مختصون: هذه الممارسات ابتزاز للناخبين ومساس بحقهم الدستوري في حريّة اختيار من يمثلهم.
مختصون: الرَّشوة الانتخابيّة تستهدف حاجات الناس في المناطق الفقيرة لمواجهة الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة.
المستقلة للانتخاب: الرَّشوة الانتخابيّة تقوِّض الثقة بالانتخابات، وتبدِّد الثقة بأعمال المجالس النيابيّة المُنتخبَة.
نصراوين: قانون الانتخاب يُجرِّم فعل شراء الأصوات والعقوبة بالحبس مدَّة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين.
مناع: الشخص الذي يقبل الرَّشوة يعاني عدم الثقة بالنفس، ويشعر بالذنب والخزي والعار.
الإفتاء العام: يحرم على المرشح للانتخابات تقديم الأموال والرشاوى لشراء الأصوات.
أخبار اليوم - سمير الصمادي - كلَّما اقترب موعد إجراء الانتخابات البرلمانيّة المُقرَّرَة في شهر أيلول المقبل؛ يتزايد الحديث عن الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، وتتصاعد المخاوف من تأثير استخدام ما يسمى بالمال الأسود على إرادة الناخبين، مما يثير الشكوك حول نزاهة العمليّة الانتخابيّة والجدوى منها.
الحديث عن الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الذمم والأصوات ليس جديدًا، إذ يُتَدَاوَل بين شرائح المجتمع، وفي مختلف الأوساط السياسيّة والاجتماعيّة، ويتناقله المواطنون مع بداية كل دورة انتخابيّة؛ ليصبح حديث الساعة.
في هذا التقرير تستعرض 'أخبار اليوم' مع مختصين؛ مفهوم الرَّشوة الانتخابيّة والمال السياسي الأسود في الانتخابات البرلمانيّة، وأثر شراء الأصوات في مسار الانتخابات، ودور القانون والتشريعات في مواجهة هذه الظاهرة، ودوافعها من الناحية النفسيّة، ورأي دائرة الإفتاء العام فيها من وجهة نظر شرعيّة.
الرشَّوة الانتخابيّة.. المفهوم والأثر وأدوات المواجهة
الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلِّة للانتخاب محمد خير الرواشدة، أوضح لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ الرَّشوة الانتخابيّة أو محاولة التأثير في إرادة الناخبين بالمال: هي مبلغ نقدي أو خدمة أو منفعة يقدمها المرشح لناخب أو أكثر، ويقابل ذلك التزام الناخب أو ناخبين بالتصويت لذلك المرشح، وقد تُدفع هذه الأموال أو تُقدّم خدمات لشخص محدَّد 'سمسار'، يتعهّد للمرشح بتحصيل عدد من أصوات الدائرة المستهدفة.
وقال الرواشدة إنَّ المال الأسود في الانتخابات يُعدّ جريمة انتخابيّة يعاقب عليها القانون في حال الكشف عنها، خصوصا أن هذا الأسلوب - غير الشريف في المنافسة - يؤثر في إرادة الناخبين، ويصادر مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص أمام المرشحين الراغبين في استقطاب قواعد انتخابيّة.
وأضاف أنَّ الرَّشوة الانتخابيّة قد تستهدف حاجات الناس في المناطق الفقيرة؛ لمواجهة الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة - وتستغل ذلك أبشع استغلال -، وفي هذه الممارسات ابتزاز للناخبين ومساس بحقهم الدستوري في حريّة اختيار من يمثلهم في الانتخابات العامّة.
وبيّن أنَّ المال غير النظيف إذا دخل اللعبة الانتخابيّة من شأنه التأثير في مخرجاتها، فالرَّشوة الانتخابيّة لا تقوِّض الثقة بالانتخابات وحسب، بل تبدِّد الثقة بأعمال المجالس النيابيّة المُنتخبَة، ووظيفتها التشريعيّة والرّقابيّة، ومدى صدقيّة الأداء العام. لذلك فإنَّ سلوك مرشح مخالف للقانون قد ينسحب بالحكم على المجالس النيابيّة برمتها، ويُفقِدها ثقة الناخبين والرأي العام.
وعن الأدوات والأساليب التي تستخدمها الهيئة المستقلة للانتخاب للتعامل مع الرَّشوة الانتخابيّة، أجاب الرواشدة بأنَّ القانون هو أهم الأدوات لمواجهة من يمارسون هذا السلوك، ويؤثرون في إرادة الناخبين بالمال. مشيرًا إلى وجود سقوف ماليّة محدَّدة للحملات الانتخابيّة، وهي خاضعة لرقابة وتدقيق على موازناتها الختاميّة من قِبَل الهيئة المستقلَّة للانتخاب.
وبحسب الرواشدة، فإنَّ الهيئة تمتلك صلاحيات التحقُّق من أي شكوى ترِد إليها، وفي حال وجود أدلة وإثباتات؛ يحق للمستقلَّة للانتخاب إحالتها مع جميع ما توفَّر لديها من بيّنات إلى المدعي العام للبدء بإجراءات التقاضي.
