قانونيون لـ 'أخبار اليوم': مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي أمام المحاكم ليست مشكلة أردنيّة فقط.. تعانيها معظم دول العالم
مختصون: أسباب إطالة أمد التقاضي تشريعيّة وإجرائيّة تتعلَّق بمجريات القضيّة.
مختصون: إطالة أمد إجراءات التقاضي تؤدي إلى ضياع الحقوق، وتفتح الباب لطُرق غير قانونيّة، وتدفع المتقاضين إلى تسويات غير عادلة، وتبث اليأس في قلوبهم
مختصون: أمد التقاضي يُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة
قانونيون: التقاضي عبر تقنية الفيديو وتنشيط العمل والتبليغ الإلكتروني وزيادة أعداد القضاة والطواقم الإداريّة في المحاكم وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات.. يساهم في حلّ المشكلة.
قانونيون: مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون.. لكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام.
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تُعدُّ مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي أمام المحاكم من أبرز المشاكل المجتمعيَّة التي تواجه الدول والجماعات والمؤسَّسات والأفراد على حدٍّ سواء، وتشكِّل عبئًا كبيرًا على جميع مكونات القضيَّة.
لذلك يجب إعطاء هذه المشكلة الاهتمام المناسب والتفكير الناقد الذي يسعى لإنهائها، والعمل على إيجاد الحلول الجذريَّة والمناسبة لزيادة سرعة تسوية النزاعات وتحسين كفاءة الإجراءات القضائيّة؛ للحد من إطالة أمد التقاضي، بالتزامن مع الحفاظ على جودة وعدالة الأحكام الصادرة.
عبابنة: أمد التقاضي مشكلة حساسة؛ لأنها تمسّ نبراس العدالة
عبابنة: المسؤول عنها نظام العدالة بكل ما يدور في فلكه.. ومجموعة من الأسباب جعلت من إجراءات التقاضي طويلة
القاضي السابق والمحامي الدكتور محمود عبابنة، قال ل 'أخبار اليوم'، إنَّ مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي هي معضلة تعانيها معظم دول العالم، ولكنَّها تتفاوت بين دولة وأُخرى، وهي مشكلة حساسة؛ لأنها تمسّ نبراس العدالة؛ فتأخير تحقيق العدالة بمثابة الإنكار لها، ولا توجد جهة مُحدَّدة واحدة مسؤولة عنها، وإنَّما نظام العدالة بكل ما يدور في فلكه؛ فالمحامون، والقضاة، وموظفو المحاكم، والمتداعين، ورجال الضابطة العدليّة؛ مسؤولون عن تأخير البت في القضايا أو التسريع بالبت فيها، كما تلعب الموارد الماليّة المصروفة على مرفق القضاء دورًا مهمًا في تفادي إطالة أمد الإجراءات. مشيرًا إلى أنَّه لا توجد أي جهة تستفيد من هذه المشكلة سوى من يبحث عن عدم الالتزام بالاتفاقيات والعقود.
ويعتقد عبابنة أنَّه لا يوجد سبب واحد لجعل إجراءات التقاضي طويلة، وإنَّما مجموعة من الأسباب المتكاتفة؛ تبدأ من طلبات التأجيل المتكرِّرة للتبليغ وتقديم البيّنة، وإحضار الشهود، ودعوة الخبراء وانتظار تقاريرهم، والتدقيق فيها لإصدار القرار، ثم انتظار طباعة القرار وتبليغه؛ تمهيدًا للدخول في مرحلة أُخرى وهي مرحلة التنفيذ، والتي تحتاج إلى جهود جديدة لتنفيذ مضمون الأحكام.
عبابنة: ما الفائدة من الحصول على حكم قطعي لا يُنفّذ أو يحتاج إلى مُدّة طويلة لتنفيذه؟
عبابنة: إطالة أمد إجراءات التقاضي تُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة
ويرى أنَّه لا يوجد خلل في دورة صدور الأحكام؛ إلَّا أنَّها تحتاج إلى وقت وصبر 'لأنَّ فرسان القضاء يعطون أفضل ما عندهم'، ولكن صدور القرار غير كافٍ لإحقاق الحق، ويتساءل عبابنة 'ما الفائدة من الحصول على حكم قطعي لا يُنفّذ أو يحتاج إلى مُدّة طويلة لتنفيذه؟'.
وأكَّد عبابنة أنَّ إطالة أمد إجراءات التقاضي تعكس وجهاً سلبياً، وفي حالة كانت هذه الإجراءات طويلة؛ فإنها تفتح الباب لطُرق غير قانونيّة، أو تدفع المتقاضين إلى تسويات غير عادلة، بالإضافة إلى أنَّها تقلِّل من هيبة الدولة وثقة الناس، وهي تُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة.
وعن الحلول المناسبة لهذه المشكلة، بيَّن عبابنة أنَّه بعد تعديل بعض التشريعات الناظمة لأصول المحاكمات المدنيّة والجزائيّة؛ جرى تجاوز الكثير من السقطات.
عبابنة: توفير عدد ملائم من القضاة وطاقم إداري بعددٍ كافٍ في المحاكم وتسريع التبليغات وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات.. يساهم في الحلّ.
عبابنة: لا يمكن تبرير التأخير بتحقيق العدالة.. لكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام غير المنسجمة مع نصوص القانون
لافتًا إلى أنَّ أكثر ما يساهم في حَلّ هذه المشكلة هو: توفير عدد ملائم من القضاة، وطاقم إداري بعددٍ كافٍ في المحاكم؛ لمتابعة إجراءات التقاضي وتسريع التبليغات، وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات؛ كالتشجيع على المصالحات والبت في بعض القضايا البسيطة في المركز الأمني، بدل إشغال المحاكم بقضايا ومخالفات السير، التي يمكن تقليل إحالتها إلى القضاء.
كما أكَّد عبابنة أنَّ السلطة القضائيّة تقوم - إلى حدِّ ما - بما يلزم لحَلّ هذه المشكلة، لكنَّ ذلك لم يصل إلى الدرجة المثاليّة، أو إلى الدرجة التي لا يُسمع فيها من حين إلى آخر عن مظلمة تتحقق في أروقة المحاكم، بالرغم من أنَّ مرفق العدالة والقضاء الأردني يتمتع بالنزاهة.
