حسين الرواشدة
الفراغ الذي يتركه العقلاء حين يصمتون، أو يضطرون للانسحاب، يملؤه المجانين..وما أكثرهم في بلداننا.
لا نحتاج، بالطبع، لمزيد من الشواهد حتى يقتنع البعض الذين ما زالوا يكابرون «بالمحسوس» ان هذا الجنون الذي اجتاح منطقتنا لا حدود له، وانه اذا لم يجد من العقلاء من يلجمه فإنه سيأخذنا جميعا الى المجهول ؛ هذا الذي نرى صوره ماثلة أمامنا باللون الأحمر، وكل ما افرزه العدوان من دمار وإبادة جماعية وانتهاك لكل شي، وما يمكن ان يفرزه لاحقا من تحولات في الجغرافيا والديموغرافيا، وفي الأدوار والتحالفات، والأهم من محاولات لخلط الهويات، وربما طمسها ايضا.
في بلادنا التي لا نريد ان يعبث بها هذا الجنون، او تصلها ارتداداته، ثمة من يحاول أن يفتح قمقم العفاريت لكي يدخلوا إلينا، وسواء أكان ذلك بقصد أو بدون قصد، فإن ما حفلت به الأسابيع الماضية من وقائع وسجالات يدفعنا إلى التحذير مما يجري، كما يدفعنا الى مطالبة العقلاء (أين هم للأسف؟) لكي يتحركوا على الفور لإبطال مفعول «البروفات» التي يجري تصميمها، بخبث، لإشعال حقولنا، وإدراجنا في قائمة الفوضى والاستقطاب، وكأن التناحر في مجتمعنا أصبح قدرا لا مفرّ منه.
في اطار هذه الفوضى التي داهمت جبهتنا الداخلية استأذن بتسجيل عدة ملاحظات، الأولى: ان مجتمعنا ما زال يعاني من «قلق» الهوية، صحيح ان القوانين حسمت قضية من هو الأردني من خلال الجنسية وتبعاتها، لكن الصحيح، أيضا، ان قضية المواطنة والوطنية لم تحسم بعد، فما زال البعض يتصور الأردن- الدولة، ليست قضيته الا في اطار ما يحصل عليه من مكاسب وامتيازات، وما زال اخرون يعتقدون ان القضية الأردنية ليست أولوية لهم، فيما يصر فريق ثالث على المحاصصات والمظلوميات، ويخشى طرف رابع من هواجس التهميش والانقراض، ووفق هذه الجدليات يبقى قلق « الهوية «، في غياب المشروع الوطني للدولة، عاملا مهما في تأجيج نوازع التعصب والخوف، وربما الكراهية، كما انه قد يوظف من قبل بعض الأطراف لتحصيل المزيد من المكاسب، او التمهيد لاستحقاقات مشبوهة، وهنا مكمن الخطر.
الملاحظة الثانية : لقد اتسمت الذات او الشخصية الاردنية، تاريخيا، بالنخوة والاعتدال ومحبة الاخرين واحترام الضيف، وتقدير الأواصر العربية والدينية، ولم تكن عنصرية في يوم من الايام، وهذا ما انعكس على النظام السياسي وعلى الدولة الأردنية أيضا، لكن هذه الشخصية تعرضت على مدى عقود ماضية لاصابات من الداخل، كما تأثرت بما يحدث في المحيط، فأصبحت تميل للحدة والعنف، وربما شعرت بلحظة ما، بعد ان اصطدمت بانسداد السياسة وعسف الظروف الحياتية، انها مجروحة، وغير قادرة على التحمل، الآن، أخشى ما اخشاه أن تفرز اسوأ ما لديها من مكبوتات، فتتراجع عن القيم والفضائل التي كانت مصدر اعتزازها، في السابق، لحساب غرائز مثيرة، او هواجس غير مفهومة.
الملاحظة الثالثة: إن اسوأ وصفة يمكن ان نصرفها او نقبلها لبلدنا هي وصفة الانقسام على أي أساس، ديني او ديموغرافي او طبقي، ليس فقط لان تجربة غيرنا مع هذه الوصفات قاتلة ومفزعة، وانما لان مثل هذه القابلية للانقسام، أصبحت واردة وموجودة لدينا للأسف، ولنا ان نتصور، فقط، لو أن مجتمعنا، مثلا، تعرض لحدث كبير - كما يتعرض له اليوم غيرنا - كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة بيننا، وانكشاف اجنداتنا، وحدة خطاب التنابز الذي يتبناه « بعضنا «.
