مختصون يتحدثون لـ 'أخبار اليوم' عن أزمة الثقة بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة.. الأسباب والحلول
مختصون: أزمة الثقة ظاهرة موجودة في دول العالم وليست حالة أُردنيّه فقط
مختصون: الثقة ستبقى مفقودة طالما لا توجد شراكة حقيقيّة في صناعة القرارات بين الجانبين
مختصون: مجتمع شريك في صناعة القرار وإلَّا.. ثقة مفقودة
مختصون: مجلس النواب جزء من الأزمة.. تبعيّته ومحدوديّة دوره السياسي وأداءه وآلية وصول أعضاءه لقبة البرلمان أفقدته ثقة الشارع
مختصون: للإعلام دور مهم في تقليل الفجوة.. إن كان إعلام دولة لا إعلام حكومة وإن كان على مسافة واحدة من الجميع
مختصون: للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة.. وإنهاء العلاقة العكسيّة ليست منوطًا بالحكومة فقط
مختصون: من يدفع ثمن فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها
أخبار اليوم - سمير الصمادي - في ظل المتغيرات السياسيّة والتحولات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتسارعة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بالتزامن مع ما يشهده عصر الاتصال والإعلام من تطوّر كبير، تَبرُز مجددًا مسألة أزمة الثقة بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة، إذ أصبحت هذه الأزمة حالة عامّة تُعبِّر عن رأي الشارع الأردني، كما أنَّها عابرة للزمن والحكومات وتتسع فجوتها بمرور السنوات.
أزمة الثقة.. تراكميّة وتتعلَّق بالأداء الحكومي وقدرة الحكومة على إدارة الأزمات وحلّ المشكلات وتنفيذ الوعود
الأزمة ترتبط بأُسس اختيار المسؤولين وكفاءتهم وقدرتهم على أداء واجباتهم
وزير الدولة لشؤون الإعلام الأسبق سميح المعايطة، أوضح لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ أزمة الثقة ليست قضيّة جديدة وهي لا ترتبط بالأردن فقط، وإنَّما تظهر في الكثير من دول العالم وزاد من حضورها تطوّر تكنولوجيا الإعلام، التي عزَّزت ثقافة النقد وفتحت الباب لسلوكيات تُعزِّز السلبيّة في العلاقة بين المواطن والحكومات، وما دام الحديث عن علاقة؛ فالأمر تراكمي ويتعلق بالأداء وإدارة الأزمات وقدرة الحكومات على تنفيذ الوعود والتخفيف من المشكلات الراهنة.
وأضاف أنَّ الأزمة ترتبط أيضًا بأُسس اختيار المسؤولين التنفيذيين وكفاءتهم الشخصيّة وقدرتهم على أداء واجباتهم.
عدم التعامل بجديّة وعدم بذل جهد منظّم ومنهجي من قِبل الحكومات.. فاقم الأزمة
غياب التواصل المستمر مع المواطن.. يصنع فراغًا وفجوة في العلاقة ويساهم في نشر الإشاعات
ويرى المعايطة أنَّ ما فاقم الأزمة هو عدم التعامل معها بجديّة، وعدم بذل جهد منظَّم ومنهجي من قِبل الحكومات؛ لتقليل الفجوة مع المواطن، وهي فجوة ليس من الصعب تجاوزها كليًّا أو جزئيًّا، لكن بوجود أداء حكومي رشيق ومسؤولين أكفاء وتواصل سياسي وخدماتي دائم ومُقنِع مع المواطنين، حينها يمكن تقليص الفجوة بين الطرفين.
وأكَّد المعايطة أنَّ التواصل الدائم والمُقنِع مهم جدًا في تعزيز الثقة وبناء علاقة حسنة وإيجابيّة بين المواطن والحكومة، وعلى العكس من ذلك فإنَّ غياب التواصل المستمر مع المواطن يصنع فجوة في العلاقة، وتكون هذه الفجوة سببًا في بناء أحكام شعبيّة سلبيّة بحق الحكومات كمؤسسات أو بحق المسؤولين كأشخاص.
وإذا كان على الحكومات واجب التواصل المُقنِع والأداء القوي، فإنَّ فتح الأبواب للإشاعات والمعلومات غير المكتملة من قِبل المواطن يُعزِّز عدم الثقة، ففي هذه المرحلة يحتاج المجتمع للتدقيق في أي معلومة يتم تداولها، وعدم ترك الإشاعات تصنع قناعات غير صحيحة، فالتعامل يجب أن يكون مع المعلومة الدقيقة فقط حتى تكون القناعات سليمة، بحسب المعايطة.
أثر فقدان الثقة سيكون على الدولة وقدرتها على التعامل مع المراحل غير العاديّة
ويعتقد المعايطة أنَّ الأثر الأهم لفقدان الثقة سيكون على الدولة وقدرتها على التعامل مع المراحل غير العاديّة، فالدولة تحتاج لعلاقة قويّة بين مواطنيها ومؤسَّساتها التنفيذيّة؛ لمواجهة أي أزمة أو حدث غير عادي قد تواجهه.
للإعلام دور مهم في تقليل الفجوة.. إذا كان جزءًا من خطط الحكومات للتواصل وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن
ويرى المعايطة أنَّ الإعلام يمكن أن يكون مهمًا في تقليل الفجوة؛ إذا كان جزءًا من خطط الحكومات للتواصل وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن، وعليه واجب الأداء المهني الذي يقدِّم الأحداث بشكل موضوعي دون البحث عن الإثارة، فواجب الإعلام الرقابة المهنيّة، لكن إذا غابت المهنيّة عن الإعلاميين ووسائل الإعلام؛ فإنَّ النتائج ستكون عكسيّة.
آلية صنع القرارات على مدى السنوات أدّت إلى قطيعة ما بين صانع القرار السياسي والشارع العام
منذ فُقدت الشراكة في صناعة القرارات.. فُقدت الثقة
فقدان الثقة.. يعني غياب المجتمع والشعب عن صياغة القرارات
يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، أنَّ الثقة هي حصيلة سلوك وقرار ومعرفة مشتركة، وهذه العناصر هي التي تكوِّن الثقة أو تحجبها ما بين الحكومة والشعب، وبالتالي فإنَّ فقدان المواطن الثقة لم يأتِ فقط بسبب شخص رئيس الحكومة أو الوزير أو النائب أو حتى مدير دائرة، بل جاء أيضًا للآلية التي يتم فيها اتخاذ القرار، وبطبيعة الحال فإنَّ المواطنون بعيدون عن هذه الآلية أو يعتقدون أنَّهم بعيدون عنها، لذلك عندما يصدر أي قرار بصرف النظر عن ماهيَّته؛ يُعدّ مقطوعًا عن صلته الاجتماعيّة وغير مرغوب فيه، وهذا النهج يُعزِّز فكرة عدم الثقة والشك بطبيعة القرار المتَّخذ إن كان لخدمة الصالح العام أم لخدمة مصالح شخصيّة ضيَّقة.
مضيفًا أنَّ فقدان الثقة كان تراكميًّا من خلال تكرار حدوث آلية اتخاذ وصنع القرار على مدى السنوات؛ أدّى ذلك إلى قطيعة ما بين صانع القرار السياسي والشارع العام، لأنَّ الشارع العام لم يكن شريكًا في صناعة هذا القرار، وبالتالي وصل تفاقم هذه الأزمة إلى فقدان الثقة، ومنذ فُقدت الشراكة في صناعة القرار فُقدت الثقة، وستبقى هذه الثقة مفقودة طالما لا توجد شراكة حقيقيّة في صناعة القرارات بين الجانبين .
وبيّن الحوارات لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ فقدان الثقة تعني غياب المجتمع والشعب عن صياغة القرارات التي تتعلّق بطبيعة الحياة العامّة والمستقبل، والإحساس بأنَّ المسؤول لم يأتِ ويُعيَّن بحصيلة شراكة مجتمعيّة، بل كان يؤتَ به - بصرف النظر عن موقف المواطن منه وعن قناعاته بمؤهلاته -، وبالتالي فإنَّ اختيار الأشخاص لمواقع المسؤوليّة لم يخضع لمعايير الرضى الاجتماعي، وهو ما ساهم في فقدان الثقة.
