موسى العدوان
قبل الحديث عن هذه التهنئة ، أستميح القراء الكرام، أن أكتب بضع الكلمات، للتعريف بعبد الله التل لمن لا يعرفه، من أبناء الجيل الحالي. فعبد الله التل ( 1918 – 1973 ) هو أحد القادة العسكريين الأردنيين الذين، شاركوا في حرب فلسطين عام 1948، قائدا للكتيبة السادسة من الجيش الأردني، وقائدا عاما للقوات العربية في القدس. وقد أبلى هذا القائد بلاءا حسنا في قتال اليهود، استحق على أثرها لقب ' بطل معركة القدس'، كما عُيّن حاكما عسكريا للمدينة المقدسة.
عبد الله التل هو أيضال مفكر قومي وإسلامي، ألّف العديد من الكتب من بينها : الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام، كارثة فلسطين، جذور البلاء، خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، وغيرها من المؤلفات القيّمة. أمضى فترة من حياته في مصر، وتوفي ودُفن في اربد بتاريخ 15 أغسطس / آب 1973، حيث أوصى قبل وفاته بنقل جثمانه ودفنه في القدس بعد تحريرها.
وكان الجنرال الإسرائيلي موشيه ديان قد أشاد بكفاءة عبد الله التل في حينه قائلا : ' عندما قابلت عبد الله التل، ترك انطباعا في نفسي، بأنه كان متفوقا جدا على الضباط والسياسيين العرب الآخرين، الذين واجهْتهم في تلك الفترة. فقد كان عبد الله التل يكره المسؤولين الإنجليز، وكان يحتقر من يتملّق إليهم'.
* * *
كانت أول زيارة لرئيس أركان الجيش الأردني الفريق كلوب للقدس بتاريخ 21 / 6 / 1948، أي بعد أكثر من شهر من نشوب القتال. وحينما وصل إلى الروضة حيث قيادة الكتيبة السادسة، هنأ كلوب عبد الله التل على النجاح الذي أحرزته القوات التي تعمل تحت قيادته وخاصة الكتيبة السادسة.
ولاحظ عبد الله من حديث كلوب إليه لطفا زائدا وكأنه زميلا له. ولما كان التل غير واثق من وصول تقرير حالة الموقف إليه، فقد قدم له نسخة خاصة من ذلك التقرير، أعجب حين أطّلع على محتوياته من حيث الفكرة والاقتراحات، وهزّ رأسه دليل الرضى التام.
أبعد كلوب الحديث فليلا عن مضمون التقرير، وفاجأ عبد الله بهدية مغرية هي إجازة لمدة شهر أو شهرين، يقضيها التل في فرنسا أو بريطانيا على حساب الجيش. وعلل كلوب السبب في ذلك بالمجهود الجبار الذي قام به التل، مما دعا إلى وجوب الاستراحة في مكان بعيد عن المتاعب، وترك للتل أن يختار بين المكانين للراحة والاستجمام. وقد دُهش التل لكرم كلوب العجيب ولم يتأخر بالرد عليه.
فقد أدرك التل ما الذي يقصده كلوب من وراء هذه المكافأة، فاعتذر عن قبول الإجازة، وبين لكلوب السبب الرئيسي لاعتذاره، على أن الحالة لا تسمح ( بشمّ الهوا )، وأن ضميره لا يساعده على نرك إخوانه الضباط والجنود يقاتلون في فلسطين، والسفر في إجازة للترويح عن نفسه.
وقد سار كلوب في طريق المجاملة والتلطف لعبد الله شوطا بعيدا، وأرغمته الحوادث على أن يبعث لعبد الله برسالة تهنئة رسمية، نثبت أن الكتيبة السادسة قامت بعمل يعتبر حدثا هاما في تاريخ البلاد المقدسة، وصفحة رائعة في سجلّ الجيش الأردني.
