عبدالهادي راجي المجالي
... قبل اشهر نظمت لنا إدارة مكافحة المخدرات, زيارة لمقرها وفروعها في العاصمة... لفت انتباهي يومها–أثناء التجوال في مكاتب الإدارة- أحد الشباب, كان في أول الثلاثين وله شعر طويل جدا... وعلى يده رسومات, ويرتدي الجينز الممزق... والحذاء الرياضي, وقد ظننته في البداية (مدمنا) يخضع للعلاج.. أو مروجا تم القبض عليه للتو... لأن شكله والطاقية التي يرتديها ولباسه والسلسة في يده توحي بأنه (مدمن)..
لكني اكتشفت في النهاية حين سألت أحد الضباط عنه, بأنه أحد أفراد المكافحة ويحمل رتبة ملازم... لكن عمله هو الميدان, وهذا الضابط شروط عمله جعلته يغير شكله وهندامه... يوميا يتعرض للخطر, ويوميا... يخرج للميدان, وقد قيل لي عنه أنه نجا من محاولات قتل, وفي بعض المرات كان يدخل السجن.. مثله مثل أي سجين ويتغلغل بين المروجين وتجار المخدرات.. ويأخذ منهم معلومات غاية في الخطورة..
أحد الضباط همس في أذني قائلا: (بتعرف هاظ الشب.. الطلق اللي مر من جنب أذانو أكثر من أيام خدمتوا في المكافحة)..
في النهاية تبين لي أن الصورة التي انطبعت في رأسي, مناقضة للحقيقة تماما... فالرجل ليس (مدمنا), والرجل له صولات وجولات.. وواجه الموت عدة مرات.. أو بعبارة أخرى احترف الموت, هو يدرك أن حياته في كفه والمبادئ التي يحملها تستلزم منه.. أن يغامر ويقتحم ويحمل المسدس ويتخفى وينجز.
بالمقابل حين أرى بعض نجوم الشاشات الذين يستبسلون في الدفاع عن الوطن على فضائيات الترف العربي... أسأل نفسي لماذا كل (السوشيال ميديا) تصفق لهم, هم لم يخوضوا معركة شرسة بالمسدسات.. لم يمارسوا مطاردات عنيفة, لم يمر الرصاص من جانب الأذن اليمنى ويخدشها.. هم جاءوا للإستديوهات بربطات عنق فاخرة, وخضعوا قبل الظهور لمكياج جيد نوعا ما.. وحصلوا على شيك بعد المقابلة لأن الفضائيات الفخمة تدفع لضيوفها, وفي النهاية سيكون لهم حصة في التغييرات القادمة..
من هو الوطني الحقيقي من هو الذي يحب الأردن أكثر؟.. هؤلاء الذين يمارسون الوعي على الدولة كل يوم, ويقدمون نظرياتهم في الإصلاح ومواجهة إيران ومواجهة خطر اليمين المتطرف.. ويقدمون النظريات في الوفاء.. يعتبرون أن منطقهم هو وحدة القياس أو المسطرة التي يجب أن تسير عليها الحكومة.. أم هذا الشاب الذي غير شكله تماما... وكل يوم يعقد موعدا مع الموت ويتحداه, وفي النهاية يقدم إنجازات لا أحد يكتبها ولا صحافة تتحدث عنها ولا فضائيات تعرضها.. فقط هو يقدمها لإرضاء الضمير, والحفاظ على القسم العسكري الذي نطق به أثناء تخرجه من جامعة مؤتة.. والأهم من كل ذلك رضى الله.