عدم استماع الحكومة لصوت الشارع وإصدار قراراتها بمعزل عنه.. ساهم بفقدان الثقة
وعن كيف تساهم الدولة في فقدان الثقة، أفاد الحوارات أنَّ عدم استماع الحكومة لصوت الشارع، وقناعتها بأنّ وجهة نظرها صحيحة - وقد تكون كذلك -، وعدم قدرتها على إقناع الشارع بوجهة نظرها، وإصدار القرارات الحكوميّة بمعزل عن الآليات الاجتماعيّة والسياسيّة التقليديّة المُتَّبعة في الدول الديمقراطيّة أو شبه الديمقراطيّة، وإصدار الحكومة قرارات قد لا يراها الشارع تلمس مصالحه ومستقبله، بل ويراها تأتي عكس طموحاته وتمنيَّاته وفق المنظور الذي يعتقده؛ كل ذلك فاقم من فقدان الثقة وساهم في انعدامها.
إعادة الثقة.. آلية يجب البدء فيها في إطار أنَّ المجتمع لا يجوز إقصاؤه عن صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي
إعادة بناء الثقة.. ليست مجرد كلام بل أفعال يجب أن تُترجم للواقع
وعن كيفيّة إعادة الثقة، يرى الحوارات أنَّها تحتاج لمسار طويل، فهي ليست قرارًا سياسيًا واحدًا أو توجهًا لشخص ما، بل هي آلية يجب أن يتم البدء فيها على أساس قرار صائب مفاده أنَّ المجتمع لا يجوز إقصاؤه عن صناعة السياسة، وهو جدير بأن يتَّخذ الطريق السياسي الصحيح ويختار الأشخاص الذين يستطيعون تلبية احتياجاته ورسم تصوراته في الحاضر والمستقبل.
مشيرًا إلى أنَّ إعادة بناء الثقة ليست مجرد كلام، بل هي أفعال يجب أن تُترجم للواقع، وهي تتكوَّن بالشراكة الحقيقيّة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إنهاء العلاقة العكسيّة ليست منوطًا بالحكومة فقط.. بل هي عمل مشترك بين طرفي المعادلة
وبحسب الحوارات فأنَّ إعادة الثقة وإنهاء العلاقة العكسيّة بين الطرفين ليست منوطًة بالحكومة فقط، بل هي عمل ثنائي ومشترك بين طرفي المعادلة، من خلال الشراكة السياسيّة وهي لا تتم إلَّا بتنظيمات اجتماعيّة صادقة تُعبِّر عن المجتمع، ويكون لها دور حقيقي في المشاركة البناءة في إنتاج المستقبل وصناعة القرارات المتعلِّقة به.
محدوديّة الدور السياسي لمجلس النواب.. عزّز الأزمة
وعن دور مجلس النواب في مشهد انعدام الثقة بين الشارع والحكومة، يرى الحوارات أنَّ هناك قناعة مترسِّخة لدى العديد من المواطنين بأنَّ المجلس يتم إعداده وإنتاجه مسبقًا، وعليه تكون الثقة به مُتدنيّة، كما أنّ الدور السياسي المنوط به هو دور شديد المحدوديّة من حيث رسم وصناعة القرارات، فالحكومة هي من تتكفل بالقرار في الوضع الراهن، وتستطيع أن تؤمِل لنفسها قبول مجلس النواب بآليات يراها المجتمع بأنَّها غير مقبولة وتحمل في طيّاتها بعض التواطؤ والمصالح المتبادلة بين الحكومة ومجلس النواب، ما من شأنه تفاقم أزمة فقدان الثقة.
نتائج فقدان الثقة.. الشك في القرارات الحكوميّة.. ولن يكون ذلك في مصلحة الدولة والحكومة..وسينعكس سلبيًا على المجتمع
وتطرّق الحوارات لنتائج فقدان الثقة، وبيّن أنَّ هناك قضايا سياسيّة عديدة محليّة وإقليميّة ودوليّة يشتبك فيها الأردن؛ من خلالها يمكن الحُكم بانعدام ثقة الشارع في الحكومة، من حيث تعاطيها مع هذه القضايا وما يُنتج عنها من قرارات؛ بسبب غياب المواطن عن حيثيات الآليات المُتَّبعة لإنتاج تلك القرارت، وذلك لأنَّ المواطن لم يكن شريكًا في اختيار من يتخذ القرار، ومع كل هذا فإنَّ التأويل لن يكون في مصلحة الدولة والحكومة، وينعكس ذلك سلبيًا على المجتمع وعلى آليات فهمه للقرارات الحكوميّة وكيفيّة تسلسل اتخاذها، حينها يغلب طابع الشك فيما يصدر من قرارات.
وأوضح الحوارات أنَّ الذهاب باتجاه أنَّ المجتمع شريك في صناعة القرار؛ تعزَّز لديه الثقة بالحكومة وبالدولة؛ حينها يصبح نقده للحكومة موضوعيًّا ومبنيًّا على المصلحة العامّة.
طريقة اختيار الرئيس وطريقة اختيار التشكيل الوزاري وكثرة التعديلات الوزاريّة.. أبرز العوامل التي أطاحت بالثقة بين الشارع والحكومات
عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد القضاة قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ تراجع ثقة الشعب بالحكومة يعود إلى عدَّة أسباب منها: طريقة اختيار رئيس الوزراء، إذ لا يعلم الشارع لماذا وكيف جاء الرئيس وماهيّة المهمات التي سيقوم بالتركيز عليها، وطريقة تشكيل الحكومات، التي تأتي ببعض الوزراء قليلي الكفاءة، من خلال اختيارهم بناءً على المحاصصة والمناطقيّة أو عن طريق المجاملة وعلاقتهم الشخصيّة برئيس الوزراء، ومن الأسباب أيضًا كثرة التعديلات على التشكيلة الحكوميّة، والتي تثير تساؤلًا حول سبب اختيار الوزير من الأساس وسبب تبديله.
فطريقة اختيار الرئيس وطريقة اختيار التشكيل الوزاري وكثرة التعديلات الوزاريّة، هي أبرز العوامل التي أطاحت بالثقة بين الشارع والحكومات، وهذه المحاور تنتقل من حكومة إلى حكومة حتى وصلت إلى مرحلة أدّت إلى انعدام الثقة بين الجانبين، وعدم اكتراث المواطن بالحكومة وتشكيلتها، وعدم التعويل عليها في إحداث تغيير جذري في معيشته ومستوى حياته الاقتصاديّة ومستقبل أولاده، بحسب القضاة.
مجلس النواب جزء من الأزمة.. وطريقة تعاطيه مع الحكومة تشير إلى تبعيّته .. وأفقدته ثقة الشارع
ويعتقد القضاة أنَّ مجلس النواب جزء من هذه الأزمة، فطريقة تعاطيه مع الحكومة تشير إلى تبعيّته وإلى تحقيق مصالحه الخاصّة من خلال استغلال العضوية في المجلس، ما يُفقِده هو والحكومة ثقة المواطن الأردني، والإعفاءات الطبيّة والتأمين الصحي أفضل دليل على المصالح الخاصّة بينهما، علمًا بأنَّها حق لكل مواطن ولا يجب أن تكون تحت رحمة المقايضة بين المجلس والحكومة.
الإعلام شريك في الأزمة.. يروِّج للحكومات وبوقًا لبعض الشخصيّات ولا يدافع عن المؤسَّسات الوطنيّة
الإعلام أصبح مقيَّدًا ومكبَّلًا من القيادات والقوانين المفروضة
المطلوب من الإعلام.. أن يكون إعلام دولة لا إعلام حكومة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع
وبيّن القضاة أنَّ الإعلام الأردني أصبح جزءًا من هذه الأزمة وينطبق عليه ما ينطبق على بقيّة مؤسسات الدولة، عندما عانت من مشكلة إنتاج النخب للوصول للمناصب القيادية في الإدارة العامة وفي البرلمان، وقد بات يروِّج للحكومات من غير مبرِّر، وأصبح بوقًا لبعض الشخصيّات ويدافع عنها ولا يدافع عن مؤسسات الدولة، ويجنَّد لخدمة طرف ضد آخر.
مضيفًا أنَّ الإعلام أصبح مقيَّدًا ومكبَّلًا بحزمة من القيادات والقوانين المفروضة، حتى وصل الأمر إلى التشكيك بالمؤسسات الإعلاميّة بسبب الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الإعلام نفسه، وهو لم يستطع أن يتصدَّر المشهد في الكثير من القضايا الوطنيّة التي يقود فيها الرأي العام، ولم يكن قادرًا على تسويق مشاريع الدولة المتقدمة، ولا حتى إبراز مواقفها الخارجيّة كما حدث في حرب غزّة، وبالرغم من موقف الأردن المتقدم إلَّا أنَّ الإعلام لم يستطع نقل هذا الموقف للعالم بشكل مُقنِع.
