مجددا قد يكون الدكتور ممدوح العبادي أحد أكثر السياسيين المشتبكين في الأردن بالحضور أحيانا والمناوشة والرأي أحيانا أخرى من الجيل القديم من السياسيين اليوم.
ومرة أخرى العبادي سياسي أردني مخضرم تجده في ندوة ثم على منبر أو في سياق حديث إذاعي أو تلفزيوني وهو برلماني ووزير سابق صاحب رأي ويحتفظ بمراقبات ويتميز دون غيره من أبناء جيله بإطلاق عبارات سياسية هادفة سرعان ما يستخدمها الآخرون وتصبح بمثابة فتوى سياسية في بعض القضايا.
السؤال الأكثر طرحا على العبادي في المنتديات واللقاءات والنقاشات: لماذا لم تؤسس حزبا؟
وهو نفسه السؤال الذي أعادت طرحه «القدس العربي» في حديث مع نقيب الأطباء ونائب رئيس الوزراء السابق الدكتور ممدوح العبادي في إطار مناقشة لملفات محددة في المشهد السياسي الأردني عموما الآن. وفي ما يأتي نص الحوار.
صفعة الجريمة الإلكترونية
في آخر التجليات وبعد النقاش العاصف اجتماعيا بالقانون المعدل للجرائم الإلكترونية يعيد العبادي التذكير بتلك المساحات السلبية وأحيانا العدمية التي تنزع اليقين من الناس بسبب مغامرات الحكومات في التشريعات المتسرعة، موضحا بأن ما ينتج الريبة بصورة غير مبررة هو إصرار بعض المغامرات التشريعية أحيانا على تجاهل الحاجة الملحة في القوانين المهمة والأساسية إلى تدشين حوار وطني عقلاني قبل المضي قدما بسن تشريعات من الصنف الذي يؤثر على قطاعات واسعة في المجتمع دون حوارات وطنية الطابع.
معدل الجرائم الإلكترونية واحد من تلك المفارقات لكن الأهم ان بعض الاجتهادات الحكومية بتحليل العبادي تراكم في الإحباط وإنتاجه عبر مثل هذه التسريبات التشريعية في قوانين أساسية دون حساب الكلف والفواتير، والأغرب ان ذلك يحصل بدون سبب حقيقي ومقنع.
وهنا يأمل العبادي بعد توجيه التحية للوقفة التي تعارض تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية الجديدة بان يستجيب أعضاء مجلس النواب لمطالب الشارع في هذا السياق واصفا القانون الجديد بانه عرفي بامتياز ويجب ان يرفض، مع العلم بوجود بعض الأخطاء في الممارسات التعبيرية.
ثم يطالب العبادي بالاطلاع على أي بلد «غير محترم» تحاول حكومته تمرير قانون من هذا الصنف قائلا إن المبدأ القانوني معروف عندما يتعلق الأمر بان تكون العقوبة على قد المخالفة.
لكن يبدو أن هذا القانون جزء من تقليد التشريعات الجاهزة المعلبة التي ترد للحكومات وأصحاب القرار حيث نقص ملموس في فكرة ومنهجية أصحاب القرار الحقيقية.
ثم يختم العبادي بإشارة تختصر إلى حد بعيد مضمون القانون المشار إليه وهو يقول: «أنت لا تقرر إعدام من يصفعك صفعة على الوجه» فالصفعة لها كلفة وعليها جزاء لكن عقوبتها ليست الإعدام.
متى تشتي؟
○ ما الذي تعنيه مقولتك الشهيرة «لو بدها تشتي لغيمت» والتي تطرحها كلما سئلت عن منظومة التحديث السياسي في البلاد؟
• مضمون هذه العبارة الدارجة يعرفها البسطاء والفلاحون، حيث دوما ثمة مؤشرات على المطر تسبقه، وشخصيا أرى دوما من واجبي الحث والتحفيز والتذكير بالنواقص حيث لا يتسع المقام عندي وعند أمثالي اليوم لأي مجاملات على حساب المصلحة الوطنية، فمستقبلي الوظيفي وراءي وأزعم بأن الشعب الأردني الطيب يستحق من النخب السياسية ان تتحدث معه وعنه بصراحة.