وأشار إلى أنَّه يجري من حين إلى آخر معالجة الخلل والقصور في التشريعات ذات العلاقة، إذ يُكْتَشَف الخلل من خلال التطبيق العملي والتجربة. مؤكَّدًا أنَّه لا يمكن تبرير التأخير بتحقيق العدالة، فالحديث عن دولة مؤسَّسات وقانون؛ يعني ذلك أن تكون بيوت العدالة 'قصور العدل' فاعلة وناجعة، فمرفق العدالة من أهم مرافق الدولة.
وأوضح عبابنة أنَّ إطالة أمد إجراءات التقاضي لا تتناسب مع فكرة دولة المؤسَّسات والقانون، ولكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام غير المنسجمة مع نصوص القانون والسوابق القضائيّة؛ لأنَّ مسار العدالة واحد، فلا يمكن أن يصدر حكم يصبح بمثابة مبدأ قانوني، ثم يُرْجَع عنه بعد مدَّة من الزمن دون مبرِّر لذلك؛ عندئذٍ لن يسود القانون، وستأخذ القضايا مسار الشخصنة.
الراعي: نصوص القانون الرخوة سبب إطالة إجراءات أمد التقاضي
الراعي: طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع الحقوق وبث اليأس في قلوب المتقاضين
المختص بالقانون الجزائي الدكتور أشرف الراعي، بيّن لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ إطالة إجراءات أمد التقاضي تُعدّ من المشكلات المستعصية التي لا تتعلق بجهة محدَّدة، وإنَّما تتحمّلها - على الأغلب - نصوص القانون الرخوة، وهو الذي يُفضي إلى أن تأخذ القضايا سنوات طويلة في المحاكم.
ويرى الراعي أنَّ أسباب إطالة أمد التقاضي تتمثل في النصوص القانونيّة، وضرورة مراجعتها في سبيل حلّ هذه المشكلة. لافتًا إلى أنَّ طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع الحقوق، وبث اليأس في قلوب المتقاضين قبل أن يصلوا إلى حقوقهم.
الراعي: يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقميّة في حلّ المشكلة
وفي هذا الصدد، أوضح الراعي أنَّه ليس هناك خلل في صدور الأحكام أو إجراءاتها، لكن يجب أن يتم الفصل في القضايا في وقت قصير؛ حفاظًا على الحقوق، خصوصا أن هذا العصر يشهد الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقميّة، التي يمكن من خلالها حَلّ هذه المشكلة.
ولحل هذه المشكلة يقول الراعي، إنَّه لا بدّ من تذكُّر فترة 'وباء كورونا'، إذ توقف العمل القضائي بصورة شبه تامّة في العديد من الدول ومنها الأردن، ما يستدعي البحث عن حلول سريعة، حتى تستمر عجلة التقاضي بالسير في الإطار الزمني المطلوب، وبما يحقِّق الكفاءة والقدرة القضائيّة، التي طالما تميّز بها القضاء الأردني، ليبقى عنوانًا للحقيقة، ونبراسًا للحق، وأبرزها تفعيل آليات التقاضي عن بُعد.
الراعي: انتقال المحاكم الأردنيّة إلى التقاضي عبر تقنية الفيديو يُحفِّز الاقتصاد، ويدعم الاستثمار
مضيفًا أنَّ انتقال المحاكم الأردنيّة إلى النظام الذكي في التقاضي 'عبر تقنية الفيديو'، قد يرتد إيجابيًا على القطاعات كلها، ويُحفِّز الاقتصاد، ويدعم الاستثمار؛ نظرًا لما يشكِّله القضاء من ضامن للحقوق والحريات، وهو يمكن أن يتأتى من خلال منظومة تقنية متطورة، يمكن أن توفِرها - بكل بساطة - الإمكانيّات التي تتمتع بها المحاكم من جهة، ووزارة العدل من جهة أُخرى، لا سيَّما في القضايا التي لا تتطلَّب أن يكون المُشتكي والمُشتكى عليه حاضرين لجلسات المحاكمات؛ كبعض القضايا الجزائيّة.
وفي هذا المجال، يمكن الإشارة إلى تجربة أردنيّة سابقة شكَّلت نقلة نوعيّة في العالم العربي، يمكن اليوم البناء عليها وتطويرها؛ حيث طُبِّقَت المحاكمة عن بُعد في قضايا الأحداث، وبما يتوافق مع نص المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة الأردني، الذي ينص على أنَّه 'يجوز للمدعي العام أو المحكمة إذا اقتضت الضرورة، وبقرار مُعلَّل، استخدام التقنية الحديثة، وذلك حماية للشهود الذين لم يكملوا الـ 18 من العُمر عند الإدلاء بشهادتهم، على أن تُمكِّن هذه الوسائل أي خصم من مناقشة الشاهد في أثناء المحاكمة، وتُعدّ هذه الشهادة بيّنة مقبولة في القضية'، بحسب الراعي.
الخصاونة: مفهوم أمد التقاضي مخالف للمعايير العالميّة المتعلِّقة بتحقيق العدالة
المحامي الدكتور صخر الخصاونة قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ المقصود بأمد التقاضي هو أنَّ الإجراءات القضائيّة تأخذ فترة طويلة في المحاكم، بمعنى مرور مدَّة زمنيّة طويلة، حتى يتم الفصل في القضيّة والحكم لمصلحة أحد الأطراف، وهذا المصطلح هو مخالف للمعايير العالميّة المتعلِّقة بتحقيق العدالة، إذ يُفترض أنَّ اللجوء إلى القضاء هو حق دستوري، ومن ثم أنَّ الفصل بالقضايا المتنازع عليها أمام القضاء يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن؛ حتى تُسْتَقَرّ الأوضاع القانونيّة في المجتمع.
الخصاونة: أسباب إطالة أمد التقاضي تشريعيّة وأخرى إجرائيّة وأسباب تتعلَّق بمجريات القضيّة
وأضاف أنَّ أسباب إطالة أمد التقاضي كثيرة منها: أسباب تشريعيّة وأخرى إجرائيّة، وأسباب تتعلَّق بمجريات القضيّة، وقد قام المشرِّع الأردني مع الحكومة قبل ثلاث سنوات بتعديل منظومة القواعد المتعلِّقة بالمحاكمات، وبإجراءات التقاضي أمام المحاكم، والعمل على تقصير مدّة التقاضي من خلال؛ تنشيط العمل الإلكتروني، وتفعيل التبليغ الإلكتروني، وتقصير مدَّة الردود والطعن أمام المحاكم.
