بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ السياسات العامة المشارك
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
صدرت أخيراً دراسة علمية متخصِّصة عن دور المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة في تحقيق الأهداف التنموية للدول بشكل عام، والاستثمار في رأس المال البشري بشكل خاص، واستخدمت الدراسة معايير كمية لتطبيق وفحص فرضياتها على 1600 منطقة تنموية في الصين. وقد تلخَّصت نتائج الدراسة التي نُشِرَت كبحث علمي مُحَكَّم في مجلة الاقتصاد الأمريكية (American Economic Journal) في مجلَّد السياسات الاقتصادية، في أنَّ للمناطق الاقتصادية الخاصة أهمية معنوية كبيرة في تحقيق الأهداف التنموية للدول. حيث تناولت الدراسة، التي جاءت في نحو عشرين صفحة وبأسلوب علمي كمّي تحليلي موضوعي، مسيرةَ المناطق الاقتصادية الخاصة وأهميتها على مستوى العالم، موضِّحةً أنَّ أولى المناطق الاقتصادية الخاصة وفق مفهومها التنموي الحديث بدأت في جمهورية أيرلندا، عام 1959، وهي الدولة التي تحوَّلت من دولة طاردة ومُصدِّرة للعقول إلى دول أوروبا، إلى دولة مُكتسِبة ومستعيدة لعقول أبنائها وخبراتهم، بل ومستورِدة للعقول ومُوطِّنة لها. وقد أشارت الدراسة إلى أنَّ في العالم اليوم ما يقرب من 6000 آلاف منطقة اقتصادية خاصة، يقع أكثر من ربعها في الصين. يُذكَر أنَّ التقارير العالمية تشير إلى أنَّ المناطق الاقتصادية التنموية الخاصة ارتفع عددها حول العالم من نحو 29 منطقة في منتصف عقد السبعينيات من القرن المنصرم إلى نحو 5400 منطقة بحلول عام 2018، وأنَّ هناك 500 منطقة اقتصادية خاصة بدأت بالظهور بعد ذلك التاريخ. كما تشير الدراسات إلى أنَّ ما يقرب من 68 مليون وظيفة مباشرة تولَّدت في المناطق التنموية حتى عام 2007، ليرتفع الرقم حديثاً إلى أضعاف ذلك. وقد أشار أحد التقارير إلى أنَّ أربع مناطق اقتصادية خاصة مشتركة بين الصين وباكستان ولَّدت نحو نصف مليون وظيفة مباشرة، وما يزيد على مليون وظيفة غير مباشرة. من جهة أخرى أوضحت الدراسة العلمية، المشار إليها سابقاً، أنَّ نحو ثلث الاستثمارات الخارجية المباشرة الواردة إلى الصين خلال الفترة من 1980 إلى 2009 توجَّهت إلى المناطق الاقتصادية الخاصة. كما أشارت ذات الدراسة العلمية إلى أنَّ النتائج العملية والتطبيقية أثبتت بدرجة عالية أنَّ المناطق التنموية قد أسهمت بشكل معنوي في توجيه الطلبة نحو التخصُّصات العلمية المطلوبة لسوق العمل، وأنَّ المناطق الخاصة المعنية بالاستثمار في المجالات التقنية والتكنولوجية أسهمت في توجيه أبناء سكان المناطق من حولها إلى التوجُّه نحو تعلُّم التقنيات والتكنولوجيا، وكل ما يرتبط بهما من علوم، بل وأسهمت في التقليل من نسبة التسرُّب من المدارس أيضاً، ما يعني أنَّ المناطق الاقتصادية الخاصة، أو التنموية الخاصة، كان لها أثرٌ محوريٌّ ومعنويٌّ في تنمية رأس المال البشري في تلك المناطق وفي الاستثمار فيه. المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة حول العالم تعدُّ قصص نجاح إن تمَّ التخطيط لها بشكل سليم، وتنفيذها