الرشوةَّ الانتخابيّة.. القانون والعقوبة والإجراءات الرقابيّة
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الأستاذ الدكتور ليث نصراوين، قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ هناك نصوصًا في قانون الانتخاب تُجرِّم فعل شراء الأصوات، إذ تنص الفقرة (أ) من المادَّة (63) من قانون الانتخاب على أن:' يُعاقب بالحبس مدَّة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين، كل من أعطى ناخبًا مباشرةً أو بصورة غير مباشرة، أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهّد بأن يعطيه مبلغًا من المال أو منفعة أو أيّ مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع من الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع من الاقتراع'.
ومن خلال استعراض هذه المادَّة يرى نصراوين أنَّ المُشرِّع الأردني قد توسَّع في صور التأثير في إرادة الناخبين، والمتمثِّلة بالركن المادي وجريمة شراء الأصوات، وهو أن يعطي الناخب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أيّ مال أو أن يقرضه أو أن يتعهّد بإعطائه ليس فقط مالًا، وإنَّما أيّ منفعة أو أيّ مقابل آخر.
كما توسَّع المُشرِّع الأردني في الغاية والهدف من إعطاء المال أو المنفعة، وهي إمَّا الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع من الاقتراع، بمعنى أنَّ شراء الأصوات أو المال السياسي الأسود قد لا يكون فقط لغايات دفع الناخب للتصويت لشخص معين، وإنَّما قد يكون بهدف منعه من الاقتراع إطلاقا، بحسب نصراوين.
وبيَّن أستاذ القانون الدستوري أنَّ الجديد في قانون الانتخاب لعام 2022، أنَّه قد أضاف عقوبات تبعيّة إلى جانب عقوبة الحبس، تتمثل في أنَّ الشخص المُدان في جريمة شراء الأصوات يفقد حقَّه في الترشح للدورة الحاليّة أو للدورة التي تليها.
وأضاف أنَّ من الإجراءات الرقابيّة التي جاء بها قانون الانتخاب الحالي هو استمرار نهج القانون القديم، لكن مع التوسّع والوضوح أكثر، كما أنَّه ألزم القوائم الانتخابيّة بفتح حساب بنكي باسم القائمة لضبط موارد وأوجه الصرف على الحملة الانتخابيّة، وذلك كما جاء في الفقرة (أ) من المادة (25) من قانون الانتخاب، ويجب أن يكون لهذا الحساب محاسب قانوني يتولى تدقيق الحسابات القائمة، وأن يزود الهيئة المستقلَّة بتقرير تفصيلي حول الموارد وأوجه الإنفاق للحملة.
كما اشترط القانون أن يُنْفَق على الحملة والدعاية الانتخابيّة حَسبَما جاء في هذا القانون، وأن تُسَدَّد النفقات الانتخابيّة بواسطة شيكات أو تحويلات بنكيّة في حال تجاوزت قيمة النفقة الواحدة مبلغ (500) دينار أردني كما جاء في الفقرة (ج) من المادَّة (25) من القانون ذاته.
ومن الضمانات للرَّقابة على المال السياسي الأسود، أنَّ القانون قد حدَّد سقفًا أعلى للإنفاق على الحملة الانتخابيّة لا يجوز تجاوزه، الفقرة (ب) من المادة (26) من قانون الانتخاب، قد حدَّدت سقفًا أعلى للإنفاق على الحملات الانتخابيّة والمساهمات العينيّة والتبرعات والتمويل الذاتي وبما لا يزيد للقائمة الواحدة على (100) ألف دينار على مستوى الدائرة الانتخابيّة المحليّة، و(500) ألف دينار على مستوى الدائرة الانتخابيّة العامّة.
ولفت نصراوين إلى أنَّه مهما وجدت الضمانات والنصوص القانونيّة التي تُجرِّم شراء الأصوات؛ إلَّا أنَّه يُعتمد بالدرجة الأساسيّة على وعي الناخبين بأهميّة محاربة هذه الآفة الاجتماعيّة، وبأهميّة المشاركة بالعمليّة الانتخابيّة لاختيار الأفضل، وبضرورة وجود مجلس نواب على مستوى تطلعات المواطن الأردني، وبالتالي يجب أن تكون عمليّة الانتخاب على أساس الكفاءة والقدرة ومنح الصوت لمن يستحق. مشيرًا إلى أنَّ ثقافة المال السياسي الأسود لا تسود فقط في الأردن، وإنَّما هي مرافقة لأيّ عمليّة انتخابيّة في العديد من الدول.
الرَّشوة الانتخابيّة.. الأسباب والدوافع والعلاج
بينما تحدثت الاختصاصيّة النفسيّة والتربويّة الدكتورة نتيجة مناع عن الجوانب النفسيّة للرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، وبيّنت مناع أنَّ الشخص الذي يقبل الرَّشوة يعاني عدَّة اضطرابات مصدرها داخلياً وخارجياً، فهو شخص يعاني عدم الشعور بالثقة بالنفس، وتقدير متدني للذات، ويساوره بين الحين والآخر شعور بالذنب والخزي والعار؛ لعدم قدرته على اتخاذ قرار حازم ضد سلوك هو يدرك - بلا جدال - خطورة خيانته للأمانة التي تحمّل وزرها ضاربًا بعرض الحائط ما نهت عنه جميع الأديان السماويّة.