مشيرًا إلى أنَّه منذ ثلاث سنوات شهد الأردن تطوّرًا كبيرًا من حيث تقصير مدّة التقاضي، لكن ما زال هناك بعض القضايا التي تأخذ وقتًا طويلًا، ويرجع ذلك إلى عدّة أسباب منها: أسباب تتعلَّق بالقضيّة، وأسباب تتعلَّق بالشهود وعدم حضورهم الجلسات، ومنها أيضًا النقص في بعض البيّنات، أو طلب المُدَّعي بيّنات موجودة في الدوائر والمؤسَّسات الحكوميّة وغيرها، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا إلى حين البت والفصل في القضيّة.
الخصاونة: كلما كانت إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق سريعة كلما كان اللجوء إلى القضاء وسيلة فعَّالة وناجعة
ولفت إلى أنَّ طول أمد التقاضي يرتبط بعدم تحقيق العدالة في المجتمع، وعليه يشعر الشخص الذي يلجأ إلى المحكمة بأنّه مظلوم، ومن ثم كلما كانت إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق سريعة، كلما كان اللجوء إلى القضاء وسيلة فعَّالة وناجعة؛ من أجل تسوية المنازعات بين المتخاصمين.
وبيّن الخصاونة أنَّ آثار طول أمد التقاضي تختلف من قضية لأخرى بحسب نوع القضيّة، ونوع الإجراءات المتَّبعة في المحاكم منها: آثار ماديّة أو معنوية ونفسيّة.
الخصاونة: تفعيل العمل الإلكتروني والتقاضي عن بُعد من شأنه تقصير أمد التقاضي.
وأضاف أنَّ وزارة العدل والمجلس القضائي ومجلس النواب، شاركوا في إصدار قوانين ساهمت في تقصير أمد التقاضي، وما زال العمل جارٍ وبشكل جدَّي لحلّ هذه المشكلة، إذ تشهد المحاكم يوميًا إجراءات جديدة من خلال؛ تفعيل العمل الإلكتروني، والتقاضي عن بُعد، ما من شأنه تقصير أمد التقاضي.
وأوضح الخصاونة أنَّه لا وجود خلل في التشريعات، إذ جرى التعديل على التشريعات ذات العلاقة، ومنها ما يحتاج إلى بعض التعديلات الطفيفة، لكن التشريعات المعمول فيها تكفل سرعة التقاضي.
الخصاونة: التأخير في البت في القضايا والمنازعات عادةً ما يكون خارجاً عن إرادة أطراف القضيّة
مشيرًا إلى أنَّ التأخير في البت في القضايا والمنازعات، عادةً ما يكون خارجاً عن إرادة أطراف القضيّة، سواءً المُدَّعي أو المُدَّعى عليه أو المحامون أو القُضاة؛ فظهور متطلَّبات جديدة في القضيّة؛ كالحاجة إلى بيّنة من إحدى المؤسَّسات، أو وجود عدد كبير من الشهود للقضيّة، أو أن تحتاج القضيّة لإجراءات كشف؛ يساهم في زيادة أمد الإجراءات القضائيّة، وعليه تختلف كل قضيّة عن الأخرى، ولا يمكن تحميل المسؤوليّة لأي طرف؛ لأنَّ التقاضي هو عبارة عن إجراءات، وهذه الإجراءات تسير وفق تسلسل زمني.
الخصاونة: مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون
وأكَّد الخصاونة أنَّ مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون، ولكن يُعدّ العمل المستمر على تحقيق فكرة سيادة القانون، واللجوء إلى القضاء، وتقصير أمد التقاضي، وتحقيق المبدأ الدستوري بكفالة حق اللجوء إلى المحاكم؛ من العناصر التي تحقِّق الديمقراطيّة، وتضمن العدالة المجتمعيّة.
قانونيون لـ 'أخبار اليوم': مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي أمام المحاكم ليست مشكلة أردنيّة فقط.. تعانيها معظم دول العالم
مختصون: أسباب إطالة أمد التقاضي تشريعيّة وإجرائيّة تتعلَّق بمجريات القضيّة.
مختصون: إطالة أمد إجراءات التقاضي تؤدي إلى ضياع الحقوق، وتفتح الباب لطُرق غير قانونيّة، وتدفع المتقاضين إلى تسويات غير عادلة، وتبث اليأس في قلوبهم
مختصون: أمد التقاضي يُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة
قانونيون: التقاضي عبر تقنية الفيديو وتنشيط العمل والتبليغ الإلكتروني وزيادة أعداد القضاة والطواقم الإداريّة في المحاكم وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات.. يساهم في حلّ المشكلة.
قانونيون: مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون.. لكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام.
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تُعدُّ مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي أمام المحاكم من أبرز المشاكل المجتمعيَّة التي تواجه الدول والجماعات والمؤسَّسات والأفراد على حدٍّ سواء، وتشكِّل عبئًا كبيرًا على جميع مكونات القضيَّة.
لذلك يجب إعطاء هذه المشكلة الاهتمام المناسب والتفكير الناقد الذي يسعى لإنهائها، والعمل على إيجاد الحلول الجذريَّة والمناسبة لزيادة سرعة تسوية النزاعات وتحسين كفاءة الإجراءات القضائيّة؛ للحد من إطالة أمد التقاضي، بالتزامن مع الحفاظ على جودة وعدالة الأحكام الصادرة.