بالشكل المطلوب، وتوجيه الاستثمارات إليها بشكل مستهدف، وحسن إداراتها والترويج لها بشكل حكيم وحصيف. التجارب العالمية تشير إلى أنَّ لكل منطقة اقتصادية خاصة أهدافها التنموية التي تُنشَأ من أجلها، فهي يجب أن تختص ببعد تنموي يتناسب والمناطق التي تخدمها، كأن تكون هناك منطقة اقتصادية، أي تنموية، خاصة بالصناعات التكنولوجية، أو بالصناعات الدوائية، أو بالخدمات اللوجستية، أو متخصِّصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو غير ذلك. والفيصل هنا هو طبيعة ما يتوافر في المناطق التي تُقام فيها من موراد بشرية ومادية، ونوعية الأهداف الوطنية التي تُقام من أجلها تلك المناطق، هل هي أهداف متعلقة باستغلال موارد طبيعية متوافرة، أم هي لغايات توظيف أكبر قدر ممكن من الطاقات الشابة المتاحة، أم هي لغايات تنموية زراعية، أم هي لاستغلال موقع جغرافي لوجستي مُحدَّد. وعلى أساس ذلك كله تُصاغ الحوافز التي تُمنَح للمستثمرين في تلك المناطق، بحيث تُعطى الحوافز لكلِّ من يعمل على تحقيق الأهداف التنموية المنشودة، ويرتبط حجم الحوافز بحجم تحقيق تلك الأهداف، فإن كان الهدف استغلال موارد طبيعية متاحة، وتحويلها إلى صناعات تحويلية أو تعدينية، فستُمنَح الحوافز للمستثمرين في تلك المجالات ووفقاً لحجم الاستثمار المُقام، وإن كان الهدف توظيف الكفاءات وتخفيف البطالة، وزيادة مساهمة المرأة، فإن الحوافز تُمنَح بالقدر والنسبة التي يُسْهِم بها ذلك الاستثمار في تحقيق نسب التوظيف ومدى المساهمة المطلوبة. والمحصِّلة، أنَّ المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة مفهوم عالمي حقَّق النجاح الكبير في الدول التي استطاعت تحديد أهدافه وإدارته واستغلاله، والترويج له بحصافة ورُشد وحكمة، وهو نموذج بات العديد من دول العالم ينتهجه ويعمل عليه. وفي المنطقة العربية هناك العديد من المناطق الاقتصادية الخاصة، تنموية أو حرة، نجحت وأثبتت نجاعتها في تحقيق الأهداف، ولعلَّ منطقة جبل علي في دبي كانت بداية لأحد أكبر النجاحات التنموية العربية اليوم، وهناك عدد كبير من تلك المناطق المتخصِّصة والتنموية اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة، منها ما تخصَّصت في الإعلام، وفي الصحة، وفي التقنيات، والتصميم والإبداع. كما أنَّ المملكة العربية السعودية أعلنت أخيراً عن أربع مناطق تنموية خاصة في الرياض وجيزان وجدة وغيرها، ناهيك عن منطقة «نيوم» التي تعدُّ أكبر مشروع لمنطقة اقتصادية خاصة في المنطقة، بل وقد يكون على المستوى العالمي. المناطق التنموية رافعة للنمو وتحقيق التنمية الوطنية، شريطة أن تتناسب الاستثمارات فيها والميزة التنافسية للمناطق التي تُقام بها، وأن تُقدَّم حوافز سخيَّة ونوعيَّة لكلِّ من يستثمر في المجالات التي تتناسب وتلك الميزة التنافسية، دون غيره، وأن تُحدَّد أهداف الحوافز فيها ضمن الأولويات الوطنية لكلِّ منطقة، وأن تُدار ويُروَّج لها بحصافة ورُشد. هناك تجارب عالمية ناجحة في مجال المناطق الاقتصادية الخاصة يمكن لأيِّ دولة أن تتعلَّم منها وأن تضيف إليها خصوصيتها التنموية.