وأوضحت أنَّ للشعور بالإحباط من المكانة الاجتماعيّة لأبناء الطبقات الفقيرة - والتي هي معرَّضة للانحراف -؛ دور في تعزيز المشاعر السلبيّة، إذ أثبت الباحثون أنَّ الشخص المنحرف يتصرَّف وفقًا لظروفه الاجتماعيّة الخارجيّة ودوافعه النفسيّة الداخليّة، وهذه الظروف تُسهم في تكوين العنف المجتمعي، والذي يمثِّل سلوك الرَّشوة أحد مظاهره. مشيرةً إلى أنَّ البطالة والفقر وانخفاض مستوى التعليم؛ مؤشرات على مشاعر النقص والخوف من الفشل.
وقالت مناع لـ 'أخبار اليوم': 'إنَّ النظريات التي تفسر لنا الدوافع خلف سلوك الرَّشوة، والتي هي إحدى صور جرائم الانتخابات؛ تنير لنا الطريق بشأن تربية الأجيال في بيئة آمنة، تعمل على تلبية حاجات الأفراد الأساسيّة: كالاحتياجات الفسيولوجيّة، والاجتماعيّة، والحاجة إلى الأمان، وللتقدير، ولتحقيق الذات، ضمن منظومة قانونيّة واجتماعيّة وإعلاميّة، تعمل على توعية المواطن بأهميّة تثبيت قيم الشفافيّة والنزاهة؛ لتكريس الشعور بالمسؤوليّة، والقيام بالواجب تجاه الوطن والذات والآخر على قدم المساواة'.
وبحسب الدكتورة مناع، فإنَّ مواجهة الرَّشوة تتطلب أولاً معرفتها، ثم رصدها لإدراك أنَّها تُشكِّل ظاهرة اجتماعيّة أوجدتها العديد من العوامل، وبذلك يُتَعَامَل معها بمنهجيّة متعدِّدة الأبعاد.
ووجّهت الدكتورة مناع عبر 'أخبار اليوم'، رسالة توعية للناخب والمرشح، تاليًا نصُّها:
أخي الناخب:
'إنَّ لنفسك عليك حقاً، وأهم حقوق النفس أن تكون شخصاً قادراً على توكيد ذاتك بأن تُعبِّر عن رأيك بما يتلاءم مع قناعاتك أولاً، والتي لا تنفصل بأيّ شكل من الأشكال عن المصلحة العامّة التي أنت جزء من نسيجها'.
أخي المرشح:
'إنَّه من دواعي الفخر لكلٍ مِنّا أن نتمتَّع بثقة الآخرين الذين أولونا زمام أمورهم في شأنٍ عام، ومن دواعي الشعور بالدونيّة إن لم نحظَ بهذه الثقة عن جدارة تؤهلنا لتحمُّل المسؤوليّة'.
الرَّشوة الانتخابيّة.. بحسب دائرة الإفتاء العام
أمَّا من وجهة نظر الشَّرع في مسألة الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، فقد نصّت الفتوى رقم (3311) الصادرة عن دائرة الإفتاء العام، بتاريخ 26/7/2017، والمنشورة على الموقع الرسمي للدائرة على أنَّه:
'يحرم على المرشح للانتخابات تقديم الأموال والرشاوى لشراء الأصوات، وكذلك يحرم على الناخب أن يتأثر بأعطيات أو هبات المرشحين؛ لأن الإدلاءَ بالصوت إدلاءٌ بشهادة، وهذه لا تصلح أن تكون محلًّا للبيع أو المساومة، وأيُّ مالٍ يتقاضاه نتيجة ذلك مالاً حرام، سيُسأل عنه أمام الله تعالى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ) النساء، وعن عبدالله بن عمرو قال: (لَعَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي) رواه أبو داود'.
مختصون: هذه الممارسات ابتزاز للناخبين ومساس بحقهم الدستوري في حريّة اختيار من يمثلهم.
مختصون: الرَّشوة الانتخابيّة تستهدف حاجات الناس في المناطق الفقيرة لمواجهة الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة.
المستقلة للانتخاب: الرَّشوة الانتخابيّة تقوِّض الثقة بالانتخابات، وتبدِّد الثقة بأعمال المجالس النيابيّة المُنتخبَة.
نصراوين: قانون الانتخاب يُجرِّم فعل شراء الأصوات والعقوبة بالحبس مدَّة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين.
مناع: الشخص الذي يقبل الرَّشوة يعاني عدم الثقة بالنفس، ويشعر بالذنب والخزي والعار.
الإفتاء العام: يحرم على المرشح للانتخابات تقديم الأموال والرشاوى لشراء الأصوات.
أخبار اليوم - سمير الصمادي - كلَّما اقترب موعد إجراء الانتخابات البرلمانيّة المُقرَّرَة في شهر أيلول المقبل؛ يتزايد الحديث عن الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، وتتصاعد المخاوف من تأثير استخدام ما يسمى بالمال الأسود على إرادة الناخبين، مما يثير الشكوك حول نزاهة العمليّة الانتخابيّة والجدوى منها.
الحديث عن الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الذمم والأصوات ليس جديدًا، إذ يُتَدَاوَل بين شرائح المجتمع، وفي مختلف الأوساط السياسيّة والاجتماعيّة، ويتناقله المواطنون مع بداية كل دورة انتخابيّة؛ ليصبح حديث الساعة.