مشيرًا إلى أنَّه لابد من وجود نخب قادرة على النهوض بالمؤسسات الإعلاميّة، والتي بدورها يجب أن تنتمي للدولة وليس للحكومة، وعلى الإعلام أن يقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن لا يتحوَّل من رسالة إلى وظيفة لكسب لقمة العيش.
من يدفع ثمن فقدان الثقة.. الدولة ومؤسساتها من خلال التشكيك بقدراتها وعدم الثقة بمؤسَّساتها
وبحسب القضاة، أنَّ من يدفع ثمن فقدان الثقة بين الطرفين هو الدولة ومؤسساتها، من خلال التشكيك بقدراتها وعدم الثقة بمؤسَّساتها وبمن يتولاها من أشخاص، ومن خلال عدم تبني مشاريعها؛ لشعور المواطن بأنَّه ليس جزءًا من تلك المشاريع، كما أنَّ الدولة تصبح عرضةً للنهش، وخططها قد لا تحظى بحاضنة شعبيَّة تدافع عنها، ويساهم فقدان الثقة في عزوف الكفاءات عن التقدم للمناصب القياديّة في الإدارات العامّة، بالإضافة إلى تراجع العمل العام في المجالس المُنتخبة.
إعادة الثقة ممكنة.. بالعمل المؤسسي ووجود منظومة لصناعة القيادات
ويرى القضاة أنَّه يمكن إعادة الثقة من خلال أن تؤتي منظومة الإصلاح السياسي بعمل مؤسسي بعيدًا عن الأشخاص والمناطقيّة والتقسيمات التي كانت تقوم عليها الحكومات والإدارة العامّة في الأردن، مع وجود منظومة لتأسيس وصناعة قيادات وسطى من ذوي الكفاءات في كافة القطاعات والتدرُّج بها في السلم الهرمي لاكتساب الخبرات الملائمة للعمل العام حتى الوصول للوظائف القياديّة العليا، وينطبق ذلك على العمل العام الحزبي والنقابي والبرلماني.
أزمة الثقة.. عالميّة وليست حالة أردنيّة فقط
معايير لقياس أزمة الثقة.. الفساد الحكومي والتصدي للتحديات والشفافيّة ونضوج الخطاب الرسمي
يمكن للحكومات استعادة الثقة بتطبيق هذه المعايير
من جهته، قال المختص بالاقتصاد السياسي زيان زوانة لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ ثقة المواطن أو عدمها في حكومته ظاهرة موجودة في دول العالم وليست حالة أُردنيّه فقط، فمن الممكن أن يمنح الناخب الحكومة ثقته أو ألَّا يمنحها وفقًا للنظام السياسي والانتخابي، وبما أنَّ الحكومات الأردنيّة المتعاقبة ليست مُنتخبة؛ يمكن الحكم بوجود ثقة فيها أم لا من خلال تطبيق عدة معايير منها: عدم فساد الحكومة، ومحاربتها للفساد بأنواعه، وتصديها للتحديات التي تقلق المواطن، وشفافيتها وصدقها مع المواطنين، ونضوج خطابها الرسمي ومدى عمقه واتزانه.
وأضاف زوانة أنَّ أسباب عدم ثقة المواطنون بالحكومات يرجع لعدم تطبيقها المعايير سالفة الذِّكر، إلَّا أنَّه يمكن للحكومات استعادة الثقة بتطبيق هذه المعايير.
للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة.. بموضوعيّته وسداد حكمه
ويعتقد زوانة أنَّ للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة، ويتمثل هذا الدور بموضوعيّته وسداد حكمه الذي لا يخضع للأهواء والمصالح الشخصيّة الضيّقة.
وأوضح المختص بالاقتصاد السياسي أنَّ الأزمة المالية التي واجهت الأردن في عام ١٩٨٩ من أخطر الأزمات التي واجهته، عندما انفجرت بجوانبها الاقتصاديّة والنقديّة وتحوَّلت لتهديد اجتماعي وسياسي وأمني، عندها فقد الأردنيون ثقتهم بالحكومة، إلَّا أنَّهم وقفوا إلى جانبها كما وقفوا إلى جانبها في أزمة وباء كورونا، وعلى عكس ذلك يسحب المواطنون الثقة من الحكومات عندما تتعمّق التحديات التي يواجهونها دون أن تبادر تلك الحكومات لمعالجتها مثل: تزايد الدين العام، وتورم الجهاز الحكومي والمؤسسات المستقلة بأعداد ضخمة من الموظفين دون داعٍ لذلك.
مجلس النواب.. فقد المواطن الثقة فيه بسبب الأداء وآلية وصول الأعضاء لقبة البرلمان
للإعلام دور فاعل في مشهد الثقة.. اعتمادًا على على استقلاليّته وموضوعيّته وصدقه ومهنيّته واتزانه
ويعتقد زوانة أنَّ للمجالس النيابيّة دور أساسي في أزمة الثقة بالحكومات، وفقًا للنظام السياسي والانتخابي الأردني، حيث فقد المواطن ثقته فيها بسبب أدائها وآلية وصول أعضائها لقبة البرلمان، مما أفرز نتائج خطيرة على كافة الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة ، وهو ما تم التنبه له بإعداد خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري.
وأكَّد زوانة أنَّ للإعلام دور فاعل في مشهد أزمة الثقه؛ اعتمادًا على استقلاليّته وموضوعيّته وصدقه ومهنيّته واتِّزانه، فإن وجدت هذه العناصر عندها يتحول الإعلام لناطق باسم المواطنين.
مختصون يتحدثون لـ 'أخبار اليوم' عن أزمة الثقة بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة.. الأسباب والحلول
مختصون: أزمة الثقة ظاهرة موجودة في دول العالم وليست حالة أُردنيّه فقط
مختصون: الثقة ستبقى مفقودة طالما لا توجد شراكة حقيقيّة في صناعة القرارات بين الجانبين
مختصون: مجتمع شريك في صناعة القرار وإلَّا.. ثقة مفقودة
مختصون: مجلس النواب جزء من الأزمة.. تبعيّته ومحدوديّة دوره السياسي وأداءه وآلية وصول أعضاءه لقبة البرلمان أفقدته ثقة الشارع
مختصون: للإعلام دور مهم في تقليل الفجوة.. إن كان إعلام دولة لا إعلام حكومة وإن كان على مسافة واحدة من الجميع
مختصون: للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة.. وإنهاء العلاقة العكسيّة ليست منوطًا بالحكومة فقط
مختصون: من يدفع ثمن فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها
أخبار اليوم - سمير الصمادي - في ظل المتغيرات السياسيّة والتحولات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتسارعة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بالتزامن مع ما يشهده عصر الاتصال والإعلام من تطوّر كبير، تَبرُز مجددًا مسألة أزمة الثقة بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة، إذ أصبحت هذه الأزمة حالة عامّة تُعبِّر عن رأي الشارع الأردني، كما أنَّها عابرة للزمن والحكومات وتتسع فجوتها بمرور السنوات.
أزمة الثقة.. تراكميّة وتتعلَّق بالأداء الحكومي وقدرة الحكومة على إدارة الأزمات وحلّ المشكلات وتنفيذ الوعود
الأزمة ترتبط بأُسس اختيار المسؤولين وكفاءتهم وقدرتهم على أداء واجباتهم
وزير الدولة لشؤون الإعلام الأسبق سميح المعايطة، أوضح لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ أزمة الثقة ليست قضيّة جديدة وهي لا ترتبط بالأردن فقط، وإنَّما تظهر في الكثير من دول العالم وزاد من حضورها تطوّر تكنولوجيا الإعلام، التي عزَّزت ثقافة النقد وفتحت الباب لسلوكيات تُعزِّز السلبيّة في العلاقة بين المواطن والحكومات، وما دام الحديث عن علاقة؛ فالأمر تراكمي ويتعلق بالأداء وإدارة الأزمات وقدرة الحكومات على تنفيذ الوعود والتخفيف من المشكلات الراهنة.
وأضاف أنَّ الأزمة ترتبط أيضًا بأُسس اختيار المسؤولين التنفيذيين وكفاءتهم الشخصيّة وقدرتهم على أداء واجباتهم.