تبقى الملاحظة الأخيرة وهي ان ثمة من يريد ان نعيش دائما تحت « قلق « الهوية وان نتلاوم ونتشاكس: من هو الاردني ومن هو غير الأردني، من هو الوطني الأصيل ومن هو الوطني البديل، وثمة من يحاول ان يوظف مثل هذه الفزاعات لابقائنا وسط دائرة الخوف في الحاضر وعلى المستقبل، واقناعنا باننا لا نستحق الا ما نحن عليه، ولا نستأهل الا ما فعلناه بانفسنا، او ما فعلوه بنا، وكأننا نحصد ما زرعوه ليس اكثر.
نحن مقبلون على خطر كبير، ويجب ان نقرر : اما ان نواجهه موحدين او منقسمين، اردنيين بلا ادني خطأ يجرح هويتنا وانتماءنا، او اردنيين تائهين نتقاذف التشكيك ببعضنا وبدولتنا ومواقفنا، هذا الميزان هو الذي سيحدد مصيرنا، ربحا او خسارة، وعليه فقبل ان ندخل العام الجديد، بما سيحمله من استحقاقات سياسية (الانتخابات مثلا) وأخرى إقليمية، لا نعرفها حتى الآن، او من محاولات لدفعنا للقبول بما يجري التخطيط له بالمنطقة، لا بد ان نحسم خياراتنا، أقصد الدولة والمجتمع، نحو سكة السلامة، أقصد : هوية وطنية أردنية، نقطة.
الدستور
حسين الرواشدة
الفراغ الذي يتركه العقلاء حين يصمتون، أو يضطرون للانسحاب، يملؤه المجانين..وما أكثرهم في بلداننا.
لا نحتاج، بالطبع، لمزيد من الشواهد حتى يقتنع البعض الذين ما زالوا يكابرون «بالمحسوس» ان هذا الجنون الذي اجتاح منطقتنا لا حدود له، وانه اذا لم يجد من العقلاء من يلجمه فإنه سيأخذنا جميعا الى المجهول ؛ هذا الذي نرى صوره ماثلة أمامنا باللون الأحمر، وكل ما افرزه العدوان من دمار وإبادة جماعية وانتهاك لكل شي، وما يمكن ان يفرزه لاحقا من تحولات في الجغرافيا والديموغرافيا، وفي الأدوار والتحالفات، والأهم من محاولات لخلط الهويات، وربما طمسها ايضا.
في بلادنا التي لا نريد ان يعبث بها هذا الجنون، او تصلها ارتداداته، ثمة من يحاول أن يفتح قمقم العفاريت لكي يدخلوا إلينا، وسواء أكان ذلك بقصد أو بدون قصد، فإن ما حفلت به الأسابيع الماضية من وقائع وسجالات يدفعنا إلى التحذير مما يجري، كما يدفعنا الى مطالبة العقلاء (أين هم للأسف؟) لكي يتحركوا على الفور لإبطال مفعول «البروفات» التي يجري تصميمها، بخبث، لإشعال حقولنا، وإدراجنا في قائمة الفوضى والاستقطاب، وكأن التناحر في مجتمعنا أصبح قدرا لا مفرّ منه.
في اطار هذه الفوضى التي داهمت جبهتنا الداخلية استأذن بتسجيل عدة ملاحظات، الأولى: ان مجتمعنا ما زال يعاني من «قلق» الهوية، صحيح ان القوانين حسمت قضية من هو الأردني من خلال الجنسية وتبعاتها، لكن الصحيح، أيضا، ان قضية المواطنة والوطنية لم تحسم بعد، فما زال البعض يتصور الأردن- الدولة، ليست قضيته الا في اطار ما يحصل عليه من مكاسب وامتيازات، وما زال اخرون يعتقدون ان القضية الأردنية ليست أولوية لهم، فيما يصر فريق ثالث على المحاصصات والمظلوميات، ويخشى طرف رابع من هواجس التهميش والانقراض، ووفق هذه الجدليات يبقى قلق « الهوية «، في غياب المشروع الوطني للدولة، عاملا مهما في تأجيج نوازع التعصب والخوف، وربما الكراهية، كما انه قد يوظف من قبل بعض الأطراف لتحصيل المزيد من المكاسب، او التمهيد لاستحقاقات مشبوهة، وهنا مكمن الخطر.
