يستشعر المؤمن وهج الإشراق الروحى لمعجزة الإسراء والمعراج، باعتبارها آية ربانية كبرى، تُعبر عن عمق المحبة والحنان الإلهى لبنى الانسان. فهى ذكرى تُحيى القلوب، وتستنهض العقول، وتقرّب المسافة بين فيوضات الإشراق ومكتسبات التنوير.إنها حادثة تستحق الكثير من التأمل والتدبّر، لنستخلص منها المزيد من الحكم والمعارف، التى تعيننا على فهم أعمق للدين، يَرتقى بنا نحو السماء، لنعود أكثر قوة وثباتا، ونكمل مسيرة التنمية والبناء على الأرض.
لقد وصف الله تعالى رسوله الكريم فى آيات الإسراء والمعراج، بمقام العبودية بقوله: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِةِ» وهى إشارة بليغة إلى أن العبودية لله وحده، هى الصفة الأعمق للإنسان فى أرقى منازل القُرب والتكريم من الخالق، وهى تؤكد أهمية التواضع مهما ارتقت بنا الدرجات والمنازل، وتذكرنا بأعظم ما يجمعنا كبشر، وهذا يعنى أن جميع الهويات العرقية والثقافية والطائفية للناس، يجب أن تلتقى تحت مظلة العبودية للخالق عز وجل.
إن الشعور بسمو القيم الروحية الكامنة فى حادثة الإسراء والمعراج، يستنهض فى الناس الشعور بكرامة الانسان وعلو مكانته عند الله، ويؤكد حق كل فرد من البشر فى الحياة الكريمة، وفى حرية الايمان والاعتقاد، بعيدا عن ظلم الأغلبية واستكبارها، كما كان موقف المشركين من قريش تجاه الرسول وأصحابه الكرام.
إن وصفَ القرآن المسجدَ الأقصى بقوله تعالى: «..الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ..» أكسبَهُ ميزة عظيمة توسع دوائر البركة خارج نطاق المسجد والمدينة، لتفتَحها على جميع الاتجاهات ونحو مختلف الأمم والشعوب.
لقد ربطت معجزة الإسراء بين مدينتى مكة والقدس برباط روحى مقدس، فمن لطائف الحكمة الإلهية أن العروج إلى السماوات العلا لم يكن مباشرا من مكة، وإنما كان من خلال التوقف فى المسجد الأقصى ثم الصعود منه، وهذا يُنبهنا إلى وحدة الرسالات والنبوات الإلهية، وأن الارتقاء والعروج إلى السماء، يتجلى فى أعظم تمثلاته عندما يلتقى المصطفى بالأنبياء جميعا، وفى ذلك إشارة إلى ضرورة استجماع التجربة الروحية الشاملة للأنبياء والمرسلين، فى مواجهة التحديات والصعوبات التى تعترض طريق الإصلاح والتغيير.
يُشعرنا وصف المسجد (الأقصى) بهذا الوصف، بأن الصراط الروحى يبلغ أقصى مدى له على الأرض، عندما تلتقى مكة بالقدس، ثم، وفى موازاة ذلك، ينتقل بنا المعراج السماوى ليبلغ سدرة المنتهى، التى تعبر عن أقصى ما تبلغه الروح، فى سعيها أمام أنوار الحضرة الإلهية، فالغاية العظمى للمؤمن، هى السعى إلى بلوغ الأقصى من العبادة والمنتهى من الحقيقة.
إن الإيمان بمعجزة الإسراء والمعراج، هو اختبار للمؤمنين بحقيقة إيمانهم بالغيب، ومدى يقينهم بقدرة الخالق، فمعجزة الإسراء والمعراج هى امتداد للتصديق بمعجزة النبوة، ومن يُؤمن بنبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فلا شك عنده فى هذه المعجزة، كما قال أبو بكر الصديق عندما سئل عن تصديقه للإسراء:«نعم إنى لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ فى غُدُوِّه أو رَوْحِه». لعل الحكمة فى حدوث الإسراء فى «الليل»: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا, هى أن نستشعر بليل المحن والابتلاء الذى كان يواجهه النبى وآل بيته وأصحابه.فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لأذى كثير من المشركين فى عام الحزن، وماتت زوجته خديجة رضى الله عنها. ومات عمه أبو طالب فى العام نفسه، وآذاه أهل الطائف وأخرجوه من مدينتهم. فالإسراء جاء لينتقل به من ظلمة الحزن والظلم البشرى، إلى نور العرفان والمحبة الإلهية.