عبابنة: أمد التقاضي مشكلة حساسة؛ لأنها تمسّ نبراس العدالة
عبابنة: المسؤول عنها نظام العدالة بكل ما يدور في فلكه.. ومجموعة من الأسباب جعلت من إجراءات التقاضي طويلة
القاضي السابق والمحامي الدكتور محمود عبابنة، قال ل 'أخبار اليوم'، إنَّ مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي هي معضلة تعانيها معظم دول العالم، ولكنَّها تتفاوت بين دولة وأُخرى، وهي مشكلة حساسة؛ لأنها تمسّ نبراس العدالة؛ فتأخير تحقيق العدالة بمثابة الإنكار لها، ولا توجد جهة مُحدَّدة واحدة مسؤولة عنها، وإنَّما نظام العدالة بكل ما يدور في فلكه؛ فالمحامون، والقضاة، وموظفو المحاكم، والمتداعين، ورجال الضابطة العدليّة؛ مسؤولون عن تأخير البت في القضايا أو التسريع بالبت فيها، كما تلعب الموارد الماليّة المصروفة على مرفق القضاء دورًا مهمًا في تفادي إطالة أمد الإجراءات. مشيرًا إلى أنَّه لا توجد أي جهة تستفيد من هذه المشكلة سوى من يبحث عن عدم الالتزام بالاتفاقيات والعقود.
ويعتقد عبابنة أنَّه لا يوجد سبب واحد لجعل إجراءات التقاضي طويلة، وإنَّما مجموعة من الأسباب المتكاتفة؛ تبدأ من طلبات التأجيل المتكرِّرة للتبليغ وتقديم البيّنة، وإحضار الشهود، ودعوة الخبراء وانتظار تقاريرهم، والتدقيق فيها لإصدار القرار، ثم انتظار طباعة القرار وتبليغه؛ تمهيدًا للدخول في مرحلة أُخرى وهي مرحلة التنفيذ، والتي تحتاج إلى جهود جديدة لتنفيذ مضمون الأحكام.
عبابنة: ما الفائدة من الحصول على حكم قطعي لا يُنفّذ أو يحتاج إلى مُدّة طويلة لتنفيذه؟
عبابنة: إطالة أمد إجراءات التقاضي تُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة
ويرى أنَّه لا يوجد خلل في دورة صدور الأحكام؛ إلَّا أنَّها تحتاج إلى وقت وصبر 'لأنَّ فرسان القضاء يعطون أفضل ما عندهم'، ولكن صدور القرار غير كافٍ لإحقاق الحق، ويتساءل عبابنة 'ما الفائدة من الحصول على حكم قطعي لا يُنفّذ أو يحتاج إلى مُدّة طويلة لتنفيذه؟'.
وأكَّد عبابنة أنَّ إطالة أمد إجراءات التقاضي تعكس وجهاً سلبياً، وفي حالة كانت هذه الإجراءات طويلة؛ فإنها تفتح الباب لطُرق غير قانونيّة، أو تدفع المتقاضين إلى تسويات غير عادلة، بالإضافة إلى أنَّها تقلِّل من هيبة الدولة وثقة الناس، وهي تُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة.
وعن الحلول المناسبة لهذه المشكلة، بيَّن عبابنة أنَّه بعد تعديل بعض التشريعات الناظمة لأصول المحاكمات المدنيّة والجزائيّة؛ جرى تجاوز الكثير من السقطات.
عبابنة: توفير عدد ملائم من القضاة وطاقم إداري بعددٍ كافٍ في المحاكم وتسريع التبليغات وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات.. يساهم في الحلّ.
عبابنة: لا يمكن تبرير التأخير بتحقيق العدالة.. لكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام غير المنسجمة مع نصوص القانون
لافتًا إلى أنَّ أكثر ما يساهم في حَلّ هذه المشكلة هو: توفير عدد ملائم من القضاة، وطاقم إداري بعددٍ كافٍ في المحاكم؛ لمتابعة إجراءات التقاضي وتسريع التبليغات، وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات؛ كالتشجيع على المصالحات والبت في بعض القضايا البسيطة في المركز الأمني، بدل إشغال المحاكم بقضايا ومخالفات السير، التي يمكن تقليل إحالتها إلى القضاء.
كما أكَّد عبابنة أنَّ السلطة القضائيّة تقوم - إلى حدِّ ما - بما يلزم لحَلّ هذه المشكلة، لكنَّ ذلك لم يصل إلى الدرجة المثاليّة، أو إلى الدرجة التي لا يُسمع فيها من حين إلى آخر عن مظلمة تتحقق في أروقة المحاكم، بالرغم من أنَّ مرفق العدالة والقضاء الأردني يتمتع بالنزاهة.
وأشار إلى أنَّه يجري من حين إلى آخر معالجة الخلل والقصور في التشريعات ذات العلاقة، إذ يُكْتَشَف الخلل من خلال التطبيق العملي والتجربة. مؤكَّدًا أنَّه لا يمكن تبرير التأخير بتحقيق العدالة، فالحديث عن دولة مؤسَّسات وقانون؛ يعني ذلك أن تكون بيوت العدالة 'قصور العدل' فاعلة وناجعة، فمرفق العدالة من أهم مرافق الدولة.
وأوضح عبابنة أنَّ إطالة أمد إجراءات التقاضي لا تتناسب مع فكرة دولة المؤسَّسات والقانون، ولكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام غير المنسجمة مع نصوص القانون والسوابق القضائيّة؛ لأنَّ مسار العدالة واحد، فلا يمكن أن يصدر حكم يصبح بمثابة مبدأ قانوني، ثم يُرْجَع عنه بعد مدَّة من الزمن دون مبرِّر لذلك؛ عندئذٍ لن يسود القانون، وستأخذ القضايا مسار الشخصنة.
الراعي: نصوص القانون الرخوة سبب إطالة إجراءات أمد التقاضي
الراعي: طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع الحقوق وبث اليأس في قلوب المتقاضين
المختص بالقانون الجزائي الدكتور أشرف الراعي، بيّن لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ إطالة إجراءات أمد التقاضي تُعدّ من المشكلات المستعصية التي لا تتعلق بجهة محدَّدة، وإنَّما تتحمّلها - على الأغلب - نصوص القانون الرخوة، وهو الذي يُفضي إلى أن تأخذ القضايا سنوات طويلة في المحاكم.
ويرى الراعي أنَّ أسباب إطالة أمد التقاضي تتمثل في النصوص القانونيّة، وضرورة مراجعتها في سبيل حلّ هذه المشكلة. لافتًا إلى أنَّ طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع الحقوق، وبث اليأس في قلوب المتقاضين قبل أن يصلوا إلى حقوقهم.