في هذا التقرير تستعرض 'أخبار اليوم' مع مختصين؛ مفهوم الرَّشوة الانتخابيّة والمال السياسي الأسود في الانتخابات البرلمانيّة، وأثر شراء الأصوات في مسار الانتخابات، ودور القانون والتشريعات في مواجهة هذه الظاهرة، ودوافعها من الناحية النفسيّة، ورأي دائرة الإفتاء العام فيها من وجهة نظر شرعيّة.
الرشَّوة الانتخابيّة.. المفهوم والأثر وأدوات المواجهة
الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلِّة للانتخاب محمد خير الرواشدة، أوضح لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ الرَّشوة الانتخابيّة أو محاولة التأثير في إرادة الناخبين بالمال: هي مبلغ نقدي أو خدمة أو منفعة يقدمها المرشح لناخب أو أكثر، ويقابل ذلك التزام الناخب أو ناخبين بالتصويت لذلك المرشح، وقد تُدفع هذه الأموال أو تُقدّم خدمات لشخص محدَّد 'سمسار'، يتعهّد للمرشح بتحصيل عدد من أصوات الدائرة المستهدفة.
وقال الرواشدة إنَّ المال الأسود في الانتخابات يُعدّ جريمة انتخابيّة يعاقب عليها القانون في حال الكشف عنها، خصوصا أن هذا الأسلوب - غير الشريف في المنافسة - يؤثر في إرادة الناخبين، ويصادر مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص أمام المرشحين الراغبين في استقطاب قواعد انتخابيّة.
وأضاف أنَّ الرَّشوة الانتخابيّة قد تستهدف حاجات الناس في المناطق الفقيرة؛ لمواجهة الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة - وتستغل ذلك أبشع استغلال -، وفي هذه الممارسات ابتزاز للناخبين ومساس بحقهم الدستوري في حريّة اختيار من يمثلهم في الانتخابات العامّة.
وبيّن أنَّ المال غير النظيف إذا دخل اللعبة الانتخابيّة من شأنه التأثير في مخرجاتها، فالرَّشوة الانتخابيّة لا تقوِّض الثقة بالانتخابات وحسب، بل تبدِّد الثقة بأعمال المجالس النيابيّة المُنتخبَة، ووظيفتها التشريعيّة والرّقابيّة، ومدى صدقيّة الأداء العام. لذلك فإنَّ سلوك مرشح مخالف للقانون قد ينسحب بالحكم على المجالس النيابيّة برمتها، ويُفقِدها ثقة الناخبين والرأي العام.
وعن الأدوات والأساليب التي تستخدمها الهيئة المستقلة للانتخاب للتعامل مع الرَّشوة الانتخابيّة، أجاب الرواشدة بأنَّ القانون هو أهم الأدوات لمواجهة من يمارسون هذا السلوك، ويؤثرون في إرادة الناخبين بالمال. مشيرًا إلى وجود سقوف ماليّة محدَّدة للحملات الانتخابيّة، وهي خاضعة لرقابة وتدقيق على موازناتها الختاميّة من قِبَل الهيئة المستقلَّة للانتخاب.
وبحسب الرواشدة، فإنَّ الهيئة تمتلك صلاحيات التحقُّق من أي شكوى ترِد إليها، وفي حال وجود أدلة وإثباتات؛ يحق للمستقلَّة للانتخاب إحالتها مع جميع ما توفَّر لديها من بيّنات إلى المدعي العام للبدء بإجراءات التقاضي.
الرشوةَّ الانتخابيّة.. القانون والعقوبة والإجراءات الرقابيّة
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الأستاذ الدكتور ليث نصراوين، قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ هناك نصوصًا في قانون الانتخاب تُجرِّم فعل شراء الأصوات، إذ تنص الفقرة (أ) من المادَّة (63) من قانون الانتخاب على أن:' يُعاقب بالحبس مدَّة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين، كل من أعطى ناخبًا مباشرةً أو بصورة غير مباشرة، أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهّد بأن يعطيه مبلغًا من المال أو منفعة أو أيّ مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع من الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع من الاقتراع'.
ومن خلال استعراض هذه المادَّة يرى نصراوين أنَّ المُشرِّع الأردني قد توسَّع في صور التأثير في إرادة الناخبين، والمتمثِّلة بالركن المادي وجريمة شراء الأصوات، وهو أن يعطي الناخب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أيّ مال أو أن يقرضه أو أن يتعهّد بإعطائه ليس فقط مالًا، وإنَّما أيّ منفعة أو أيّ مقابل آخر.
كما توسَّع المُشرِّع الأردني في الغاية والهدف من إعطاء المال أو المنفعة، وهي إمَّا الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع من الاقتراع، بمعنى أنَّ شراء الأصوات أو المال السياسي الأسود قد لا يكون فقط لغايات دفع الناخب للتصويت لشخص معين، وإنَّما قد يكون بهدف منعه من الاقتراع إطلاقا، بحسب نصراوين.
وبيَّن أستاذ القانون الدستوري أنَّ الجديد في قانون الانتخاب لعام 2022، أنَّه قد أضاف عقوبات تبعيّة إلى جانب عقوبة الحبس، تتمثل في أنَّ الشخص المُدان في جريمة شراء الأصوات يفقد حقَّه في الترشح للدورة الحاليّة أو للدورة التي تليها.
