مختصون يتحدثون لـ'أخبار اليوم' عن نشاطات وتمويل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة في الأردن.
مختصون: المُنظَّمات والتمويل الأجنبي يجب أن يخضع لرقابة الحكومة وسُلطة القانون الأردني
مختصون: عمل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة محكوم بالمبادئ والاتفاقيات التي اتفق عليها مع الدولة الأردنيّة
مختصون يحذرون من أهداف وغايات المُنظَّمات غير المُعلَنة التي قد تساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة وتبني سياسات لا تناسب الدولة الأردنيّة
مختصون: قد تَستغِل المُنظَّمات التمويل ضد الأردن وقيمه المجتمعيّة ونسيجه الوطني.
مختصون: نوايا وتوجهات المُنظَّمات غير مُعلَنة.. الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة.
مختصون: ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة بنشاطات المُنظَّمات مرهون بمصداقيّة الحكومة.
مختصون: الولاء لمن يدفع التمويل ولا خدمة دون مقابل
مختصون: التمويل الأجنبي يشكل خطرًا على الوطن لارتباطه بغايات غير معلومة
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تنشط في الأردن عشرات المُنظَّمات الدوليَّة والأجنبيّة، بحجة أنَّها تسعى للتنمية وتحسين مستوى البنية التحتيّة والخدمات الأساسيّة وتقديم الرعاية الصحيّة ورفع جودة التعليم، وتحسين الواقع الاقتصادي ومستوى معيشة المواطن ومواجهة الفقر والبطالة؛ بتوفير فرص عمل للمواطنين، وتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعيّة والمساواة وزيادة التوعية بقضايا النوع الاجتماعي والجنس وغيرها؛ من خلال الشراكة فيما بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني الأردنيّة.
لكن ما المقصود بالمُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة؟ ولأي القوانين والأنظمة والرّقابة تخضع؟ وهل لديها أهداف وغايات غير التي أعلنت عنها؟ وهل تتدخل في رسم السياسات الحكوميّة، وتفرض شروطاً والتزامات على الدولة نظير خدماتها؟ وما الذي يخشاه الشارع الأردني من نشاط تلك المُنظَّمات على الساحة الأردنيّة؟
المُنظَّمات التي تنشط على الساحة الأردنيّة.. دوليّة وأجنبيّة
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الدكتور ليث نصراوين، بيَّن لـ 'أخبار اليوم'، أنَّه يجب التمييز بين نوعين من المُنظَّمات العاملة في الأردن، النوع الأول: المُنظَّمات الدوليّة التابعة للأمم المتحدة أو لأحد أجهزتها، وتعمل وفق أُسس ومبادئ، وتحكم مراحل إنشائها وطبيعة عملها قرارات الأمم المتحدة، وهي خاضعة للمسؤوليّة الدوليّة وهيئات الأمم المتحدة.
والنوع الثاني: المنُظَّمات الأجنبيّة التابعة لدول أجنبيّة وغير مرتبطة بالأمم المتحدة، كالمُنظَّمات الأمريكيّة والبريطانيّة والألمانيّة والهولنديةّ وغيرها، وتخضع للقوانين الأردنيّة الناظمة، وتُسَجَّل كشركات ومكاتب إقليميّة في المملكة.
المنُظَّمات تخضع لسُلطة القانون الأُردني.. وعليها احترام سيادة الدولة
وبما أنَّ هذه المُنظّمات تعمل على الأراضي الأردنيّة، عليها أن تحترم سيادة الدولة، وأن تخضع للقوانين والأنظمة الأردنيّة، إلى جانب التزامها بقوانين الأمم المتحدة وقوانين بلدانها الأصليّة، بحسب نصراوين.
وأكَّد أنَّ القوانين الأردنيّة يمتد نطاقها لتشمل الأنشطة والأعمال التي تقوم بها هذه المُنظَّمات، وتشمل جميع الأشخاص العاملين فيها.
ولفت نصراوين إلى أنَّه عادةً ما يكون لهذه المُنظَّمات أذرع تنفيذيّة في الأردن، من خلال مُنظَّمات المجتمع المدني التي تؤَسَّس؛ لتتعامل مع هذه المُنظَّمات، وترتبط معها بموجب اتفاقيات تحصل من خلالها مؤسَّسات المجتمع المدني على التمويل المالي؛ لتنظيم فعاليّات وإقامة أنشطة على الأراضي الأردنيّة.
مضيفًا أنَّ أحكام قانون الجمعيّات الأردني هو الذي يُنظِّم إنشاء مؤسَّسات المجتمع المدني وكيفية ممارستها لمهامها وارتباطها بالمُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة وآلية حصولها على التمويل.
عمل المُنظَّمات محكوم بالمبادئ والاتفاقيات التي اتفق عليها مع الدولة الأردنيّة
وأفاد أستاذ القانون الدستوري أنَّ على المنظمات الدولية أن لا تتدخل في رسم السياسات الحكومية بموجب الأُسس والمبادئ التي تحكم عملها كما جاء في قرارات إنشائها من الأمم المتحدة، وعليها فقط ممارسة نشاطات معينة ضمن الغايات والأهداف التي أنشئت من أجلها.
أما المُنظَّمات الأجنبيّة، فعادة ما تكون هناك اتفاقيات تُبرم مع الحكومة الأردنيّة؛ لتنظيم عملها وتسهيل ممارسة نشاطاتها، وهي خاضعة لأحكام القانون الأردني فيما يخص تسجيلها كشركات ومكاتب إقليمية، ولا يُسمح لها أن تمارس أي ولاية على الحكومة، ولمجلس الوزراء وحده حسب المادة 45 من الدستور الأردني الولاية العامّة في إدارة جميع شؤون الدولة.
وبحسب نصراوين، فإنَّ المراحل التي تَمر فيها عملية التأسيس يفترض أن تحقق الرقابة الحكوميّة عليها، وعلى أهدافها وغاياتها، بحيث أن تُرَاجَع الاتفاقيات المُبرمة مع هذه المُنظَّمات، والتأكد من أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق المصلحة العامّة للأردن، وأن لا يكون هناك أي أهداف غير مُعلنة لهذه المُنظَّمات.
ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة بهذه المُنظَّمات مرهون بمصداقيّة الحكومة ومكاشفة مؤسَّسات المجتمع المدني
وفي معرض ردِّه عن سؤال حول الرقابة على هذه المنظمات بيَّن نصراوين أنَّها تخضع للقانون الأردني بالإضافة إلى خضوعها لقوانين بلدانها، وهي خاضعة للرقابة القضائية الأردنيّة، ويمكن أن تمتد صلاحيات واختصاصات المحاكم الأردنية لتشمل المُنظَّمات الأجنبيّة والعاملين فيها، وهي مُلزَمة بأحكام قانون الشركات الأردني من حيث تأسيس وإدارة وعمل هذه الشركات ومكاتبها الإقليميّة.
وأكَّد نصراوين أنَّ ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة في هذه المُنظَّمات تكون من خلال مصداقيّة ومصارحة الحكومة عن طبيعة هذه المُنظَّمات ونشاطاتها وآلية عملها، ومن خلال مكاشفة مؤسَّسات المجتمع المدني الأردنيّة التي تتعامل مع تلك المُنظًّمات، وتتقاضى التمويل منها.
وكشف أستاذ القانون الدستوري عن مشروع قانون معدل لقانون الجمعيّات يجري العمل على إعداده؛ لتحقيق أكبر قدر من الشفافيّة في طبيعة علاقة مؤسَّسات المجتمع المدني مع المُنظَّمات الأجنبيّة، خاصة وأنَّ هذه المُنظَّمات ليست بتماسّ مباشر مع الشارع الأردني وإنما تعمل من خلال المؤسَّسات الوطنيّة، وعليه فإنَّ كسب ثقة الشارع الأردني يكون من خلال الرقابة على مؤسّسات المجتمع المدني الأردنيّة، والتحقق مِن أنَّها تقوم بتلقي وصرف التمويل وفق أحكام القانون الأردني، وبما يتناسب مع النظام العام والقيم والمُثل العامّة في المجتمع الأردني.
مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون حريصة على مبدأ النزاهة والشفافيّة في أثناء تعاملها مع هذه المُنظَّمات
ويرى نصراوين أنَّ من واجب مؤسسات المجتمع المدني الأردني أن تكون خط الدفاع الأول عندما يتعلق الأمر بوجود تقصير وشُبهات في عمل المُنظَّمات، وهي من يجب أن تراعي القيم التي يقوم عليها المجتمع الأردني من خلال علاقتها بتلك المُنظَّمات، بحيث لا تقبل أي شُبهات في التمويل الأجنبي لتحقيق غايات لا تتفق مع قيم المجتمع.
وفي هذا السياق أكَّد نصراوين أنَّ مؤسَّسات المجتمع المدني يجب أن تكون حريصة على مبدأ النزاهة والشفافيّة في أثناء تعاملها مع المُنظَّمات التي تتخذ من الأردن مقرًّا لها، وأن تقوم بالإعلان والكشف عن المخالفات؛ لتحقيق الرقابة الإعلاميّة والشعبيّة؛ وبالتالي الرقابة الحكوميّة والقضائيّة، وإن ثبُت وجود أنشطة مشبوهة ومحظورة، ولا تتوافق مع النظام العام للمجتمع المحلي، فمن المفترض أن يتم كشفها وملاحقتها من قِبل الحكومة كسُلطة تنفيذيّة وصاحبة الولاية العامّة، ومن قِبل القضاء باعتباره الجهة المختصَّة بتنفيذ أحكام القانون.