khwazani@gmail.com
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ السياسات العامة المشارك
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
صدرت أخيراً دراسة علمية متخصِّصة عن دور المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة في تحقيق الأهداف التنموية للدول بشكل عام، والاستثمار في رأس المال البشري بشكل خاص، واستخدمت الدراسة معايير كمية لتطبيق وفحص فرضياتها على 1600 منطقة تنموية في الصين. وقد تلخَّصت نتائج الدراسة التي نُشِرَت كبحث علمي مُحَكَّم في مجلة الاقتصاد الأمريكية (American Economic Journal) في مجلَّد السياسات الاقتصادية، في أنَّ للمناطق الاقتصادية الخاصة أهمية معنوية كبيرة في تحقيق الأهداف التنموية للدول. حيث تناولت الدراسة، التي جاءت في نحو عشرين صفحة وبأسلوب علمي كمّي تحليلي موضوعي، مسيرةَ المناطق الاقتصادية الخاصة وأهميتها على مستوى العالم، موضِّحةً أنَّ أولى المناطق الاقتصادية الخاصة وفق مفهومها التنموي الحديث بدأت في جمهورية أيرلندا، عام 1959، وهي الدولة التي تحوَّلت من دولة طاردة ومُصدِّرة للعقول إلى دول أوروبا، إلى دولة مُكتسِبة ومستعيدة لعقول أبنائها وخبراتهم، بل ومستورِدة للعقول ومُوطِّنة لها. وقد أشارت الدراسة إلى أنَّ في العالم اليوم ما يقرب من 6000 آلاف منطقة اقتصادية خاصة، يقع أكثر من ربعها في الصين. يُذكَر أنَّ التقارير العالمية تشير إلى أنَّ المناطق الاقتصادية التنموية الخاصة ارتفع عددها حول العالم من نحو 29 منطقة في منتصف عقد السبعينيات من القرن المنصرم إلى نحو 5400 منطقة بحلول عام 2018، وأنَّ هناك 500 منطقة اقتصادية خاصة بدأت بالظهور بعد ذلك التاريخ. كما تشير الدراسات إلى أنَّ ما يقرب من 68 مليون وظيفة مباشرة تولَّدت في المناطق التنموية حتى عام 2007، ليرتفع الرقم حديثاً إلى أضعاف ذلك. وقد أشار أحد التقارير إلى أنَّ أربع مناطق اقتصادية خاصة مشتركة بين الصين وباكستان ولَّدت نحو نصف مليون وظيفة مباشرة، وما يزيد على مليون وظيفة غير مباشرة. من جهة أخرى أوضحت الدراسة العلمية، المشار إليها سابقاً، أنَّ نحو ثلث الاستثمارات الخارجية المباشرة الواردة إلى الصين خلال الفترة من 1980 إلى 2009 توجَّهت إلى المناطق الاقتصادية الخاصة. كما أشارت ذات الدراسة العلمية إلى أنَّ النتائج العملية والتطبيقية أثبتت بدرجة عالية أنَّ المناطق التنموية قد أسهمت بشكل معنوي في توجيه الطلبة نحو التخصُّصات العلمية المطلوبة لسوق العمل، وأنَّ المناطق الخاصة المعنية بالاستثمار في المجالات التقنية والتكنولوجية أسهمت في توجيه أبناء سكان المناطق من حولها إلى التوجُّه نحو تعلُّم التقنيات والتكنولوجيا، وكل ما يرتبط بهما من علوم، بل وأسهمت في التقليل من نسبة التسرُّب من المدارس أيضاً، ما يعني أنَّ المناطق الاقتصادية الخاصة، أو التنموية الخاصة، كان لها أثرٌ محوريٌّ ومعنويٌّ في تنمية رأس المال البشري في تلك المناطق وفي الاستثمار فيه. المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة حول العالم تعدُّ قصص نجاح إن تمَّ التخطيط لها بشكل