هذا هو عبد الله التل بطل معركة القدس وحاكمها العسكري، الذي قاتل بكل إخلاص وشرف دفاعا عن القدس، رافضا مكافأة رئيس أركان الجيش الأردني، مفضلا البقاء إلى جانب رجاله في ميدان القتال. ومع الأسف أننا أضعنا تلك الجهود فوقعت الأرض المقدّسة بيد العدو، وهي ما زالت تعطرها دماء الشهداء ورفاتهم الطاهرة . . !
رحم الله عبد الله التل ورفاقه من الشهداء والمتوفين منهم، الذي قدموا أرواحهم فداءا للقدس والمسجد الأقصى، مسرى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
المرجع : كتاب عبد الله التل بطل معركة القدس ج 1 / الدكتور أحمد يوسف التل.
* * *
ملحوظة : عندما أكتب عن سيرة أبطالنا الأردنيين في الحروب الماضية، فإنني لا أفعل ذلك اجترارا للتاريخ، بقصد التسليةً وملئ الفراغ كما يدعي البعض. بل أفعله إحياء لتاريخٍ مجيد، صنعه رجال سبقونا في التضحية والفداء، آملا أن تقتدي بهم أجيالنا الحالية واللاحقة، وأن يسيرون على خطاهم في معارج العزة والشرف. ومن كان لديه رأي آخر، فهو حر في رأيه. ولكنني أذكر بالمقولة المتداولة بين المثقفين : ' من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له '.
التاريخ : 25 / 4 / 2024
موسى العدوان
قبل الحديث عن هذه التهنئة ، أستميح القراء الكرام، أن أكتب بضع الكلمات، للتعريف بعبد الله التل لمن لا يعرفه، من أبناء الجيل الحالي. فعبد الله التل ( 1918 – 1973 ) هو أحد القادة العسكريين الأردنيين الذين، شاركوا في حرب فلسطين عام 1948، قائدا للكتيبة السادسة من الجيش الأردني، وقائدا عاما للقوات العربية في القدس. وقد أبلى هذا القائد بلاءا حسنا في قتال اليهود، استحق على أثرها لقب ' بطل معركة القدس'، كما عُيّن حاكما عسكريا للمدينة المقدسة.
عبد الله التل هو أيضال مفكر قومي وإسلامي، ألّف العديد من الكتب من بينها : الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام، كارثة فلسطين، جذور البلاء، خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، وغيرها من المؤلفات القيّمة. أمضى فترة من حياته في مصر، وتوفي ودُفن في اربد بتاريخ 15 أغسطس / آب 1973، حيث أوصى قبل وفاته بنقل جثمانه ودفنه في القدس بعد تحريرها.
وكان الجنرال الإسرائيلي موشيه ديان قد أشاد بكفاءة عبد الله التل في حينه قائلا : ' عندما قابلت عبد الله التل، ترك انطباعا في نفسي، بأنه كان متفوقا جدا على الضباط والسياسيين العرب الآخرين، الذين واجهْتهم في تلك الفترة. فقد كان عبد الله التل يكره المسؤولين الإنجليز، وكان يحتقر من يتملّق إليهم'.
* * *
كانت أول زيارة لرئيس أركان الجيش الأردني الفريق كلوب للقدس بتاريخ 21 / 6 / 1948، أي بعد أكثر من شهر من نشوب القتال. وحينما وصل إلى الروضة حيث قيادة الكتيبة السادسة، هنأ كلوب عبد الله التل على النجاح الذي أحرزته القوات التي تعمل تحت قيادته وخاصة الكتيبة السادسة.
ولاحظ عبد الله من حديث كلوب إليه لطفا زائدا وكأنه زميلا له. ولما كان التل غير واثق من وصول تقرير حالة الموقف إليه، فقد قدم له نسخة خاصة من ذلك التقرير، أعجب حين أطّلع على محتوياته من حيث الفكرة والاقتراحات، وهزّ رأسه دليل الرضى التام.