إن التأمل فى الحقائق الروحية وتلمّس معانى الرحابة الإلهية، يعطى الإنسان القوة على الصبر والصمود، واحتمال الهموم البشرية على الارض. فالإسراء كان تثبيتا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكريما له، وإظهارا لمنزلته صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء. لم يكن الإسراء معجزة حسيّة مادية فحسب، فالحق سبحان وتعالى أرادها معجزة روحية عابرة للزمان إلى يوم القيامة. لأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم باقية إلى آخر الزمان. وكما احتاجت رسالة الإسلام إلى (نَقْلَةٍ روحية) تعزز فى المؤمنين قوة اليقين، فإننا بحاجة إلى (نَقْلَةٍ كونية) عقلية تَنهض بمجتمعاتنا البشرية، وتؤكد عالمية الرسالة الخاتمة.
نحن أحوج ما نكون اليوم، إلى صياغة خطاب دينى جديد، يستوعب المسافــة بين النقـــلى والعقلى والروحى والأسطورى فى تراثنا الدينى، وهو مشروع يتطلب تطويرا فى دروب الاجتهاد، وفهما جديدا لـ الآيات الشرعية والكونية والروحية، وهو فهمٌ من شأنه أن يهب العالَم روحا جديدة فى وقت ازدحمت فيه التحديات وضعف فيه الإيمان بعجائب القدرة الإلهية.
يقول عبدالعزيز ساشادينا: عندما يندمج القانون والإيمان فى حياة الفرد، فإنهما يخلُقان لديه إحساسًا بالأمان والنزاهة يُعزز إحساسه بالمسئولية للسعى نحو تحقيق العدالة لذاتِها. وعندما ينتقلُ هذا الشعور بالأمان والنزاهة، لينعكِسَ على حياة المجتمعات بمختلف فئاتها، فإن ذلك يؤدى إلى تحقيق التناغُم الاجتماعي. فيُصبح السلامُ هنا الإيمان وقد انعكَسَ على الأفعال.
تذكرنا معجزة الإسراء والمعراج، بالمسئولية الروحية والتاريخية التى يتصدر لها الأردن فى رعايته للمسجد الأقصى، والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس. ورغم الضغوطات والتحديات، فإن هذه الرعاية ستبقى تستمد قوتها من روح الإسراء، التى تمثل امتدادا لذلك الرباط المُقَدَّس بين بيت المقدس، والمصطفى وآلـ بيته وأتباعه أجمعين.
تؤكد حادثة الإسراء والمعراج، حاجة مجتمعاتنا البشرية إلى منظومة أخلاقية، تعالج تصدعات العدالة الاجتماعية، وتحرر إرادة المستضعفين، وترفض نزعات الكراهية والعنف، وتقينا ويلات الكوارث والحروب، وتدعم روح التضامن والتكافل بين بنى الانسان.
الأهرام
يستشعر المؤمن وهج الإشراق الروحى لمعجزة الإسراء والمعراج، باعتبارها آية ربانية كبرى، تُعبر عن عمق المحبة والحنان الإلهى لبنى الانسان. فهى ذكرى تُحيى القلوب، وتستنهض العقول، وتقرّب المسافة بين فيوضات الإشراق ومكتسبات التنوير.إنها حادثة تستحق الكثير من التأمل والتدبّر، لنستخلص منها المزيد من الحكم والمعارف، التى تعيننا على فهم أعمق للدين، يَرتقى بنا نحو السماء، لنعود أكثر قوة وثباتا، ونكمل مسيرة التنمية والبناء على الأرض.
لقد وصف الله تعالى رسوله الكريم فى آيات الإسراء والمعراج، بمقام العبودية بقوله: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِةِ» وهى إشارة بليغة إلى أن العبودية لله وحده، هى الصفة الأعمق للإنسان فى أرقى منازل القُرب والتكريم من الخالق، وهى تؤكد أهمية التواضع مهما ارتقت بنا الدرجات والمنازل، وتذكرنا بأعظم ما يجمعنا كبشر، وهذا يعنى أن جميع الهويات العرقية والثقافية والطائفية للناس، يجب أن تلتقى تحت مظلة العبودية للخالق عز وجل.
