مكرم الطراونة
خلال السنوات الأخيرة، تأطرت التحالفات الدولية في جبهتين اثنتين؛ الأولى تشكلت من روسيا وإيران والصين، بينما الثانية تشكلت من الولايات المتحدة والغرب. التحالفان باتا يشكلان معسكرين يذكراننا بما كان عليه العالم إبّان الحرب الباردة، خصوصا أن الصورة باتت واضحة جدا اليوم، والجبهتان مرشحتان لاستقطاب دول أخرى تنضم إليهما.
التحالفان يحاولان تشكيل هيكلين سياسيين واقتصاديين بثقل استقطابي، فتحالف 'بركس' مثلا، والذي يبدو أنه ازداد قوة ومتانة على وقع الحرب الروسية الأوكرانية والانقلابات في أفريقيا، طرح رؤية اقتصادية حاول من خلالها 'استعراض' ثقله الكبير من خلال عضوية دول تشكل في مجموعها ناتجا إجماليا أعلى من الناتج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي، ما يشي بأنه تحالف ناضج ومتنوع، فيما بدت واشنطن كما لو أنها مضطرة إلى 'استعراض' مماثل، وأن تجترح دورا مشابها في قيادة التحالف الثاني، وهي تنظم إعلانا عن مشروع اقتصادي ضخم يربط الهند بأوروبا عبر ممر تجاري يعبر الشرق الأوسط.
قد لا يكون الأمر سيئا، في نهاية المطاف، حين نشهد نهوض القطبية الثنائية من جديد، خصوصا ونحن الذين شهدنا الكوارث السياسية والإنسانية والاقتصادية التي جرها على العالم النظام أحادي القطب، وانكفاء القوى جميعها إلى الداخل من غير أن تمتلك أي تأثير في أي من القضايا التي أرّقت العالم على مدار ثلاثة عقود.
اللاعبون الجدد، في واقع الأمر، هم من أفريقيا وشرق آسيا، وإن كانت القارة السمراء أقل تأثيرا جراء عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، إلا أن دولا مثل الهند واليابان ساهمتا في تغيير العديد من مفاهيم القوة الاقتصادية، التي لا بد من الوقوف عليها وتحليلها.
اليابان والهند اللتان انضمتا إلى الصين كقوة اقتصادية وسياسية ضخمة، هما بلدان لهما تأثيرهما على العالم اليوم ومستقبلا، ما يستدعي من العرب بشكل عام، والأردن على وجه الخصوص ضرورة إعادة التموضع مع دول شرق آسيا بصورة كبيرة، وفي وقت سريع، بهدف اللحاق بركب العالم الجديد ذي التوجهات الاقتصادية الخالصة، حيث أصبحنا اليوم أمام وضع مختلف لعالم المستقبل، ويغاير تماما مشهد الفوضى الدولية التي بدأت بحرب الخليج الثانية، وتصاعدت بفعل العولمة والثورات الشعبية العالمية التي كان للعرب نصيب منها، وصولا إلى حرب أوكرانيا وروسيا، والتي يبدو أنها تشكل مفترق طرق للسياسة العالمية، وشكل تحالفات المستقبل.
العرب، ومنذ منتصف القرن العشرين، ربطوا أنفسهم بالولايات المتحدة من جانب، وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) من جانب آخر، فيما كان المارد الصيني يسير بوتيرة متصاعدة، وبهدوء، ولم يدرك أحد أهمية التعاطي معه، وتحليل ماهيته المستقبلية.
ليست الصين أو الهند والبرازيل ونيجيريا كمستودعات بشرية ضخمة، فقط، هي الدول التي تبشّر بمستقبل اقتصادي طموح، وإنما أيضا بلدان صغيرة المساحة وقليلة السكان، فدولة صغيرة مثل رواندا، وبعد أقل من ثلاثة عقود على مذابحها الشهيرة، تنفض أعباء الماضي عن كاهلها، وتقود ثورة تنموية كبيرة تضعها في مصاف الدول الناهضة، خصوصا بإدخالها الصناعات الثقيلة في نظامها الاقتصادي الوليد.