من جهته قال المحامي النائب صالح العرموطي لـ'أخبار اليوم'، إنَّ هذه المُنظًّمات لا تخضع للرقابة الحكوميّة، بل تحظى بالرعاية الرسميّة من الحكومة الأردنيّة والاهتمام من قبل السفارات الأجنبيّة في العاصمة عمّان الأمريكية والبريطانيّة، والأصل أن تخضع هذه المُنظَّمات لأحكام وقوانين الدولة الأردنيّة وأجهزتها الرقابيّة.
الولاء لمن يدفع التمويل.. ولا خدمة دون مقابل
وعن إجابته عن سؤال حول شروط والتزامات تفرضها هذه المُنظَّمات على الدولة الأردنيّة بيّن العرموطي أنَّ هناك مقابلاً تحصل عليه هذه المُنظَّمات نظير المنح والقروض التي تقدمها للأردن ولا شيء بصورة مجانية، فكل ما تحصل عليه الدولة من أموال هذه المُنظَّمات يكون ضمن شروط والتزامات محدَّدة تخدم الأهداف غير المُعلنة لتلك المُنظَّمات، مُستغِلَّة الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تُشغِل الدولة الأردنيّة.
مشيرًا إلى أنَّ من يمول لا بد أن يكون له شروط يفرضها على الجهة القابضة والمستفيدة، دون أن تكون هذه الشروط مُعلَنة للشارع والرأي العام.
وعن أشكال تدخل المُنظَّمات في الشؤون الأردنيّة أوضح العرموطي أنَّها كثيرة، منها ما يتعلّق بالمناهج الدراسيّة، كاشتراط وضع منهاج مُعيّن في بعض الجامعات والمعاهد والمدارس واختيار مُدرِّس المنهاج من قِبل المُنظَّمة الداعمة، ومنها ما يتعلَّق بالقضاء من خلال تحسين وتطوير المحاكم وإعطائها منح وقروض؛ حينها سيكون لذلك ثمن وهو الحصول على معلومات وقرارات وإحصائيات من المحاكم الأردنيّة، كما أنَّ المساجد تحصل على دعم وتمويل من هذه المُنظًّمات، بالإضافة إلى أنَّها تتدخل بالتشريعات الأردنيّة، وهو ما يعد تدخلاً واضحاً وصارخاً في الشأن الداخلي الأردني.
مضيفًا أنَّ الأردن ليس بحاجة إلى دعم هذه المُنظَّمات، نظرًا لما تُشكِّله من خطر على أمنه واستقراره، وهي تستغل ما تدفعه من تمويل ضد الأردن ومصالحه ومناهجه الدراسيّة وعاداته وتقاليده وضد قيمه المجتمعيّة، وتمسّ من خلال هذا الدعم قضايا الأردن السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والنسيج الوطني، كما أنَّ نشاط هذه المُنظَّمات ودعمها المالي للأردن ما هو إلَّا غطاء لأهدافها ومصالحها وغاياتها غير المُعلَنة.
مُنظَّمات ترفع تقارير مُسيئة ومشوَّهة عن الأردن.. من خلالها تمسّ سيادة الدولة.
وأكَّد العرموطي أنَّ هذه المُنظَّمات تراقب الأوضاع المحليّة، وترفع تقاريرها التي تسيء للدولة الأردنيّة، وتنقل صورة مشوَّهة عن المملكة، بحجة حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعيّة والحريات والحقوق العامّة وتمكين المرأة، ومن خلال تدخلها في الشأن المحلي الأردني فإنَّها بذلك تمسّ سيادة الدولة.
وبما أنَّ هذه المُنظَّمات تخفي أهدافها الحقيقيّة فلا بدَّ من الحذر منها، وهي تثير قلق المواطن الأردني؛ بسبب أجندتها الخاصَّة المخفيّة، وبحكم أنَّ التمويل الأجنبي يشكل خطرًا على الوطن لارتباطه بغايات غير معلومة، واستغلال التقارير التي ترفعها لبلدانها الأم؛ للضغط على الأردن لتمرير مصالحها، بحسب العرموطي.
مُنظَّمات تدّعي النزاهة.. وهي تكيل بمكيالين
وأضاف أنَّ الكثير من المُنظّمات الدوليّة والأجنبيّة تدّعي النزاهة والدفاع عن حقوق الإنسان وهي تكيل بمكيالين، وتتميز بازدواجية المعايير، ومثال ذلك أنَّها تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في الأردن، بينما لا تحرّك ساكنًا في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولم تقم بإدانة تلك العقوبة عندما صادق الرئيس الأمريكي بوش الابن على 153 قضية إعدام في عهده.
ويرى النائب العرموطي أنَّ أحداث غزّة كشفت فشل وانحياز المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة، حين لَزِمَت الصّمت حول ما يجري في القطاع، وأثبتت هذه المُنظَّمات تقصيرها عن قيامها بمسؤولياتها الإنسانيّة.
وطالب العرموطي الحكومة بإخضاع المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة للرِّقابة الدقيقة والحاسمة على نشاطاتها وتمويلها مِن قِبل أجهزة الدولة المختصَّة، وعدم مجاملتها على حساب مصالح الأردن وأمنه القومي، بما أنَّها تمارس نشاطها على الأراضي الأردنيّة وكونها خاضعة لأحكام القانون الأردني والسيادة الأردنيّة.
المنُظَّمات المانحة والتمويل الأجنبي.. وجهتا نظر
يرى القاضي السابق ومراقب عام الشركات الأسبق المحامي الدكتور محمود عبابنة، أنَّ موضوع نشاط المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة المانحة والتمويل الأجنبي؛ لبعض الجمعيّات ومنظمات المجتمع المدني يُظهِر انقسامًا في أوساط الرأي العام الأردني، فهناك تيار مدفوع بقوى الضغط التي تتبناها مُنظَّمات المجتمع المدني يرى مشروعيّة التمويل الأجنبي والحاجة الماسّة إليه؛ لتعزيز التكافل الاجتماعي ودعم الديمقراطيّة وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان في دول العالم الثالث.
أمّا التيار الثاني، فيرى بأنَّ هذا التمويل ما هو إلَّا واجهة تقف وراءها جهات ودول لاختراق البنية الثقافيّة والاجتماعيّة، والتأثير في السياسات العامّة للدول، وبالتالي إنَّ غياب الرِّقابة عن هوية وغايات المُنظَّمات المانحة قد يُدخِل الدولة في مصيدة الخضوع والتماهي مع سياسات كثير من الدول المانحة، إلِّا أنَّ ذلك لا يمكن تعميمه فهناك كثير من المساعدات والمنح الإنسانيّة التي تؤدي دورًا إيجابياً كالتي تُقدَّم للعناية بالأطفال الأيتام، وتمكين النساء العاملات، وتحسين مرافق القضاء وغيرها.
تدخّل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة في السياسات الحكوميّة مرهون بقوة النظام السياسي السائد وصلابة الدولة وحجم المُنظَّمة المانحة.
وبيّن عبابنة أنّه لا يمكن التأكد من تدخّل تلك المُنظَّمات في رسم السياسات الحكوميّة وفرض التزامات على الدولة الأردنيّة مقابل خدماتها؛ لأنَّ ذلك يعتمد على قوة النظام السياسي السائد وصلابة الدولة، وعلى حجم وقوة تلك المُنظَّمات، فعلى سبيل المثال: تقوم الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة 'USAID' بتمويل الكثير من المشاريع الخيريّة والتنمويّة، لكن ذلك لم يثن الأردن عن التعبير عن موقفه السياسي المخالف للموقف الأمريكي فيما يتعلق بصفقة القرن، وفي تداعيات حرب غزّة الظالمة، وهي مواقف مفصليّة لم تلتفت لأجلها الدولة الأردنيّة للمساعدات والمنح الخارجيّة.
وجود أهداف غير مُعلَنة للمُنظَّمات المانحة يعتمد على طبيعة التمويل ونزاهة المُتلقي والنشاط المنوي تنفيذه
وفي معرض ردِّه عن سؤال حول فرضيّة وجود أهداف غير مُعلنة لهذه المُنظَّمات أوضح عبابنة لـ'أخبار اليوم'، أنَّه لا يمكن إلقاء تهمة الارتباط المشبوه لبعض المُنظَّمات لمجرد جنسيّة الجهات المانحة، ومن جهة ثانية لا يمكن تبرئة بعضها من وجود أهداف وغايات مشبوهة من خلال النشاط الإنساني والاجتماعي، ويعتمد ذلك على وجه التمويل وطبيعته، وهوية الجهة المانحة ونزاهة مُتلقي التمويل، والنشاط المنوي تنفيذه.
التمويل ذو الطابع السياسي قد يساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة وتبني سياسات لا تناسب الدولة.