أبعد كلوب الحديث فليلا عن مضمون التقرير، وفاجأ عبد الله بهدية مغرية هي إجازة لمدة شهر أو شهرين، يقضيها التل في فرنسا أو بريطانيا على حساب الجيش. وعلل كلوب السبب في ذلك بالمجهود الجبار الذي قام به التل، مما دعا إلى وجوب الاستراحة في مكان بعيد عن المتاعب، وترك للتل أن يختار بين المكانين للراحة والاستجمام. وقد دُهش التل لكرم كلوب العجيب ولم يتأخر بالرد عليه.
فقد أدرك التل ما الذي يقصده كلوب من وراء هذه المكافأة، فاعتذر عن قبول الإجازة، وبين لكلوب السبب الرئيسي لاعتذاره، على أن الحالة لا تسمح ( بشمّ الهوا )، وأن ضميره لا يساعده على نرك إخوانه الضباط والجنود يقاتلون في فلسطين، والسفر في إجازة للترويح عن نفسه.
وقد سار كلوب في طريق المجاملة والتلطف لعبد الله شوطا بعيدا، وأرغمته الحوادث على أن يبعث لعبد الله برسالة تهنئة رسمية، نثبت أن الكتيبة السادسة قامت بعمل يعتبر حدثا هاما في تاريخ البلاد المقدسة، وصفحة رائعة في سجلّ الجيش الأردني.
هذا هو عبد الله التل بطل معركة القدس وحاكمها العسكري، الذي قاتل بكل إخلاص وشرف دفاعا عن القدس، رافضا مكافأة رئيس أركان الجيش الأردني، مفضلا البقاء إلى جانب رجاله في ميدان القتال. ومع الأسف أننا أضعنا تلك الجهود فوقعت الأرض المقدّسة بيد العدو، وهي ما زالت تعطرها دماء الشهداء ورفاتهم الطاهرة . . !
رحم الله عبد الله التل ورفاقه من الشهداء والمتوفين منهم، الذي قدموا أرواحهم فداءا للقدس والمسجد الأقصى، مسرى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
المرجع : كتاب عبد الله التل بطل معركة القدس ج 1 / الدكتور أحمد يوسف التل.
* * *
ملحوظة : عندما أكتب عن سيرة أبطالنا الأردنيين في الحروب الماضية، فإنني لا أفعل ذلك اجترارا للتاريخ، بقصد التسليةً وملئ الفراغ كما يدعي البعض. بل أفعله إحياء لتاريخٍ مجيد، صنعه رجال سبقونا في التضحية والفداء، آملا أن تقتدي بهم أجيالنا الحالية واللاحقة، وأن يسيرون على خطاهم في معارج العزة والشرف. ومن كان لديه رأي آخر، فهو حر في رأيه. ولكنني أذكر بالمقولة المتداولة بين المثقفين : ' من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له '.
التاريخ : 25 / 4 / 2024
موسى العدوان
قبل الحديث عن هذه التهنئة ، أستميح القراء الكرام، أن أكتب بضع الكلمات، للتعريف بعبد الله التل لمن لا يعرفه، من أبناء الجيل الحالي. فعبد الله التل ( 1918 – 1973 ) هو أحد القادة العسكريين الأردنيين الذين، شاركوا في حرب فلسطين عام 1948، قائدا للكتيبة السادسة من الجيش الأردني، وقائدا عاما للقوات العربية في القدس. وقد أبلى هذا القائد بلاءا حسنا في قتال اليهود، استحق على أثرها لقب ' بطل معركة القدس'، كما عُيّن حاكما عسكريا للمدينة المقدسة.
عبد الله التل هو أيضال مفكر قومي وإسلامي، ألّف العديد من الكتب من بينها : الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام، كارثة فلسطين، جذور البلاء، خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، وغيرها من المؤلفات القيّمة. أمضى فترة من حياته في مصر، وتوفي ودُفن في اربد بتاريخ 15 أغسطس / آب 1973، حيث أوصى قبل وفاته بنقل جثمانه ودفنه في القدس بعد تحريرها.
