اخبار اليوم - يكشف استطلاعُ رأي جديد أن أغلبية الإسرائيليين تتبنّى مواقف رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو بكل ما يتعلق بالحرب على غزة، والعلاقة مع الفلسطينيين، رغم اتهامه بخلط الأوراق والكذب والتضليل.
ويوضح استطلاعٌ، ينشره اليوم الثلاثاء “المعهد الإسرائيلي للديموقراطية”، أن 68% من الإسرائيليين يعارضون إدخال معونات إنسانية للغزيين، حتى لو تمّ ذلك من خلال منظمات دولية لا علاقة لها بـ “حماس” أو بوكالة الغوث (الأونروا).
ويعارض 63% من الإسرائيليين موافقة مبدئية لإسرائيل على تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح، متساوقين بذلك مع نتنياهو وائتلافه الحاكم الرافض لـ “منح الفلسطينيين جائزة على السابع من أكتوبر”، وهذا على خلفية اعتقاد أقلية منهم بأن “الإرهاب” سيتوقّف بعد إقامة مثل هذه الدولة.
وترى أغلبية 55% من الإسرائيليين أن احتمالات “النصر المطلق” في الحرب على غزة منخفضة، فيما يرجّح 60% منهم أن موجة احتجاجات واسعة ستنفجر في البلاد ضد الحكومة مستقبلاً، بيد أن رُبعَهم فقط قال إنه سيشارك بها.
الحصار والتجويع
ويأتي هذا الاستطلاع، الذي يعكس رغبةً واسعة من الإسرائيليين بحرمان الغزيين من الغذاء والدواء، على خلفية تقارير فلسطينية، عربية، دولية، وحتى إسرائيلية (في صحيفة “هآرتس”، اليوم) عن حالة الجوع التي تهدّد أهالي شمال القطاع بالموت نتيجة منع دخول مساعدات. وتعكس هذه الرغبة الإسرائيلية العامة، في الشارع، وفي الجيش، ولدى صناّع القرار، الشهوة الكبيرة لدى الإسرائيليين بمواصلة الانتقام من الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، مثلما تعكس حالة الإحباط من عدم تحقيق الحرب أهدافها حتى الآن، رغم النار والدمار واختلال ميزان القوى، بين دولة مدججة بالسلاح، مدعومة من الغرب، وفصائل فلسطينية محاصرة.
تنعكس هذه الرغبة بالانتقام المنفلت من الفلسطينيين بظاهرة السلب والنهب التي يكشف عنها تباعاً في تقارير للصحافة العبرية أيضاً، منها تحقيق للقناة العبرية الرسمية، يكشف عن تورّط ضباط يسرقون محتويات المنازل الفلسطينية الفارغة، بما في ذلك ضابط يسرق مرآة كبيرة من أحد بيوت خان يونس.
وفي هذا المضمار يؤكد الباحث الإسرائيلي في مجال العلاقة بين الجيش والمجتمع والسياسة بروفيسور ياغيل ليفي أن السلب والنهب في غزة هما جزءٌ من الانتقام الإسرائيلي من الفلسطينيين.
في مقال تنشره صحيفة “هآرتس”، اليوم الثلاثاء، يوضح ياغيل ليفي أن الجنود الإسرائيليين يواصلون نهب وسلب ممتلكات أهالي غزة وبيوتهم “من تحت الرادار الجماهيري”. واستناداً لمعلوماته يشير إلى أن قسماً من جنود الاحتلال سرقوا تلفونات ودراجات هوائية ونارية، منوهاً أيضاً بأن جنوداً إسرائيليين ينشرون أشرطة فيديو وهم يسرقون، أحدهم يسرق ثياب كرة قدم، وجنود وضباط يفاخرون بأنهم يعدّون طعامهم من أغذية يجدونها داخل البيوت الفلسطينية التي تم تهجير سكانها، ويكشفون عن استمتاعهم بمذاق الزيت والزيتون الفلسطيني.
اللعب بالنار
وهذا استمرار لما كشفه، في التاسع من شباط، المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع، استناداً لشهادة ضابط- طبيب يهودي فضح فيها أعمال نهب البيوت الفلسطينية في شمال القطاع وإحراقها. كما كشف عن سرقة الجنود كميات كبيرة من الفرشات ومواقد وأسطوانات الغاز من المنازل المحتلة، ويستمرون بأخذ الهدايا التذكارية الصغيرة، مثل الطاولات، وألعاب صغيرة للأطفال.