عدم التعامل بجديّة وعدم بذل جهد منظّم ومنهجي من قِبل الحكومات.. فاقم الأزمة
غياب التواصل المستمر مع المواطن.. يصنع فراغًا وفجوة في العلاقة ويساهم في نشر الإشاعات
ويرى المعايطة أنَّ ما فاقم الأزمة هو عدم التعامل معها بجديّة، وعدم بذل جهد منظَّم ومنهجي من قِبل الحكومات؛ لتقليل الفجوة مع المواطن، وهي فجوة ليس من الصعب تجاوزها كليًّا أو جزئيًّا، لكن بوجود أداء حكومي رشيق ومسؤولين أكفاء وتواصل سياسي وخدماتي دائم ومُقنِع مع المواطنين، حينها يمكن تقليص الفجوة بين الطرفين.
وأكَّد المعايطة أنَّ التواصل الدائم والمُقنِع مهم جدًا في تعزيز الثقة وبناء علاقة حسنة وإيجابيّة بين المواطن والحكومة، وعلى العكس من ذلك فإنَّ غياب التواصل المستمر مع المواطن يصنع فجوة في العلاقة، وتكون هذه الفجوة سببًا في بناء أحكام شعبيّة سلبيّة بحق الحكومات كمؤسسات أو بحق المسؤولين كأشخاص.
وإذا كان على الحكومات واجب التواصل المُقنِع والأداء القوي، فإنَّ فتح الأبواب للإشاعات والمعلومات غير المكتملة من قِبل المواطن يُعزِّز عدم الثقة، ففي هذه المرحلة يحتاج المجتمع للتدقيق في أي معلومة يتم تداولها، وعدم ترك الإشاعات تصنع قناعات غير صحيحة، فالتعامل يجب أن يكون مع المعلومة الدقيقة فقط حتى تكون القناعات سليمة، بحسب المعايطة.
أثر فقدان الثقة سيكون على الدولة وقدرتها على التعامل مع المراحل غير العاديّة
ويعتقد المعايطة أنَّ الأثر الأهم لفقدان الثقة سيكون على الدولة وقدرتها على التعامل مع المراحل غير العاديّة، فالدولة تحتاج لعلاقة قويّة بين مواطنيها ومؤسَّساتها التنفيذيّة؛ لمواجهة أي أزمة أو حدث غير عادي قد تواجهه.
للإعلام دور مهم في تقليل الفجوة.. إذا كان جزءًا من خطط الحكومات للتواصل وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن
ويرى المعايطة أنَّ الإعلام يمكن أن يكون مهمًا في تقليل الفجوة؛ إذا كان جزءًا من خطط الحكومات للتواصل وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن، وعليه واجب الأداء المهني الذي يقدِّم الأحداث بشكل موضوعي دون البحث عن الإثارة، فواجب الإعلام الرقابة المهنيّة، لكن إذا غابت المهنيّة عن الإعلاميين ووسائل الإعلام؛ فإنَّ النتائج ستكون عكسيّة.
آلية صنع القرارات على مدى السنوات أدّت إلى قطيعة ما بين صانع القرار السياسي والشارع العام
منذ فُقدت الشراكة في صناعة القرارات.. فُقدت الثقة
فقدان الثقة.. يعني غياب المجتمع والشعب عن صياغة القرارات
يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، أنَّ الثقة هي حصيلة سلوك وقرار ومعرفة مشتركة، وهذه العناصر هي التي تكوِّن الثقة أو تحجبها ما بين الحكومة والشعب، وبالتالي فإنَّ فقدان المواطن الثقة لم يأتِ فقط بسبب شخص رئيس الحكومة أو الوزير أو النائب أو حتى مدير دائرة، بل جاء أيضًا للآلية التي يتم فيها اتخاذ القرار، وبطبيعة الحال فإنَّ المواطنون بعيدون عن هذه الآلية أو يعتقدون أنَّهم بعيدون عنها، لذلك عندما يصدر أي قرار بصرف النظر عن ماهيَّته؛ يُعدّ مقطوعًا عن صلته الاجتماعيّة وغير مرغوب فيه، وهذا النهج يُعزِّز فكرة عدم الثقة والشك بطبيعة القرار المتَّخذ إن كان لخدمة الصالح العام أم لخدمة مصالح شخصيّة ضيَّقة.
مضيفًا أنَّ فقدان الثقة كان تراكميًّا من خلال تكرار حدوث آلية اتخاذ وصنع القرار على مدى السنوات؛ أدّى ذلك إلى قطيعة ما بين صانع القرار السياسي والشارع العام، لأنَّ الشارع العام لم يكن شريكًا في صناعة هذا القرار، وبالتالي وصل تفاقم هذه الأزمة إلى فقدان الثقة، ومنذ فُقدت الشراكة في صناعة القرار فُقدت الثقة، وستبقى هذه الثقة مفقودة طالما لا توجد شراكة حقيقيّة في صناعة القرارات بين الجانبين .
وبيّن الحوارات لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ فقدان الثقة تعني غياب المجتمع والشعب عن صياغة القرارات التي تتعلّق بطبيعة الحياة العامّة والمستقبل، والإحساس بأنَّ المسؤول لم يأتِ ويُعيَّن بحصيلة شراكة مجتمعيّة، بل كان يؤتَ به - بصرف النظر عن موقف المواطن منه وعن قناعاته بمؤهلاته -، وبالتالي فإنَّ اختيار الأشخاص لمواقع المسؤوليّة لم يخضع لمعايير الرضى الاجتماعي، وهو ما ساهم في فقدان الثقة.
عدم استماع الحكومة لصوت الشارع وإصدار قراراتها بمعزل عنه.. ساهم بفقدان الثقة
وعن كيف تساهم الدولة في فقدان الثقة، أفاد الحوارات أنَّ عدم استماع الحكومة لصوت الشارع، وقناعتها بأنّ وجهة نظرها صحيحة - وقد تكون كذلك -، وعدم قدرتها على إقناع الشارع بوجهة نظرها، وإصدار القرارات الحكوميّة بمعزل عن الآليات الاجتماعيّة والسياسيّة التقليديّة المُتَّبعة في الدول الديمقراطيّة أو شبه الديمقراطيّة، وإصدار الحكومة قرارات قد لا يراها الشارع تلمس مصالحه ومستقبله، بل ويراها تأتي عكس طموحاته وتمنيَّاته وفق المنظور الذي يعتقده؛ كل ذلك فاقم من فقدان الثقة وساهم في انعدامها.
إعادة الثقة.. آلية يجب البدء فيها في إطار أنَّ المجتمع لا يجوز إقصاؤه عن صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي
إعادة بناء الثقة.. ليست مجرد كلام بل أفعال يجب أن تُترجم للواقع
وعن كيفيّة إعادة الثقة، يرى الحوارات أنَّها تحتاج لمسار طويل، فهي ليست قرارًا سياسيًا واحدًا أو توجهًا لشخص ما، بل هي آلية يجب أن يتم البدء فيها على أساس قرار صائب مفاده أنَّ المجتمع لا يجوز إقصاؤه عن صناعة السياسة، وهو جدير بأن يتَّخذ الطريق السياسي الصحيح ويختار الأشخاص الذين يستطيعون تلبية احتياجاته ورسم تصوراته في الحاضر والمستقبل.
مشيرًا إلى أنَّ إعادة بناء الثقة ليست مجرد كلام، بل هي أفعال يجب أن تُترجم للواقع، وهي تتكوَّن بالشراكة الحقيقيّة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إنهاء العلاقة العكسيّة ليست منوطًا بالحكومة فقط.. بل هي عمل مشترك بين طرفي المعادلة
وبحسب الحوارات فأنَّ إعادة الثقة وإنهاء العلاقة العكسيّة بين الطرفين ليست منوطًة بالحكومة فقط، بل هي عمل ثنائي ومشترك بين طرفي المعادلة، من خلال الشراكة السياسيّة وهي لا تتم إلَّا بتنظيمات اجتماعيّة صادقة تُعبِّر عن المجتمع، ويكون لها دور حقيقي في المشاركة البناءة في إنتاج المستقبل وصناعة القرارات المتعلِّقة به.
محدوديّة الدور السياسي لمجلس النواب.. عزّز الأزمة
وعن دور مجلس النواب في مشهد انعدام الثقة بين الشارع والحكومة، يرى الحوارات أنَّ هناك قناعة مترسِّخة لدى العديد من المواطنين بأنَّ المجلس يتم إعداده وإنتاجه مسبقًا، وعليه تكون الثقة به مُتدنيّة، كما أنّ الدور السياسي المنوط به هو دور شديد المحدوديّة من حيث رسم وصناعة القرارات، فالحكومة هي من تتكفل بالقرار في الوضع الراهن، وتستطيع أن تؤمِل لنفسها قبول مجلس النواب بآليات يراها المجتمع بأنَّها غير مقبولة وتحمل في طيّاتها بعض التواطؤ والمصالح المتبادلة بين الحكومة ومجلس النواب، ما من شأنه تفاقم أزمة فقدان الثقة.