الراعي: يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقميّة في حلّ المشكلة
وفي هذا الصدد، أوضح الراعي أنَّه ليس هناك خلل في صدور الأحكام أو إجراءاتها، لكن يجب أن يتم الفصل في القضايا في وقت قصير؛ حفاظًا على الحقوق، خصوصا أن هذا العصر يشهد الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقميّة، التي يمكن من خلالها حَلّ هذه المشكلة.
ولحل هذه المشكلة يقول الراعي، إنَّه لا بدّ من تذكُّر فترة 'وباء كورونا'، إذ توقف العمل القضائي بصورة شبه تامّة في العديد من الدول ومنها الأردن، ما يستدعي البحث عن حلول سريعة، حتى تستمر عجلة التقاضي بالسير في الإطار الزمني المطلوب، وبما يحقِّق الكفاءة والقدرة القضائيّة، التي طالما تميّز بها القضاء الأردني، ليبقى عنوانًا للحقيقة، ونبراسًا للحق، وأبرزها تفعيل آليات التقاضي عن بُعد.
الراعي: انتقال المحاكم الأردنيّة إلى التقاضي عبر تقنية الفيديو يُحفِّز الاقتصاد، ويدعم الاستثمار
مضيفًا أنَّ انتقال المحاكم الأردنيّة إلى النظام الذكي في التقاضي 'عبر تقنية الفيديو'، قد يرتد إيجابيًا على القطاعات كلها، ويُحفِّز الاقتصاد، ويدعم الاستثمار؛ نظرًا لما يشكِّله القضاء من ضامن للحقوق والحريات، وهو يمكن أن يتأتى من خلال منظومة تقنية متطورة، يمكن أن توفِرها - بكل بساطة - الإمكانيّات التي تتمتع بها المحاكم من جهة، ووزارة العدل من جهة أُخرى، لا سيَّما في القضايا التي لا تتطلَّب أن يكون المُشتكي والمُشتكى عليه حاضرين لجلسات المحاكمات؛ كبعض القضايا الجزائيّة.
وفي هذا المجال، يمكن الإشارة إلى تجربة أردنيّة سابقة شكَّلت نقلة نوعيّة في العالم العربي، يمكن اليوم البناء عليها وتطويرها؛ حيث طُبِّقَت المحاكمة عن بُعد في قضايا الأحداث، وبما يتوافق مع نص المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة الأردني، الذي ينص على أنَّه 'يجوز للمدعي العام أو المحكمة إذا اقتضت الضرورة، وبقرار مُعلَّل، استخدام التقنية الحديثة، وذلك حماية للشهود الذين لم يكملوا الـ 18 من العُمر عند الإدلاء بشهادتهم، على أن تُمكِّن هذه الوسائل أي خصم من مناقشة الشاهد في أثناء المحاكمة، وتُعدّ هذه الشهادة بيّنة مقبولة في القضية'، بحسب الراعي.
الخصاونة: مفهوم أمد التقاضي مخالف للمعايير العالميّة المتعلِّقة بتحقيق العدالة
المحامي الدكتور صخر الخصاونة قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ المقصود بأمد التقاضي هو أنَّ الإجراءات القضائيّة تأخذ فترة طويلة في المحاكم، بمعنى مرور مدَّة زمنيّة طويلة، حتى يتم الفصل في القضيّة والحكم لمصلحة أحد الأطراف، وهذا المصطلح هو مخالف للمعايير العالميّة المتعلِّقة بتحقيق العدالة، إذ يُفترض أنَّ اللجوء إلى القضاء هو حق دستوري، ومن ثم أنَّ الفصل بالقضايا المتنازع عليها أمام القضاء يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن؛ حتى تُسْتَقَرّ الأوضاع القانونيّة في المجتمع.
الخصاونة: أسباب إطالة أمد التقاضي تشريعيّة وأخرى إجرائيّة وأسباب تتعلَّق بمجريات القضيّة
وأضاف أنَّ أسباب إطالة أمد التقاضي كثيرة منها: أسباب تشريعيّة وأخرى إجرائيّة، وأسباب تتعلَّق بمجريات القضيّة، وقد قام المشرِّع الأردني مع الحكومة قبل ثلاث سنوات بتعديل منظومة القواعد المتعلِّقة بالمحاكمات، وبإجراءات التقاضي أمام المحاكم، والعمل على تقصير مدّة التقاضي من خلال؛ تنشيط العمل الإلكتروني، وتفعيل التبليغ الإلكتروني، وتقصير مدَّة الردود والطعن أمام المحاكم.
مشيرًا إلى أنَّه منذ ثلاث سنوات شهد الأردن تطوّرًا كبيرًا من حيث تقصير مدّة التقاضي، لكن ما زال هناك بعض القضايا التي تأخذ وقتًا طويلًا، ويرجع ذلك إلى عدّة أسباب منها: أسباب تتعلَّق بالقضيّة، وأسباب تتعلَّق بالشهود وعدم حضورهم الجلسات، ومنها أيضًا النقص في بعض البيّنات، أو طلب المُدَّعي بيّنات موجودة في الدوائر والمؤسَّسات الحكوميّة وغيرها، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا إلى حين البت والفصل في القضيّة.
الخصاونة: كلما كانت إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق سريعة كلما كان اللجوء إلى القضاء وسيلة فعَّالة وناجعة
ولفت إلى أنَّ طول أمد التقاضي يرتبط بعدم تحقيق العدالة في المجتمع، وعليه يشعر الشخص الذي يلجأ إلى المحكمة بأنّه مظلوم، ومن ثم كلما كانت إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق سريعة، كلما كان اللجوء إلى القضاء وسيلة فعَّالة وناجعة؛ من أجل تسوية المنازعات بين المتخاصمين.
وبيّن الخصاونة أنَّ آثار طول أمد التقاضي تختلف من قضية لأخرى بحسب نوع القضيّة، ونوع الإجراءات المتَّبعة في المحاكم منها: آثار ماديّة أو معنوية ونفسيّة.
الخصاونة: تفعيل العمل الإلكتروني والتقاضي عن بُعد من شأنه تقصير أمد التقاضي.
وأضاف أنَّ وزارة العدل والمجلس القضائي ومجلس النواب، شاركوا في إصدار قوانين ساهمت في تقصير أمد التقاضي، وما زال العمل جارٍ وبشكل جدَّي لحلّ هذه المشكلة، إذ تشهد المحاكم يوميًا إجراءات جديدة من خلال؛ تفعيل العمل الإلكتروني، والتقاضي عن بُعد، ما من شأنه تقصير أمد التقاضي.