لم أعد أشاهد لا المحطات المحلية ولا الفضائيات العربية, لأنها لم تعرض أصلا علينا سوى الوطنيات التي تعتمد على شتم الاخر واتهامه, وتصوير البلد على أنه مستهدف والحراب تحيط به من كل جانب... لم أعد أشاهدها.. لأن الذين يظهرون عليها صار همهم, كيف ترضى المؤسسات عنهم.. وكيف يعودون للمشهد من زاوية الإعلام... بالمقابل ذاك الشاب الذي يخدم في إدارة مكافحة المخدرات.. هو لا يطمح بوزارة, ولا يطمح بعضوية مجلس إدارة.. طموحه أن يسلم من الموت كل ليلة, وطموحه أن يكون وفيا لرتبته العسكرية والجهاز الذي يخدم فيه... وأن يعود لأهله سالما ومعافى... هذا الشاب الذي كنت أعتقد أنه من المطلوبين وتبين أن كل ما فعله هو تمويه شكله من أجل الميدان يبقى هو: التعبير الحقيقي عن الوطنية الحقيقية وليست المزيفة.. هو التعريف الدقيق للهوية, وهو الشرح المبسط لمعنى الولاء.. هو الصدق في معنى الإقتدار والشهادة, هو ابن القرى البعيدة التي تنام على الرضى وتصحو على الرضى أيضا.. هو ابن البلد وهو الكبير عملا ودما وأخلاقا ومروءة..
الوطنية لا تنتج على شاشات الفضائيات, الوطنية تنتج بالزنود الوفية وبالزناد العسكري... تنتج بالوفاء للشعار والأرض والناس.
حمى الله الأردن..
Abdelhadi18@yahoo.com
عبدالهادي راجي المجالي
... قبل اشهر نظمت لنا إدارة مكافحة المخدرات, زيارة لمقرها وفروعها في العاصمة... لفت انتباهي يومها–أثناء التجوال في مكاتب الإدارة- أحد الشباب, كان في أول الثلاثين وله شعر طويل جدا... وعلى يده رسومات, ويرتدي الجينز الممزق... والحذاء الرياضي, وقد ظننته في البداية (مدمنا) يخضع للعلاج.. أو مروجا تم القبض عليه للتو... لأن شكله والطاقية التي يرتديها ولباسه والسلسة في يده توحي بأنه (مدمن)..
لكني اكتشفت في النهاية حين سألت أحد الضباط عنه, بأنه أحد أفراد المكافحة ويحمل رتبة ملازم... لكن عمله هو الميدان, وهذا الضابط شروط عمله جعلته يغير شكله وهندامه... يوميا يتعرض للخطر, ويوميا... يخرج للميدان, وقد قيل لي عنه أنه نجا من محاولات قتل, وفي بعض المرات كان يدخل السجن.. مثله مثل أي سجين ويتغلغل بين المروجين وتجار المخدرات.. ويأخذ منهم معلومات غاية في الخطورة..
أحد الضباط همس في أذني قائلا: (بتعرف هاظ الشب.. الطلق اللي مر من جنب أذانو أكثر من أيام خدمتوا في المكافحة)..
في النهاية تبين لي أن الصورة التي انطبعت في رأسي, مناقضة للحقيقة تماما... فالرجل ليس (مدمنا), والرجل له صولات وجولات.. وواجه الموت عدة مرات.. أو بعبارة أخرى احترف الموت, هو يدرك أن حياته في كفه والمبادئ التي يحملها تستلزم منه.. أن يغامر ويقتحم ويحمل المسدس ويتخفى وينجز.
بالمقابل حين أرى بعض نجوم الشاشات الذين يستبسلون في الدفاع عن الوطن على فضائيات الترف العربي... أسأل نفسي لماذا كل (السوشيال ميديا) تصفق لهم, هم لم يخوضوا معركة شرسة بالمسدسات.. لم يمارسوا مطاردات عنيفة, لم يمر الرصاص من جانب الأذن اليمنى ويخدشها.. هم جاءوا للإستديوهات بربطات عنق فاخرة, وخضعوا قبل الظهور لمكياج جيد نوعا ما.. وحصلوا على شيك بعد المقابلة لأن الفضائيات الفخمة تدفع لضيوفها, وفي النهاية سيكون لهم حصة في التغييرات القادمة..