نتائج فقدان الثقة.. الشك في القرارات الحكوميّة.. ولن يكون ذلك في مصلحة الدولة والحكومة..وسينعكس سلبيًا على المجتمع
وتطرّق الحوارات لنتائج فقدان الثقة، وبيّن أنَّ هناك قضايا سياسيّة عديدة محليّة وإقليميّة ودوليّة يشتبك فيها الأردن؛ من خلالها يمكن الحُكم بانعدام ثقة الشارع في الحكومة، من حيث تعاطيها مع هذه القضايا وما يُنتج عنها من قرارات؛ بسبب غياب المواطن عن حيثيات الآليات المُتَّبعة لإنتاج تلك القرارت، وذلك لأنَّ المواطن لم يكن شريكًا في اختيار من يتخذ القرار، ومع كل هذا فإنَّ التأويل لن يكون في مصلحة الدولة والحكومة، وينعكس ذلك سلبيًا على المجتمع وعلى آليات فهمه للقرارات الحكوميّة وكيفيّة تسلسل اتخاذها، حينها يغلب طابع الشك فيما يصدر من قرارات.
وأوضح الحوارات أنَّ الذهاب باتجاه أنَّ المجتمع شريك في صناعة القرار؛ تعزَّز لديه الثقة بالحكومة وبالدولة؛ حينها يصبح نقده للحكومة موضوعيًّا ومبنيًّا على المصلحة العامّة.
طريقة اختيار الرئيس وطريقة اختيار التشكيل الوزاري وكثرة التعديلات الوزاريّة.. أبرز العوامل التي أطاحت بالثقة بين الشارع والحكومات
عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد القضاة قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ تراجع ثقة الشعب بالحكومة يعود إلى عدَّة أسباب منها: طريقة اختيار رئيس الوزراء، إذ لا يعلم الشارع لماذا وكيف جاء الرئيس وماهيّة المهمات التي سيقوم بالتركيز عليها، وطريقة تشكيل الحكومات، التي تأتي ببعض الوزراء قليلي الكفاءة، من خلال اختيارهم بناءً على المحاصصة والمناطقيّة أو عن طريق المجاملة وعلاقتهم الشخصيّة برئيس الوزراء، ومن الأسباب أيضًا كثرة التعديلات على التشكيلة الحكوميّة، والتي تثير تساؤلًا حول سبب اختيار الوزير من الأساس وسبب تبديله.
فطريقة اختيار الرئيس وطريقة اختيار التشكيل الوزاري وكثرة التعديلات الوزاريّة، هي أبرز العوامل التي أطاحت بالثقة بين الشارع والحكومات، وهذه المحاور تنتقل من حكومة إلى حكومة حتى وصلت إلى مرحلة أدّت إلى انعدام الثقة بين الجانبين، وعدم اكتراث المواطن بالحكومة وتشكيلتها، وعدم التعويل عليها في إحداث تغيير جذري في معيشته ومستوى حياته الاقتصاديّة ومستقبل أولاده، بحسب القضاة.
مجلس النواب جزء من الأزمة.. وطريقة تعاطيه مع الحكومة تشير إلى تبعيّته .. وأفقدته ثقة الشارع
ويعتقد القضاة أنَّ مجلس النواب جزء من هذه الأزمة، فطريقة تعاطيه مع الحكومة تشير إلى تبعيّته وإلى تحقيق مصالحه الخاصّة من خلال استغلال العضوية في المجلس، ما يُفقِده هو والحكومة ثقة المواطن الأردني، والإعفاءات الطبيّة والتأمين الصحي أفضل دليل على المصالح الخاصّة بينهما، علمًا بأنَّها حق لكل مواطن ولا يجب أن تكون تحت رحمة المقايضة بين المجلس والحكومة.
الإعلام شريك في الأزمة.. يروِّج للحكومات وبوقًا لبعض الشخصيّات ولا يدافع عن المؤسَّسات الوطنيّة
الإعلام أصبح مقيَّدًا ومكبَّلًا من القيادات والقوانين المفروضة
المطلوب من الإعلام.. أن يكون إعلام دولة لا إعلام حكومة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع
وبيّن القضاة أنَّ الإعلام الأردني أصبح جزءًا من هذه الأزمة وينطبق عليه ما ينطبق على بقيّة مؤسسات الدولة، عندما عانت من مشكلة إنتاج النخب للوصول للمناصب القيادية في الإدارة العامة وفي البرلمان، وقد بات يروِّج للحكومات من غير مبرِّر، وأصبح بوقًا لبعض الشخصيّات ويدافع عنها ولا يدافع عن مؤسسات الدولة، ويجنَّد لخدمة طرف ضد آخر.
مضيفًا أنَّ الإعلام أصبح مقيَّدًا ومكبَّلًا بحزمة من القيادات والقوانين المفروضة، حتى وصل الأمر إلى التشكيك بالمؤسسات الإعلاميّة بسبب الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الإعلام نفسه، وهو لم يستطع أن يتصدَّر المشهد في الكثير من القضايا الوطنيّة التي يقود فيها الرأي العام، ولم يكن قادرًا على تسويق مشاريع الدولة المتقدمة، ولا حتى إبراز مواقفها الخارجيّة كما حدث في حرب غزّة، وبالرغم من موقف الأردن المتقدم إلَّا أنَّ الإعلام لم يستطع نقل هذا الموقف للعالم بشكل مُقنِع.
مشيرًا إلى أنَّه لابد من وجود نخب قادرة على النهوض بالمؤسسات الإعلاميّة، والتي بدورها يجب أن تنتمي للدولة وليس للحكومة، وعلى الإعلام أن يقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن لا يتحوَّل من رسالة إلى وظيفة لكسب لقمة العيش.
من يدفع ثمن فقدان الثقة.. الدولة ومؤسساتها من خلال التشكيك بقدراتها وعدم الثقة بمؤسَّساتها
وبحسب القضاة، أنَّ من يدفع ثمن فقدان الثقة بين الطرفين هو الدولة ومؤسساتها، من خلال التشكيك بقدراتها وعدم الثقة بمؤسَّساتها وبمن يتولاها من أشخاص، ومن خلال عدم تبني مشاريعها؛ لشعور المواطن بأنَّه ليس جزءًا من تلك المشاريع، كما أنَّ الدولة تصبح عرضةً للنهش، وخططها قد لا تحظى بحاضنة شعبيَّة تدافع عنها، ويساهم فقدان الثقة في عزوف الكفاءات عن التقدم للمناصب القياديّة في الإدارات العامّة، بالإضافة إلى تراجع العمل العام في المجالس المُنتخبة.
إعادة الثقة ممكنة.. بالعمل المؤسسي ووجود منظومة لصناعة القيادات
ويرى القضاة أنَّه يمكن إعادة الثقة من خلال أن تؤتي منظومة الإصلاح السياسي بعمل مؤسسي بعيدًا عن الأشخاص والمناطقيّة والتقسيمات التي كانت تقوم عليها الحكومات والإدارة العامّة في الأردن، مع وجود منظومة لتأسيس وصناعة قيادات وسطى من ذوي الكفاءات في كافة القطاعات والتدرُّج بها في السلم الهرمي لاكتساب الخبرات الملائمة للعمل العام حتى الوصول للوظائف القياديّة العليا، وينطبق ذلك على العمل العام الحزبي والنقابي والبرلماني.
أزمة الثقة.. عالميّة وليست حالة أردنيّة فقط
معايير لقياس أزمة الثقة.. الفساد الحكومي والتصدي للتحديات والشفافيّة ونضوج الخطاب الرسمي
يمكن للحكومات استعادة الثقة بتطبيق هذه المعايير
من جهته، قال المختص بالاقتصاد السياسي زيان زوانة لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ ثقة المواطن أو عدمها في حكومته ظاهرة موجودة في دول العالم وليست حالة أُردنيّه فقط، فمن الممكن أن يمنح الناخب الحكومة ثقته أو ألَّا يمنحها وفقًا للنظام السياسي والانتخابي، وبما أنَّ الحكومات الأردنيّة المتعاقبة ليست مُنتخبة؛ يمكن الحكم بوجود ثقة فيها أم لا من خلال تطبيق عدة معايير منها: عدم فساد الحكومة، ومحاربتها للفساد بأنواعه، وتصديها للتحديات التي تقلق المواطن، وشفافيتها وصدقها مع المواطنين، ونضوج خطابها الرسمي ومدى عمقه واتزانه.