وأوضح الخصاونة أنَّه لا وجود خلل في التشريعات، إذ جرى التعديل على التشريعات ذات العلاقة، ومنها ما يحتاج إلى بعض التعديلات الطفيفة، لكن التشريعات المعمول فيها تكفل سرعة التقاضي.
الخصاونة: التأخير في البت في القضايا والمنازعات عادةً ما يكون خارجاً عن إرادة أطراف القضيّة
مشيرًا إلى أنَّ التأخير في البت في القضايا والمنازعات، عادةً ما يكون خارجاً عن إرادة أطراف القضيّة، سواءً المُدَّعي أو المُدَّعى عليه أو المحامون أو القُضاة؛ فظهور متطلَّبات جديدة في القضيّة؛ كالحاجة إلى بيّنة من إحدى المؤسَّسات، أو وجود عدد كبير من الشهود للقضيّة، أو أن تحتاج القضيّة لإجراءات كشف؛ يساهم في زيادة أمد الإجراءات القضائيّة، وعليه تختلف كل قضيّة عن الأخرى، ولا يمكن تحميل المسؤوليّة لأي طرف؛ لأنَّ التقاضي هو عبارة عن إجراءات، وهذه الإجراءات تسير وفق تسلسل زمني.
الخصاونة: مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون
وأكَّد الخصاونة أنَّ مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون، ولكن يُعدّ العمل المستمر على تحقيق فكرة سيادة القانون، واللجوء إلى القضاء، وتقصير أمد التقاضي، وتحقيق المبدأ الدستوري بكفالة حق اللجوء إلى المحاكم؛ من العناصر التي تحقِّق الديمقراطيّة، وتضمن العدالة المجتمعيّة.
قانونيون لـ 'أخبار اليوم': مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي أمام المحاكم ليست مشكلة أردنيّة فقط.. تعانيها معظم دول العالم
مختصون: أسباب إطالة أمد التقاضي تشريعيّة وإجرائيّة تتعلَّق بمجريات القضيّة.
مختصون: إطالة أمد إجراءات التقاضي تؤدي إلى ضياع الحقوق، وتفتح الباب لطُرق غير قانونيّة، وتدفع المتقاضين إلى تسويات غير عادلة، وتبث اليأس في قلوبهم
مختصون: أمد التقاضي يُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة
قانونيون: التقاضي عبر تقنية الفيديو وتنشيط العمل والتبليغ الإلكتروني وزيادة أعداد القضاة والطواقم الإداريّة في المحاكم وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات.. يساهم في حلّ المشكلة.
قانونيون: مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون.. لكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام.
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تُعدُّ مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي أمام المحاكم من أبرز المشاكل المجتمعيَّة التي تواجه الدول والجماعات والمؤسَّسات والأفراد على حدٍّ سواء، وتشكِّل عبئًا كبيرًا على جميع مكونات القضيَّة.
لذلك يجب إعطاء هذه المشكلة الاهتمام المناسب والتفكير الناقد الذي يسعى لإنهائها، والعمل على إيجاد الحلول الجذريَّة والمناسبة لزيادة سرعة تسوية النزاعات وتحسين كفاءة الإجراءات القضائيّة؛ للحد من إطالة أمد التقاضي، بالتزامن مع الحفاظ على جودة وعدالة الأحكام الصادرة.
عبابنة: أمد التقاضي مشكلة حساسة؛ لأنها تمسّ نبراس العدالة
عبابنة: المسؤول عنها نظام العدالة بكل ما يدور في فلكه.. ومجموعة من الأسباب جعلت من إجراءات التقاضي طويلة
القاضي السابق والمحامي الدكتور محمود عبابنة، قال ل 'أخبار اليوم'، إنَّ مشكلة إطالة أمد إجراءات التقاضي هي معضلة تعانيها معظم دول العالم، ولكنَّها تتفاوت بين دولة وأُخرى، وهي مشكلة حساسة؛ لأنها تمسّ نبراس العدالة؛ فتأخير تحقيق العدالة بمثابة الإنكار لها، ولا توجد جهة مُحدَّدة واحدة مسؤولة عنها، وإنَّما نظام العدالة بكل ما يدور في فلكه؛ فالمحامون، والقضاة، وموظفو المحاكم، والمتداعين، ورجال الضابطة العدليّة؛ مسؤولون عن تأخير البت في القضايا أو التسريع بالبت فيها، كما تلعب الموارد الماليّة المصروفة على مرفق القضاء دورًا مهمًا في تفادي إطالة أمد الإجراءات. مشيرًا إلى أنَّه لا توجد أي جهة تستفيد من هذه المشكلة سوى من يبحث عن عدم الالتزام بالاتفاقيات والعقود.
ويعتقد عبابنة أنَّه لا يوجد سبب واحد لجعل إجراءات التقاضي طويلة، وإنَّما مجموعة من الأسباب المتكاتفة؛ تبدأ من طلبات التأجيل المتكرِّرة للتبليغ وتقديم البيّنة، وإحضار الشهود، ودعوة الخبراء وانتظار تقاريرهم، والتدقيق فيها لإصدار القرار، ثم انتظار طباعة القرار وتبليغه؛ تمهيدًا للدخول في مرحلة أُخرى وهي مرحلة التنفيذ، والتي تحتاج إلى جهود جديدة لتنفيذ مضمون الأحكام.
عبابنة: ما الفائدة من الحصول على حكم قطعي لا يُنفّذ أو يحتاج إلى مُدّة طويلة لتنفيذه؟
عبابنة: إطالة أمد إجراءات التقاضي تُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة
ويرى أنَّه لا يوجد خلل في دورة صدور الأحكام؛ إلَّا أنَّها تحتاج إلى وقت وصبر 'لأنَّ فرسان القضاء يعطون أفضل ما عندهم'، ولكن صدور القرار غير كافٍ لإحقاق الحق، ويتساءل عبابنة 'ما الفائدة من الحصول على حكم قطعي لا يُنفّذ أو يحتاج إلى مُدّة طويلة لتنفيذه؟'.