كما كشف عن عملية إعدام بعض أسرى “حماس”، واكتفى جيش الاحتلال بالقول إنه يحقّق بالموضوع.
وفي التزامن، تكشف تقارير عبرية أيضاً عن ظاهرة سرقة الجنود الإسرائيليين منازل المستوطنات في “غلاف غزة” وفي الجليل الأعلى. ولا غرابة أن يجري كل ذلك في ظل حكومة احتلال تشمل وزراء يسعون لإشعال حرب دينية، وإيقاد نيران الكراهية بدعوات صريحة لحرق حوارة، كما فعل قبل شهور وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتش، وكما يفعل الآن وزير الأمن القومي، المدان بمحكمة إسرائيلية بالإرهاب، حيث يواصل تحريضه على الفلسطينيين، وتهويش اليهود ضدهم، وحرمانهم من الصلاة في الحرم القدسي الشريف.
ولكن مثل هذه المواقف والقيود المحتملة لا تنحصر بوزراء متطرّفين، بل هي موجودة لدى أوساط إسرائيلية واسعة تؤيد حرمان الفلسطينيين من الحرم القدسي في رمضان، بدافع الانتقام والأيديولوجيا، وأحيانا تحت يافطة “الأمن”، والخوف من “التحريض، ومن رفع صورة السنوار في الحرم، فيما تتعرض محتجزات إسرائيليات في غزة للاغتصاب”، كما زعم بن غفير نفسه، اليوم، في حديث للإذاعة العبرية العامة.
تنعكس الرغبة الإسرائيلية العامة بالانتقام، وكيّ وعي الفلسطينيين أيضاً، في حرمانهم من الصلاة داخل الحرم القدسي الشريف في رمضان.
فلتحترق الدولة
ولذا تعتبر صحيفة “هآرتس” أن القرار بتقييد الصلوات في الأقصى خلال رمضان هو القرار الأخطر لـ “حكومة الفظاعة”، منذ اندلاع الحرب، داعيةً للتراجع عن التوجّهات، محذّرة نتنياهو من تبنّي رؤية بن غفير لاعتبارات سياسية حزبية وشخصية شعبوية لديهما معاً.
وتتابع: “هل يعقل أن يعبث رئيس الحكومة ووزير الأمن بمصالح الدولة العليا، وجعلها تحترق على مذبح مصالح فئوية؟”.
من جهته، يشير المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل إلى أن هناك احتمالاً بالتوصّل لتسوية في هذا الموضوع، ويكشف أن المخابرات العامة والجيش يعارضان القيود، ويخشيان انفجار هبّة جديدة وسط استخدام سلاح داخل أراضي 48 أيضاً، كما حصل في أحداث مايو/أيار 2021.
وفي اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي، أمس، حذّرَ قادةُ المؤسسة الأمنية من أن القيود تصّب الماء على طاحونة “حماس”، وتدفع نحو حرب دينية تستبدل فيها الحرب على “منظمات إرهابية” إلى حرب بين يهود وعرب.
في المقابل، يؤيّد مفتش شرطة الاحتلال فرضَ قيود على دخول الأقصى بطريقة مختلفة، ولكن قريباً من موقف بن غفير.
ويرى عددٌ من المراقبين والمعلّقين الإسرائيليين ذلك لعباً بالنار، كما يقول، على سبيل المثال، بن درور يميني في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، منبّهاً إلى أن “نتنياهو في الماضي رفضَ تمكين بن غفير من دخول الحرم القدسي، واليوم لدينا نتنياهو مختلف، فهو الذي لا يقود بل يُقاد. بن غفير يطلب، ونتنياهو من شأنه يطيع”.