من هو الوطني الحقيقي من هو الذي يحب الأردن أكثر؟.. هؤلاء الذين يمارسون الوعي على الدولة كل يوم, ويقدمون نظرياتهم في الإصلاح ومواجهة إيران ومواجهة خطر اليمين المتطرف.. ويقدمون النظريات في الوفاء.. يعتبرون أن منطقهم هو وحدة القياس أو المسطرة التي يجب أن تسير عليها الحكومة.. أم هذا الشاب الذي غير شكله تماما... وكل يوم يعقد موعدا مع الموت ويتحداه, وفي النهاية يقدم إنجازات لا أحد يكتبها ولا صحافة تتحدث عنها ولا فضائيات تعرضها.. فقط هو يقدمها لإرضاء الضمير, والحفاظ على القسم العسكري الذي نطق به أثناء تخرجه من جامعة مؤتة.. والأهم من كل ذلك رضى الله.
لم أعد أشاهد لا المحطات المحلية ولا الفضائيات العربية, لأنها لم تعرض أصلا علينا سوى الوطنيات التي تعتمد على شتم الاخر واتهامه, وتصوير البلد على أنه مستهدف والحراب تحيط به من كل جانب... لم أعد أشاهدها.. لأن الذين يظهرون عليها صار همهم, كيف ترضى المؤسسات عنهم.. وكيف يعودون للمشهد من زاوية الإعلام... بالمقابل ذاك الشاب الذي يخدم في إدارة مكافحة المخدرات.. هو لا يطمح بوزارة, ولا يطمح بعضوية مجلس إدارة.. طموحه أن يسلم من الموت كل ليلة, وطموحه أن يكون وفيا لرتبته العسكرية والجهاز الذي يخدم فيه... وأن يعود لأهله سالما ومعافى... هذا الشاب الذي كنت أعتقد أنه من المطلوبين وتبين أن كل ما فعله هو تمويه شكله من أجل الميدان يبقى هو: التعبير الحقيقي عن الوطنية الحقيقية وليست المزيفة.. هو التعريف الدقيق للهوية, وهو الشرح المبسط لمعنى الولاء.. هو الصدق في معنى الإقتدار والشهادة, هو ابن القرى البعيدة التي تنام على الرضى وتصحو على الرضى أيضا.. هو ابن البلد وهو الكبير عملا ودما وأخلاقا ومروءة..
الوطنية لا تنتج على شاشات الفضائيات, الوطنية تنتج بالزنود الوفية وبالزناد العسكري... تنتج بالوفاء للشعار والأرض والناس.
حمى الله الأردن..
Abdelhadi18@yahoo.com
عبدالهادي راجي المجالي
... قبل اشهر نظمت لنا إدارة مكافحة المخدرات, زيارة لمقرها وفروعها في العاصمة... لفت انتباهي يومها–أثناء التجوال في مكاتب الإدارة- أحد الشباب, كان في أول الثلاثين وله شعر طويل جدا... وعلى يده رسومات, ويرتدي الجينز الممزق... والحذاء الرياضي, وقد ظننته في البداية (مدمنا) يخضع للعلاج.. أو مروجا تم القبض عليه للتو... لأن شكله والطاقية التي يرتديها ولباسه والسلسة في يده توحي بأنه (مدمن)..
لكني اكتشفت في النهاية حين سألت أحد الضباط عنه, بأنه أحد أفراد المكافحة ويحمل رتبة ملازم... لكن عمله هو الميدان, وهذا الضابط شروط عمله جعلته يغير شكله وهندامه... يوميا يتعرض للخطر, ويوميا... يخرج للميدان, وقد قيل لي عنه أنه نجا من محاولات قتل, وفي بعض المرات كان يدخل السجن.. مثله مثل أي سجين ويتغلغل بين المروجين وتجار المخدرات.. ويأخذ منهم معلومات غاية في الخطورة..