ويرى عبابنة أنَّ دعم جمعيّة مثلًا تُعنى بتطوير المهارات السمعيّة للأطفال الصُّم يختلف عن تلقي التمويل لشركة غير ربحيّة مُسجَّلة؛ لقياس مدى الشفافيّة السياسيّة في بلد ما، أو لمعرفة نسبة التطرُّف الديني لمجتمع معيَّن، فالتمويل هنا ذو طابع سياسي وله دلالته، وقد يُوظَّف في سياق الصراع الثقافي والحضاري، ويساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة، وقد يتعدى الأمر ذلك للطلب من الجهات المُتلقيّة اتخاذ مواقف معيَّنة وإدانة أحداث تطرأ، أو سَن قوانين وتشريعات، أو تبني سياسات لا تناسبها ولا تنسجم معها.
وكشف أنَّ الجهات المُموِّلة استفادت من الدراسات الإحصائيّة ومؤشرات قياس الرأي العام؛ لرسم سياسة الدولة المانحة عند تعاملها مع الدول المُتلقيّة للتمويل، بحيث تؤول جميع البيانات المُحصَّلَة؛ لتصب في بنك معلومات المؤسسات المانحة، والتي قد تُمثِّل دولًا أو أحزابًا حاكمة، وينطبق الحال على المُنظَّمات الأهليّة ذات الطابع الاقتصادي عند تدفق المنح المباشرة لها، والتي تهدف إلى تعزيز روابط اقتصاد الدولة المُتلقيّة مع اقتصاد الدولة المانحة بما يخدم سياسة تقديم القروض أو تسويق المنتجات.
وأوضح أنَّ مُنظَّمات المجتمع المدني الأردنيّة تخضع لأكثر من جهة حسب طبيعة نشاطها، فالغالبيّة منها تخضع لقانون الجمعيّات الخيريّة، وهناك مُنظَّمات ثقافيّة تخضع لوزارة الثقافة وأُخرى لوزارة الداخلية وهكذا، أمّا المُنظَّمات الأجنبيّة، فتخضع لقوانين الدول التي تقيم عليها، وتمارس فيها نشاطها، بينما تخضع المُنظَّمات الدوليّة للأمم المتحدة كمنظمة 'اليونسيف' ومنظمة 'اليونسكو' وغيرها.
هيئة مفوضيّة عامّة وتشريع قانوني جامع ومعايير رقابيّة مرنة لضبط عمل المُنظَّمات.
ويقترح عبابنة لضبط عمل هذه المُنظَّمات تحديداً مرجعيّة واحدة على شكل هيئة مفوضيّة عامّة عوضا عن هيئة سجل الجمعيّات - التي لم تدَّخر جهدًا ضمن حدود إمكانياتها -؛ لكل أشكال مُنظَّمات المجتمع المدني، وتشريع قانوني جامع يتولى الإشراف على تسجيل المُنظَّمات، وفرض معايير رقابيّة تتصف بالمرونة فلا تمنع أي جهة من تلقي التمويل المشروع من ناحية، ولا تسمح بوجود شُبهات من ناحية أُخرى.
وباعتبار أنًّ هذه المُنظَّمات رافعة مساندة للمؤسسات العامّة في التنمية الوطنيّة الشاملة، لذا يجب أن تلتزم بمجموعة من الموجبات تتعلق بشفافيّة تلقّي الأموال، وبيان أوجه الإنفاق وتقديم موازنات مُدقّقَة للجهات الرقابيّة، وإعطاء هذه الجهات صلاحية الضابطة العدليّة في حالات محدَّدة لضبط السجلات أو وقف النشاطات غير المشروعة وكشف السريّة المصرفيّة لهذه المُنظَّمات؛ لتحقيق الانضباطيّة في مسألة التمويل الأجنبي؛ للحفاظ على مصلحة وطنيّة مُحصّنة وآمنة أمام أي توجهات تُرسَم في الخفاء خارج الوطن، ويتولى تنفيذها علنًا ناشطون بحُسن نيّة أو بسوئها من وراء الكواليس، بحسب عبابنة.
نوايا وتوجهات المُنظَّمات غير مُعلَنة.. الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة
ويعتقد عبابنة أنَّه بالرغم من الشعارات العلنيّة المطروحة التي تهدف لتطوير الإعلام والتنمية السياسيّة والاجتماعيّة وتعزيز قواعد الحكم الرشيد، وتمكين الزوجات المطلَّقات ورعاية الأيتام وغيرها، إلَّا أنه لا يجب الإنكار أنَّ الشيطان قد يكمن في تفاصيل الخطط والغايات النهائيّة لبعض الجهات المانحة، وهو ليس تعميمًا بالمُطلق، ولكن تدفق التمويل بدون رقابة قانونيّة وماليّة فاعلة ومتأنيّة من قِبل الجهات المختصَّة غالبًا ما يتم تحت شعار نبيل وهو عدم وضع العراقيل أمام مُنظَّمات المجتمع المدني، وتسهيل واختصار إجراءات الصرف.
وبيّن عبابنة أنَّ تدقيق تمويل جمعيّة عربيّة بالولايات المتحدة بمبلغ أربعة آلاف دولار، استغرق سنة ونصف حتى صُرف هذا المبلغ لمستحقيه، وعليه يجب أن يكون التدقيق والمراقبة بحذافيره على منحة بمئات آلاف الدولارات لمؤسَّسات ومُنظَّمات ذات أهداف غامضة أو غايات مُستترة ومُقَنَّعة.
وأضاف عبابنة أنَّه لا يمكن التعميم على النوايا والتوجهات لهذه المُنظَّمات، فبعضها لديه أهداف سامية وإنسانيّة، وبعضها تهدف إلى ممارسة غزو ثقافي واقتصادي واجتماعي.
وقال الدكتور عبابنة إنَّ لديه قناعة بوجود أهداف خفيّة لدى بعض هذه المُنظّمات للتأثير في قوى الضغط الاجتماعي والسياسي على المدى المتوسط والبعيد، لكن ذلك لا يجب تعميمه بالمطلق، إلَّا أنَّ الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة، حتى لا تضع الدولة نفسها تحت طائلة الابتزاز والضغط واختراق الخصوصيّة الوطنيّة.
مختصون يتحدثون لـ'أخبار اليوم' عن نشاطات وتمويل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة في الأردن.
مختصون: المُنظَّمات والتمويل الأجنبي يجب أن يخضع لرقابة الحكومة وسُلطة القانون الأردني
مختصون: عمل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة محكوم بالمبادئ والاتفاقيات التي اتفق عليها مع الدولة الأردنيّة
مختصون يحذرون من أهداف وغايات المُنظَّمات غير المُعلَنة التي قد تساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة وتبني سياسات لا تناسب الدولة الأردنيّة
مختصون: قد تَستغِل المُنظَّمات التمويل ضد الأردن وقيمه المجتمعيّة ونسيجه الوطني.
مختصون: نوايا وتوجهات المُنظَّمات غير مُعلَنة.. الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة.
مختصون: ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة بنشاطات المُنظَّمات مرهون بمصداقيّة الحكومة.
مختصون: الولاء لمن يدفع التمويل ولا خدمة دون مقابل
مختصون: التمويل الأجنبي يشكل خطرًا على الوطن لارتباطه بغايات غير معلومة
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تنشط في الأردن عشرات المُنظَّمات الدوليَّة والأجنبيّة، بحجة أنَّها تسعى للتنمية وتحسين مستوى البنية التحتيّة والخدمات الأساسيّة وتقديم الرعاية الصحيّة ورفع جودة التعليم، وتحسين الواقع الاقتصادي ومستوى معيشة المواطن ومواجهة الفقر والبطالة؛ بتوفير فرص عمل للمواطنين، وتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعيّة والمساواة وزيادة التوعية بقضايا النوع الاجتماعي والجنس وغيرها؛ من خلال الشراكة فيما بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني الأردنيّة.
لكن ما المقصود بالمُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة؟ ولأي القوانين والأنظمة والرّقابة تخضع؟ وهل لديها أهداف وغايات غير التي أعلنت عنها؟ وهل تتدخل في رسم السياسات الحكوميّة، وتفرض شروطاً والتزامات على الدولة نظير خدماتها؟ وما الذي يخشاه الشارع الأردني من نشاط تلك المُنظَّمات على الساحة الأردنيّة؟
المُنظَّمات التي تنشط على الساحة الأردنيّة.. دوليّة وأجنبيّة
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الدكتور ليث نصراوين، بيَّن لـ 'أخبار اليوم'، أنَّه يجب التمييز بين نوعين من المُنظَّمات العاملة في الأردن، النوع الأول: المُنظَّمات الدوليّة التابعة للأمم المتحدة أو لأحد أجهزتها، وتعمل وفق أُسس ومبادئ، وتحكم مراحل إنشائها وطبيعة عملها قرارات الأمم المتحدة، وهي خاضعة للمسؤوليّة الدوليّة وهيئات الأمم المتحدة.
والنوع الثاني: المنُظَّمات الأجنبيّة التابعة لدول أجنبيّة وغير مرتبطة بالأمم المتحدة، كالمُنظَّمات الأمريكيّة والبريطانيّة والألمانيّة والهولنديةّ وغيرها، وتخضع للقوانين الأردنيّة الناظمة، وتُسَجَّل كشركات ومكاتب إقليميّة في المملكة.