وأضاف زوانة أنَّ أسباب عدم ثقة المواطنون بالحكومات يرجع لعدم تطبيقها المعايير سالفة الذِّكر، إلَّا أنَّه يمكن للحكومات استعادة الثقة بتطبيق هذه المعايير.
للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة.. بموضوعيّته وسداد حكمه
ويعتقد زوانة أنَّ للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة، ويتمثل هذا الدور بموضوعيّته وسداد حكمه الذي لا يخضع للأهواء والمصالح الشخصيّة الضيّقة.
وأوضح المختص بالاقتصاد السياسي أنَّ الأزمة المالية التي واجهت الأردن في عام ١٩٨٩ من أخطر الأزمات التي واجهته، عندما انفجرت بجوانبها الاقتصاديّة والنقديّة وتحوَّلت لتهديد اجتماعي وسياسي وأمني، عندها فقد الأردنيون ثقتهم بالحكومة، إلَّا أنَّهم وقفوا إلى جانبها كما وقفوا إلى جانبها في أزمة وباء كورونا، وعلى عكس ذلك يسحب المواطنون الثقة من الحكومات عندما تتعمّق التحديات التي يواجهونها دون أن تبادر تلك الحكومات لمعالجتها مثل: تزايد الدين العام، وتورم الجهاز الحكومي والمؤسسات المستقلة بأعداد ضخمة من الموظفين دون داعٍ لذلك.
مجلس النواب.. فقد المواطن الثقة فيه بسبب الأداء وآلية وصول الأعضاء لقبة البرلمان
للإعلام دور فاعل في مشهد الثقة.. اعتمادًا على على استقلاليّته وموضوعيّته وصدقه ومهنيّته واتزانه
ويعتقد زوانة أنَّ للمجالس النيابيّة دور أساسي في أزمة الثقة بالحكومات، وفقًا للنظام السياسي والانتخابي الأردني، حيث فقد المواطن ثقته فيها بسبب أدائها وآلية وصول أعضائها لقبة البرلمان، مما أفرز نتائج خطيرة على كافة الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة ، وهو ما تم التنبه له بإعداد خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري.
وأكَّد زوانة أنَّ للإعلام دور فاعل في مشهد أزمة الثقه؛ اعتمادًا على استقلاليّته وموضوعيّته وصدقه ومهنيّته واتِّزانه، فإن وجدت هذه العناصر عندها يتحول الإعلام لناطق باسم المواطنين.
مختصون يتحدثون لـ 'أخبار اليوم' عن أزمة الثقة بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة.. الأسباب والحلول
مختصون: أزمة الثقة ظاهرة موجودة في دول العالم وليست حالة أُردنيّه فقط
مختصون: الثقة ستبقى مفقودة طالما لا توجد شراكة حقيقيّة في صناعة القرارات بين الجانبين
مختصون: مجتمع شريك في صناعة القرار وإلَّا.. ثقة مفقودة
مختصون: مجلس النواب جزء من الأزمة.. تبعيّته ومحدوديّة دوره السياسي وأداءه وآلية وصول أعضاءه لقبة البرلمان أفقدته ثقة الشارع
مختصون: للإعلام دور مهم في تقليل الفجوة.. إن كان إعلام دولة لا إعلام حكومة وإن كان على مسافة واحدة من الجميع
مختصون: للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة.. وإنهاء العلاقة العكسيّة ليست منوطًا بالحكومة فقط
مختصون: من يدفع ثمن فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها
أخبار اليوم - سمير الصمادي - في ظل المتغيرات السياسيّة والتحولات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتسارعة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بالتزامن مع ما يشهده عصر الاتصال والإعلام من تطوّر كبير، تَبرُز مجددًا مسألة أزمة الثقة بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة، إذ أصبحت هذه الأزمة حالة عامّة تُعبِّر عن رأي الشارع الأردني، كما أنَّها عابرة للزمن والحكومات وتتسع فجوتها بمرور السنوات.
أزمة الثقة.. تراكميّة وتتعلَّق بالأداء الحكومي وقدرة الحكومة على إدارة الأزمات وحلّ المشكلات وتنفيذ الوعود
الأزمة ترتبط بأُسس اختيار المسؤولين وكفاءتهم وقدرتهم على أداء واجباتهم
وزير الدولة لشؤون الإعلام الأسبق سميح المعايطة، أوضح لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ أزمة الثقة ليست قضيّة جديدة وهي لا ترتبط بالأردن فقط، وإنَّما تظهر في الكثير من دول العالم وزاد من حضورها تطوّر تكنولوجيا الإعلام، التي عزَّزت ثقافة النقد وفتحت الباب لسلوكيات تُعزِّز السلبيّة في العلاقة بين المواطن والحكومات، وما دام الحديث عن علاقة؛ فالأمر تراكمي ويتعلق بالأداء وإدارة الأزمات وقدرة الحكومات على تنفيذ الوعود والتخفيف من المشكلات الراهنة.
وأضاف أنَّ الأزمة ترتبط أيضًا بأُسس اختيار المسؤولين التنفيذيين وكفاءتهم الشخصيّة وقدرتهم على أداء واجباتهم.
عدم التعامل بجديّة وعدم بذل جهد منظّم ومنهجي من قِبل الحكومات.. فاقم الأزمة
غياب التواصل المستمر مع المواطن.. يصنع فراغًا وفجوة في العلاقة ويساهم في نشر الإشاعات
ويرى المعايطة أنَّ ما فاقم الأزمة هو عدم التعامل معها بجديّة، وعدم بذل جهد منظَّم ومنهجي من قِبل الحكومات؛ لتقليل الفجوة مع المواطن، وهي فجوة ليس من الصعب تجاوزها كليًّا أو جزئيًّا، لكن بوجود أداء حكومي رشيق ومسؤولين أكفاء وتواصل سياسي وخدماتي دائم ومُقنِع مع المواطنين، حينها يمكن تقليص الفجوة بين الطرفين.
وأكَّد المعايطة أنَّ التواصل الدائم والمُقنِع مهم جدًا في تعزيز الثقة وبناء علاقة حسنة وإيجابيّة بين المواطن والحكومة، وعلى العكس من ذلك فإنَّ غياب التواصل المستمر مع المواطن يصنع فجوة في العلاقة، وتكون هذه الفجوة سببًا في بناء أحكام شعبيّة سلبيّة بحق الحكومات كمؤسسات أو بحق المسؤولين كأشخاص.
وإذا كان على الحكومات واجب التواصل المُقنِع والأداء القوي، فإنَّ فتح الأبواب للإشاعات والمعلومات غير المكتملة من قِبل المواطن يُعزِّز عدم الثقة، ففي هذه المرحلة يحتاج المجتمع للتدقيق في أي معلومة يتم تداولها، وعدم ترك الإشاعات تصنع قناعات غير صحيحة، فالتعامل يجب أن يكون مع المعلومة الدقيقة فقط حتى تكون القناعات سليمة، بحسب المعايطة.
أثر فقدان الثقة سيكون على الدولة وقدرتها على التعامل مع المراحل غير العاديّة
ويعتقد المعايطة أنَّ الأثر الأهم لفقدان الثقة سيكون على الدولة وقدرتها على التعامل مع المراحل غير العاديّة، فالدولة تحتاج لعلاقة قويّة بين مواطنيها ومؤسَّساتها التنفيذيّة؛ لمواجهة أي أزمة أو حدث غير عادي قد تواجهه.
للإعلام دور مهم في تقليل الفجوة.. إذا كان جزءًا من خطط الحكومات للتواصل وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن
ويرى المعايطة أنَّ الإعلام يمكن أن يكون مهمًا في تقليل الفجوة؛ إذا كان جزءًا من خطط الحكومات للتواصل وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن، وعليه واجب الأداء المهني الذي يقدِّم الأحداث بشكل موضوعي دون البحث عن الإثارة، فواجب الإعلام الرقابة المهنيّة، لكن إذا غابت المهنيّة عن الإعلاميين ووسائل الإعلام؛ فإنَّ النتائج ستكون عكسيّة.