وأكَّد عبابنة أنَّ إطالة أمد إجراءات التقاضي تعكس وجهاً سلبياً، وفي حالة كانت هذه الإجراءات طويلة؛ فإنها تفتح الباب لطُرق غير قانونيّة، أو تدفع المتقاضين إلى تسويات غير عادلة، بالإضافة إلى أنَّها تقلِّل من هيبة الدولة وثقة الناس، وهي تُضِرّ بالحركة الائتمانية والتجاريّة.
وعن الحلول المناسبة لهذه المشكلة، بيَّن عبابنة أنَّه بعد تعديل بعض التشريعات الناظمة لأصول المحاكمات المدنيّة والجزائيّة؛ جرى تجاوز الكثير من السقطات.
عبابنة: توفير عدد ملائم من القضاة وطاقم إداري بعددٍ كافٍ في المحاكم وتسريع التبليغات وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات.. يساهم في الحلّ.
عبابنة: لا يمكن تبرير التأخير بتحقيق العدالة.. لكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام غير المنسجمة مع نصوص القانون
لافتًا إلى أنَّ أكثر ما يساهم في حَلّ هذه المشكلة هو: توفير عدد ملائم من القضاة، وطاقم إداري بعددٍ كافٍ في المحاكم؛ لمتابعة إجراءات التقاضي وتسريع التبليغات، وتوفير طرق بديلة لحَلّ النزاعات؛ كالتشجيع على المصالحات والبت في بعض القضايا البسيطة في المركز الأمني، بدل إشغال المحاكم بقضايا ومخالفات السير، التي يمكن تقليل إحالتها إلى القضاء.
كما أكَّد عبابنة أنَّ السلطة القضائيّة تقوم - إلى حدِّ ما - بما يلزم لحَلّ هذه المشكلة، لكنَّ ذلك لم يصل إلى الدرجة المثاليّة، أو إلى الدرجة التي لا يُسمع فيها من حين إلى آخر عن مظلمة تتحقق في أروقة المحاكم، بالرغم من أنَّ مرفق العدالة والقضاء الأردني يتمتع بالنزاهة.
وأشار إلى أنَّه يجري من حين إلى آخر معالجة الخلل والقصور في التشريعات ذات العلاقة، إذ يُكْتَشَف الخلل من خلال التطبيق العملي والتجربة. مؤكَّدًا أنَّه لا يمكن تبرير التأخير بتحقيق العدالة، فالحديث عن دولة مؤسَّسات وقانون؛ يعني ذلك أن تكون بيوت العدالة 'قصور العدل' فاعلة وناجعة، فمرفق العدالة من أهم مرافق الدولة.
وأوضح عبابنة أنَّ إطالة أمد إجراءات التقاضي لا تتناسب مع فكرة دولة المؤسَّسات والقانون، ولكنَّ ذلك لا يعني التعجُّل بالقضايا وإصدار الأحكام غير المنسجمة مع نصوص القانون والسوابق القضائيّة؛ لأنَّ مسار العدالة واحد، فلا يمكن أن يصدر حكم يصبح بمثابة مبدأ قانوني، ثم يُرْجَع عنه بعد مدَّة من الزمن دون مبرِّر لذلك؛ عندئذٍ لن يسود القانون، وستأخذ القضايا مسار الشخصنة.
الراعي: نصوص القانون الرخوة سبب إطالة إجراءات أمد التقاضي
الراعي: طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع الحقوق وبث اليأس في قلوب المتقاضين
المختص بالقانون الجزائي الدكتور أشرف الراعي، بيّن لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ إطالة إجراءات أمد التقاضي تُعدّ من المشكلات المستعصية التي لا تتعلق بجهة محدَّدة، وإنَّما تتحمّلها - على الأغلب - نصوص القانون الرخوة، وهو الذي يُفضي إلى أن تأخذ القضايا سنوات طويلة في المحاكم.
ويرى الراعي أنَّ أسباب إطالة أمد التقاضي تتمثل في النصوص القانونيّة، وضرورة مراجعتها في سبيل حلّ هذه المشكلة. لافتًا إلى أنَّ طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع الحقوق، وبث اليأس في قلوب المتقاضين قبل أن يصلوا إلى حقوقهم.
الراعي: يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقميّة في حلّ المشكلة
وفي هذا الصدد، أوضح الراعي أنَّه ليس هناك خلل في صدور الأحكام أو إجراءاتها، لكن يجب أن يتم الفصل في القضايا في وقت قصير؛ حفاظًا على الحقوق، خصوصا أن هذا العصر يشهد الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقميّة، التي يمكن من خلالها حَلّ هذه المشكلة.
ولحل هذه المشكلة يقول الراعي، إنَّه لا بدّ من تذكُّر فترة 'وباء كورونا'، إذ توقف العمل القضائي بصورة شبه تامّة في العديد من الدول ومنها الأردن، ما يستدعي البحث عن حلول سريعة، حتى تستمر عجلة التقاضي بالسير في الإطار الزمني المطلوب، وبما يحقِّق الكفاءة والقدرة القضائيّة، التي طالما تميّز بها القضاء الأردني، ليبقى عنوانًا للحقيقة، ونبراسًا للحق، وأبرزها تفعيل آليات التقاضي عن بُعد.
الراعي: انتقال المحاكم الأردنيّة إلى التقاضي عبر تقنية الفيديو يُحفِّز الاقتصاد، ويدعم الاستثمار
مضيفًا أنَّ انتقال المحاكم الأردنيّة إلى النظام الذكي في التقاضي 'عبر تقنية الفيديو'، قد يرتد إيجابيًا على القطاعات كلها، ويُحفِّز الاقتصاد، ويدعم الاستثمار؛ نظرًا لما يشكِّله القضاء من ضامن للحقوق والحريات، وهو يمكن أن يتأتى من خلال منظومة تقنية متطورة، يمكن أن توفِرها - بكل بساطة - الإمكانيّات التي تتمتع بها المحاكم من جهة، ووزارة العدل من جهة أُخرى، لا سيَّما في القضايا التي لا تتطلَّب أن يكون المُشتكي والمُشتكى عليه حاضرين لجلسات المحاكمات؛ كبعض القضايا الجزائيّة.