المنُظَّمات تخضع لسُلطة القانون الأُردني.. وعليها احترام سيادة الدولة
وبما أنَّ هذه المُنظّمات تعمل على الأراضي الأردنيّة، عليها أن تحترم سيادة الدولة، وأن تخضع للقوانين والأنظمة الأردنيّة، إلى جانب التزامها بقوانين الأمم المتحدة وقوانين بلدانها الأصليّة، بحسب نصراوين.
وأكَّد أنَّ القوانين الأردنيّة يمتد نطاقها لتشمل الأنشطة والأعمال التي تقوم بها هذه المُنظَّمات، وتشمل جميع الأشخاص العاملين فيها.
ولفت نصراوين إلى أنَّه عادةً ما يكون لهذه المُنظَّمات أذرع تنفيذيّة في الأردن، من خلال مُنظَّمات المجتمع المدني التي تؤَسَّس؛ لتتعامل مع هذه المُنظَّمات، وترتبط معها بموجب اتفاقيات تحصل من خلالها مؤسَّسات المجتمع المدني على التمويل المالي؛ لتنظيم فعاليّات وإقامة أنشطة على الأراضي الأردنيّة.
مضيفًا أنَّ أحكام قانون الجمعيّات الأردني هو الذي يُنظِّم إنشاء مؤسَّسات المجتمع المدني وكيفية ممارستها لمهامها وارتباطها بالمُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة وآلية حصولها على التمويل.
عمل المُنظَّمات محكوم بالمبادئ والاتفاقيات التي اتفق عليها مع الدولة الأردنيّة
وأفاد أستاذ القانون الدستوري أنَّ على المنظمات الدولية أن لا تتدخل في رسم السياسات الحكومية بموجب الأُسس والمبادئ التي تحكم عملها كما جاء في قرارات إنشائها من الأمم المتحدة، وعليها فقط ممارسة نشاطات معينة ضمن الغايات والأهداف التي أنشئت من أجلها.
أما المُنظَّمات الأجنبيّة، فعادة ما تكون هناك اتفاقيات تُبرم مع الحكومة الأردنيّة؛ لتنظيم عملها وتسهيل ممارسة نشاطاتها، وهي خاضعة لأحكام القانون الأردني فيما يخص تسجيلها كشركات ومكاتب إقليمية، ولا يُسمح لها أن تمارس أي ولاية على الحكومة، ولمجلس الوزراء وحده حسب المادة 45 من الدستور الأردني الولاية العامّة في إدارة جميع شؤون الدولة.
وبحسب نصراوين، فإنَّ المراحل التي تَمر فيها عملية التأسيس يفترض أن تحقق الرقابة الحكوميّة عليها، وعلى أهدافها وغاياتها، بحيث أن تُرَاجَع الاتفاقيات المُبرمة مع هذه المُنظَّمات، والتأكد من أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق المصلحة العامّة للأردن، وأن لا يكون هناك أي أهداف غير مُعلنة لهذه المُنظَّمات.
ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة بهذه المُنظَّمات مرهون بمصداقيّة الحكومة ومكاشفة مؤسَّسات المجتمع المدني
وفي معرض ردِّه عن سؤال حول الرقابة على هذه المنظمات بيَّن نصراوين أنَّها تخضع للقانون الأردني بالإضافة إلى خضوعها لقوانين بلدانها، وهي خاضعة للرقابة القضائية الأردنيّة، ويمكن أن تمتد صلاحيات واختصاصات المحاكم الأردنية لتشمل المُنظَّمات الأجنبيّة والعاملين فيها، وهي مُلزَمة بأحكام قانون الشركات الأردني من حيث تأسيس وإدارة وعمل هذه الشركات ومكاتبها الإقليميّة.
وأكَّد نصراوين أنَّ ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة في هذه المُنظَّمات تكون من خلال مصداقيّة ومصارحة الحكومة عن طبيعة هذه المُنظَّمات ونشاطاتها وآلية عملها، ومن خلال مكاشفة مؤسَّسات المجتمع المدني الأردنيّة التي تتعامل مع تلك المُنظًّمات، وتتقاضى التمويل منها.
وكشف أستاذ القانون الدستوري عن مشروع قانون معدل لقانون الجمعيّات يجري العمل على إعداده؛ لتحقيق أكبر قدر من الشفافيّة في طبيعة علاقة مؤسَّسات المجتمع المدني مع المُنظَّمات الأجنبيّة، خاصة وأنَّ هذه المُنظَّمات ليست بتماسّ مباشر مع الشارع الأردني وإنما تعمل من خلال المؤسَّسات الوطنيّة، وعليه فإنَّ كسب ثقة الشارع الأردني يكون من خلال الرقابة على مؤسّسات المجتمع المدني الأردنيّة، والتحقق مِن أنَّها تقوم بتلقي وصرف التمويل وفق أحكام القانون الأردني، وبما يتناسب مع النظام العام والقيم والمُثل العامّة في المجتمع الأردني.
مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون حريصة على مبدأ النزاهة والشفافيّة في أثناء تعاملها مع هذه المُنظَّمات
ويرى نصراوين أنَّ من واجب مؤسسات المجتمع المدني الأردني أن تكون خط الدفاع الأول عندما يتعلق الأمر بوجود تقصير وشُبهات في عمل المُنظَّمات، وهي من يجب أن تراعي القيم التي يقوم عليها المجتمع الأردني من خلال علاقتها بتلك المُنظَّمات، بحيث لا تقبل أي شُبهات في التمويل الأجنبي لتحقيق غايات لا تتفق مع قيم المجتمع.
وفي هذا السياق أكَّد نصراوين أنَّ مؤسَّسات المجتمع المدني يجب أن تكون حريصة على مبدأ النزاهة والشفافيّة في أثناء تعاملها مع المُنظَّمات التي تتخذ من الأردن مقرًّا لها، وأن تقوم بالإعلان والكشف عن المخالفات؛ لتحقيق الرقابة الإعلاميّة والشعبيّة؛ وبالتالي الرقابة الحكوميّة والقضائيّة، وإن ثبُت وجود أنشطة مشبوهة ومحظورة، ولا تتوافق مع النظام العام للمجتمع المحلي، فمن المفترض أن يتم كشفها وملاحقتها من قِبل الحكومة كسُلطة تنفيذيّة وصاحبة الولاية العامّة، ومن قِبل القضاء باعتباره الجهة المختصَّة بتنفيذ أحكام القانون.
من جهته قال المحامي النائب صالح العرموطي لـ'أخبار اليوم'، إنَّ هذه المُنظًّمات لا تخضع للرقابة الحكوميّة، بل تحظى بالرعاية الرسميّة من الحكومة الأردنيّة والاهتمام من قبل السفارات الأجنبيّة في العاصمة عمّان الأمريكية والبريطانيّة، والأصل أن تخضع هذه المُنظَّمات لأحكام وقوانين الدولة الأردنيّة وأجهزتها الرقابيّة.
الولاء لمن يدفع التمويل.. ولا خدمة دون مقابل
وعن إجابته عن سؤال حول شروط والتزامات تفرضها هذه المُنظَّمات على الدولة الأردنيّة بيّن العرموطي أنَّ هناك مقابلاً تحصل عليه هذه المُنظَّمات نظير المنح والقروض التي تقدمها للأردن ولا شيء بصورة مجانية، فكل ما تحصل عليه الدولة من أموال هذه المُنظَّمات يكون ضمن شروط والتزامات محدَّدة تخدم الأهداف غير المُعلنة لتلك المُنظَّمات، مُستغِلَّة الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تُشغِل الدولة الأردنيّة.
مشيرًا إلى أنَّ من يمول لا بد أن يكون له شروط يفرضها على الجهة القابضة والمستفيدة، دون أن تكون هذه الشروط مُعلَنة للشارع والرأي العام.
وعن أشكال تدخل المُنظَّمات في الشؤون الأردنيّة أوضح العرموطي أنَّها كثيرة، منها ما يتعلّق بالمناهج الدراسيّة، كاشتراط وضع منهاج مُعيّن في بعض الجامعات والمعاهد والمدارس واختيار مُدرِّس المنهاج من قِبل المُنظَّمة الداعمة، ومنها ما يتعلَّق بالقضاء من خلال تحسين وتطوير المحاكم وإعطائها منح وقروض؛ حينها سيكون لذلك ثمن وهو الحصول على معلومات وقرارات وإحصائيات من المحاكم الأردنيّة، كما أنَّ المساجد تحصل على دعم وتمويل من هذه المُنظًّمات، بالإضافة إلى أنَّها تتدخل بالتشريعات الأردنيّة، وهو ما يعد تدخلاً واضحاً وصارخاً في الشأن الداخلي الأردني.
مضيفًا أنَّ الأردن ليس بحاجة إلى دعم هذه المُنظَّمات، نظرًا لما تُشكِّله من خطر على أمنه واستقراره، وهي تستغل ما تدفعه من تمويل ضد الأردن ومصالحه ومناهجه الدراسيّة وعاداته وتقاليده وضد قيمه المجتمعيّة، وتمسّ من خلال هذا الدعم قضايا الأردن السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والنسيج الوطني، كما أنَّ نشاط هذه المُنظَّمات ودعمها المالي للأردن ما هو إلَّا غطاء لأهدافها ومصالحها وغاياتها غير المُعلَنة.