سليم، وتنفيذها بالشكل المطلوب، وتوجيه الاستثمارات إليها بشكل مستهدف، وحسن إداراتها والترويج لها بشكل حكيم وحصيف. التجارب العالمية تشير إلى أنَّ لكل منطقة اقتصادية خاصة أهدافها التنموية التي تُنشَأ من أجلها، فهي يجب أن تختص ببعد تنموي يتناسب والمناطق التي تخدمها، كأن تكون هناك منطقة اقتصادية، أي تنموية، خاصة بالصناعات التكنولوجية، أو بالصناعات الدوائية، أو بالخدمات اللوجستية، أو متخصِّصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو غير ذلك. والفيصل هنا هو طبيعة ما يتوافر في المناطق التي تُقام فيها من موراد بشرية ومادية، ونوعية الأهداف الوطنية التي تُقام من أجلها تلك المناطق، هل هي أهداف متعلقة باستغلال موارد طبيعية متوافرة، أم هي لغايات توظيف أكبر قدر ممكن من الطاقات الشابة المتاحة، أم هي لغايات تنموية زراعية، أم هي لاستغلال موقع جغرافي لوجستي مُحدَّد. وعلى أساس ذلك كله تُصاغ الحوافز التي تُمنَح للمستثمرين في تلك المناطق، بحيث تُعطى الحوافز لكلِّ من يعمل على تحقيق الأهداف التنموية المنشودة، ويرتبط حجم الحوافز بحجم تحقيق تلك الأهداف، فإن كان الهدف استغلال موارد طبيعية متاحة، وتحويلها إلى صناعات تحويلية أو تعدينية، فستُمنَح الحوافز للمستثمرين في تلك المجالات ووفقاً لحجم الاستثمار المُقام، وإن كان الهدف توظيف الكفاءات وتخفيف البطالة، وزيادة مساهمة المرأة، فإن الحوافز تُمنَح بالقدر والنسبة التي يُسْهِم بها ذلك الاستثمار في تحقيق نسب التوظيف ومدى المساهمة المطلوبة. والمحصِّلة، أنَّ المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة مفهوم عالمي حقَّق النجاح الكبير في الدول التي استطاعت تحديد أهدافه وإدارته واستغلاله، والترويج له بحصافة ورُشد وحكمة، وهو نموذج بات العديد من دول العالم ينتهجه ويعمل عليه. وفي المنطقة العربية هناك العديد من المناطق الاقتصادية الخاصة، تنموية أو حرة، نجحت وأثبتت نجاعتها في تحقيق الأهداف، ولعلَّ منطقة جبل علي في دبي كانت بداية لأحد أكبر النجاحات التنموية العربية اليوم، وهناك عدد كبير من تلك المناطق المتخصِّصة والتنموية اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة، منها ما تخصَّصت في الإعلام، وفي الصحة، وفي التقنيات، والتصميم والإبداع. كما أنَّ المملكة العربية السعودية أعلنت أخيراً عن أربع مناطق تنموية خاصة في الرياض وجيزان وجدة وغيرها، ناهيك عن منطقة «نيوم» التي تعدُّ أكبر مشروع لمنطقة اقتصادية خاصة في المنطقة، بل وقد يكون على المستوى العالمي. المناطق التنموية رافعة للنمو وتحقيق التنمية الوطنية، شريطة أن تتناسب الاستثمارات فيها والميزة التنافسية للمناطق التي تُقام بها، وأن تُقدَّم حوافز سخيَّة ونوعيَّة لكلِّ من يستثمر في المجالات التي تتناسب وتلك الميزة التنافسية، دون غيره، وأن تُحدَّد أهداف الحوافز فيها ضمن الأولويات الوطنية لكلِّ منطقة، وأن تُدار ويُروَّج لها بحصافة ورُشد. هناك تجارب عالمية ناجحة في مجال المناطق الاقتصادية الخاصة يمكن لأيِّ دولة أن تتعلَّم منها وأن تضيف إليها خصوصيتها التنموية.