وفي هذا المجال، يمكن الإشارة إلى تجربة أردنيّة سابقة شكَّلت نقلة نوعيّة في العالم العربي، يمكن اليوم البناء عليها وتطويرها؛ حيث طُبِّقَت المحاكمة عن بُعد في قضايا الأحداث، وبما يتوافق مع نص المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة الأردني، الذي ينص على أنَّه 'يجوز للمدعي العام أو المحكمة إذا اقتضت الضرورة، وبقرار مُعلَّل، استخدام التقنية الحديثة، وذلك حماية للشهود الذين لم يكملوا الـ 18 من العُمر عند الإدلاء بشهادتهم، على أن تُمكِّن هذه الوسائل أي خصم من مناقشة الشاهد في أثناء المحاكمة، وتُعدّ هذه الشهادة بيّنة مقبولة في القضية'، بحسب الراعي.
الخصاونة: مفهوم أمد التقاضي مخالف للمعايير العالميّة المتعلِّقة بتحقيق العدالة
المحامي الدكتور صخر الخصاونة قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ المقصود بأمد التقاضي هو أنَّ الإجراءات القضائيّة تأخذ فترة طويلة في المحاكم، بمعنى مرور مدَّة زمنيّة طويلة، حتى يتم الفصل في القضيّة والحكم لمصلحة أحد الأطراف، وهذا المصطلح هو مخالف للمعايير العالميّة المتعلِّقة بتحقيق العدالة، إذ يُفترض أنَّ اللجوء إلى القضاء هو حق دستوري، ومن ثم أنَّ الفصل بالقضايا المتنازع عليها أمام القضاء يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن؛ حتى تُسْتَقَرّ الأوضاع القانونيّة في المجتمع.
الخصاونة: أسباب إطالة أمد التقاضي تشريعيّة وأخرى إجرائيّة وأسباب تتعلَّق بمجريات القضيّة
وأضاف أنَّ أسباب إطالة أمد التقاضي كثيرة منها: أسباب تشريعيّة وأخرى إجرائيّة، وأسباب تتعلَّق بمجريات القضيّة، وقد قام المشرِّع الأردني مع الحكومة قبل ثلاث سنوات بتعديل منظومة القواعد المتعلِّقة بالمحاكمات، وبإجراءات التقاضي أمام المحاكم، والعمل على تقصير مدّة التقاضي من خلال؛ تنشيط العمل الإلكتروني، وتفعيل التبليغ الإلكتروني، وتقصير مدَّة الردود والطعن أمام المحاكم.
مشيرًا إلى أنَّه منذ ثلاث سنوات شهد الأردن تطوّرًا كبيرًا من حيث تقصير مدّة التقاضي، لكن ما زال هناك بعض القضايا التي تأخذ وقتًا طويلًا، ويرجع ذلك إلى عدّة أسباب منها: أسباب تتعلَّق بالقضيّة، وأسباب تتعلَّق بالشهود وعدم حضورهم الجلسات، ومنها أيضًا النقص في بعض البيّنات، أو طلب المُدَّعي بيّنات موجودة في الدوائر والمؤسَّسات الحكوميّة وغيرها، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا إلى حين البت والفصل في القضيّة.
الخصاونة: كلما كانت إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق سريعة كلما كان اللجوء إلى القضاء وسيلة فعَّالة وناجعة
ولفت إلى أنَّ طول أمد التقاضي يرتبط بعدم تحقيق العدالة في المجتمع، وعليه يشعر الشخص الذي يلجأ إلى المحكمة بأنّه مظلوم، ومن ثم كلما كانت إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق سريعة، كلما كان اللجوء إلى القضاء وسيلة فعَّالة وناجعة؛ من أجل تسوية المنازعات بين المتخاصمين.
وبيّن الخصاونة أنَّ آثار طول أمد التقاضي تختلف من قضية لأخرى بحسب نوع القضيّة، ونوع الإجراءات المتَّبعة في المحاكم منها: آثار ماديّة أو معنوية ونفسيّة.
الخصاونة: تفعيل العمل الإلكتروني والتقاضي عن بُعد من شأنه تقصير أمد التقاضي.
وأضاف أنَّ وزارة العدل والمجلس القضائي ومجلس النواب، شاركوا في إصدار قوانين ساهمت في تقصير أمد التقاضي، وما زال العمل جارٍ وبشكل جدَّي لحلّ هذه المشكلة، إذ تشهد المحاكم يوميًا إجراءات جديدة من خلال؛ تفعيل العمل الإلكتروني، والتقاضي عن بُعد، ما من شأنه تقصير أمد التقاضي.
وأوضح الخصاونة أنَّه لا وجود خلل في التشريعات، إذ جرى التعديل على التشريعات ذات العلاقة، ومنها ما يحتاج إلى بعض التعديلات الطفيفة، لكن التشريعات المعمول فيها تكفل سرعة التقاضي.
الخصاونة: التأخير في البت في القضايا والمنازعات عادةً ما يكون خارجاً عن إرادة أطراف القضيّة
مشيرًا إلى أنَّ التأخير في البت في القضايا والمنازعات، عادةً ما يكون خارجاً عن إرادة أطراف القضيّة، سواءً المُدَّعي أو المُدَّعى عليه أو المحامون أو القُضاة؛ فظهور متطلَّبات جديدة في القضيّة؛ كالحاجة إلى بيّنة من إحدى المؤسَّسات، أو وجود عدد كبير من الشهود للقضيّة، أو أن تحتاج القضيّة لإجراءات كشف؛ يساهم في زيادة أمد الإجراءات القضائيّة، وعليه تختلف كل قضيّة عن الأخرى، ولا يمكن تحميل المسؤوليّة لأي طرف؛ لأنَّ التقاضي هو عبارة عن إجراءات، وهذه الإجراءات تسير وفق تسلسل زمني.
الخصاونة: مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون
وأكَّد الخصاونة أنَّ مشكلة أمد التقاضي تتنافى مع مبدأ العدالة وسيادة القانون، ولكن يُعدّ العمل المستمر على تحقيق فكرة سيادة القانون، واللجوء إلى القضاء، وتقصير أمد التقاضي، وتحقيق المبدأ الدستوري بكفالة حق اللجوء إلى المحاكم؛ من العناصر التي تحقِّق الديمقراطيّة، وتضمن العدالة المجتمعيّة.
التعليقات