نبوءة يشعياهو
لا يمكن فهم هذه المواقف الإسرائيلية الظلامية، المتمثلة بالدفع نحو حرمان الفلسطينيين من حقوقٍ حياتية أساسية، كالغذاء والدواء والصلاة والتعبّد، علاوة على معاداة حقهم الجماعي الأساسي بتقرير المصير، ودولة (حتى لو كانت منزوعة السيادة والسلاح)، دون تذكّر تحريض النخب، وتهويشها المستمر ضد الفلسطينيين، ونزع إنسانيتهم وشيطنتهم بشكل منهجي متواصل، لتبرير كل هذه الموبقات، حتى جاء السابع من أكتوبر بصفته حدثاً جللاً مؤسِّساً، ليزيد هذه المواقف المتوحشّة عمقاً واتساعاً.
يذكر هنا أن الجيش الإسرائيلي سيبدأ، الأحد القادم، بالتحقيق الداخلي بأحداث السابع من أكتوبر وما سبقها، من خلال قادة كبار: جاهزية القوات، وصولها للميدان، نشرها، وطريقة قتالها.
هذا الوضع الحالي، المتميّز بالوحشية في التعامل، يذكّر بما سبق أن حذّر منه “نبي الغضب”، الفيلسوف الإسرائيلي الراحل يشعياهو ليفوفيتش، منذ عقود، مرة تلو المرة، بأن الاحتلال مفسدة، وأن استباحة الفلسطينيين خللٌ أخلاقي خطير، ومرضٌ معدٍ سيصيب الإسرائيليين أنفسهم، ويدفعهم للتعامل بوحشية مع بعضهم البعض، وسلب ونهب بعضهم البعض، بعد سرقة الفلسطينيين مقدّراتهم.
اخبار اليوم - يكشف استطلاعُ رأي جديد أن أغلبية الإسرائيليين تتبنّى مواقف رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو بكل ما يتعلق بالحرب على غزة، والعلاقة مع الفلسطينيين، رغم اتهامه بخلط الأوراق والكذب والتضليل.
ويوضح استطلاعٌ، ينشره اليوم الثلاثاء “المعهد الإسرائيلي للديموقراطية”، أن 68% من الإسرائيليين يعارضون إدخال معونات إنسانية للغزيين، حتى لو تمّ ذلك من خلال منظمات دولية لا علاقة لها بـ “حماس” أو بوكالة الغوث (الأونروا).
ويعارض 63% من الإسرائيليين موافقة مبدئية لإسرائيل على تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح، متساوقين بذلك مع نتنياهو وائتلافه الحاكم الرافض لـ “منح الفلسطينيين جائزة على السابع من أكتوبر”، وهذا على خلفية اعتقاد أقلية منهم بأن “الإرهاب” سيتوقّف بعد إقامة مثل هذه الدولة.
وترى أغلبية 55% من الإسرائيليين أن احتمالات “النصر المطلق” في الحرب على غزة منخفضة، فيما يرجّح 60% منهم أن موجة احتجاجات واسعة ستنفجر في البلاد ضد الحكومة مستقبلاً، بيد أن رُبعَهم فقط قال إنه سيشارك بها.
الحصار والتجويع
ويأتي هذا الاستطلاع، الذي يعكس رغبةً واسعة من الإسرائيليين بحرمان الغزيين من الغذاء والدواء، على خلفية تقارير فلسطينية، عربية، دولية، وحتى إسرائيلية (في صحيفة “هآرتس”، اليوم) عن حالة الجوع التي تهدّد أهالي شمال القطاع بالموت نتيجة منع دخول مساعدات. وتعكس هذه الرغبة الإسرائيلية العامة، في الشارع، وفي الجيش، ولدى صناّع القرار، الشهوة الكبيرة لدى الإسرائيليين بمواصلة الانتقام من الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، مثلما تعكس حالة الإحباط من عدم تحقيق الحرب أهدافها حتى الآن، رغم النار والدمار واختلال ميزان القوى، بين دولة مدججة بالسلاح، مدعومة من الغرب، وفصائل فلسطينية محاصرة.
تنعكس هذه الرغبة بالانتقام المنفلت من الفلسطينيين بظاهرة السلب والنهب التي يكشف عنها تباعاً في تقارير للصحافة العبرية أيضاً، منها تحقيق للقناة العبرية الرسمية، يكشف عن تورّط ضباط يسرقون محتويات المنازل الفلسطينية الفارغة، بما في ذلك ضابط يسرق مرآة كبيرة من أحد بيوت خان يونس.