الملاحظة الثانية : لقد اتسمت الذات او الشخصية الاردنية، تاريخيا، بالنخوة والاعتدال ومحبة الاخرين واحترام الضيف، وتقدير الأواصر العربية والدينية، ولم تكن عنصرية في يوم من الايام، وهذا ما انعكس على النظام السياسي وعلى الدولة الأردنية أيضا، لكن هذه الشخصية تعرضت على مدى عقود ماضية لاصابات من الداخل، كما تأثرت بما يحدث في المحيط، فأصبحت تميل للحدة والعنف، وربما شعرت بلحظة ما، بعد ان اصطدمت بانسداد السياسة وعسف الظروف الحياتية، انها مجروحة، وغير قادرة على التحمل، الآن، أخشى ما اخشاه أن تفرز اسوأ ما لديها من مكبوتات، فتتراجع عن القيم والفضائل التي كانت مصدر اعتزازها، في السابق، لحساب غرائز مثيرة، او هواجس غير مفهومة.
الملاحظة الثالثة: إن اسوأ وصفة يمكن ان نصرفها او نقبلها لبلدنا هي وصفة الانقسام على أي أساس، ديني او ديموغرافي او طبقي، ليس فقط لان تجربة غيرنا مع هذه الوصفات قاتلة ومفزعة، وانما لان مثل هذه القابلية للانقسام، أصبحت واردة وموجودة لدينا للأسف، ولنا ان نتصور، فقط، لو أن مجتمعنا، مثلا، تعرض لحدث كبير - كما يتعرض له اليوم غيرنا - كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة بيننا، وانكشاف اجنداتنا، وحدة خطاب التنابز الذي يتبناه « بعضنا «.
تبقى الملاحظة الأخيرة وهي ان ثمة من يريد ان نعيش دائما تحت « قلق « الهوية وان نتلاوم ونتشاكس: من هو الاردني ومن هو غير الأردني، من هو الوطني الأصيل ومن هو الوطني البديل، وثمة من يحاول ان يوظف مثل هذه الفزاعات لابقائنا وسط دائرة الخوف في الحاضر وعلى المستقبل، واقناعنا باننا لا نستحق الا ما نحن عليه، ولا نستأهل الا ما فعلناه بانفسنا، او ما فعلوه بنا، وكأننا نحصد ما زرعوه ليس اكثر.
نحن مقبلون على خطر كبير، ويجب ان نقرر : اما ان نواجهه موحدين او منقسمين، اردنيين بلا ادني خطأ يجرح هويتنا وانتماءنا، او اردنيين تائهين نتقاذف التشكيك ببعضنا وبدولتنا ومواقفنا، هذا الميزان هو الذي سيحدد مصيرنا، ربحا او خسارة، وعليه فقبل ان ندخل العام الجديد، بما سيحمله من استحقاقات سياسية (الانتخابات مثلا) وأخرى إقليمية، لا نعرفها حتى الآن، او من محاولات لدفعنا للقبول بما يجري التخطيط له بالمنطقة، لا بد ان نحسم خياراتنا، أقصد الدولة والمجتمع، نحو سكة السلامة، أقصد : هوية وطنية أردنية، نقطة.
الدستور
حسين الرواشدة
الفراغ الذي يتركه العقلاء حين يصمتون، أو يضطرون للانسحاب، يملؤه المجانين..وما أكثرهم في بلداننا.
لا نحتاج، بالطبع، لمزيد من الشواهد حتى يقتنع البعض الذين ما زالوا يكابرون «بالمحسوس» ان هذا الجنون الذي اجتاح منطقتنا لا حدود له، وانه اذا لم يجد من العقلاء من يلجمه فإنه سيأخذنا جميعا الى المجهول ؛ هذا الذي نرى صوره ماثلة أمامنا باللون الأحمر، وكل ما افرزه العدوان من دمار وإبادة جماعية وانتهاك لكل شي، وما يمكن ان يفرزه لاحقا من تحولات في الجغرافيا والديموغرافيا، وفي الأدوار والتحالفات، والأهم من محاولات لخلط الهويات، وربما طمسها ايضا.
في بلادنا التي لا نريد ان يعبث بها هذا الجنون، او تصلها ارتداداته، ثمة من يحاول أن يفتح قمقم العفاريت لكي يدخلوا إلينا، وسواء أكان ذلك بقصد أو بدون قصد، فإن ما حفلت به الأسابيع الماضية من وقائع وسجالات يدفعنا إلى التحذير مما يجري، كما يدفعنا الى مطالبة العقلاء (أين هم للأسف؟) لكي يتحركوا على الفور لإبطال مفعول «البروفات» التي يجري تصميمها، بخبث، لإشعال حقولنا، وإدراجنا في قائمة الفوضى والاستقطاب، وكأن التناحر في مجتمعنا أصبح قدرا لا مفرّ منه.