إن الشعور بسمو القيم الروحية الكامنة فى حادثة الإسراء والمعراج، يستنهض فى الناس الشعور بكرامة الانسان وعلو مكانته عند الله، ويؤكد حق كل فرد من البشر فى الحياة الكريمة، وفى حرية الايمان والاعتقاد، بعيدا عن ظلم الأغلبية واستكبارها، كما كان موقف المشركين من قريش تجاه الرسول وأصحابه الكرام.
إن وصفَ القرآن المسجدَ الأقصى بقوله تعالى: «..الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ..» أكسبَهُ ميزة عظيمة توسع دوائر البركة خارج نطاق المسجد والمدينة، لتفتَحها على جميع الاتجاهات ونحو مختلف الأمم والشعوب.
لقد ربطت معجزة الإسراء بين مدينتى مكة والقدس برباط روحى مقدس، فمن لطائف الحكمة الإلهية أن العروج إلى السماوات العلا لم يكن مباشرا من مكة، وإنما كان من خلال التوقف فى المسجد الأقصى ثم الصعود منه، وهذا يُنبهنا إلى وحدة الرسالات والنبوات الإلهية، وأن الارتقاء والعروج إلى السماء، يتجلى فى أعظم تمثلاته عندما يلتقى المصطفى بالأنبياء جميعا، وفى ذلك إشارة إلى ضرورة استجماع التجربة الروحية الشاملة للأنبياء والمرسلين، فى مواجهة التحديات والصعوبات التى تعترض طريق الإصلاح والتغيير.
يُشعرنا وصف المسجد (الأقصى) بهذا الوصف، بأن الصراط الروحى يبلغ أقصى مدى له على الأرض، عندما تلتقى مكة بالقدس، ثم، وفى موازاة ذلك، ينتقل بنا المعراج السماوى ليبلغ سدرة المنتهى، التى تعبر عن أقصى ما تبلغه الروح، فى سعيها أمام أنوار الحضرة الإلهية، فالغاية العظمى للمؤمن، هى السعى إلى بلوغ الأقصى من العبادة والمنتهى من الحقيقة.
إن الإيمان بمعجزة الإسراء والمعراج، هو اختبار للمؤمنين بحقيقة إيمانهم بالغيب، ومدى يقينهم بقدرة الخالق، فمعجزة الإسراء والمعراج هى امتداد للتصديق بمعجزة النبوة، ومن يُؤمن بنبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فلا شك عنده فى هذه المعجزة، كما قال أبو بكر الصديق عندما سئل عن تصديقه للإسراء:«نعم إنى لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ فى غُدُوِّه أو رَوْحِه». لعل الحكمة فى حدوث الإسراء فى «الليل»: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا, هى أن نستشعر بليل المحن والابتلاء الذى كان يواجهه النبى وآل بيته وأصحابه.فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لأذى كثير من المشركين فى عام الحزن، وماتت زوجته خديجة رضى الله عنها. ومات عمه أبو طالب فى العام نفسه، وآذاه أهل الطائف وأخرجوه من مدينتهم. فالإسراء جاء لينتقل به من ظلمة الحزن والظلم البشرى، إلى نور العرفان والمحبة الإلهية.
إن التأمل فى الحقائق الروحية وتلمّس معانى الرحابة الإلهية، يعطى الإنسان القوة على الصبر والصمود، واحتمال الهموم البشرية على الارض. فالإسراء كان تثبيتا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكريما له، وإظهارا لمنزلته صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء. لم يكن الإسراء معجزة حسيّة مادية فحسب، فالحق سبحان وتعالى أرادها معجزة روحية عابرة للزمان إلى يوم القيامة. لأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم باقية إلى آخر الزمان. وكما احتاجت رسالة الإسلام إلى (نَقْلَةٍ روحية) تعزز فى المؤمنين قوة اليقين، فإننا بحاجة إلى (نَقْلَةٍ كونية) عقلية تَنهض بمجتمعاتنا البشرية، وتؤكد عالمية الرسالة الخاتمة.
نحن أحوج ما نكون اليوم، إلى صياغة خطاب دينى جديد، يستوعب المسافــة بين النقـــلى والعقلى والروحى والأسطورى فى تراثنا الدينى، وهو مشروع يتطلب تطويرا فى دروب الاجتهاد، وفهما جديدا لـ الآيات الشرعية والكونية والروحية، وهو فهمٌ من شأنه أن يهب العالَم روحا جديدة فى وقت ازدحمت فيه التحديات وضعف فيه الإيمان بعجائب القدرة الإلهية.
