عبدالهادي راجي المجالي
أنا تخرجت من الجامعة الأردنية, وتعلمت فيها الحياة والحب والكرك، عرفتها هناك أكثر مما عرفت الكرك وأنا فيها.. من أطلق فكرة تأسيسها هو حابس المجالي, حين حول منحة عسكرية بريطانية من عسكرية إلى تعليمية.. ومن تحفظ على موقعها في البداية هو وصفي التل, لأن مكانها كان أهم مستنبت زراعي... والذين حموا أسوارها واحتفلوا بالبناء هم أهلنا (اللوزيين)...
لقد بنيت في منتصف أرضهم وبجانب منازلهم, لكن سياجها كان من أهداب عيونهم.. ويسجل لأحمد اللوزي رحمه الله, أنه من الناس الذين تفانوا كي ترتقي بمستواها.. بفكرها, بحضورها.. أما الذين حصنوا الجامعة الأردنية, بعد أن حاول البعض زجها في أتون التجاذبات.. وتحويلها لمرتع يحضر فيه كل من يتربص بالوطن بينما يغيب الوطن, هم الجيش ومؤسساتنا الأمنية.. ولن ولن أنسى يوما (أبو عبدالله اللوزي) الذي كان قائد الأمن فيها, وهذا الرجل لم يكن يقل أهمية عن الذين يعلمون الأدب والعلوم والطب.. أبو عبدالله أسس معاني الإستقامة في الجامعة, وقاتل كي تبقى ساحة محصنة للعلم.
دائما ما نتحدث عن الجامعة الأردنية, وننسى أنها من المؤسسات التي حاول البعض اختطافها..ولكنهم فشلوا, لسبب بسيط وهو أن إرادة الأردني في أن يعلم أولاده كانت أقوى في لحظة من هوى اليسار ومن هوى الأحزاب, ومن محاولات الإنقلاب على إرث الناس الذين لم يكن الأردن في أدمغتهم مجرد محاضرة في الفلسفة, أو نظرية استعلاء على المجتمعات.. أو صفحة في دفتر الحياة المدنية.. بل كان الأردن في نظرهم وبندقية ومنهجا ودرب حياة.
في الحديث عن الجامعة الأردنية, لم نقرأ يوما أن أراضي الجبيهة والجامعة كانت الأخصب وكانت مخازن الشعير واللوز والدراق في الدولة, لم نقرأ عن مجتمعات أهلنا (اللوزيين) الفلاحية, لم نقرأ أن مكان الجامعة كان يمثل لهم أرضا مقدسة لأنه كان من أهم بنوك البذور في الشرق الأوسط وأهم (المستنبتات)... نتحدث عن البناء دائما ونتحدث عن المحاضرات وبعض الاساتذة الذين جاءوا بمظهر برجوازي ثم عبروا, لكننا لم نقرأ كيف ضحى (اللوزي) بقطعة من قلبه.. وضحى بجزء من حياته في الفلاحة وعشق الأرض, كي يتعلم أولادنا الحرف.. لم نقرأ كيف اتحد فكر العسكري وفكر الفلاح معا في إنتاج هذا الصرح العظيم, لم نقرأ للأسف ما خارج الأسوار لكننا كثيرا ما تحدثنا عن تناقضات الأسوار.
ما زلت أتذكر المرحوم الشيخ مفلح (اللوزي) حين كان يمر من باب الجامعة, ويحملنا معه بسيارته, ما زلت أذكره حين يزور الرؤساء, بهيبته وطلته... ما زلت أذكر أحمد اللوزي ابن الدولة والرجل الذي صاغ خطابها في مرحلة مهمة وخطرة, كيف كان يأتي إلى كلياتها.. والجدران حتى الجدران تحترم هيبته, لو تركت الجامعة لبعض من جاءوا من بريطانيا مطلع السبعينيات, وظنوا أن من الممكن ممارسة الفوقية علينا.. بقليل وممارسة الوعي المعلب بكثير.. لما ظلت لوقتنا هذا, لكن أحمد اللوزي وفي العام (1972) حين اتخذ قرارا مؤلما وخطيرا يتضمن تحويل بعض الأراضي الزراعية التي كانت الأخصب في الأردن, إلى (إسكانات) للطلبة كان يدرك في قرارة نفسه, أن هذا الأمر سيقضي على مساحات زراعية, لكن في النهاية يبقى الحرف والقلم..وتعليم أولادنا في لحظة أفضل من رغيف الخبز, لأننا كنا في زمن أحوج ما نكون لهذا الأمر.