وفي هذا المضمار يؤكد الباحث الإسرائيلي في مجال العلاقة بين الجيش والمجتمع والسياسة بروفيسور ياغيل ليفي أن السلب والنهب في غزة هما جزءٌ من الانتقام الإسرائيلي من الفلسطينيين.
في مقال تنشره صحيفة “هآرتس”، اليوم الثلاثاء، يوضح ياغيل ليفي أن الجنود الإسرائيليين يواصلون نهب وسلب ممتلكات أهالي غزة وبيوتهم “من تحت الرادار الجماهيري”. واستناداً لمعلوماته يشير إلى أن قسماً من جنود الاحتلال سرقوا تلفونات ودراجات هوائية ونارية، منوهاً أيضاً بأن جنوداً إسرائيليين ينشرون أشرطة فيديو وهم يسرقون، أحدهم يسرق ثياب كرة قدم، وجنود وضباط يفاخرون بأنهم يعدّون طعامهم من أغذية يجدونها داخل البيوت الفلسطينية التي تم تهجير سكانها، ويكشفون عن استمتاعهم بمذاق الزيت والزيتون الفلسطيني.
اللعب بالنار
وهذا استمرار لما كشفه، في التاسع من شباط، المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع، استناداً لشهادة ضابط- طبيب يهودي فضح فيها أعمال نهب البيوت الفلسطينية في شمال القطاع وإحراقها. كما كشف عن سرقة الجنود كميات كبيرة من الفرشات ومواقد وأسطوانات الغاز من المنازل المحتلة، ويستمرون بأخذ الهدايا التذكارية الصغيرة، مثل الطاولات، وألعاب صغيرة للأطفال.
كما كشف عن عملية إعدام بعض أسرى “حماس”، واكتفى جيش الاحتلال بالقول إنه يحقّق بالموضوع.
وفي التزامن، تكشف تقارير عبرية أيضاً عن ظاهرة سرقة الجنود الإسرائيليين منازل المستوطنات في “غلاف غزة” وفي الجليل الأعلى. ولا غرابة أن يجري كل ذلك في ظل حكومة احتلال تشمل وزراء يسعون لإشعال حرب دينية، وإيقاد نيران الكراهية بدعوات صريحة لحرق حوارة، كما فعل قبل شهور وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتش، وكما يفعل الآن وزير الأمن القومي، المدان بمحكمة إسرائيلية بالإرهاب، حيث يواصل تحريضه على الفلسطينيين، وتهويش اليهود ضدهم، وحرمانهم من الصلاة في الحرم القدسي الشريف.
ولكن مثل هذه المواقف والقيود المحتملة لا تنحصر بوزراء متطرّفين، بل هي موجودة لدى أوساط إسرائيلية واسعة تؤيد حرمان الفلسطينيين من الحرم القدسي في رمضان، بدافع الانتقام والأيديولوجيا، وأحيانا تحت يافطة “الأمن”، والخوف من “التحريض، ومن رفع صورة السنوار في الحرم، فيما تتعرض محتجزات إسرائيليات في غزة للاغتصاب”، كما زعم بن غفير نفسه، اليوم، في حديث للإذاعة العبرية العامة.
تنعكس الرغبة الإسرائيلية العامة بالانتقام، وكيّ وعي الفلسطينيين أيضاً، في حرمانهم من الصلاة داخل الحرم القدسي الشريف في رمضان.
فلتحترق الدولة
ولذا تعتبر صحيفة “هآرتس” أن القرار بتقييد الصلوات في الأقصى خلال رمضان هو القرار الأخطر لـ “حكومة الفظاعة”، منذ اندلاع الحرب، داعيةً للتراجع عن التوجّهات، محذّرة نتنياهو من تبنّي رؤية بن غفير لاعتبارات سياسية حزبية وشخصية شعبوية لديهما معاً.
وتتابع: “هل يعقل أن يعبث رئيس الحكومة ووزير الأمن بمصالح الدولة العليا، وجعلها تحترق على مذبح مصالح فئوية؟”.
من جهته، يشير المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل إلى أن هناك احتمالاً بالتوصّل لتسوية في هذا الموضوع، ويكشف أن المخابرات العامة والجيش يعارضان القيود، ويخشيان انفجار هبّة جديدة وسط استخدام سلاح داخل أراضي 48 أيضاً، كما حصل في أحداث مايو/أيار 2021.
