الأشخاص المسؤولين لا تتوافر فيهم مواصفات القيادة، وتحكمهم عقلية الموظف لا عقلية رجل الدولة.
لذا؛ لم تصدر هذه المؤسسات، في ظل نوعية الأشخاص القائمين عليها، إلى القاعدة الاجتماعية إلاّ الوعود الوهمية الإنشائية، وسنة فوق سنة تراكم يقين القاعدة الاجتماعية وقناعتها بعدم الجدوى ولسان حالهم يقول: 'فالج لا تعالج'.
لقد وصل الناس مرحلة الإشباع الكامل ولم يعودوا يصدقون شيئًا مما يوعدون به ويسمعونه، ولا يرون إلّا لعبة تدوير الكراسي والزوايا.
وفي كل مرة، في هذه اللعبة، تأتي طبقة من المسؤولين تكون منقطعة الصلة عن واقعها أكثر من سابقتها، فيدب اليأس ويتغلغل في نفوس الناس، وكون قناعتهم ألّا أمل.
هل هذه النهاية..؟
بالتأكيد لا، ليست هذه هي النهاية، لدينا فرصة، وربما أخيرة، لتغيير الواقع وقلب المسار. هذه الفرصة تتوقف على أمرين:
الأول: الاقتناع بأن الواقع الراهن وصل خط النهاية، وأن 'ثورة بيضاء' لإصلاح نوعي لكل أشكال الخلل باتت ضرورة. والآخر: إرادة حاسمة ونهائية قائمة على الوعي والفهم والإدراك بضرورة التغيير.
ولتكن البداية مع مجلس نواب نوعي ومختلف، وطبقة حكم أكثر كفاءة وأكثر صلة بواقع القاعدة الاجتماعية، وأكثر قدرة وواقعية في معالجة الاختلالات والعلل بلا تذاكٍ أو فهلوة.
والأصل أن مجلس النواب المقبل والحكومة التعبير الدقيق عن مرحلة جديدة تم التأسيس لها في برنامج التحديث السياسي بما يستدعي ليس فقط تحديث المؤسسات وآليات عملها، وإنما أيضًا نوعية من يقودها.
مثل هذه النقلة النوعية، إن أردنا، تستدعي اللجوء إلى خيارات وظيفية مختلفة ونوعية، بمعنى أنها تحتاج إلى رجال دولة في مواقع المسؤولية كلها، وليس موظفين في مواقع وظيفية كبيرة.
رجال الدولة معنيٌّون بالدولة وكل مكوناتها، وهؤلاء يختلف نمط تفكيرهم وعملهم واشتباكهم مع القضايا الوطنية اختلافًا كليًا عن نمط تفكير الموظف وعمله واشتباكه، الذي همه الأول والأخير المحافظة على مكاسبه وامتيازاته ولو 'خربت مالطا'.
نعم، لدينا فرصة ثمينة يجب ألّا نفوّتها، أو نتجاهلها، كي لا نندم، علينا اقتناصها والاستثمار فيها لبناء حالة وطنية متماسكة قوية تجابه التحديات والصعاب، فلا قدرة على مجابهة مخاطر الإقليم إلّا بجبهة وطنية موحدة، وأول وحدتها أن يقودها رجال دولة.
استدعوا رجال دولة.. الآن.. فهم يعلمون ما ينبغي أن يكون وما يفعلون وما سيحققون..
التعليقات