آلية صنع القرارات على مدى السنوات أدّت إلى قطيعة ما بين صانع القرار السياسي والشارع العام
منذ فُقدت الشراكة في صناعة القرارات.. فُقدت الثقة
فقدان الثقة.. يعني غياب المجتمع والشعب عن صياغة القرارات
يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، أنَّ الثقة هي حصيلة سلوك وقرار ومعرفة مشتركة، وهذه العناصر هي التي تكوِّن الثقة أو تحجبها ما بين الحكومة والشعب، وبالتالي فإنَّ فقدان المواطن الثقة لم يأتِ فقط بسبب شخص رئيس الحكومة أو الوزير أو النائب أو حتى مدير دائرة، بل جاء أيضًا للآلية التي يتم فيها اتخاذ القرار، وبطبيعة الحال فإنَّ المواطنون بعيدون عن هذه الآلية أو يعتقدون أنَّهم بعيدون عنها، لذلك عندما يصدر أي قرار بصرف النظر عن ماهيَّته؛ يُعدّ مقطوعًا عن صلته الاجتماعيّة وغير مرغوب فيه، وهذا النهج يُعزِّز فكرة عدم الثقة والشك بطبيعة القرار المتَّخذ إن كان لخدمة الصالح العام أم لخدمة مصالح شخصيّة ضيَّقة.
مضيفًا أنَّ فقدان الثقة كان تراكميًّا من خلال تكرار حدوث آلية اتخاذ وصنع القرار على مدى السنوات؛ أدّى ذلك إلى قطيعة ما بين صانع القرار السياسي والشارع العام، لأنَّ الشارع العام لم يكن شريكًا في صناعة هذا القرار، وبالتالي وصل تفاقم هذه الأزمة إلى فقدان الثقة، ومنذ فُقدت الشراكة في صناعة القرار فُقدت الثقة، وستبقى هذه الثقة مفقودة طالما لا توجد شراكة حقيقيّة في صناعة القرارات بين الجانبين .
وبيّن الحوارات لـ 'أخبار اليوم'، أنَّ فقدان الثقة تعني غياب المجتمع والشعب عن صياغة القرارات التي تتعلّق بطبيعة الحياة العامّة والمستقبل، والإحساس بأنَّ المسؤول لم يأتِ ويُعيَّن بحصيلة شراكة مجتمعيّة، بل كان يؤتَ به - بصرف النظر عن موقف المواطن منه وعن قناعاته بمؤهلاته -، وبالتالي فإنَّ اختيار الأشخاص لمواقع المسؤوليّة لم يخضع لمعايير الرضى الاجتماعي، وهو ما ساهم في فقدان الثقة.
عدم استماع الحكومة لصوت الشارع وإصدار قراراتها بمعزل عنه.. ساهم بفقدان الثقة
وعن كيف تساهم الدولة في فقدان الثقة، أفاد الحوارات أنَّ عدم استماع الحكومة لصوت الشارع، وقناعتها بأنّ وجهة نظرها صحيحة - وقد تكون كذلك -، وعدم قدرتها على إقناع الشارع بوجهة نظرها، وإصدار القرارات الحكوميّة بمعزل عن الآليات الاجتماعيّة والسياسيّة التقليديّة المُتَّبعة في الدول الديمقراطيّة أو شبه الديمقراطيّة، وإصدار الحكومة قرارات قد لا يراها الشارع تلمس مصالحه ومستقبله، بل ويراها تأتي عكس طموحاته وتمنيَّاته وفق المنظور الذي يعتقده؛ كل ذلك فاقم من فقدان الثقة وساهم في انعدامها.
إعادة الثقة.. آلية يجب البدء فيها في إطار أنَّ المجتمع لا يجوز إقصاؤه عن صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي
إعادة بناء الثقة.. ليست مجرد كلام بل أفعال يجب أن تُترجم للواقع
وعن كيفيّة إعادة الثقة، يرى الحوارات أنَّها تحتاج لمسار طويل، فهي ليست قرارًا سياسيًا واحدًا أو توجهًا لشخص ما، بل هي آلية يجب أن يتم البدء فيها على أساس قرار صائب مفاده أنَّ المجتمع لا يجوز إقصاؤه عن صناعة السياسة، وهو جدير بأن يتَّخذ الطريق السياسي الصحيح ويختار الأشخاص الذين يستطيعون تلبية احتياجاته ورسم تصوراته في الحاضر والمستقبل.
مشيرًا إلى أنَّ إعادة بناء الثقة ليست مجرد كلام، بل هي أفعال يجب أن تُترجم للواقع، وهي تتكوَّن بالشراكة الحقيقيّة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إنهاء العلاقة العكسيّة ليست منوطًا بالحكومة فقط.. بل هي عمل مشترك بين طرفي المعادلة
وبحسب الحوارات فأنَّ إعادة الثقة وإنهاء العلاقة العكسيّة بين الطرفين ليست منوطًة بالحكومة فقط، بل هي عمل ثنائي ومشترك بين طرفي المعادلة، من خلال الشراكة السياسيّة وهي لا تتم إلَّا بتنظيمات اجتماعيّة صادقة تُعبِّر عن المجتمع، ويكون لها دور حقيقي في المشاركة البناءة في إنتاج المستقبل وصناعة القرارات المتعلِّقة به.
محدوديّة الدور السياسي لمجلس النواب.. عزّز الأزمة
وعن دور مجلس النواب في مشهد انعدام الثقة بين الشارع والحكومة، يرى الحوارات أنَّ هناك قناعة مترسِّخة لدى العديد من المواطنين بأنَّ المجلس يتم إعداده وإنتاجه مسبقًا، وعليه تكون الثقة به مُتدنيّة، كما أنّ الدور السياسي المنوط به هو دور شديد المحدوديّة من حيث رسم وصناعة القرارات، فالحكومة هي من تتكفل بالقرار في الوضع الراهن، وتستطيع أن تؤمِل لنفسها قبول مجلس النواب بآليات يراها المجتمع بأنَّها غير مقبولة وتحمل في طيّاتها بعض التواطؤ والمصالح المتبادلة بين الحكومة ومجلس النواب، ما من شأنه تفاقم أزمة فقدان الثقة.
نتائج فقدان الثقة.. الشك في القرارات الحكوميّة.. ولن يكون ذلك في مصلحة الدولة والحكومة..وسينعكس سلبيًا على المجتمع
وتطرّق الحوارات لنتائج فقدان الثقة، وبيّن أنَّ هناك قضايا سياسيّة عديدة محليّة وإقليميّة ودوليّة يشتبك فيها الأردن؛ من خلالها يمكن الحُكم بانعدام ثقة الشارع في الحكومة، من حيث تعاطيها مع هذه القضايا وما يُنتج عنها من قرارات؛ بسبب غياب المواطن عن حيثيات الآليات المُتَّبعة لإنتاج تلك القرارت، وذلك لأنَّ المواطن لم يكن شريكًا في اختيار من يتخذ القرار، ومع كل هذا فإنَّ التأويل لن يكون في مصلحة الدولة والحكومة، وينعكس ذلك سلبيًا على المجتمع وعلى آليات فهمه للقرارات الحكوميّة وكيفيّة تسلسل اتخاذها، حينها يغلب طابع الشك فيما يصدر من قرارات.
وأوضح الحوارات أنَّ الذهاب باتجاه أنَّ المجتمع شريك في صناعة القرار؛ تعزَّز لديه الثقة بالحكومة وبالدولة؛ حينها يصبح نقده للحكومة موضوعيًّا ومبنيًّا على المصلحة العامّة.
طريقة اختيار الرئيس وطريقة اختيار التشكيل الوزاري وكثرة التعديلات الوزاريّة.. أبرز العوامل التي أطاحت بالثقة بين الشارع والحكومات
عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد القضاة قال لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ تراجع ثقة الشعب بالحكومة يعود إلى عدَّة أسباب منها: طريقة اختيار رئيس الوزراء، إذ لا يعلم الشارع لماذا وكيف جاء الرئيس وماهيّة المهمات التي سيقوم بالتركيز عليها، وطريقة تشكيل الحكومات، التي تأتي ببعض الوزراء قليلي الكفاءة، من خلال اختيارهم بناءً على المحاصصة والمناطقيّة أو عن طريق المجاملة وعلاقتهم الشخصيّة برئيس الوزراء، ومن الأسباب أيضًا كثرة التعديلات على التشكيلة الحكوميّة، والتي تثير تساؤلًا حول سبب اختيار الوزير من الأساس وسبب تبديله.