وفي اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي، أمس، حذّرَ قادةُ المؤسسة الأمنية من أن القيود تصّب الماء على طاحونة “حماس”، وتدفع نحو حرب دينية تستبدل فيها الحرب على “منظمات إرهابية” إلى حرب بين يهود وعرب.
في المقابل، يؤيّد مفتش شرطة الاحتلال فرضَ قيود على دخول الأقصى بطريقة مختلفة، ولكن قريباً من موقف بن غفير.
ويرى عددٌ من المراقبين والمعلّقين الإسرائيليين ذلك لعباً بالنار، كما يقول، على سبيل المثال، بن درور يميني في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، منبّهاً إلى أن “نتنياهو في الماضي رفضَ تمكين بن غفير من دخول الحرم القدسي، واليوم لدينا نتنياهو مختلف، فهو الذي لا يقود بل يُقاد. بن غفير يطلب، ونتنياهو من شأنه يطيع”.
نبوءة يشعياهو
لا يمكن فهم هذه المواقف الإسرائيلية الظلامية، المتمثلة بالدفع نحو حرمان الفلسطينيين من حقوقٍ حياتية أساسية، كالغذاء والدواء والصلاة والتعبّد، علاوة على معاداة حقهم الجماعي الأساسي بتقرير المصير، ودولة (حتى لو كانت منزوعة السيادة والسلاح)، دون تذكّر تحريض النخب، وتهويشها المستمر ضد الفلسطينيين، ونزع إنسانيتهم وشيطنتهم بشكل منهجي متواصل، لتبرير كل هذه الموبقات، حتى جاء السابع من أكتوبر بصفته حدثاً جللاً مؤسِّساً، ليزيد هذه المواقف المتوحشّة عمقاً واتساعاً.
يذكر هنا أن الجيش الإسرائيلي سيبدأ، الأحد القادم، بالتحقيق الداخلي بأحداث السابع من أكتوبر وما سبقها، من خلال قادة كبار: جاهزية القوات، وصولها للميدان، نشرها، وطريقة قتالها.
هذا الوضع الحالي، المتميّز بالوحشية في التعامل، يذكّر بما سبق أن حذّر منه “نبي الغضب”، الفيلسوف الإسرائيلي الراحل يشعياهو ليفوفيتش، منذ عقود، مرة تلو المرة، بأن الاحتلال مفسدة، وأن استباحة الفلسطينيين خللٌ أخلاقي خطير، ومرضٌ معدٍ سيصيب الإسرائيليين أنفسهم، ويدفعهم للتعامل بوحشية مع بعضهم البعض، وسلب ونهب بعضهم البعض، بعد سرقة الفلسطينيين مقدّراتهم.
اخبار اليوم - يكشف استطلاعُ رأي جديد أن أغلبية الإسرائيليين تتبنّى مواقف رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو بكل ما يتعلق بالحرب على غزة، والعلاقة مع الفلسطينيين، رغم اتهامه بخلط الأوراق والكذب والتضليل.
ويوضح استطلاعٌ، ينشره اليوم الثلاثاء “المعهد الإسرائيلي للديموقراطية”، أن 68% من الإسرائيليين يعارضون إدخال معونات إنسانية للغزيين، حتى لو تمّ ذلك من خلال منظمات دولية لا علاقة لها بـ “حماس” أو بوكالة الغوث (الأونروا).
ويعارض 63% من الإسرائيليين موافقة مبدئية لإسرائيل على تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح، متساوقين بذلك مع نتنياهو وائتلافه الحاكم الرافض لـ “منح الفلسطينيين جائزة على السابع من أكتوبر”، وهذا على خلفية اعتقاد أقلية منهم بأن “الإرهاب” سيتوقّف بعد إقامة مثل هذه الدولة.
وترى أغلبية 55% من الإسرائيليين أن احتمالات “النصر المطلق” في الحرب على غزة منخفضة، فيما يرجّح 60% منهم أن موجة احتجاجات واسعة ستنفجر في البلاد ضد الحكومة مستقبلاً، بيد أن رُبعَهم فقط قال إنه سيشارك بها.