وأضاف أنَّ من الإجراءات الرقابيّة التي جاء بها قانون الانتخاب الحالي هو استمرار نهج القانون القديم، لكن مع التوسّع والوضوح أكثر، كما أنَّه ألزم القوائم الانتخابيّة بفتح حساب بنكي باسم القائمة لضبط موارد وأوجه الصرف على الحملة الانتخابيّة، وذلك كما جاء في الفقرة (أ) من المادة (25) من قانون الانتخاب، ويجب أن يكون لهذا الحساب محاسب قانوني يتولى تدقيق الحسابات القائمة، وأن يزود الهيئة المستقلَّة بتقرير تفصيلي حول الموارد وأوجه الإنفاق للحملة.
كما اشترط القانون أن يُنْفَق على الحملة والدعاية الانتخابيّة حَسبَما جاء في هذا القانون، وأن تُسَدَّد النفقات الانتخابيّة بواسطة شيكات أو تحويلات بنكيّة في حال تجاوزت قيمة النفقة الواحدة مبلغ (500) دينار أردني كما جاء في الفقرة (ج) من المادَّة (25) من القانون ذاته.
ومن الضمانات للرَّقابة على المال السياسي الأسود، أنَّ القانون قد حدَّد سقفًا أعلى للإنفاق على الحملة الانتخابيّة لا يجوز تجاوزه، الفقرة (ب) من المادة (26) من قانون الانتخاب، قد حدَّدت سقفًا أعلى للإنفاق على الحملات الانتخابيّة والمساهمات العينيّة والتبرعات والتمويل الذاتي وبما لا يزيد للقائمة الواحدة على (100) ألف دينار على مستوى الدائرة الانتخابيّة المحليّة، و(500) ألف دينار على مستوى الدائرة الانتخابيّة العامّة.
ولفت نصراوين إلى أنَّه مهما وجدت الضمانات والنصوص القانونيّة التي تُجرِّم شراء الأصوات؛ إلَّا أنَّه يُعتمد بالدرجة الأساسيّة على وعي الناخبين بأهميّة محاربة هذه الآفة الاجتماعيّة، وبأهميّة المشاركة بالعمليّة الانتخابيّة لاختيار الأفضل، وبضرورة وجود مجلس نواب على مستوى تطلعات المواطن الأردني، وبالتالي يجب أن تكون عمليّة الانتخاب على أساس الكفاءة والقدرة ومنح الصوت لمن يستحق. مشيرًا إلى أنَّ ثقافة المال السياسي الأسود لا تسود فقط في الأردن، وإنَّما هي مرافقة لأيّ عمليّة انتخابيّة في العديد من الدول.
الرَّشوة الانتخابيّة.. الأسباب والدوافع والعلاج
بينما تحدثت الاختصاصيّة النفسيّة والتربويّة الدكتورة نتيجة مناع عن الجوانب النفسيّة للرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، وبيّنت مناع أنَّ الشخص الذي يقبل الرَّشوة يعاني عدَّة اضطرابات مصدرها داخلياً وخارجياً، فهو شخص يعاني عدم الشعور بالثقة بالنفس، وتقدير متدني للذات، ويساوره بين الحين والآخر شعور بالذنب والخزي والعار؛ لعدم قدرته على اتخاذ قرار حازم ضد سلوك هو يدرك - بلا جدال - خطورة خيانته للأمانة التي تحمّل وزرها ضاربًا بعرض الحائط ما نهت عنه جميع الأديان السماويّة.
وأوضحت أنَّ للشعور بالإحباط من المكانة الاجتماعيّة لأبناء الطبقات الفقيرة - والتي هي معرَّضة للانحراف -؛ دور في تعزيز المشاعر السلبيّة، إذ أثبت الباحثون أنَّ الشخص المنحرف يتصرَّف وفقًا لظروفه الاجتماعيّة الخارجيّة ودوافعه النفسيّة الداخليّة، وهذه الظروف تُسهم في تكوين العنف المجتمعي، والذي يمثِّل سلوك الرَّشوة أحد مظاهره. مشيرةً إلى أنَّ البطالة والفقر وانخفاض مستوى التعليم؛ مؤشرات على مشاعر النقص والخوف من الفشل.
وقالت مناع لـ 'أخبار اليوم': 'إنَّ النظريات التي تفسر لنا الدوافع خلف سلوك الرَّشوة، والتي هي إحدى صور جرائم الانتخابات؛ تنير لنا الطريق بشأن تربية الأجيال في بيئة آمنة، تعمل على تلبية حاجات الأفراد الأساسيّة: كالاحتياجات الفسيولوجيّة، والاجتماعيّة، والحاجة إلى الأمان، وللتقدير، ولتحقيق الذات، ضمن منظومة قانونيّة واجتماعيّة وإعلاميّة، تعمل على توعية المواطن بأهميّة تثبيت قيم الشفافيّة والنزاهة؛ لتكريس الشعور بالمسؤوليّة، والقيام بالواجب تجاه الوطن والذات والآخر على قدم المساواة'.
وبحسب الدكتورة مناع، فإنَّ مواجهة الرَّشوة تتطلب أولاً معرفتها، ثم رصدها لإدراك أنَّها تُشكِّل ظاهرة اجتماعيّة أوجدتها العديد من العوامل، وبذلك يُتَعَامَل معها بمنهجيّة متعدِّدة الأبعاد.