فطريقة اختيار الرئيس وطريقة اختيار التشكيل الوزاري وكثرة التعديلات الوزاريّة، هي أبرز العوامل التي أطاحت بالثقة بين الشارع والحكومات، وهذه المحاور تنتقل من حكومة إلى حكومة حتى وصلت إلى مرحلة أدّت إلى انعدام الثقة بين الجانبين، وعدم اكتراث المواطن بالحكومة وتشكيلتها، وعدم التعويل عليها في إحداث تغيير جذري في معيشته ومستوى حياته الاقتصاديّة ومستقبل أولاده، بحسب القضاة.
مجلس النواب جزء من الأزمة.. وطريقة تعاطيه مع الحكومة تشير إلى تبعيّته .. وأفقدته ثقة الشارع
ويعتقد القضاة أنَّ مجلس النواب جزء من هذه الأزمة، فطريقة تعاطيه مع الحكومة تشير إلى تبعيّته وإلى تحقيق مصالحه الخاصّة من خلال استغلال العضوية في المجلس، ما يُفقِده هو والحكومة ثقة المواطن الأردني، والإعفاءات الطبيّة والتأمين الصحي أفضل دليل على المصالح الخاصّة بينهما، علمًا بأنَّها حق لكل مواطن ولا يجب أن تكون تحت رحمة المقايضة بين المجلس والحكومة.
الإعلام شريك في الأزمة.. يروِّج للحكومات وبوقًا لبعض الشخصيّات ولا يدافع عن المؤسَّسات الوطنيّة
الإعلام أصبح مقيَّدًا ومكبَّلًا من القيادات والقوانين المفروضة
المطلوب من الإعلام.. أن يكون إعلام دولة لا إعلام حكومة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع
وبيّن القضاة أنَّ الإعلام الأردني أصبح جزءًا من هذه الأزمة وينطبق عليه ما ينطبق على بقيّة مؤسسات الدولة، عندما عانت من مشكلة إنتاج النخب للوصول للمناصب القيادية في الإدارة العامة وفي البرلمان، وقد بات يروِّج للحكومات من غير مبرِّر، وأصبح بوقًا لبعض الشخصيّات ويدافع عنها ولا يدافع عن مؤسسات الدولة، ويجنَّد لخدمة طرف ضد آخر.
مضيفًا أنَّ الإعلام أصبح مقيَّدًا ومكبَّلًا بحزمة من القيادات والقوانين المفروضة، حتى وصل الأمر إلى التشكيك بالمؤسسات الإعلاميّة بسبب الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الإعلام نفسه، وهو لم يستطع أن يتصدَّر المشهد في الكثير من القضايا الوطنيّة التي يقود فيها الرأي العام، ولم يكن قادرًا على تسويق مشاريع الدولة المتقدمة، ولا حتى إبراز مواقفها الخارجيّة كما حدث في حرب غزّة، وبالرغم من موقف الأردن المتقدم إلَّا أنَّ الإعلام لم يستطع نقل هذا الموقف للعالم بشكل مُقنِع.
مشيرًا إلى أنَّه لابد من وجود نخب قادرة على النهوض بالمؤسسات الإعلاميّة، والتي بدورها يجب أن تنتمي للدولة وليس للحكومة، وعلى الإعلام أن يقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن لا يتحوَّل من رسالة إلى وظيفة لكسب لقمة العيش.
من يدفع ثمن فقدان الثقة.. الدولة ومؤسساتها من خلال التشكيك بقدراتها وعدم الثقة بمؤسَّساتها
وبحسب القضاة، أنَّ من يدفع ثمن فقدان الثقة بين الطرفين هو الدولة ومؤسساتها، من خلال التشكيك بقدراتها وعدم الثقة بمؤسَّساتها وبمن يتولاها من أشخاص، ومن خلال عدم تبني مشاريعها؛ لشعور المواطن بأنَّه ليس جزءًا من تلك المشاريع، كما أنَّ الدولة تصبح عرضةً للنهش، وخططها قد لا تحظى بحاضنة شعبيَّة تدافع عنها، ويساهم فقدان الثقة في عزوف الكفاءات عن التقدم للمناصب القياديّة في الإدارات العامّة، بالإضافة إلى تراجع العمل العام في المجالس المُنتخبة.
إعادة الثقة ممكنة.. بالعمل المؤسسي ووجود منظومة لصناعة القيادات
ويرى القضاة أنَّه يمكن إعادة الثقة من خلال أن تؤتي منظومة الإصلاح السياسي بعمل مؤسسي بعيدًا عن الأشخاص والمناطقيّة والتقسيمات التي كانت تقوم عليها الحكومات والإدارة العامّة في الأردن، مع وجود منظومة لتأسيس وصناعة قيادات وسطى من ذوي الكفاءات في كافة القطاعات والتدرُّج بها في السلم الهرمي لاكتساب الخبرات الملائمة للعمل العام حتى الوصول للوظائف القياديّة العليا، وينطبق ذلك على العمل العام الحزبي والنقابي والبرلماني.
أزمة الثقة.. عالميّة وليست حالة أردنيّة فقط
معايير لقياس أزمة الثقة.. الفساد الحكومي والتصدي للتحديات والشفافيّة ونضوج الخطاب الرسمي
يمكن للحكومات استعادة الثقة بتطبيق هذه المعايير
من جهته، قال المختص بالاقتصاد السياسي زيان زوانة لـ 'أخبار اليوم'، إنَّ ثقة المواطن أو عدمها في حكومته ظاهرة موجودة في دول العالم وليست حالة أُردنيّه فقط، فمن الممكن أن يمنح الناخب الحكومة ثقته أو ألَّا يمنحها وفقًا للنظام السياسي والانتخابي، وبما أنَّ الحكومات الأردنيّة المتعاقبة ليست مُنتخبة؛ يمكن الحكم بوجود ثقة فيها أم لا من خلال تطبيق عدة معايير منها: عدم فساد الحكومة، ومحاربتها للفساد بأنواعه، وتصديها للتحديات التي تقلق المواطن، وشفافيتها وصدقها مع المواطنين، ونضوج خطابها الرسمي ومدى عمقه واتزانه.
وأضاف زوانة أنَّ أسباب عدم ثقة المواطنون بالحكومات يرجع لعدم تطبيقها المعايير سالفة الذِّكر، إلَّا أنَّه يمكن للحكومات استعادة الثقة بتطبيق هذه المعايير.
للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة.. بموضوعيّته وسداد حكمه
ويعتقد زوانة أنَّ للمواطن دور أساسي في إعادة بناء الثقة، ويتمثل هذا الدور بموضوعيّته وسداد حكمه الذي لا يخضع للأهواء والمصالح الشخصيّة الضيّقة.
وأوضح المختص بالاقتصاد السياسي أنَّ الأزمة المالية التي واجهت الأردن في عام ١٩٨٩ من أخطر الأزمات التي واجهته، عندما انفجرت بجوانبها الاقتصاديّة والنقديّة وتحوَّلت لتهديد اجتماعي وسياسي وأمني، عندها فقد الأردنيون ثقتهم بالحكومة، إلَّا أنَّهم وقفوا إلى جانبها كما وقفوا إلى جانبها في أزمة وباء كورونا، وعلى عكس ذلك يسحب المواطنون الثقة من الحكومات عندما تتعمّق التحديات التي يواجهونها دون أن تبادر تلك الحكومات لمعالجتها مثل: تزايد الدين العام، وتورم الجهاز الحكومي والمؤسسات المستقلة بأعداد ضخمة من الموظفين دون داعٍ لذلك.
مجلس النواب.. فقد المواطن الثقة فيه بسبب الأداء وآلية وصول الأعضاء لقبة البرلمان
للإعلام دور فاعل في مشهد الثقة.. اعتمادًا على على استقلاليّته وموضوعيّته وصدقه ومهنيّته واتزانه
ويعتقد زوانة أنَّ للمجالس النيابيّة دور أساسي في أزمة الثقة بالحكومات، وفقًا للنظام السياسي والانتخابي الأردني، حيث فقد المواطن ثقته فيها بسبب أدائها وآلية وصول أعضائها لقبة البرلمان، مما أفرز نتائج خطيرة على كافة الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة ، وهو ما تم التنبه له بإعداد خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري.
وأكَّد زوانة أنَّ للإعلام دور فاعل في مشهد أزمة الثقه؛ اعتمادًا على استقلاليّته وموضوعيّته وصدقه ومهنيّته واتِّزانه، فإن وجدت هذه العناصر عندها يتحول الإعلام لناطق باسم المواطنين.
التعليقات