الحصار والتجويع
ويأتي هذا الاستطلاع، الذي يعكس رغبةً واسعة من الإسرائيليين بحرمان الغزيين من الغذاء والدواء، على خلفية تقارير فلسطينية، عربية، دولية، وحتى إسرائيلية (في صحيفة “هآرتس”، اليوم) عن حالة الجوع التي تهدّد أهالي شمال القطاع بالموت نتيجة منع دخول مساعدات. وتعكس هذه الرغبة الإسرائيلية العامة، في الشارع، وفي الجيش، ولدى صناّع القرار، الشهوة الكبيرة لدى الإسرائيليين بمواصلة الانتقام من الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، مثلما تعكس حالة الإحباط من عدم تحقيق الحرب أهدافها حتى الآن، رغم النار والدمار واختلال ميزان القوى، بين دولة مدججة بالسلاح، مدعومة من الغرب، وفصائل فلسطينية محاصرة.
تنعكس هذه الرغبة بالانتقام المنفلت من الفلسطينيين بظاهرة السلب والنهب التي يكشف عنها تباعاً في تقارير للصحافة العبرية أيضاً، منها تحقيق للقناة العبرية الرسمية، يكشف عن تورّط ضباط يسرقون محتويات المنازل الفلسطينية الفارغة، بما في ذلك ضابط يسرق مرآة كبيرة من أحد بيوت خان يونس.
وفي هذا المضمار يؤكد الباحث الإسرائيلي في مجال العلاقة بين الجيش والمجتمع والسياسة بروفيسور ياغيل ليفي أن السلب والنهب في غزة هما جزءٌ من الانتقام الإسرائيلي من الفلسطينيين.
في مقال تنشره صحيفة “هآرتس”، اليوم الثلاثاء، يوضح ياغيل ليفي أن الجنود الإسرائيليين يواصلون نهب وسلب ممتلكات أهالي غزة وبيوتهم “من تحت الرادار الجماهيري”. واستناداً لمعلوماته يشير إلى أن قسماً من جنود الاحتلال سرقوا تلفونات ودراجات هوائية ونارية، منوهاً أيضاً بأن جنوداً إسرائيليين ينشرون أشرطة فيديو وهم يسرقون، أحدهم يسرق ثياب كرة قدم، وجنود وضباط يفاخرون بأنهم يعدّون طعامهم من أغذية يجدونها داخل البيوت الفلسطينية التي تم تهجير سكانها، ويكشفون عن استمتاعهم بمذاق الزيت والزيتون الفلسطيني.
اللعب بالنار
وهذا استمرار لما كشفه، في التاسع من شباط، المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع، استناداً لشهادة ضابط- طبيب يهودي فضح فيها أعمال نهب البيوت الفلسطينية في شمال القطاع وإحراقها. كما كشف عن سرقة الجنود كميات كبيرة من الفرشات ومواقد وأسطوانات الغاز من المنازل المحتلة، ويستمرون بأخذ الهدايا التذكارية الصغيرة، مثل الطاولات، وألعاب صغيرة للأطفال.
كما كشف عن عملية إعدام بعض أسرى “حماس”، واكتفى جيش الاحتلال بالقول إنه يحقّق بالموضوع.
وفي التزامن، تكشف تقارير عبرية أيضاً عن ظاهرة سرقة الجنود الإسرائيليين منازل المستوطنات في “غلاف غزة” وفي الجليل الأعلى. ولا غرابة أن يجري كل ذلك في ظل حكومة احتلال تشمل وزراء يسعون لإشعال حرب دينية، وإيقاد نيران الكراهية بدعوات صريحة لحرق حوارة، كما فعل قبل شهور وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتش، وكما يفعل الآن وزير الأمن القومي، المدان بمحكمة إسرائيلية بالإرهاب، حيث يواصل تحريضه على الفلسطينيين، وتهويش اليهود ضدهم، وحرمانهم من الصلاة في الحرم القدسي الشريف.