ووجّهت الدكتورة مناع عبر 'أخبار اليوم'، رسالة توعية للناخب والمرشح، تاليًا نصُّها:
أخي الناخب:
'إنَّ لنفسك عليك حقاً، وأهم حقوق النفس أن تكون شخصاً قادراً على توكيد ذاتك بأن تُعبِّر عن رأيك بما يتلاءم مع قناعاتك أولاً، والتي لا تنفصل بأيّ شكل من الأشكال عن المصلحة العامّة التي أنت جزء من نسيجها'.
أخي المرشح:
'إنَّه من دواعي الفخر لكلٍ مِنّا أن نتمتَّع بثقة الآخرين الذين أولونا زمام أمورهم في شأنٍ عام، ومن دواعي الشعور بالدونيّة إن لم نحظَ بهذه الثقة عن جدارة تؤهلنا لتحمُّل المسؤوليّة'.
الرَّشوة الانتخابيّة.. بحسب دائرة الإفتاء العام
أمَّا من وجهة نظر الشَّرع في مسألة الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، فقد نصّت الفتوى رقم (3311) الصادرة عن دائرة الإفتاء العام، بتاريخ 26/7/2017، والمنشورة على الموقع الرسمي للدائرة على أنَّه:
'يحرم على المرشح للانتخابات تقديم الأموال والرشاوى لشراء الأصوات، وكذلك يحرم على الناخب أن يتأثر بأعطيات أو هبات المرشحين؛ لأن الإدلاءَ بالصوت إدلاءٌ بشهادة، وهذه لا تصلح أن تكون محلًّا للبيع أو المساومة، وأيُّ مالٍ يتقاضاه نتيجة ذلك مالاً حرام، سيُسأل عنه أمام الله تعالى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ) النساء، وعن عبدالله بن عمرو قال: (لَعَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي) رواه أبو داود'.
مختصون: هذه الممارسات ابتزاز للناخبين ومساس بحقهم الدستوري في حريّة اختيار من يمثلهم.
مختصون: الرَّشوة الانتخابيّة تستهدف حاجات الناس في المناطق الفقيرة لمواجهة الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة.
المستقلة للانتخاب: الرَّشوة الانتخابيّة تقوِّض الثقة بالانتخابات، وتبدِّد الثقة بأعمال المجالس النيابيّة المُنتخبَة.
نصراوين: قانون الانتخاب يُجرِّم فعل شراء الأصوات والعقوبة بالحبس مدَّة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين.
مناع: الشخص الذي يقبل الرَّشوة يعاني عدم الثقة بالنفس، ويشعر بالذنب والخزي والعار.
الإفتاء العام: يحرم على المرشح للانتخابات تقديم الأموال والرشاوى لشراء الأصوات.
أخبار اليوم - سمير الصمادي - كلَّما اقترب موعد إجراء الانتخابات البرلمانيّة المُقرَّرَة في شهر أيلول المقبل؛ يتزايد الحديث عن الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، وتتصاعد المخاوف من تأثير استخدام ما يسمى بالمال الأسود على إرادة الناخبين، مما يثير الشكوك حول نزاهة العمليّة الانتخابيّة والجدوى منها.
الحديث عن الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الذمم والأصوات ليس جديدًا، إذ يُتَدَاوَل بين شرائح المجتمع، وفي مختلف الأوساط السياسيّة والاجتماعيّة، ويتناقله المواطنون مع بداية كل دورة انتخابيّة؛ ليصبح حديث الساعة.
في هذا التقرير تستعرض 'أخبار اليوم' مع مختصين؛ مفهوم الرَّشوة الانتخابيّة والمال السياسي الأسود في الانتخابات البرلمانيّة، وأثر شراء الأصوات في مسار الانتخابات، ودور القانون والتشريعات في مواجهة هذه الظاهرة، ودوافعها من الناحية النفسيّة، ورأي دائرة الإفتاء العام فيها من وجهة نظر شرعيّة.
الرشَّوة الانتخابيّة.. المفهوم والأثر وأدوات المواجهة
الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلِّة للانتخاب محمد خير الرواشدة، أوضح لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ الرَّشوة الانتخابيّة أو محاولة التأثير في إرادة الناخبين بالمال: هي مبلغ نقدي أو خدمة أو منفعة يقدمها المرشح لناخب أو أكثر، ويقابل ذلك التزام الناخب أو ناخبين بالتصويت لذلك المرشح، وقد تُدفع هذه الأموال أو تُقدّم خدمات لشخص محدَّد 'سمسار'، يتعهّد للمرشح بتحصيل عدد من أصوات الدائرة المستهدفة.
وقال الرواشدة إنَّ المال الأسود في الانتخابات يُعدّ جريمة انتخابيّة يعاقب عليها القانون في حال الكشف عنها، خصوصا أن هذا الأسلوب - غير الشريف في المنافسة - يؤثر في إرادة الناخبين، ويصادر مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص أمام المرشحين الراغبين في استقطاب قواعد انتخابيّة.
وأضاف أنَّ الرَّشوة الانتخابيّة قد تستهدف حاجات الناس في المناطق الفقيرة؛ لمواجهة الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة - وتستغل ذلك أبشع استغلال -، وفي هذه الممارسات ابتزاز للناخبين ومساس بحقهم الدستوري في حريّة اختيار من يمثلهم في الانتخابات العامّة.