عالم اليوم سريع التغير، ويبدو أن التحالفات الجديدة لن تنتظر أحدا، فهي تحالفات تفرضها الحاجات الداخلية لتلك البلدان، وليست النظرات الكولونيالية التوسعية.
كل هذا يستدعي فهما عربيا وأردنيا مختلفا، ففي حال رغب العرب الاستفادة والتعلم من أخطاء الماضي، وتحقيق نتائج اقتصادية كبيرة، لا تقل أهمية عن المكاسب السياسية والأمنية، عليهم التفكير جيدا بالتحالف الذي ينضمون إليه.
البناءات العالمية الجيدة ستنمو إلى أن تصبح تكتلات ضاربة، وهي ما سيمنح العالم وجها جديدا في المستقبل.
ومع شديد الأسف، فإنه، ومع ضخامة التغيرات التي ستحصل، إلا أن أنواعا من العلاقات الدولية سوف تبقى محافظة على أشكالها القديمة، وهي الدول التي لن تحسن حسم خياراتها، فلا تجد موطئ قدم لها في تلك التحالفات، إذ عليها من جديد أن تزاول 'مهنة' التبعية القديمة الجديدة.
دعونا نحسبها بطريقة صحيحة، ونقرر أن لنا مكانا لائقا في المستقبل.
مكرم الطراونة
خلال السنوات الأخيرة، تأطرت التحالفات الدولية في جبهتين اثنتين؛ الأولى تشكلت من روسيا وإيران والصين، بينما الثانية تشكلت من الولايات المتحدة والغرب. التحالفان باتا يشكلان معسكرين يذكراننا بما كان عليه العالم إبّان الحرب الباردة، خصوصا أن الصورة باتت واضحة جدا اليوم، والجبهتان مرشحتان لاستقطاب دول أخرى تنضم إليهما.
التحالفان يحاولان تشكيل هيكلين سياسيين واقتصاديين بثقل استقطابي، فتحالف 'بركس' مثلا، والذي يبدو أنه ازداد قوة ومتانة على وقع الحرب الروسية الأوكرانية والانقلابات في أفريقيا، طرح رؤية اقتصادية حاول من خلالها 'استعراض' ثقله الكبير من خلال عضوية دول تشكل في مجموعها ناتجا إجماليا أعلى من الناتج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي، ما يشي بأنه تحالف ناضج ومتنوع، فيما بدت واشنطن كما لو أنها مضطرة إلى 'استعراض' مماثل، وأن تجترح دورا مشابها في قيادة التحالف الثاني، وهي تنظم إعلانا عن مشروع اقتصادي ضخم يربط الهند بأوروبا عبر ممر تجاري يعبر الشرق الأوسط.
قد لا يكون الأمر سيئا، في نهاية المطاف، حين نشهد نهوض القطبية الثنائية من جديد، خصوصا ونحن الذين شهدنا الكوارث السياسية والإنسانية والاقتصادية التي جرها على العالم النظام أحادي القطب، وانكفاء القوى جميعها إلى الداخل من غير أن تمتلك أي تأثير في أي من القضايا التي أرّقت العالم على مدار ثلاثة عقود.
اللاعبون الجدد، في واقع الأمر، هم من أفريقيا وشرق آسيا، وإن كانت القارة السمراء أقل تأثيرا جراء عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، إلا أن دولا مثل الهند واليابان ساهمتا في تغيير العديد من مفاهيم القوة الاقتصادية، التي لا بد من الوقوف عليها وتحليلها.
اليابان والهند اللتان انضمتا إلى الصين كقوة اقتصادية وسياسية ضخمة، هما بلدان لهما تأثيرهما على العالم اليوم ومستقبلا، ما يستدعي من العرب بشكل عام، والأردن على وجه الخصوص ضرورة إعادة التموضع مع دول شرق آسيا بصورة كبيرة، وفي وقت سريع، بهدف اللحاق بركب العالم الجديد ذي التوجهات الاقتصادية الخالصة، حيث أصبحنا اليوم أمام وضع مختلف لعالم المستقبل، ويغاير تماما مشهد الفوضى الدولية التي بدأت بحرب الخليج الثانية، وتصاعدت بفعل العولمة والثورات الشعبية العالمية التي كان للعرب نصيب منها، وصولا إلى حرب أوكرانيا وروسيا، والتي يبدو أنها تشكل مفترق طرق للسياسة العالمية، وشكل تحالفات المستقبل.