يقول عبدالعزيز ساشادينا: عندما يندمج القانون والإيمان فى حياة الفرد، فإنهما يخلُقان لديه إحساسًا بالأمان والنزاهة يُعزز إحساسه بالمسئولية للسعى نحو تحقيق العدالة لذاتِها. وعندما ينتقلُ هذا الشعور بالأمان والنزاهة، لينعكِسَ على حياة المجتمعات بمختلف فئاتها، فإن ذلك يؤدى إلى تحقيق التناغُم الاجتماعي. فيُصبح السلامُ هنا الإيمان وقد انعكَسَ على الأفعال.
تذكرنا معجزة الإسراء والمعراج، بالمسئولية الروحية والتاريخية التى يتصدر لها الأردن فى رعايته للمسجد الأقصى، والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس. ورغم الضغوطات والتحديات، فإن هذه الرعاية ستبقى تستمد قوتها من روح الإسراء، التى تمثل امتدادا لذلك الرباط المُقَدَّس بين بيت المقدس، والمصطفى وآلـ بيته وأتباعه أجمعين.
تؤكد حادثة الإسراء والمعراج، حاجة مجتمعاتنا البشرية إلى منظومة أخلاقية، تعالج تصدعات العدالة الاجتماعية، وتحرر إرادة المستضعفين، وترفض نزعات الكراهية والعنف، وتقينا ويلات الكوارث والحروب، وتدعم روح التضامن والتكافل بين بنى الانسان.
الأهرام
يستشعر المؤمن وهج الإشراق الروحى لمعجزة الإسراء والمعراج، باعتبارها آية ربانية كبرى، تُعبر عن عمق المحبة والحنان الإلهى لبنى الانسان. فهى ذكرى تُحيى القلوب، وتستنهض العقول، وتقرّب المسافة بين فيوضات الإشراق ومكتسبات التنوير.إنها حادثة تستحق الكثير من التأمل والتدبّر، لنستخلص منها المزيد من الحكم والمعارف، التى تعيننا على فهم أعمق للدين، يَرتقى بنا نحو السماء، لنعود أكثر قوة وثباتا، ونكمل مسيرة التنمية والبناء على الأرض.
لقد وصف الله تعالى رسوله الكريم فى آيات الإسراء والمعراج، بمقام العبودية بقوله: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِةِ» وهى إشارة بليغة إلى أن العبودية لله وحده، هى الصفة الأعمق للإنسان فى أرقى منازل القُرب والتكريم من الخالق، وهى تؤكد أهمية التواضع مهما ارتقت بنا الدرجات والمنازل، وتذكرنا بأعظم ما يجمعنا كبشر، وهذا يعنى أن جميع الهويات العرقية والثقافية والطائفية للناس، يجب أن تلتقى تحت مظلة العبودية للخالق عز وجل.
إن الشعور بسمو القيم الروحية الكامنة فى حادثة الإسراء والمعراج، يستنهض فى الناس الشعور بكرامة الانسان وعلو مكانته عند الله، ويؤكد حق كل فرد من البشر فى الحياة الكريمة، وفى حرية الايمان والاعتقاد، بعيدا عن ظلم الأغلبية واستكبارها، كما كان موقف المشركين من قريش تجاه الرسول وأصحابه الكرام.
إن وصفَ القرآن المسجدَ الأقصى بقوله تعالى: «..الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ..» أكسبَهُ ميزة عظيمة توسع دوائر البركة خارج نطاق المسجد والمدينة، لتفتَحها على جميع الاتجاهات ونحو مختلف الأمم والشعوب.
لقد ربطت معجزة الإسراء بين مدينتى مكة والقدس برباط روحى مقدس، فمن لطائف الحكمة الإلهية أن العروج إلى السماوات العلا لم يكن مباشرا من مكة، وإنما كان من خلال التوقف فى المسجد الأقصى ثم الصعود منه، وهذا يُنبهنا إلى وحدة الرسالات والنبوات الإلهية، وأن الارتقاء والعروج إلى السماء، يتجلى فى أعظم تمثلاته عندما يلتقى المصطفى بالأنبياء جميعا، وفى ذلك إشارة إلى ضرورة استجماع التجربة الروحية الشاملة للأنبياء والمرسلين، فى مواجهة التحديات والصعوبات التى تعترض طريق الإصلاح والتغيير.