أحد الضباط همس في أذني قائلا: (بتعرف هاظ الشب.. الطلق اللي مر من جنب أذانو أكثر من أيام خدمتوا في المكافحة)..
في النهاية تبين لي أن الصورة التي انطبعت في رأسي, مناقضة للحقيقة تماما... فالرجل ليس (مدمنا), والرجل له صولات وجولات.. وواجه الموت عدة مرات.. أو بعبارة أخرى احترف الموت, هو يدرك أن حياته في كفه والمبادئ التي يحملها تستلزم منه.. أن يغامر ويقتحم ويحمل المسدس ويتخفى وينجز.
بالمقابل حين أرى بعض نجوم الشاشات الذين يستبسلون في الدفاع عن الوطن على فضائيات الترف العربي... أسأل نفسي لماذا كل (السوشيال ميديا) تصفق لهم, هم لم يخوضوا معركة شرسة بالمسدسات.. لم يمارسوا مطاردات عنيفة, لم يمر الرصاص من جانب الأذن اليمنى ويخدشها.. هم جاءوا للإستديوهات بربطات عنق فاخرة, وخضعوا قبل الظهور لمكياج جيد نوعا ما.. وحصلوا على شيك بعد المقابلة لأن الفضائيات الفخمة تدفع لضيوفها, وفي النهاية سيكون لهم حصة في التغييرات القادمة..
من هو الوطني الحقيقي من هو الذي يحب الأردن أكثر؟.. هؤلاء الذين يمارسون الوعي على الدولة كل يوم, ويقدمون نظرياتهم في الإصلاح ومواجهة إيران ومواجهة خطر اليمين المتطرف.. ويقدمون النظريات في الوفاء.. يعتبرون أن منطقهم هو وحدة القياس أو المسطرة التي يجب أن تسير عليها الحكومة.. أم هذا الشاب الذي غير شكله تماما... وكل يوم يعقد موعدا مع الموت ويتحداه, وفي النهاية يقدم إنجازات لا أحد يكتبها ولا صحافة تتحدث عنها ولا فضائيات تعرضها.. فقط هو يقدمها لإرضاء الضمير, والحفاظ على القسم العسكري الذي نطق به أثناء تخرجه من جامعة مؤتة.. والأهم من كل ذلك رضى الله.
لم أعد أشاهد لا المحطات المحلية ولا الفضائيات العربية, لأنها لم تعرض أصلا علينا سوى الوطنيات التي تعتمد على شتم الاخر واتهامه, وتصوير البلد على أنه مستهدف والحراب تحيط به من كل جانب... لم أعد أشاهدها.. لأن الذين يظهرون عليها صار همهم, كيف ترضى المؤسسات عنهم.. وكيف يعودون للمشهد من زاوية الإعلام... بالمقابل ذاك الشاب الذي يخدم في إدارة مكافحة المخدرات.. هو لا يطمح بوزارة, ولا يطمح بعضوية مجلس إدارة.. طموحه أن يسلم من الموت كل ليلة, وطموحه أن يكون وفيا لرتبته العسكرية والجهاز الذي يخدم فيه... وأن يعود لأهله سالما ومعافى... هذا الشاب الذي كنت أعتقد أنه من المطلوبين وتبين أن كل ما فعله هو تمويه شكله من أجل الميدان يبقى هو: التعبير الحقيقي عن الوطنية الحقيقية وليست المزيفة.. هو التعريف الدقيق للهوية, وهو الشرح المبسط لمعنى الولاء.. هو الصدق في معنى الإقتدار والشهادة, هو ابن القرى البعيدة التي تنام على الرضى وتصحو على الرضى أيضا.. هو ابن البلد وهو الكبير عملا ودما وأخلاقا ومروءة..
الوطنية لا تنتج على شاشات الفضائيات, الوطنية تنتج بالزنود الوفية وبالزناد العسكري... تنتج بالوفاء للشعار والأرض والناس.
حمى الله الأردن..
Abdelhadi18@yahoo.com
التعليقات