العرب، ومنذ منتصف القرن العشرين، ربطوا أنفسهم بالولايات المتحدة من جانب، وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) من جانب آخر، فيما كان المارد الصيني يسير بوتيرة متصاعدة، وبهدوء، ولم يدرك أحد أهمية التعاطي معه، وتحليل ماهيته المستقبلية.
ليست الصين أو الهند والبرازيل ونيجيريا كمستودعات بشرية ضخمة، فقط، هي الدول التي تبشّر بمستقبل اقتصادي طموح، وإنما أيضا بلدان صغيرة المساحة وقليلة السكان، فدولة صغيرة مثل رواندا، وبعد أقل من ثلاثة عقود على مذابحها الشهيرة، تنفض أعباء الماضي عن كاهلها، وتقود ثورة تنموية كبيرة تضعها في مصاف الدول الناهضة، خصوصا بإدخالها الصناعات الثقيلة في نظامها الاقتصادي الوليد.
عالم اليوم سريع التغير، ويبدو أن التحالفات الجديدة لن تنتظر أحدا، فهي تحالفات تفرضها الحاجات الداخلية لتلك البلدان، وليست النظرات الكولونيالية التوسعية.
كل هذا يستدعي فهما عربيا وأردنيا مختلفا، ففي حال رغب العرب الاستفادة والتعلم من أخطاء الماضي، وتحقيق نتائج اقتصادية كبيرة، لا تقل أهمية عن المكاسب السياسية والأمنية، عليهم التفكير جيدا بالتحالف الذي ينضمون إليه.
البناءات العالمية الجيدة ستنمو إلى أن تصبح تكتلات ضاربة، وهي ما سيمنح العالم وجها جديدا في المستقبل.
ومع شديد الأسف، فإنه، ومع ضخامة التغيرات التي ستحصل، إلا أن أنواعا من العلاقات الدولية سوف تبقى محافظة على أشكالها القديمة، وهي الدول التي لن تحسن حسم خياراتها، فلا تجد موطئ قدم لها في تلك التحالفات، إذ عليها من جديد أن تزاول 'مهنة' التبعية القديمة الجديدة.
دعونا نحسبها بطريقة صحيحة، ونقرر أن لنا مكانا لائقا في المستقبل.
مكرم الطراونة
خلال السنوات الأخيرة، تأطرت التحالفات الدولية في جبهتين اثنتين؛ الأولى تشكلت من روسيا وإيران والصين، بينما الثانية تشكلت من الولايات المتحدة والغرب. التحالفان باتا يشكلان معسكرين يذكراننا بما كان عليه العالم إبّان الحرب الباردة، خصوصا أن الصورة باتت واضحة جدا اليوم، والجبهتان مرشحتان لاستقطاب دول أخرى تنضم إليهما.
التحالفان يحاولان تشكيل هيكلين سياسيين واقتصاديين بثقل استقطابي، فتحالف 'بركس' مثلا، والذي يبدو أنه ازداد قوة ومتانة على وقع الحرب الروسية الأوكرانية والانقلابات في أفريقيا، طرح رؤية اقتصادية حاول من خلالها 'استعراض' ثقله الكبير من خلال عضوية دول تشكل في مجموعها ناتجا إجماليا أعلى من الناتج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي، ما يشي بأنه تحالف ناضج ومتنوع، فيما بدت واشنطن كما لو أنها مضطرة إلى 'استعراض' مماثل، وأن تجترح دورا مشابها في قيادة التحالف الثاني، وهي تنظم إعلانا عن مشروع اقتصادي ضخم يربط الهند بأوروبا عبر ممر تجاري يعبر الشرق الأوسط.