الجامعة الأردنية وثقت لبلاد الشام, وتاريخ الأردن... وثقت لكل شيء وأجرت ألف تجربة ونصف مليون بحث, لكنها للان لم تقدم توثيقا حقيقيا لدور (اللوزيين) في حماية هذا الصرح واستقبالهم لكل الطلبة الذين وفدوا من المحافظات ومن الخارج, وكيف فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم.. الجامعة الأردنية, لم توثق للان قصة نشأتها.. وقصة الجبيهة التي بنيت على سفحها.. لم توثق قصة المجتمع الزراعي الذي ضحى بالأرض لأجل هذا الصرح...
حين جاءت مارغريت ثاتشر للأردن عام (1984), لم تمر على مدرج كلية الاداب كي تستمع لمحاضرات الفلسفة, ولم تعبر من بوابة الكليات الإنسانية التي كان طلابها يتصارعون بين اليسار وبين اليسار.. بل ذهبت لبيت شعر نصبه الشيخ مفلح اللوزي أمام منزله وبالقرب من الجامعة, وفضلت أن يتم أهدائها (فرس مأصلة) بدلا من دكتوراة فخرية...
مشكلتنا ليست فيمن لا يجيدون قراءة التاريخ, مشكلتنا فيمن يختطفون التاريخ.. وسنبقى هكذا أهل التاريخ المختطف.
عبدالهادي راجي المجالي
أنا تخرجت من الجامعة الأردنية, وتعلمت فيها الحياة والحب والكرك، عرفتها هناك أكثر مما عرفت الكرك وأنا فيها.. من أطلق فكرة تأسيسها هو حابس المجالي, حين حول منحة عسكرية بريطانية من عسكرية إلى تعليمية.. ومن تحفظ على موقعها في البداية هو وصفي التل, لأن مكانها كان أهم مستنبت زراعي... والذين حموا أسوارها واحتفلوا بالبناء هم أهلنا (اللوزيين)...
لقد بنيت في منتصف أرضهم وبجانب منازلهم, لكن سياجها كان من أهداب عيونهم.. ويسجل لأحمد اللوزي رحمه الله, أنه من الناس الذين تفانوا كي ترتقي بمستواها.. بفكرها, بحضورها.. أما الذين حصنوا الجامعة الأردنية, بعد أن حاول البعض زجها في أتون التجاذبات.. وتحويلها لمرتع يحضر فيه كل من يتربص بالوطن بينما يغيب الوطن, هم الجيش ومؤسساتنا الأمنية.. ولن ولن أنسى يوما (أبو عبدالله اللوزي) الذي كان قائد الأمن فيها, وهذا الرجل لم يكن يقل أهمية عن الذين يعلمون الأدب والعلوم والطب.. أبو عبدالله أسس معاني الإستقامة في الجامعة, وقاتل كي تبقى ساحة محصنة للعلم.
دائما ما نتحدث عن الجامعة الأردنية, وننسى أنها من المؤسسات التي حاول البعض اختطافها..ولكنهم فشلوا, لسبب بسيط وهو أن إرادة الأردني في أن يعلم أولاده كانت أقوى في لحظة من هوى اليسار ومن هوى الأحزاب, ومن محاولات الإنقلاب على إرث الناس الذين لم يكن الأردن في أدمغتهم مجرد محاضرة في الفلسفة, أو نظرية استعلاء على المجتمعات.. أو صفحة في دفتر الحياة المدنية.. بل كان الأردن في نظرهم وبندقية ومنهجا ودرب حياة.
في الحديث عن الجامعة الأردنية, لم نقرأ يوما أن أراضي الجبيهة والجامعة كانت الأخصب وكانت مخازن الشعير واللوز والدراق في الدولة, لم نقرأ عن مجتمعات أهلنا (اللوزيين) الفلاحية, لم نقرأ أن مكان الجامعة كان يمثل لهم أرضا مقدسة لأنه كان من أهم بنوك البذور في الشرق الأوسط وأهم (المستنبتات)... نتحدث عن البناء دائما ونتحدث عن المحاضرات وبعض الاساتذة الذين جاءوا بمظهر برجوازي ثم عبروا, لكننا لم نقرأ كيف ضحى (اللوزي) بقطعة من قلبه.. وضحى بجزء من حياته في الفلاحة وعشق الأرض, كي يتعلم أولادنا الحرف.. لم نقرأ كيف اتحد فكر العسكري وفكر الفلاح معا في إنتاج هذا الصرح العظيم, لم نقرأ للأسف ما خارج الأسوار لكننا كثيرا ما تحدثنا عن تناقضات الأسوار.