وبيّن أنَّ المال غير النظيف إذا دخل اللعبة الانتخابيّة من شأنه التأثير في مخرجاتها، فالرَّشوة الانتخابيّة لا تقوِّض الثقة بالانتخابات وحسب، بل تبدِّد الثقة بأعمال المجالس النيابيّة المُنتخبَة، ووظيفتها التشريعيّة والرّقابيّة، ومدى صدقيّة الأداء العام. لذلك فإنَّ سلوك مرشح مخالف للقانون قد ينسحب بالحكم على المجالس النيابيّة برمتها، ويُفقِدها ثقة الناخبين والرأي العام.
وعن الأدوات والأساليب التي تستخدمها الهيئة المستقلة للانتخاب للتعامل مع الرَّشوة الانتخابيّة، أجاب الرواشدة بأنَّ القانون هو أهم الأدوات لمواجهة من يمارسون هذا السلوك، ويؤثرون في إرادة الناخبين بالمال. مشيرًا إلى وجود سقوف ماليّة محدَّدة للحملات الانتخابيّة، وهي خاضعة لرقابة وتدقيق على موازناتها الختاميّة من قِبَل الهيئة المستقلَّة للانتخاب.
وبحسب الرواشدة، فإنَّ الهيئة تمتلك صلاحيات التحقُّق من أي شكوى ترِد إليها، وفي حال وجود أدلة وإثباتات؛ يحق للمستقلَّة للانتخاب إحالتها مع جميع ما توفَّر لديها من بيّنات إلى المدعي العام للبدء بإجراءات التقاضي.
الرشوةَّ الانتخابيّة.. القانون والعقوبة والإجراءات الرقابيّة
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الأستاذ الدكتور ليث نصراوين، قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ هناك نصوصًا في قانون الانتخاب تُجرِّم فعل شراء الأصوات، إذ تنص الفقرة (أ) من المادَّة (63) من قانون الانتخاب على أن:' يُعاقب بالحبس مدَّة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين، كل من أعطى ناخبًا مباشرةً أو بصورة غير مباشرة، أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهّد بأن يعطيه مبلغًا من المال أو منفعة أو أيّ مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع من الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع من الاقتراع'.
ومن خلال استعراض هذه المادَّة يرى نصراوين أنَّ المُشرِّع الأردني قد توسَّع في صور التأثير في إرادة الناخبين، والمتمثِّلة بالركن المادي وجريمة شراء الأصوات، وهو أن يعطي الناخب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أيّ مال أو أن يقرضه أو أن يتعهّد بإعطائه ليس فقط مالًا، وإنَّما أيّ منفعة أو أيّ مقابل آخر.
كما توسَّع المُشرِّع الأردني في الغاية والهدف من إعطاء المال أو المنفعة، وهي إمَّا الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع من الاقتراع، بمعنى أنَّ شراء الأصوات أو المال السياسي الأسود قد لا يكون فقط لغايات دفع الناخب للتصويت لشخص معين، وإنَّما قد يكون بهدف منعه من الاقتراع إطلاقا، بحسب نصراوين.
وبيَّن أستاذ القانون الدستوري أنَّ الجديد في قانون الانتخاب لعام 2022، أنَّه قد أضاف عقوبات تبعيّة إلى جانب عقوبة الحبس، تتمثل في أنَّ الشخص المُدان في جريمة شراء الأصوات يفقد حقَّه في الترشح للدورة الحاليّة أو للدورة التي تليها.
وأضاف أنَّ من الإجراءات الرقابيّة التي جاء بها قانون الانتخاب الحالي هو استمرار نهج القانون القديم، لكن مع التوسّع والوضوح أكثر، كما أنَّه ألزم القوائم الانتخابيّة بفتح حساب بنكي باسم القائمة لضبط موارد وأوجه الصرف على الحملة الانتخابيّة، وذلك كما جاء في الفقرة (أ) من المادة (25) من قانون الانتخاب، ويجب أن يكون لهذا الحساب محاسب قانوني يتولى تدقيق الحسابات القائمة، وأن يزود الهيئة المستقلَّة بتقرير تفصيلي حول الموارد وأوجه الإنفاق للحملة.
كما اشترط القانون أن يُنْفَق على الحملة والدعاية الانتخابيّة حَسبَما جاء في هذا القانون، وأن تُسَدَّد النفقات الانتخابيّة بواسطة شيكات أو تحويلات بنكيّة في حال تجاوزت قيمة النفقة الواحدة مبلغ (500) دينار أردني كما جاء في الفقرة (ج) من المادَّة (25) من القانون ذاته.
ومن الضمانات للرَّقابة على المال السياسي الأسود، أنَّ القانون قد حدَّد سقفًا أعلى للإنفاق على الحملة الانتخابيّة لا يجوز تجاوزه، الفقرة (ب) من المادة (26) من قانون الانتخاب، قد حدَّدت سقفًا أعلى للإنفاق على الحملات الانتخابيّة والمساهمات العينيّة والتبرعات والتمويل الذاتي وبما لا يزيد للقائمة الواحدة على (100) ألف دينار على مستوى الدائرة الانتخابيّة المحليّة، و(500) ألف دينار على مستوى الدائرة الانتخابيّة العامّة.