مُنظَّمات ترفع تقارير مُسيئة ومشوَّهة عن الأردن.. من خلالها تمسّ سيادة الدولة.
وأكَّد العرموطي أنَّ هذه المُنظَّمات تراقب الأوضاع المحليّة، وترفع تقاريرها التي تسيء للدولة الأردنيّة، وتنقل صورة مشوَّهة عن المملكة، بحجة حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعيّة والحريات والحقوق العامّة وتمكين المرأة، ومن خلال تدخلها في الشأن المحلي الأردني فإنَّها بذلك تمسّ سيادة الدولة.
وبما أنَّ هذه المُنظَّمات تخفي أهدافها الحقيقيّة فلا بدَّ من الحذر منها، وهي تثير قلق المواطن الأردني؛ بسبب أجندتها الخاصَّة المخفيّة، وبحكم أنَّ التمويل الأجنبي يشكل خطرًا على الوطن لارتباطه بغايات غير معلومة، واستغلال التقارير التي ترفعها لبلدانها الأم؛ للضغط على الأردن لتمرير مصالحها، بحسب العرموطي.
مُنظَّمات تدّعي النزاهة.. وهي تكيل بمكيالين
وأضاف أنَّ الكثير من المُنظّمات الدوليّة والأجنبيّة تدّعي النزاهة والدفاع عن حقوق الإنسان وهي تكيل بمكيالين، وتتميز بازدواجية المعايير، ومثال ذلك أنَّها تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في الأردن، بينما لا تحرّك ساكنًا في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولم تقم بإدانة تلك العقوبة عندما صادق الرئيس الأمريكي بوش الابن على 153 قضية إعدام في عهده.
ويرى النائب العرموطي أنَّ أحداث غزّة كشفت فشل وانحياز المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة، حين لَزِمَت الصّمت حول ما يجري في القطاع، وأثبتت هذه المُنظَّمات تقصيرها عن قيامها بمسؤولياتها الإنسانيّة.
وطالب العرموطي الحكومة بإخضاع المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة للرِّقابة الدقيقة والحاسمة على نشاطاتها وتمويلها مِن قِبل أجهزة الدولة المختصَّة، وعدم مجاملتها على حساب مصالح الأردن وأمنه القومي، بما أنَّها تمارس نشاطها على الأراضي الأردنيّة وكونها خاضعة لأحكام القانون الأردني والسيادة الأردنيّة.
المنُظَّمات المانحة والتمويل الأجنبي.. وجهتا نظر
يرى القاضي السابق ومراقب عام الشركات الأسبق المحامي الدكتور محمود عبابنة، أنَّ موضوع نشاط المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة المانحة والتمويل الأجنبي؛ لبعض الجمعيّات ومنظمات المجتمع المدني يُظهِر انقسامًا في أوساط الرأي العام الأردني، فهناك تيار مدفوع بقوى الضغط التي تتبناها مُنظَّمات المجتمع المدني يرى مشروعيّة التمويل الأجنبي والحاجة الماسّة إليه؛ لتعزيز التكافل الاجتماعي ودعم الديمقراطيّة وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان في دول العالم الثالث.
أمّا التيار الثاني، فيرى بأنَّ هذا التمويل ما هو إلَّا واجهة تقف وراءها جهات ودول لاختراق البنية الثقافيّة والاجتماعيّة، والتأثير في السياسات العامّة للدول، وبالتالي إنَّ غياب الرِّقابة عن هوية وغايات المُنظَّمات المانحة قد يُدخِل الدولة في مصيدة الخضوع والتماهي مع سياسات كثير من الدول المانحة، إلِّا أنَّ ذلك لا يمكن تعميمه فهناك كثير من المساعدات والمنح الإنسانيّة التي تؤدي دورًا إيجابياً كالتي تُقدَّم للعناية بالأطفال الأيتام، وتمكين النساء العاملات، وتحسين مرافق القضاء وغيرها.
تدخّل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة في السياسات الحكوميّة مرهون بقوة النظام السياسي السائد وصلابة الدولة وحجم المُنظَّمة المانحة.
وبيّن عبابنة أنّه لا يمكن التأكد من تدخّل تلك المُنظَّمات في رسم السياسات الحكوميّة وفرض التزامات على الدولة الأردنيّة مقابل خدماتها؛ لأنَّ ذلك يعتمد على قوة النظام السياسي السائد وصلابة الدولة، وعلى حجم وقوة تلك المُنظَّمات، فعلى سبيل المثال: تقوم الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة 'USAID' بتمويل الكثير من المشاريع الخيريّة والتنمويّة، لكن ذلك لم يثن الأردن عن التعبير عن موقفه السياسي المخالف للموقف الأمريكي فيما يتعلق بصفقة القرن، وفي تداعيات حرب غزّة الظالمة، وهي مواقف مفصليّة لم تلتفت لأجلها الدولة الأردنيّة للمساعدات والمنح الخارجيّة.
وجود أهداف غير مُعلَنة للمُنظَّمات المانحة يعتمد على طبيعة التمويل ونزاهة المُتلقي والنشاط المنوي تنفيذه
وفي معرض ردِّه عن سؤال حول فرضيّة وجود أهداف غير مُعلنة لهذه المُنظَّمات أوضح عبابنة لـ'أخبار اليوم'، أنَّه لا يمكن إلقاء تهمة الارتباط المشبوه لبعض المُنظَّمات لمجرد جنسيّة الجهات المانحة، ومن جهة ثانية لا يمكن تبرئة بعضها من وجود أهداف وغايات مشبوهة من خلال النشاط الإنساني والاجتماعي، ويعتمد ذلك على وجه التمويل وطبيعته، وهوية الجهة المانحة ونزاهة مُتلقي التمويل، والنشاط المنوي تنفيذه.
التمويل ذو الطابع السياسي قد يساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة وتبني سياسات لا تناسب الدولة.
ويرى عبابنة أنَّ دعم جمعيّة مثلًا تُعنى بتطوير المهارات السمعيّة للأطفال الصُّم يختلف عن تلقي التمويل لشركة غير ربحيّة مُسجَّلة؛ لقياس مدى الشفافيّة السياسيّة في بلد ما، أو لمعرفة نسبة التطرُّف الديني لمجتمع معيَّن، فالتمويل هنا ذو طابع سياسي وله دلالته، وقد يُوظَّف في سياق الصراع الثقافي والحضاري، ويساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة، وقد يتعدى الأمر ذلك للطلب من الجهات المُتلقيّة اتخاذ مواقف معيَّنة وإدانة أحداث تطرأ، أو سَن قوانين وتشريعات، أو تبني سياسات لا تناسبها ولا تنسجم معها.
وكشف أنَّ الجهات المُموِّلة استفادت من الدراسات الإحصائيّة ومؤشرات قياس الرأي العام؛ لرسم سياسة الدولة المانحة عند تعاملها مع الدول المُتلقيّة للتمويل، بحيث تؤول جميع البيانات المُحصَّلَة؛ لتصب في بنك معلومات المؤسسات المانحة، والتي قد تُمثِّل دولًا أو أحزابًا حاكمة، وينطبق الحال على المُنظَّمات الأهليّة ذات الطابع الاقتصادي عند تدفق المنح المباشرة لها، والتي تهدف إلى تعزيز روابط اقتصاد الدولة المُتلقيّة مع اقتصاد الدولة المانحة بما يخدم سياسة تقديم القروض أو تسويق المنتجات.
وأوضح أنَّ مُنظَّمات المجتمع المدني الأردنيّة تخضع لأكثر من جهة حسب طبيعة نشاطها، فالغالبيّة منها تخضع لقانون الجمعيّات الخيريّة، وهناك مُنظَّمات ثقافيّة تخضع لوزارة الثقافة وأُخرى لوزارة الداخلية وهكذا، أمّا المُنظَّمات الأجنبيّة، فتخضع لقوانين الدول التي تقيم عليها، وتمارس فيها نشاطها، بينما تخضع المُنظَّمات الدوليّة للأمم المتحدة كمنظمة 'اليونسيف' ومنظمة 'اليونسكو' وغيرها.
هيئة مفوضيّة عامّة وتشريع قانوني جامع ومعايير رقابيّة مرنة لضبط عمل المُنظَّمات.
ويقترح عبابنة لضبط عمل هذه المُنظَّمات تحديداً مرجعيّة واحدة على شكل هيئة مفوضيّة عامّة عوضا عن هيئة سجل الجمعيّات - التي لم تدَّخر جهدًا ضمن حدود إمكانياتها -؛ لكل أشكال مُنظَّمات المجتمع المدني، وتشريع قانوني جامع يتولى الإشراف على تسجيل المُنظَّمات، وفرض معايير رقابيّة تتصف بالمرونة فلا تمنع أي جهة من تلقي التمويل المشروع من ناحية، ولا تسمح بوجود شُبهات من ناحية أُخرى.