ما زلت أتذكر المرحوم الشيخ مفلح (اللوزي) حين كان يمر من باب الجامعة, ويحملنا معه بسيارته, ما زلت أذكره حين يزور الرؤساء, بهيبته وطلته... ما زلت أذكر أحمد اللوزي ابن الدولة والرجل الذي صاغ خطابها في مرحلة مهمة وخطرة, كيف كان يأتي إلى كلياتها.. والجدران حتى الجدران تحترم هيبته, لو تركت الجامعة لبعض من جاءوا من بريطانيا مطلع السبعينيات, وظنوا أن من الممكن ممارسة الفوقية علينا.. بقليل وممارسة الوعي المعلب بكثير.. لما ظلت لوقتنا هذا, لكن أحمد اللوزي وفي العام (1972) حين اتخذ قرارا مؤلما وخطيرا يتضمن تحويل بعض الأراضي الزراعية التي كانت الأخصب في الأردن, إلى (إسكانات) للطلبة كان يدرك في قرارة نفسه, أن هذا الأمر سيقضي على مساحات زراعية, لكن في النهاية يبقى الحرف والقلم..وتعليم أولادنا في لحظة أفضل من رغيف الخبز, لأننا كنا في زمن أحوج ما نكون لهذا الأمر.
الجامعة الأردنية وثقت لبلاد الشام, وتاريخ الأردن... وثقت لكل شيء وأجرت ألف تجربة ونصف مليون بحث, لكنها للان لم تقدم توثيقا حقيقيا لدور (اللوزيين) في حماية هذا الصرح واستقبالهم لكل الطلبة الذين وفدوا من المحافظات ومن الخارج, وكيف فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم.. الجامعة الأردنية, لم توثق للان قصة نشأتها.. وقصة الجبيهة التي بنيت على سفحها.. لم توثق قصة المجتمع الزراعي الذي ضحى بالأرض لأجل هذا الصرح...
حين جاءت مارغريت ثاتشر للأردن عام (1984), لم تمر على مدرج كلية الاداب كي تستمع لمحاضرات الفلسفة, ولم تعبر من بوابة الكليات الإنسانية التي كان طلابها يتصارعون بين اليسار وبين اليسار.. بل ذهبت لبيت شعر نصبه الشيخ مفلح اللوزي أمام منزله وبالقرب من الجامعة, وفضلت أن يتم أهدائها (فرس مأصلة) بدلا من دكتوراة فخرية...
مشكلتنا ليست فيمن لا يجيدون قراءة التاريخ, مشكلتنا فيمن يختطفون التاريخ.. وسنبقى هكذا أهل التاريخ المختطف.
عبدالهادي راجي المجالي
أنا تخرجت من الجامعة الأردنية, وتعلمت فيها الحياة والحب والكرك، عرفتها هناك أكثر مما عرفت الكرك وأنا فيها.. من أطلق فكرة تأسيسها هو حابس المجالي, حين حول منحة عسكرية بريطانية من عسكرية إلى تعليمية.. ومن تحفظ على موقعها في البداية هو وصفي التل, لأن مكانها كان أهم مستنبت زراعي... والذين حموا أسوارها واحتفلوا بالبناء هم أهلنا (اللوزيين)...
لقد بنيت في منتصف أرضهم وبجانب منازلهم, لكن سياجها كان من أهداب عيونهم.. ويسجل لأحمد اللوزي رحمه الله, أنه من الناس الذين تفانوا كي ترتقي بمستواها.. بفكرها, بحضورها.. أما الذين حصنوا الجامعة الأردنية, بعد أن حاول البعض زجها في أتون التجاذبات.. وتحويلها لمرتع يحضر فيه كل من يتربص بالوطن بينما يغيب الوطن, هم الجيش ومؤسساتنا الأمنية.. ولن ولن أنسى يوما (أبو عبدالله اللوزي) الذي كان قائد الأمن فيها, وهذا الرجل لم يكن يقل أهمية عن الذين يعلمون الأدب والعلوم والطب.. أبو عبدالله أسس معاني الإستقامة في الجامعة, وقاتل كي تبقى ساحة محصنة للعلم.