ولكن مثل هذه المواقف والقيود المحتملة لا تنحصر بوزراء متطرّفين، بل هي موجودة لدى أوساط إسرائيلية واسعة تؤيد حرمان الفلسطينيين من الحرم القدسي في رمضان، بدافع الانتقام والأيديولوجيا، وأحيانا تحت يافطة “الأمن”، والخوف من “التحريض، ومن رفع صورة السنوار في الحرم، فيما تتعرض محتجزات إسرائيليات في غزة للاغتصاب”، كما زعم بن غفير نفسه، اليوم، في حديث للإذاعة العبرية العامة.
تنعكس الرغبة الإسرائيلية العامة بالانتقام، وكيّ وعي الفلسطينيين أيضاً، في حرمانهم من الصلاة داخل الحرم القدسي الشريف في رمضان.
فلتحترق الدولة
ولذا تعتبر صحيفة “هآرتس” أن القرار بتقييد الصلوات في الأقصى خلال رمضان هو القرار الأخطر لـ “حكومة الفظاعة”، منذ اندلاع الحرب، داعيةً للتراجع عن التوجّهات، محذّرة نتنياهو من تبنّي رؤية بن غفير لاعتبارات سياسية حزبية وشخصية شعبوية لديهما معاً.
وتتابع: “هل يعقل أن يعبث رئيس الحكومة ووزير الأمن بمصالح الدولة العليا، وجعلها تحترق على مذبح مصالح فئوية؟”.
من جهته، يشير المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل إلى أن هناك احتمالاً بالتوصّل لتسوية في هذا الموضوع، ويكشف أن المخابرات العامة والجيش يعارضان القيود، ويخشيان انفجار هبّة جديدة وسط استخدام سلاح داخل أراضي 48 أيضاً، كما حصل في أحداث مايو/أيار 2021.
وفي اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي، أمس، حذّرَ قادةُ المؤسسة الأمنية من أن القيود تصّب الماء على طاحونة “حماس”، وتدفع نحو حرب دينية تستبدل فيها الحرب على “منظمات إرهابية” إلى حرب بين يهود وعرب.
في المقابل، يؤيّد مفتش شرطة الاحتلال فرضَ قيود على دخول الأقصى بطريقة مختلفة، ولكن قريباً من موقف بن غفير.
ويرى عددٌ من المراقبين والمعلّقين الإسرائيليين ذلك لعباً بالنار، كما يقول، على سبيل المثال، بن درور يميني في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، منبّهاً إلى أن “نتنياهو في الماضي رفضَ تمكين بن غفير من دخول الحرم القدسي، واليوم لدينا نتنياهو مختلف، فهو الذي لا يقود بل يُقاد. بن غفير يطلب، ونتنياهو من شأنه يطيع”.
نبوءة يشعياهو
لا يمكن فهم هذه المواقف الإسرائيلية الظلامية، المتمثلة بالدفع نحو حرمان الفلسطينيين من حقوقٍ حياتية أساسية، كالغذاء والدواء والصلاة والتعبّد، علاوة على معاداة حقهم الجماعي الأساسي بتقرير المصير، ودولة (حتى لو كانت منزوعة السيادة والسلاح)، دون تذكّر تحريض النخب، وتهويشها المستمر ضد الفلسطينيين، ونزع إنسانيتهم وشيطنتهم بشكل منهجي متواصل، لتبرير كل هذه الموبقات، حتى جاء السابع من أكتوبر بصفته حدثاً جللاً مؤسِّساً، ليزيد هذه المواقف المتوحشّة عمقاً واتساعاً.
يذكر هنا أن الجيش الإسرائيلي سيبدأ، الأحد القادم، بالتحقيق الداخلي بأحداث السابع من أكتوبر وما سبقها، من خلال قادة كبار: جاهزية القوات، وصولها للميدان، نشرها، وطريقة قتالها.
هذا الوضع الحالي، المتميّز بالوحشية في التعامل، يذكّر بما سبق أن حذّر منه “نبي الغضب”، الفيلسوف الإسرائيلي الراحل يشعياهو ليفوفيتش، منذ عقود، مرة تلو المرة، بأن الاحتلال مفسدة، وأن استباحة الفلسطينيين خللٌ أخلاقي خطير، ومرضٌ معدٍ سيصيب الإسرائيليين أنفسهم، ويدفعهم للتعامل بوحشية مع بعضهم البعض، وسلب ونهب بعضهم البعض، بعد سرقة الفلسطينيين مقدّراتهم.
التعليقات