يُشعرنا وصف المسجد (الأقصى) بهذا الوصف، بأن الصراط الروحى يبلغ أقصى مدى له على الأرض، عندما تلتقى مكة بالقدس، ثم، وفى موازاة ذلك، ينتقل بنا المعراج السماوى ليبلغ سدرة المنتهى، التى تعبر عن أقصى ما تبلغه الروح، فى سعيها أمام أنوار الحضرة الإلهية، فالغاية العظمى للمؤمن، هى السعى إلى بلوغ الأقصى من العبادة والمنتهى من الحقيقة.
إن الإيمان بمعجزة الإسراء والمعراج، هو اختبار للمؤمنين بحقيقة إيمانهم بالغيب، ومدى يقينهم بقدرة الخالق، فمعجزة الإسراء والمعراج هى امتداد للتصديق بمعجزة النبوة، ومن يُؤمن بنبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فلا شك عنده فى هذه المعجزة، كما قال أبو بكر الصديق عندما سئل عن تصديقه للإسراء:«نعم إنى لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ فى غُدُوِّه أو رَوْحِه». لعل الحكمة فى حدوث الإسراء فى «الليل»: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا, هى أن نستشعر بليل المحن والابتلاء الذى كان يواجهه النبى وآل بيته وأصحابه.فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لأذى كثير من المشركين فى عام الحزن، وماتت زوجته خديجة رضى الله عنها. ومات عمه أبو طالب فى العام نفسه، وآذاه أهل الطائف وأخرجوه من مدينتهم. فالإسراء جاء لينتقل به من ظلمة الحزن والظلم البشرى، إلى نور العرفان والمحبة الإلهية.
إن التأمل فى الحقائق الروحية وتلمّس معانى الرحابة الإلهية، يعطى الإنسان القوة على الصبر والصمود، واحتمال الهموم البشرية على الارض. فالإسراء كان تثبيتا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكريما له، وإظهارا لمنزلته صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء. لم يكن الإسراء معجزة حسيّة مادية فحسب، فالحق سبحان وتعالى أرادها معجزة روحية عابرة للزمان إلى يوم القيامة. لأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم باقية إلى آخر الزمان. وكما احتاجت رسالة الإسلام إلى (نَقْلَةٍ روحية) تعزز فى المؤمنين قوة اليقين، فإننا بحاجة إلى (نَقْلَةٍ كونية) عقلية تَنهض بمجتمعاتنا البشرية، وتؤكد عالمية الرسالة الخاتمة.
نحن أحوج ما نكون اليوم، إلى صياغة خطاب دينى جديد، يستوعب المسافــة بين النقـــلى والعقلى والروحى والأسطورى فى تراثنا الدينى، وهو مشروع يتطلب تطويرا فى دروب الاجتهاد، وفهما جديدا لـ الآيات الشرعية والكونية والروحية، وهو فهمٌ من شأنه أن يهب العالَم روحا جديدة فى وقت ازدحمت فيه التحديات وضعف فيه الإيمان بعجائب القدرة الإلهية.
يقول عبدالعزيز ساشادينا: عندما يندمج القانون والإيمان فى حياة الفرد، فإنهما يخلُقان لديه إحساسًا بالأمان والنزاهة يُعزز إحساسه بالمسئولية للسعى نحو تحقيق العدالة لذاتِها. وعندما ينتقلُ هذا الشعور بالأمان والنزاهة، لينعكِسَ على حياة المجتمعات بمختلف فئاتها، فإن ذلك يؤدى إلى تحقيق التناغُم الاجتماعي. فيُصبح السلامُ هنا الإيمان وقد انعكَسَ على الأفعال.
تذكرنا معجزة الإسراء والمعراج، بالمسئولية الروحية والتاريخية التى يتصدر لها الأردن فى رعايته للمسجد الأقصى، والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس. ورغم الضغوطات والتحديات، فإن هذه الرعاية ستبقى تستمد قوتها من روح الإسراء، التى تمثل امتدادا لذلك الرباط المُقَدَّس بين بيت المقدس، والمصطفى وآلـ بيته وأتباعه أجمعين.
تؤكد حادثة الإسراء والمعراج، حاجة مجتمعاتنا البشرية إلى منظومة أخلاقية، تعالج تصدعات العدالة الاجتماعية، وتحرر إرادة المستضعفين، وترفض نزعات الكراهية والعنف، وتقينا ويلات الكوارث والحروب، وتدعم روح التضامن والتكافل بين بنى الانسان.
الأهرام
التعليقات