دائما ما نتحدث عن الجامعة الأردنية, وننسى أنها من المؤسسات التي حاول البعض اختطافها..ولكنهم فشلوا, لسبب بسيط وهو أن إرادة الأردني في أن يعلم أولاده كانت أقوى في لحظة من هوى اليسار ومن هوى الأحزاب, ومن محاولات الإنقلاب على إرث الناس الذين لم يكن الأردن في أدمغتهم مجرد محاضرة في الفلسفة, أو نظرية استعلاء على المجتمعات.. أو صفحة في دفتر الحياة المدنية.. بل كان الأردن في نظرهم وبندقية ومنهجا ودرب حياة.
في الحديث عن الجامعة الأردنية, لم نقرأ يوما أن أراضي الجبيهة والجامعة كانت الأخصب وكانت مخازن الشعير واللوز والدراق في الدولة, لم نقرأ عن مجتمعات أهلنا (اللوزيين) الفلاحية, لم نقرأ أن مكان الجامعة كان يمثل لهم أرضا مقدسة لأنه كان من أهم بنوك البذور في الشرق الأوسط وأهم (المستنبتات)... نتحدث عن البناء دائما ونتحدث عن المحاضرات وبعض الاساتذة الذين جاءوا بمظهر برجوازي ثم عبروا, لكننا لم نقرأ كيف ضحى (اللوزي) بقطعة من قلبه.. وضحى بجزء من حياته في الفلاحة وعشق الأرض, كي يتعلم أولادنا الحرف.. لم نقرأ كيف اتحد فكر العسكري وفكر الفلاح معا في إنتاج هذا الصرح العظيم, لم نقرأ للأسف ما خارج الأسوار لكننا كثيرا ما تحدثنا عن تناقضات الأسوار.
ما زلت أتذكر المرحوم الشيخ مفلح (اللوزي) حين كان يمر من باب الجامعة, ويحملنا معه بسيارته, ما زلت أذكره حين يزور الرؤساء, بهيبته وطلته... ما زلت أذكر أحمد اللوزي ابن الدولة والرجل الذي صاغ خطابها في مرحلة مهمة وخطرة, كيف كان يأتي إلى كلياتها.. والجدران حتى الجدران تحترم هيبته, لو تركت الجامعة لبعض من جاءوا من بريطانيا مطلع السبعينيات, وظنوا أن من الممكن ممارسة الفوقية علينا.. بقليل وممارسة الوعي المعلب بكثير.. لما ظلت لوقتنا هذا, لكن أحمد اللوزي وفي العام (1972) حين اتخذ قرارا مؤلما وخطيرا يتضمن تحويل بعض الأراضي الزراعية التي كانت الأخصب في الأردن, إلى (إسكانات) للطلبة كان يدرك في قرارة نفسه, أن هذا الأمر سيقضي على مساحات زراعية, لكن في النهاية يبقى الحرف والقلم..وتعليم أولادنا في لحظة أفضل من رغيف الخبز, لأننا كنا في زمن أحوج ما نكون لهذا الأمر.
الجامعة الأردنية وثقت لبلاد الشام, وتاريخ الأردن... وثقت لكل شيء وأجرت ألف تجربة ونصف مليون بحث, لكنها للان لم تقدم توثيقا حقيقيا لدور (اللوزيين) في حماية هذا الصرح واستقبالهم لكل الطلبة الذين وفدوا من المحافظات ومن الخارج, وكيف فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم.. الجامعة الأردنية, لم توثق للان قصة نشأتها.. وقصة الجبيهة التي بنيت على سفحها.. لم توثق قصة المجتمع الزراعي الذي ضحى بالأرض لأجل هذا الصرح...
حين جاءت مارغريت ثاتشر للأردن عام (1984), لم تمر على مدرج كلية الاداب كي تستمع لمحاضرات الفلسفة, ولم تعبر من بوابة الكليات الإنسانية التي كان طلابها يتصارعون بين اليسار وبين اليسار.. بل ذهبت لبيت شعر نصبه الشيخ مفلح اللوزي أمام منزله وبالقرب من الجامعة, وفضلت أن يتم أهدائها (فرس مأصلة) بدلا من دكتوراة فخرية...
مشكلتنا ليست فيمن لا يجيدون قراءة التاريخ, مشكلتنا فيمن يختطفون التاريخ.. وسنبقى هكذا أهل التاريخ المختطف.
التعليقات