في اطار هذه الفوضى التي داهمت جبهتنا الداخلية استأذن بتسجيل عدة ملاحظات، الأولى: ان مجتمعنا ما زال يعاني من «قلق» الهوية، صحيح ان القوانين حسمت قضية من هو الأردني من خلال الجنسية وتبعاتها، لكن الصحيح، أيضا، ان قضية المواطنة والوطنية لم تحسم بعد، فما زال البعض يتصور الأردن- الدولة، ليست قضيته الا في اطار ما يحصل عليه من مكاسب وامتيازات، وما زال اخرون يعتقدون ان القضية الأردنية ليست أولوية لهم، فيما يصر فريق ثالث على المحاصصات والمظلوميات، ويخشى طرف رابع من هواجس التهميش والانقراض، ووفق هذه الجدليات يبقى قلق « الهوية «، في غياب المشروع الوطني للدولة، عاملا مهما في تأجيج نوازع التعصب والخوف، وربما الكراهية، كما انه قد يوظف من قبل بعض الأطراف لتحصيل المزيد من المكاسب، او التمهيد لاستحقاقات مشبوهة، وهنا مكمن الخطر.
الملاحظة الثانية : لقد اتسمت الذات او الشخصية الاردنية، تاريخيا، بالنخوة والاعتدال ومحبة الاخرين واحترام الضيف، وتقدير الأواصر العربية والدينية، ولم تكن عنصرية في يوم من الايام، وهذا ما انعكس على النظام السياسي وعلى الدولة الأردنية أيضا، لكن هذه الشخصية تعرضت على مدى عقود ماضية لاصابات من الداخل، كما تأثرت بما يحدث في المحيط، فأصبحت تميل للحدة والعنف، وربما شعرت بلحظة ما، بعد ان اصطدمت بانسداد السياسة وعسف الظروف الحياتية، انها مجروحة، وغير قادرة على التحمل، الآن، أخشى ما اخشاه أن تفرز اسوأ ما لديها من مكبوتات، فتتراجع عن القيم والفضائل التي كانت مصدر اعتزازها، في السابق، لحساب غرائز مثيرة، او هواجس غير مفهومة.
الملاحظة الثالثة: إن اسوأ وصفة يمكن ان نصرفها او نقبلها لبلدنا هي وصفة الانقسام على أي أساس، ديني او ديموغرافي او طبقي، ليس فقط لان تجربة غيرنا مع هذه الوصفات قاتلة ومفزعة، وانما لان مثل هذه القابلية للانقسام، أصبحت واردة وموجودة لدينا للأسف، ولنا ان نتصور، فقط، لو أن مجتمعنا، مثلا، تعرض لحدث كبير - كما يتعرض له اليوم غيرنا - كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة بيننا، وانكشاف اجنداتنا، وحدة خطاب التنابز الذي يتبناه « بعضنا «.
تبقى الملاحظة الأخيرة وهي ان ثمة من يريد ان نعيش دائما تحت « قلق « الهوية وان نتلاوم ونتشاكس: من هو الاردني ومن هو غير الأردني، من هو الوطني الأصيل ومن هو الوطني البديل، وثمة من يحاول ان يوظف مثل هذه الفزاعات لابقائنا وسط دائرة الخوف في الحاضر وعلى المستقبل، واقناعنا باننا لا نستحق الا ما نحن عليه، ولا نستأهل الا ما فعلناه بانفسنا، او ما فعلوه بنا، وكأننا نحصد ما زرعوه ليس اكثر.
نحن مقبلون على خطر كبير، ويجب ان نقرر : اما ان نواجهه موحدين او منقسمين، اردنيين بلا ادني خطأ يجرح هويتنا وانتماءنا، او اردنيين تائهين نتقاذف التشكيك ببعضنا وبدولتنا ومواقفنا، هذا الميزان هو الذي سيحدد مصيرنا، ربحا او خسارة، وعليه فقبل ان ندخل العام الجديد، بما سيحمله من استحقاقات سياسية (الانتخابات مثلا) وأخرى إقليمية، لا نعرفها حتى الآن، او من محاولات لدفعنا للقبول بما يجري التخطيط له بالمنطقة، لا بد ان نحسم خياراتنا، أقصد الدولة والمجتمع، نحو سكة السلامة، أقصد : هوية وطنية أردنية، نقطة.
الدستور
التعليقات