khwazani@gmail.com
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ السياسات العامة المشارك
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
صدرت أخيراً دراسة علمية متخصِّصة عن دور المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة في تحقيق الأهداف التنموية للدول بشكل عام، والاستثمار في رأس المال البشري بشكل خاص، واستخدمت الدراسة معايير كمية لتطبيق وفحص فرضياتها على 1600 منطقة تنموية في الصين. وقد تلخَّصت نتائج الدراسة التي نُشِرَت كبحث علمي مُحَكَّم في مجلة الاقتصاد الأمريكية (American Economic Journal) في مجلَّد السياسات الاقتصادية، في أنَّ للمناطق الاقتصادية الخاصة أهمية معنوية كبيرة في تحقيق الأهداف التنموية للدول. حيث تناولت الدراسة، التي جاءت في نحو عشرين صفحة وبأسلوب علمي كمّي تحليلي موضوعي، مسيرةَ المناطق الاقتصادية الخاصة وأهميتها على مستوى العالم، موضِّحةً أنَّ أولى المناطق الاقتصادية الخاصة وفق مفهومها التنموي الحديث بدأت في جمهورية أيرلندا، عام 1959، وهي الدولة التي تحوَّلت من دولة طاردة ومُصدِّرة للعقول إلى دول أوروبا، إلى دولة مُكتسِبة ومستعيدة لعقول أبنائها وخبراتهم، بل ومستورِدة للعقول ومُوطِّنة لها. وقد أشارت الدراسة إلى أنَّ في العالم اليوم ما يقرب من 6000 آلاف منطقة اقتصادية خاصة، يقع أكثر من ربعها في الصين. يُذكَر أنَّ التقارير العالمية تشير إلى أنَّ المناطق الاقتصادية التنموية الخاصة ارتفع عددها حول العالم من نحو 29 منطقة في منتصف عقد السبعينيات من القرن المنصرم إلى نحو 5400 منطقة بحلول عام 2018، وأنَّ هناك 500 منطقة اقتصادية خاصة بدأت بالظهور بعد ذلك التاريخ. كما تشير الدراسات إلى أنَّ ما يقرب من 68 مليون وظيفة مباشرة تولَّدت في المناطق التنموية حتى عام 2007، ليرتفع الرقم حديثاً إلى أضعاف ذلك. وقد أشار أحد التقارير إلى أنَّ أربع مناطق اقتصادية خاصة مشتركة بين الصين وباكستان ولَّدت نحو نصف مليون وظيفة مباشرة، وما يزيد على مليون وظيفة غير مباشرة. من جهة أخرى أوضحت الدراسة العلمية، المشار إليها سابقاً، أنَّ نحو ثلث الاستثمارات الخارجية المباشرة الواردة إلى الصين خلال الفترة من 1980 إلى 2009 توجَّهت إلى المناطق الاقتصادية الخاصة. كما أشارت ذات الدراسة العلمية إلى أنَّ النتائج العملية والتطبيقية أثبتت بدرجة عالية أنَّ المناطق التنموية قد أسهمت بشكل معنوي في توجيه الطلبة نحو التخصُّصات العلمية المطلوبة لسوق العمل، وأنَّ المناطق الخاصة المعنية بالاستثمار في المجالات التقنية والتكنولوجية أسهمت في توجيه أبناء سكان المناطق من حولها إلى التوجُّه نحو تعلُّم التقنيات والتكنولوجيا، وكل ما يرتبط بهما من علوم، بل وأسهمت في التقليل من نسبة التسرُّب من المدارس أيضاً، ما يعني أنَّ المناطق الاقتصادية الخاصة، أو التنموية الخاصة، كان لها أثرٌ محوريٌّ ومعنويٌّ في تنمية رأس المال البشري في تلك المناطق وفي الاستثمار فيه. المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة حول العالم تعدُّ قصص نجاح إن تمَّ التخطيط لها بشكل سليم، وتنفيذها