وباعتبار أنًّ هذه المُنظَّمات رافعة مساندة للمؤسسات العامّة في التنمية الوطنيّة الشاملة، لذا يجب أن تلتزم بمجموعة من الموجبات تتعلق بشفافيّة تلقّي الأموال، وبيان أوجه الإنفاق وتقديم موازنات مُدقّقَة للجهات الرقابيّة، وإعطاء هذه الجهات صلاحية الضابطة العدليّة في حالات محدَّدة لضبط السجلات أو وقف النشاطات غير المشروعة وكشف السريّة المصرفيّة لهذه المُنظَّمات؛ لتحقيق الانضباطيّة في مسألة التمويل الأجنبي؛ للحفاظ على مصلحة وطنيّة مُحصّنة وآمنة أمام أي توجهات تُرسَم في الخفاء خارج الوطن، ويتولى تنفيذها علنًا ناشطون بحُسن نيّة أو بسوئها من وراء الكواليس، بحسب عبابنة.
نوايا وتوجهات المُنظَّمات غير مُعلَنة.. الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة
ويعتقد عبابنة أنَّه بالرغم من الشعارات العلنيّة المطروحة التي تهدف لتطوير الإعلام والتنمية السياسيّة والاجتماعيّة وتعزيز قواعد الحكم الرشيد، وتمكين الزوجات المطلَّقات ورعاية الأيتام وغيرها، إلَّا أنه لا يجب الإنكار أنَّ الشيطان قد يكمن في تفاصيل الخطط والغايات النهائيّة لبعض الجهات المانحة، وهو ليس تعميمًا بالمُطلق، ولكن تدفق التمويل بدون رقابة قانونيّة وماليّة فاعلة ومتأنيّة من قِبل الجهات المختصَّة غالبًا ما يتم تحت شعار نبيل وهو عدم وضع العراقيل أمام مُنظَّمات المجتمع المدني، وتسهيل واختصار إجراءات الصرف.
وبيّن عبابنة أنَّ تدقيق تمويل جمعيّة عربيّة بالولايات المتحدة بمبلغ أربعة آلاف دولار، استغرق سنة ونصف حتى صُرف هذا المبلغ لمستحقيه، وعليه يجب أن يكون التدقيق والمراقبة بحذافيره على منحة بمئات آلاف الدولارات لمؤسَّسات ومُنظَّمات ذات أهداف غامضة أو غايات مُستترة ومُقَنَّعة.
وأضاف عبابنة أنَّه لا يمكن التعميم على النوايا والتوجهات لهذه المُنظَّمات، فبعضها لديه أهداف سامية وإنسانيّة، وبعضها تهدف إلى ممارسة غزو ثقافي واقتصادي واجتماعي.
وقال الدكتور عبابنة إنَّ لديه قناعة بوجود أهداف خفيّة لدى بعض هذه المُنظّمات للتأثير في قوى الضغط الاجتماعي والسياسي على المدى المتوسط والبعيد، لكن ذلك لا يجب تعميمه بالمطلق، إلَّا أنَّ الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة، حتى لا تضع الدولة نفسها تحت طائلة الابتزاز والضغط واختراق الخصوصيّة الوطنيّة.
مختصون يتحدثون لـ'أخبار اليوم' عن نشاطات وتمويل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة في الأردن.
مختصون: المُنظَّمات والتمويل الأجنبي يجب أن يخضع لرقابة الحكومة وسُلطة القانون الأردني
مختصون: عمل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة محكوم بالمبادئ والاتفاقيات التي اتفق عليها مع الدولة الأردنيّة
مختصون يحذرون من أهداف وغايات المُنظَّمات غير المُعلَنة التي قد تساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة وتبني سياسات لا تناسب الدولة الأردنيّة
مختصون: قد تَستغِل المُنظَّمات التمويل ضد الأردن وقيمه المجتمعيّة ونسيجه الوطني.
مختصون: نوايا وتوجهات المُنظَّمات غير مُعلَنة.. الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة.
مختصون: ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة بنشاطات المُنظَّمات مرهون بمصداقيّة الحكومة.
مختصون: الولاء لمن يدفع التمويل ولا خدمة دون مقابل
مختصون: التمويل الأجنبي يشكل خطرًا على الوطن لارتباطه بغايات غير معلومة
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تنشط في الأردن عشرات المُنظَّمات الدوليَّة والأجنبيّة، بحجة أنَّها تسعى للتنمية وتحسين مستوى البنية التحتيّة والخدمات الأساسيّة وتقديم الرعاية الصحيّة ورفع جودة التعليم، وتحسين الواقع الاقتصادي ومستوى معيشة المواطن ومواجهة الفقر والبطالة؛ بتوفير فرص عمل للمواطنين، وتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعيّة والمساواة وزيادة التوعية بقضايا النوع الاجتماعي والجنس وغيرها؛ من خلال الشراكة فيما بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني الأردنيّة.
لكن ما المقصود بالمُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة؟ ولأي القوانين والأنظمة والرّقابة تخضع؟ وهل لديها أهداف وغايات غير التي أعلنت عنها؟ وهل تتدخل في رسم السياسات الحكوميّة، وتفرض شروطاً والتزامات على الدولة نظير خدماتها؟ وما الذي يخشاه الشارع الأردني من نشاط تلك المُنظَّمات على الساحة الأردنيّة؟
المُنظَّمات التي تنشط على الساحة الأردنيّة.. دوليّة وأجنبيّة
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الدكتور ليث نصراوين، بيَّن لـ 'أخبار اليوم'، أنَّه يجب التمييز بين نوعين من المُنظَّمات العاملة في الأردن، النوع الأول: المُنظَّمات الدوليّة التابعة للأمم المتحدة أو لأحد أجهزتها، وتعمل وفق أُسس ومبادئ، وتحكم مراحل إنشائها وطبيعة عملها قرارات الأمم المتحدة، وهي خاضعة للمسؤوليّة الدوليّة وهيئات الأمم المتحدة.
والنوع الثاني: المنُظَّمات الأجنبيّة التابعة لدول أجنبيّة وغير مرتبطة بالأمم المتحدة، كالمُنظَّمات الأمريكيّة والبريطانيّة والألمانيّة والهولنديةّ وغيرها، وتخضع للقوانين الأردنيّة الناظمة، وتُسَجَّل كشركات ومكاتب إقليميّة في المملكة.
المنُظَّمات تخضع لسُلطة القانون الأُردني.. وعليها احترام سيادة الدولة
وبما أنَّ هذه المُنظّمات تعمل على الأراضي الأردنيّة، عليها أن تحترم سيادة الدولة، وأن تخضع للقوانين والأنظمة الأردنيّة، إلى جانب التزامها بقوانين الأمم المتحدة وقوانين بلدانها الأصليّة، بحسب نصراوين.
وأكَّد أنَّ القوانين الأردنيّة يمتد نطاقها لتشمل الأنشطة والأعمال التي تقوم بها هذه المُنظَّمات، وتشمل جميع الأشخاص العاملين فيها.
ولفت نصراوين إلى أنَّه عادةً ما يكون لهذه المُنظَّمات أذرع تنفيذيّة في الأردن، من خلال مُنظَّمات المجتمع المدني التي تؤَسَّس؛ لتتعامل مع هذه المُنظَّمات، وترتبط معها بموجب اتفاقيات تحصل من خلالها مؤسَّسات المجتمع المدني على التمويل المالي؛ لتنظيم فعاليّات وإقامة أنشطة على الأراضي الأردنيّة.
مضيفًا أنَّ أحكام قانون الجمعيّات الأردني هو الذي يُنظِّم إنشاء مؤسَّسات المجتمع المدني وكيفية ممارستها لمهامها وارتباطها بالمُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة وآلية حصولها على التمويل.
عمل المُنظَّمات محكوم بالمبادئ والاتفاقيات التي اتفق عليها مع الدولة الأردنيّة
وأفاد أستاذ القانون الدستوري أنَّ على المنظمات الدولية أن لا تتدخل في رسم السياسات الحكومية بموجب الأُسس والمبادئ التي تحكم عملها كما جاء في قرارات إنشائها من الأمم المتحدة، وعليها فقط ممارسة نشاطات معينة ضمن الغايات والأهداف التي أنشئت من أجلها.
أما المُنظَّمات الأجنبيّة، فعادة ما تكون هناك اتفاقيات تُبرم مع الحكومة الأردنيّة؛ لتنظيم عملها وتسهيل ممارسة نشاطاتها، وهي خاضعة لأحكام القانون الأردني فيما يخص تسجيلها كشركات ومكاتب إقليمية، ولا يُسمح لها أن تمارس أي ولاية على الحكومة، ولمجلس الوزراء وحده حسب المادة 45 من الدستور الأردني الولاية العامّة في إدارة جميع شؤون الدولة.
وبحسب نصراوين، فإنَّ المراحل التي تَمر فيها عملية التأسيس يفترض أن تحقق الرقابة الحكوميّة عليها، وعلى أهدافها وغاياتها، بحيث أن تُرَاجَع الاتفاقيات المُبرمة مع هذه المُنظَّمات، والتأكد من أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق المصلحة العامّة للأردن، وأن لا يكون هناك أي أهداف غير مُعلنة لهذه المُنظَّمات.
ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة بهذه المُنظَّمات مرهون بمصداقيّة الحكومة ومكاشفة مؤسَّسات المجتمع المدني
وفي معرض ردِّه عن سؤال حول الرقابة على هذه المنظمات بيَّن نصراوين أنَّها تخضع للقانون الأردني بالإضافة إلى خضوعها لقوانين بلدانها، وهي خاضعة للرقابة القضائية الأردنيّة، ويمكن أن تمتد صلاحيات واختصاصات المحاكم الأردنية لتشمل المُنظَّمات الأجنبيّة والعاملين فيها، وهي مُلزَمة بأحكام قانون الشركات الأردني من حيث تأسيس وإدارة وعمل هذه الشركات ومكاتبها الإقليميّة.
وأكَّد نصراوين أنَّ ثقة الشارع الأردني ووسائل الإعلام المحليّة في هذه المُنظَّمات تكون من خلال مصداقيّة ومصارحة الحكومة عن طبيعة هذه المُنظَّمات ونشاطاتها وآلية عملها، ومن خلال مكاشفة مؤسَّسات المجتمع المدني الأردنيّة التي تتعامل مع تلك المُنظًّمات، وتتقاضى التمويل منها.
وكشف أستاذ القانون الدستوري عن مشروع قانون معدل لقانون الجمعيّات يجري العمل على إعداده؛ لتحقيق أكبر قدر من الشفافيّة في طبيعة علاقة مؤسَّسات المجتمع المدني مع المُنظَّمات الأجنبيّة، خاصة وأنَّ هذه المُنظَّمات ليست بتماسّ مباشر مع الشارع الأردني وإنما تعمل من خلال المؤسَّسات الوطنيّة، وعليه فإنَّ كسب ثقة الشارع الأردني يكون من خلال الرقابة على مؤسّسات المجتمع المدني الأردنيّة، والتحقق مِن أنَّها تقوم بتلقي وصرف التمويل وفق أحكام القانون الأردني، وبما يتناسب مع النظام العام والقيم والمُثل العامّة في المجتمع الأردني.
مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون حريصة على مبدأ النزاهة والشفافيّة في أثناء تعاملها مع هذه المُنظَّمات
ويرى نصراوين أنَّ من واجب مؤسسات المجتمع المدني الأردني أن تكون خط الدفاع الأول عندما يتعلق الأمر بوجود تقصير وشُبهات في عمل المُنظَّمات، وهي من يجب أن تراعي القيم التي يقوم عليها المجتمع الأردني من خلال علاقتها بتلك المُنظَّمات، بحيث لا تقبل أي شُبهات في التمويل الأجنبي لتحقيق غايات لا تتفق مع قيم المجتمع.
وفي هذا السياق أكَّد نصراوين أنَّ مؤسَّسات المجتمع المدني يجب أن تكون حريصة على مبدأ النزاهة والشفافيّة في أثناء تعاملها مع المُنظَّمات التي تتخذ من الأردن مقرًّا لها، وأن تقوم بالإعلان والكشف عن المخالفات؛ لتحقيق الرقابة الإعلاميّة والشعبيّة؛ وبالتالي الرقابة الحكوميّة والقضائيّة، وإن ثبُت وجود أنشطة مشبوهة ومحظورة، ولا تتوافق مع النظام العام للمجتمع المحلي، فمن المفترض أن يتم كشفها وملاحقتها من قِبل الحكومة كسُلطة تنفيذيّة وصاحبة الولاية العامّة، ومن قِبل القضاء باعتباره الجهة المختصَّة بتنفيذ أحكام القانون.
من جهته قال المحامي النائب صالح العرموطي لـ'أخبار اليوم'، إنَّ هذه المُنظًّمات لا تخضع للرقابة الحكوميّة، بل تحظى بالرعاية الرسميّة من الحكومة الأردنيّة والاهتمام من قبل السفارات الأجنبيّة في العاصمة عمّان الأمريكية والبريطانيّة، والأصل أن تخضع هذه المُنظَّمات لأحكام وقوانين الدولة الأردنيّة وأجهزتها الرقابيّة.
الولاء لمن يدفع التمويل.. ولا خدمة دون مقابل
وعن إجابته عن سؤال حول شروط والتزامات تفرضها هذه المُنظَّمات على الدولة الأردنيّة بيّن العرموطي أنَّ هناك مقابلاً تحصل عليه هذه المُنظَّمات نظير المنح والقروض التي تقدمها للأردن ولا شيء بصورة مجانية، فكل ما تحصل عليه الدولة من أموال هذه المُنظَّمات يكون ضمن شروط والتزامات محدَّدة تخدم الأهداف غير المُعلنة لتلك المُنظَّمات، مُستغِلَّة الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تُشغِل الدولة الأردنيّة.
مشيرًا إلى أنَّ من يمول لا بد أن يكون له شروط يفرضها على الجهة القابضة والمستفيدة، دون أن تكون هذه الشروط مُعلَنة للشارع والرأي العام.
وعن أشكال تدخل المُنظَّمات في الشؤون الأردنيّة أوضح العرموطي أنَّها كثيرة، منها ما يتعلّق بالمناهج الدراسيّة، كاشتراط وضع منهاج مُعيّن في بعض الجامعات والمعاهد والمدارس واختيار مُدرِّس المنهاج من قِبل المُنظَّمة الداعمة، ومنها ما يتعلَّق بالقضاء من خلال تحسين وتطوير المحاكم وإعطائها منح وقروض؛ حينها سيكون لذلك ثمن وهو الحصول على معلومات وقرارات وإحصائيات من المحاكم الأردنيّة، كما أنَّ المساجد تحصل على دعم وتمويل من هذه المُنظًّمات، بالإضافة إلى أنَّها تتدخل بالتشريعات الأردنيّة، وهو ما يعد تدخلاً واضحاً وصارخاً في الشأن الداخلي الأردني.
مضيفًا أنَّ الأردن ليس بحاجة إلى دعم هذه المُنظَّمات، نظرًا لما تُشكِّله من خطر على أمنه واستقراره، وهي تستغل ما تدفعه من تمويل ضد الأردن ومصالحه ومناهجه الدراسيّة وعاداته وتقاليده وضد قيمه المجتمعيّة، وتمسّ من خلال هذا الدعم قضايا الأردن السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والنسيج الوطني، كما أنَّ نشاط هذه المُنظَّمات ودعمها المالي للأردن ما هو إلَّا غطاء لأهدافها ومصالحها وغاياتها غير المُعلَنة.
مُنظَّمات ترفع تقارير مُسيئة ومشوَّهة عن الأردن.. من خلالها تمسّ سيادة الدولة.
وأكَّد العرموطي أنَّ هذه المُنظَّمات تراقب الأوضاع المحليّة، وترفع تقاريرها التي تسيء للدولة الأردنيّة، وتنقل صورة مشوَّهة عن المملكة، بحجة حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعيّة والحريات والحقوق العامّة وتمكين المرأة، ومن خلال تدخلها في الشأن المحلي الأردني فإنَّها بذلك تمسّ سيادة الدولة.
وبما أنَّ هذه المُنظَّمات تخفي أهدافها الحقيقيّة فلا بدَّ من الحذر منها، وهي تثير قلق المواطن الأردني؛ بسبب أجندتها الخاصَّة المخفيّة، وبحكم أنَّ التمويل الأجنبي يشكل خطرًا على الوطن لارتباطه بغايات غير معلومة، واستغلال التقارير التي ترفعها لبلدانها الأم؛ للضغط على الأردن لتمرير مصالحها، بحسب العرموطي.
مُنظَّمات تدّعي النزاهة.. وهي تكيل بمكيالين
وأضاف أنَّ الكثير من المُنظّمات الدوليّة والأجنبيّة تدّعي النزاهة والدفاع عن حقوق الإنسان وهي تكيل بمكيالين، وتتميز بازدواجية المعايير، ومثال ذلك أنَّها تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في الأردن، بينما لا تحرّك ساكنًا في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولم تقم بإدانة تلك العقوبة عندما صادق الرئيس الأمريكي بوش الابن على 153 قضية إعدام في عهده.
ويرى النائب العرموطي أنَّ أحداث غزّة كشفت فشل وانحياز المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة، حين لَزِمَت الصّمت حول ما يجري في القطاع، وأثبتت هذه المُنظَّمات تقصيرها عن قيامها بمسؤولياتها الإنسانيّة.
وطالب العرموطي الحكومة بإخضاع المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة للرِّقابة الدقيقة والحاسمة على نشاطاتها وتمويلها مِن قِبل أجهزة الدولة المختصَّة، وعدم مجاملتها على حساب مصالح الأردن وأمنه القومي، بما أنَّها تمارس نشاطها على الأراضي الأردنيّة وكونها خاضعة لأحكام القانون الأردني والسيادة الأردنيّة.
المنُظَّمات المانحة والتمويل الأجنبي.. وجهتا نظر
يرى القاضي السابق ومراقب عام الشركات الأسبق المحامي الدكتور محمود عبابنة، أنَّ موضوع نشاط المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة المانحة والتمويل الأجنبي؛ لبعض الجمعيّات ومنظمات المجتمع المدني يُظهِر انقسامًا في أوساط الرأي العام الأردني، فهناك تيار مدفوع بقوى الضغط التي تتبناها مُنظَّمات المجتمع المدني يرى مشروعيّة التمويل الأجنبي والحاجة الماسّة إليه؛ لتعزيز التكافل الاجتماعي ودعم الديمقراطيّة وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان في دول العالم الثالث.