ولفت نصراوين إلى أنَّه مهما وجدت الضمانات والنصوص القانونيّة التي تُجرِّم شراء الأصوات؛ إلَّا أنَّه يُعتمد بالدرجة الأساسيّة على وعي الناخبين بأهميّة محاربة هذه الآفة الاجتماعيّة، وبأهميّة المشاركة بالعمليّة الانتخابيّة لاختيار الأفضل، وبضرورة وجود مجلس نواب على مستوى تطلعات المواطن الأردني، وبالتالي يجب أن تكون عمليّة الانتخاب على أساس الكفاءة والقدرة ومنح الصوت لمن يستحق. مشيرًا إلى أنَّ ثقافة المال السياسي الأسود لا تسود فقط في الأردن، وإنَّما هي مرافقة لأيّ عمليّة انتخابيّة في العديد من الدول.
الرَّشوة الانتخابيّة.. الأسباب والدوافع والعلاج
بينما تحدثت الاختصاصيّة النفسيّة والتربويّة الدكتورة نتيجة مناع عن الجوانب النفسيّة للرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، وبيّنت مناع أنَّ الشخص الذي يقبل الرَّشوة يعاني عدَّة اضطرابات مصدرها داخلياً وخارجياً، فهو شخص يعاني عدم الشعور بالثقة بالنفس، وتقدير متدني للذات، ويساوره بين الحين والآخر شعور بالذنب والخزي والعار؛ لعدم قدرته على اتخاذ قرار حازم ضد سلوك هو يدرك - بلا جدال - خطورة خيانته للأمانة التي تحمّل وزرها ضاربًا بعرض الحائط ما نهت عنه جميع الأديان السماويّة.
وأوضحت أنَّ للشعور بالإحباط من المكانة الاجتماعيّة لأبناء الطبقات الفقيرة - والتي هي معرَّضة للانحراف -؛ دور في تعزيز المشاعر السلبيّة، إذ أثبت الباحثون أنَّ الشخص المنحرف يتصرَّف وفقًا لظروفه الاجتماعيّة الخارجيّة ودوافعه النفسيّة الداخليّة، وهذه الظروف تُسهم في تكوين العنف المجتمعي، والذي يمثِّل سلوك الرَّشوة أحد مظاهره. مشيرةً إلى أنَّ البطالة والفقر وانخفاض مستوى التعليم؛ مؤشرات على مشاعر النقص والخوف من الفشل.
وقالت مناع لـ 'أخبار اليوم': 'إنَّ النظريات التي تفسر لنا الدوافع خلف سلوك الرَّشوة، والتي هي إحدى صور جرائم الانتخابات؛ تنير لنا الطريق بشأن تربية الأجيال في بيئة آمنة، تعمل على تلبية حاجات الأفراد الأساسيّة: كالاحتياجات الفسيولوجيّة، والاجتماعيّة، والحاجة إلى الأمان، وللتقدير، ولتحقيق الذات، ضمن منظومة قانونيّة واجتماعيّة وإعلاميّة، تعمل على توعية المواطن بأهميّة تثبيت قيم الشفافيّة والنزاهة؛ لتكريس الشعور بالمسؤوليّة، والقيام بالواجب تجاه الوطن والذات والآخر على قدم المساواة'.
وبحسب الدكتورة مناع، فإنَّ مواجهة الرَّشوة تتطلب أولاً معرفتها، ثم رصدها لإدراك أنَّها تُشكِّل ظاهرة اجتماعيّة أوجدتها العديد من العوامل، وبذلك يُتَعَامَل معها بمنهجيّة متعدِّدة الأبعاد.
ووجّهت الدكتورة مناع عبر 'أخبار اليوم'، رسالة توعية للناخب والمرشح، تاليًا نصُّها:
أخي الناخب:
'إنَّ لنفسك عليك حقاً، وأهم حقوق النفس أن تكون شخصاً قادراً على توكيد ذاتك بأن تُعبِّر عن رأيك بما يتلاءم مع قناعاتك أولاً، والتي لا تنفصل بأيّ شكل من الأشكال عن المصلحة العامّة التي أنت جزء من نسيجها'.
أخي المرشح:
'إنَّه من دواعي الفخر لكلٍ مِنّا أن نتمتَّع بثقة الآخرين الذين أولونا زمام أمورهم في شأنٍ عام، ومن دواعي الشعور بالدونيّة إن لم نحظَ بهذه الثقة عن جدارة تؤهلنا لتحمُّل المسؤوليّة'.
الرَّشوة الانتخابيّة.. بحسب دائرة الإفتاء العام
أمَّا من وجهة نظر الشَّرع في مسألة الرَّشوة الانتخابيّة وشراء الأصوات، فقد نصّت الفتوى رقم (3311) الصادرة عن دائرة الإفتاء العام، بتاريخ 26/7/2017، والمنشورة على الموقع الرسمي للدائرة على أنَّه:
'يحرم على المرشح للانتخابات تقديم الأموال والرشاوى لشراء الأصوات، وكذلك يحرم على الناخب أن يتأثر بأعطيات أو هبات المرشحين؛ لأن الإدلاءَ بالصوت إدلاءٌ بشهادة، وهذه لا تصلح أن تكون محلًّا للبيع أو المساومة، وأيُّ مالٍ يتقاضاه نتيجة ذلك مالاً حرام، سيُسأل عنه أمام الله تعالى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ) النساء، وعن عبدالله بن عمرو قال: (لَعَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي) رواه أبو داود'.
التعليقات