قد لا يكون الأمر سيئا، في نهاية المطاف، حين نشهد نهوض القطبية الثنائية من جديد، خصوصا ونحن الذين شهدنا الكوارث السياسية والإنسانية والاقتصادية التي جرها على العالم النظام أحادي القطب، وانكفاء القوى جميعها إلى الداخل من غير أن تمتلك أي تأثير في أي من القضايا التي أرّقت العالم على مدار ثلاثة عقود.
اللاعبون الجدد، في واقع الأمر، هم من أفريقيا وشرق آسيا، وإن كانت القارة السمراء أقل تأثيرا جراء عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، إلا أن دولا مثل الهند واليابان ساهمتا في تغيير العديد من مفاهيم القوة الاقتصادية، التي لا بد من الوقوف عليها وتحليلها.
اليابان والهند اللتان انضمتا إلى الصين كقوة اقتصادية وسياسية ضخمة، هما بلدان لهما تأثيرهما على العالم اليوم ومستقبلا، ما يستدعي من العرب بشكل عام، والأردن على وجه الخصوص ضرورة إعادة التموضع مع دول شرق آسيا بصورة كبيرة، وفي وقت سريع، بهدف اللحاق بركب العالم الجديد ذي التوجهات الاقتصادية الخالصة، حيث أصبحنا اليوم أمام وضع مختلف لعالم المستقبل، ويغاير تماما مشهد الفوضى الدولية التي بدأت بحرب الخليج الثانية، وتصاعدت بفعل العولمة والثورات الشعبية العالمية التي كان للعرب نصيب منها، وصولا إلى حرب أوكرانيا وروسيا، والتي يبدو أنها تشكل مفترق طرق للسياسة العالمية، وشكل تحالفات المستقبل.
العرب، ومنذ منتصف القرن العشرين، ربطوا أنفسهم بالولايات المتحدة من جانب، وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) من جانب آخر، فيما كان المارد الصيني يسير بوتيرة متصاعدة، وبهدوء، ولم يدرك أحد أهمية التعاطي معه، وتحليل ماهيته المستقبلية.
ليست الصين أو الهند والبرازيل ونيجيريا كمستودعات بشرية ضخمة، فقط، هي الدول التي تبشّر بمستقبل اقتصادي طموح، وإنما أيضا بلدان صغيرة المساحة وقليلة السكان، فدولة صغيرة مثل رواندا، وبعد أقل من ثلاثة عقود على مذابحها الشهيرة، تنفض أعباء الماضي عن كاهلها، وتقود ثورة تنموية كبيرة تضعها في مصاف الدول الناهضة، خصوصا بإدخالها الصناعات الثقيلة في نظامها الاقتصادي الوليد.
عالم اليوم سريع التغير، ويبدو أن التحالفات الجديدة لن تنتظر أحدا، فهي تحالفات تفرضها الحاجات الداخلية لتلك البلدان، وليست النظرات الكولونيالية التوسعية.
كل هذا يستدعي فهما عربيا وأردنيا مختلفا، ففي حال رغب العرب الاستفادة والتعلم من أخطاء الماضي، وتحقيق نتائج اقتصادية كبيرة، لا تقل أهمية عن المكاسب السياسية والأمنية، عليهم التفكير جيدا بالتحالف الذي ينضمون إليه.
البناءات العالمية الجيدة ستنمو إلى أن تصبح تكتلات ضاربة، وهي ما سيمنح العالم وجها جديدا في المستقبل.
ومع شديد الأسف، فإنه، ومع ضخامة التغيرات التي ستحصل، إلا أن أنواعا من العلاقات الدولية سوف تبقى محافظة على أشكالها القديمة، وهي الدول التي لن تحسن حسم خياراتها، فلا تجد موطئ قدم لها في تلك التحالفات، إذ عليها من جديد أن تزاول 'مهنة' التبعية القديمة الجديدة.
دعونا نحسبها بطريقة صحيحة، ونقرر أن لنا مكانا لائقا في المستقبل.
التعليقات