أمّا التيار الثاني، فيرى بأنَّ هذا التمويل ما هو إلَّا واجهة تقف وراءها جهات ودول لاختراق البنية الثقافيّة والاجتماعيّة، والتأثير في السياسات العامّة للدول، وبالتالي إنَّ غياب الرِّقابة عن هوية وغايات المُنظَّمات المانحة قد يُدخِل الدولة في مصيدة الخضوع والتماهي مع سياسات كثير من الدول المانحة، إلِّا أنَّ ذلك لا يمكن تعميمه فهناك كثير من المساعدات والمنح الإنسانيّة التي تؤدي دورًا إيجابياً كالتي تُقدَّم للعناية بالأطفال الأيتام، وتمكين النساء العاملات، وتحسين مرافق القضاء وغيرها.
تدخّل المُنظَّمات الدوليّة والأجنبيّة في السياسات الحكوميّة مرهون بقوة النظام السياسي السائد وصلابة الدولة وحجم المُنظَّمة المانحة.
وبيّن عبابنة أنّه لا يمكن التأكد من تدخّل تلك المُنظَّمات في رسم السياسات الحكوميّة وفرض التزامات على الدولة الأردنيّة مقابل خدماتها؛ لأنَّ ذلك يعتمد على قوة النظام السياسي السائد وصلابة الدولة، وعلى حجم وقوة تلك المُنظَّمات، فعلى سبيل المثال: تقوم الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة 'USAID' بتمويل الكثير من المشاريع الخيريّة والتنمويّة، لكن ذلك لم يثن الأردن عن التعبير عن موقفه السياسي المخالف للموقف الأمريكي فيما يتعلق بصفقة القرن، وفي تداعيات حرب غزّة الظالمة، وهي مواقف مفصليّة لم تلتفت لأجلها الدولة الأردنيّة للمساعدات والمنح الخارجيّة.
وجود أهداف غير مُعلَنة للمُنظَّمات المانحة يعتمد على طبيعة التمويل ونزاهة المُتلقي والنشاط المنوي تنفيذه
وفي معرض ردِّه عن سؤال حول فرضيّة وجود أهداف غير مُعلنة لهذه المُنظَّمات أوضح عبابنة لـ'أخبار اليوم'، أنَّه لا يمكن إلقاء تهمة الارتباط المشبوه لبعض المُنظَّمات لمجرد جنسيّة الجهات المانحة، ومن جهة ثانية لا يمكن تبرئة بعضها من وجود أهداف وغايات مشبوهة من خلال النشاط الإنساني والاجتماعي، ويعتمد ذلك على وجه التمويل وطبيعته، وهوية الجهة المانحة ونزاهة مُتلقي التمويل، والنشاط المنوي تنفيذه.
التمويل ذو الطابع السياسي قد يساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة وتبني سياسات لا تناسب الدولة.
ويرى عبابنة أنَّ دعم جمعيّة مثلًا تُعنى بتطوير المهارات السمعيّة للأطفال الصُّم يختلف عن تلقي التمويل لشركة غير ربحيّة مُسجَّلة؛ لقياس مدى الشفافيّة السياسيّة في بلد ما، أو لمعرفة نسبة التطرُّف الديني لمجتمع معيَّن، فالتمويل هنا ذو طابع سياسي وله دلالته، وقد يُوظَّف في سياق الصراع الثقافي والحضاري، ويساهم في ممارسة الضغوط السياسيّة، وقد يتعدى الأمر ذلك للطلب من الجهات المُتلقيّة اتخاذ مواقف معيَّنة وإدانة أحداث تطرأ، أو سَن قوانين وتشريعات، أو تبني سياسات لا تناسبها ولا تنسجم معها.
وكشف أنَّ الجهات المُموِّلة استفادت من الدراسات الإحصائيّة ومؤشرات قياس الرأي العام؛ لرسم سياسة الدولة المانحة عند تعاملها مع الدول المُتلقيّة للتمويل، بحيث تؤول جميع البيانات المُحصَّلَة؛ لتصب في بنك معلومات المؤسسات المانحة، والتي قد تُمثِّل دولًا أو أحزابًا حاكمة، وينطبق الحال على المُنظَّمات الأهليّة ذات الطابع الاقتصادي عند تدفق المنح المباشرة لها، والتي تهدف إلى تعزيز روابط اقتصاد الدولة المُتلقيّة مع اقتصاد الدولة المانحة بما يخدم سياسة تقديم القروض أو تسويق المنتجات.
وأوضح أنَّ مُنظَّمات المجتمع المدني الأردنيّة تخضع لأكثر من جهة حسب طبيعة نشاطها، فالغالبيّة منها تخضع لقانون الجمعيّات الخيريّة، وهناك مُنظَّمات ثقافيّة تخضع لوزارة الثقافة وأُخرى لوزارة الداخلية وهكذا، أمّا المُنظَّمات الأجنبيّة، فتخضع لقوانين الدول التي تقيم عليها، وتمارس فيها نشاطها، بينما تخضع المُنظَّمات الدوليّة للأمم المتحدة كمنظمة 'اليونسيف' ومنظمة 'اليونسكو' وغيرها.
هيئة مفوضيّة عامّة وتشريع قانوني جامع ومعايير رقابيّة مرنة لضبط عمل المُنظَّمات.
ويقترح عبابنة لضبط عمل هذه المُنظَّمات تحديداً مرجعيّة واحدة على شكل هيئة مفوضيّة عامّة عوضا عن هيئة سجل الجمعيّات - التي لم تدَّخر جهدًا ضمن حدود إمكانياتها -؛ لكل أشكال مُنظَّمات المجتمع المدني، وتشريع قانوني جامع يتولى الإشراف على تسجيل المُنظَّمات، وفرض معايير رقابيّة تتصف بالمرونة فلا تمنع أي جهة من تلقي التمويل المشروع من ناحية، ولا تسمح بوجود شُبهات من ناحية أُخرى.
وباعتبار أنًّ هذه المُنظَّمات رافعة مساندة للمؤسسات العامّة في التنمية الوطنيّة الشاملة، لذا يجب أن تلتزم بمجموعة من الموجبات تتعلق بشفافيّة تلقّي الأموال، وبيان أوجه الإنفاق وتقديم موازنات مُدقّقَة للجهات الرقابيّة، وإعطاء هذه الجهات صلاحية الضابطة العدليّة في حالات محدَّدة لضبط السجلات أو وقف النشاطات غير المشروعة وكشف السريّة المصرفيّة لهذه المُنظَّمات؛ لتحقيق الانضباطيّة في مسألة التمويل الأجنبي؛ للحفاظ على مصلحة وطنيّة مُحصّنة وآمنة أمام أي توجهات تُرسَم في الخفاء خارج الوطن، ويتولى تنفيذها علنًا ناشطون بحُسن نيّة أو بسوئها من وراء الكواليس، بحسب عبابنة.
نوايا وتوجهات المُنظَّمات غير مُعلَنة.. الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة
ويعتقد عبابنة أنَّه بالرغم من الشعارات العلنيّة المطروحة التي تهدف لتطوير الإعلام والتنمية السياسيّة والاجتماعيّة وتعزيز قواعد الحكم الرشيد، وتمكين الزوجات المطلَّقات ورعاية الأيتام وغيرها، إلَّا أنه لا يجب الإنكار أنَّ الشيطان قد يكمن في تفاصيل الخطط والغايات النهائيّة لبعض الجهات المانحة، وهو ليس تعميمًا بالمُطلق، ولكن تدفق التمويل بدون رقابة قانونيّة وماليّة فاعلة ومتأنيّة من قِبل الجهات المختصَّة غالبًا ما يتم تحت شعار نبيل وهو عدم وضع العراقيل أمام مُنظَّمات المجتمع المدني، وتسهيل واختصار إجراءات الصرف.
وبيّن عبابنة أنَّ تدقيق تمويل جمعيّة عربيّة بالولايات المتحدة بمبلغ أربعة آلاف دولار، استغرق سنة ونصف حتى صُرف هذا المبلغ لمستحقيه، وعليه يجب أن يكون التدقيق والمراقبة بحذافيره على منحة بمئات آلاف الدولارات لمؤسَّسات ومُنظَّمات ذات أهداف غامضة أو غايات مُستترة ومُقَنَّعة.
وأضاف عبابنة أنَّه لا يمكن التعميم على النوايا والتوجهات لهذه المُنظَّمات، فبعضها لديه أهداف سامية وإنسانيّة، وبعضها تهدف إلى ممارسة غزو ثقافي واقتصادي واجتماعي.
وقال الدكتور عبابنة إنَّ لديه قناعة بوجود أهداف خفيّة لدى بعض هذه المُنظّمات للتأثير في قوى الضغط الاجتماعي والسياسي على المدى المتوسط والبعيد، لكن ذلك لا يجب تعميمه بالمطلق، إلَّا أنَّ الحذر واجب والرقابة الرشيدة مطلوبة، حتى لا تضع الدولة نفسها تحت طائلة الابتزاز والضغط واختراق الخصوصيّة الوطنيّة.
التعليقات