وكان الجنرال الإسرائيلي موشيه ديان قد أشاد بكفاءة عبد الله التل في حينه قائلا : ' عندما قابلت عبد الله التل، ترك انطباعا في نفسي، بأنه كان متفوقا جدا على الضباط والسياسيين العرب الآخرين، الذين واجهْتهم في تلك الفترة. فقد كان عبد الله التل يكره المسؤولين الإنجليز، وكان يحتقر من يتملّق إليهم'.
* * *
كانت أول زيارة لرئيس أركان الجيش الأردني الفريق كلوب للقدس بتاريخ 21 / 6 / 1948، أي بعد أكثر من شهر من نشوب القتال. وحينما وصل إلى الروضة حيث قيادة الكتيبة السادسة، هنأ كلوب عبد الله التل على النجاح الذي أحرزته القوات التي تعمل تحت قيادته وخاصة الكتيبة السادسة.
ولاحظ عبد الله من حديث كلوب إليه لطفا زائدا وكأنه زميلا له. ولما كان التل غير واثق من وصول تقرير حالة الموقف إليه، فقد قدم له نسخة خاصة من ذلك التقرير، أعجب حين أطّلع على محتوياته من حيث الفكرة والاقتراحات، وهزّ رأسه دليل الرضى التام.
أبعد كلوب الحديث فليلا عن مضمون التقرير، وفاجأ عبد الله بهدية مغرية هي إجازة لمدة شهر أو شهرين، يقضيها التل في فرنسا أو بريطانيا على حساب الجيش. وعلل كلوب السبب في ذلك بالمجهود الجبار الذي قام به التل، مما دعا إلى وجوب الاستراحة في مكان بعيد عن المتاعب، وترك للتل أن يختار بين المكانين للراحة والاستجمام. وقد دُهش التل لكرم كلوب العجيب ولم يتأخر بالرد عليه.
فقد أدرك التل ما الذي يقصده كلوب من وراء هذه المكافأة، فاعتذر عن قبول الإجازة، وبين لكلوب السبب الرئيسي لاعتذاره، على أن الحالة لا تسمح ( بشمّ الهوا )، وأن ضميره لا يساعده على نرك إخوانه الضباط والجنود يقاتلون في فلسطين، والسفر في إجازة للترويح عن نفسه.
وقد سار كلوب في طريق المجاملة والتلطف لعبد الله شوطا بعيدا، وأرغمته الحوادث على أن يبعث لعبد الله برسالة تهنئة رسمية، نثبت أن الكتيبة السادسة قامت بعمل يعتبر حدثا هاما في تاريخ البلاد المقدسة، وصفحة رائعة في سجلّ الجيش الأردني.
هذا هو عبد الله التل بطل معركة القدس وحاكمها العسكري، الذي قاتل بكل إخلاص وشرف دفاعا عن القدس، رافضا مكافأة رئيس أركان الجيش الأردني، مفضلا البقاء إلى جانب رجاله في ميدان القتال. ومع الأسف أننا أضعنا تلك الجهود فوقعت الأرض المقدّسة بيد العدو، وهي ما زالت تعطرها دماء الشهداء ورفاتهم الطاهرة . . !
رحم الله عبد الله التل ورفاقه من الشهداء والمتوفين منهم، الذي قدموا أرواحهم فداءا للقدس والمسجد الأقصى، مسرى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
المرجع : كتاب عبد الله التل بطل معركة القدس ج 1 / الدكتور أحمد يوسف التل.
* * *
ملحوظة : عندما أكتب عن سيرة أبطالنا الأردنيين في الحروب الماضية، فإنني لا أفعل ذلك اجترارا للتاريخ، بقصد التسليةً وملئ الفراغ كما يدعي البعض. بل أفعله إحياء لتاريخٍ مجيد، صنعه رجال سبقونا في التضحية والفداء، آملا أن تقتدي بهم أجيالنا الحالية واللاحقة، وأن يسيرون على خطاهم في معارج العزة والشرف. ومن كان لديه رأي آخر، فهو حر في رأيه. ولكنني أذكر بالمقولة المتداولة بين المثقفين : ' من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له '.
التاريخ : 25 / 4 / 2024
التعليقات