بالشكل المطلوب، وتوجيه الاستثمارات إليها بشكل مستهدف، وحسن إداراتها والترويج لها بشكل حكيم وحصيف. التجارب العالمية تشير إلى أنَّ لكل منطقة اقتصادية خاصة أهدافها التنموية التي تُنشَأ من أجلها، فهي يجب أن تختص ببعد تنموي يتناسب والمناطق التي تخدمها، كأن تكون هناك منطقة اقتصادية، أي تنموية، خاصة بالصناعات التكنولوجية، أو بالصناعات الدوائية، أو بالخدمات اللوجستية، أو متخصِّصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو غير ذلك. والفيصل هنا هو طبيعة ما يتوافر في المناطق التي تُقام فيها من موراد بشرية ومادية، ونوعية الأهداف الوطنية التي تُقام من أجلها تلك المناطق، هل هي أهداف متعلقة باستغلال موارد طبيعية متوافرة، أم هي لغايات توظيف أكبر قدر ممكن من الطاقات الشابة المتاحة، أم هي لغايات تنموية زراعية، أم هي لاستغلال موقع جغرافي لوجستي مُحدَّد. وعلى أساس ذلك كله تُصاغ الحوافز التي تُمنَح للمستثمرين في تلك المناطق، بحيث تُعطى الحوافز لكلِّ من يعمل على تحقيق الأهداف التنموية المنشودة، ويرتبط حجم الحوافز بحجم تحقيق تلك الأهداف، فإن كان الهدف استغلال موارد طبيعية متاحة، وتحويلها إلى صناعات تحويلية أو تعدينية، فستُمنَح الحوافز للمستثمرين في تلك المجالات ووفقاً لحجم الاستثمار المُقام، وإن كان الهدف توظيف الكفاءات وتخفيف البطالة، وزيادة مساهمة المرأة، فإن الحوافز تُمنَح بالقدر والنسبة التي يُسْهِم بها ذلك الاستثمار في تحقيق نسب التوظيف ومدى المساهمة المطلوبة. والمحصِّلة، أنَّ المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة مفهوم عالمي حقَّق النجاح الكبير في الدول التي استطاعت تحديد أهدافه وإدارته واستغلاله، والترويج له بحصافة ورُشد وحكمة، وهو نموذج بات العديد من دول العالم ينتهجه ويعمل عليه. وفي المنطقة العربية هناك العديد من المناطق الاقتصادية الخاصة، تنموية أو حرة، نجحت وأثبتت نجاعتها في تحقيق الأهداف، ولعلَّ منطقة جبل علي في دبي كانت بداية لأحد أكبر النجاحات التنموية العربية اليوم، وهناك عدد كبير من تلك المناطق المتخصِّصة والتنموية اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة، منها ما تخصَّصت في الإعلام، وفي الصحة، وفي التقنيات، والتصميم والإبداع. كما أنَّ المملكة العربية السعودية أعلنت أخيراً عن أربع مناطق تنموية خاصة في الرياض وجيزان وجدة وغيرها، ناهيك عن منطقة «نيوم» التي تعدُّ أكبر مشروع لمنطقة اقتصادية خاصة في المنطقة، بل وقد يكون على المستوى العالمي. المناطق التنموية رافعة للنمو وتحقيق التنمية الوطنية، شريطة أن تتناسب الاستثمارات فيها والميزة التنافسية للمناطق التي تُقام بها، وأن تُقدَّم حوافز سخيَّة ونوعيَّة لكلِّ من يستثمر في المجالات التي تتناسب وتلك الميزة التنافسية، دون غيره، وأن تُحدَّد أهداف الحوافز فيها ضمن الأولويات الوطنية لكلِّ منطقة، وأن تُدار ويُروَّج لها بحصافة ورُشد. هناك تجارب عالمية ناجحة في مجال المناطق الاقتصادية الخاصة يمكن لأيِّ دولة أن تتعلَّم منها وأن تضيف إليها خصوصيتها التنموية.
khwazani@gmail.com
التعليقات