وفي السياق كل ما قلت وأقول إن مطر التحديث السياسي ينبغي ان تسبقه غيم النوايا والإجراءات حتى تصبح العملية فيها مصداقية أكثر لا بل حتى تنجح وتصبح منتجة.
وبصراحة أقولها لا أشعر حتى اللحظة وأنا مراقب إيجابي ولست مناكفا لا سمح الله، بأن الغيوم المطلوبة متاحة ولصالح التحديث السياسي والعمل الحزبي على صعيد الإجراءات، على الأقل الخطوات لا تبدو مشجعة، فذهنية الأزمة والتأزيم هي التي تتصدر وبعض الملفات تترك بدون علاج والمناخ العام في احتمال الرأي والرأي الآخر مضاد لإطلاق الطاقات الحزبية خلافا للتدخلات وقد قلت ذلك علنا بالجملة والأطنان.
باختصار وحتى لا أفهم بشكل خاطئ لا يمكنك القول بإطلاق تجربة حزبية منتجة ومفيدة للوطن عبر آلية التدخل الذي وصل أحيانا إلى الفك والتركيب والحل والدمج، وتلك تدخلات تؤثر وتعيق مسيرة العمل الحزبي الحقيقي وجوهرها وأغلب التقدير انها تدفعني وغيري لمثل تلك المقولة خلافا لأن النسب والأرقام في المجتمع تدلل على ذلك الأمر.
○ يأخذ عليك كثيرون خصوصا في طبقة السلطة الرسمية وانت أصلا من طبقة رجال الدولة والمثقفين سياسيا، أنك لا تشعل شمعة بدلا من لعن الظلام بمعنى ان الدكتور العبادي يتخذ موقفا سلبيا ولا ينضم للعمل الحزبي أو حتى يؤسس حزبا؟
• الحقيقة أنني أراقب المشهد بكل تفاصيله ولو كان لدي أدنى يقين بأن الصورة حقيقية ومنتجة لكنت أول من يخوض ويؤسس وسط الناس في المسألة الحزبية، فأنا رجل مسيس وأفهم الأشياء وأعلم بها وحياتي عموما بدأت مع قوى الشارع وفي العمل النقابي.
وبالتالي بصراحة لا أنضم للأحزاب السياسية الموجودة الآن أو لا أفكر بتأسيس حزب جديد، لأن وجداني ليس مطمئنا كما قلت للنوايا والإجراءات، ولأن التدخلات من الصعب إنكارها وأعدكم بان أكون أول المصفقين لمسار التحديث السياسي والعمل الحزبي عندما يزداد يقيني ولو قليلا فأنا لست عبثيا ومع المشاركة.
لكن سؤالي دوما على أي أساس وقد أهدرنا في موضوعة الإصلاح السياسي في الأردن الكثير من الوقت وما عادت المصلحة تتطلب ان يسترسل أمثالي بعد كل هذا العمر في عملية إهدار الوقت الوطني.
○ ما الذي تعنيه عبارتك الدائمة عندما تقول «الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون»؟
• لا يمكنك عمليا بناء أي أساس بدون خبراء أساس، ولا يمكنك الشعور بالاطمئنان عندما ترى مشهدا في العمل الديمقراطي والسياسي يتصدره مرحليا من لم تظهر ديمقراطيتهم بأي صيغة وعلى أي نحو في الماضي لا في الميول ولا في الأيديولوجيا ولا حتى في الإجراء.
لا تنطبق مقولة فرسان الحرب نفسهم فرسان السلم هنا.
ولو أردت ان تتحول حقا باتجاه الديمقراطية فذلك التحول ينتجه ويزرعه ويصنعه الديمقراطيون الذين يؤمنون بالديمقراطية نهجا واستراتيجية تفعيل وتمثيلا وحكما وإدارة.
من جهتي مؤسف قليلا ان يمتلئ المشهد بمن نعرف يقينا طوال الوقت بأنهم كانوا ضد الديمقراطية والإصلاح، لا بل لا يؤمنون بهما ولم يعبروا يوما من أزقتها وقناعتي راسخة دوما بان الديمقراطية فرصة ومنحة لا بل قوة للوطن والدولة، لكن إعداد طبق العجة يتطلب كسر بعض البيض أو حتى وجود بيضات.
ومن غير المنطقي ان ينزوي الديمقراطيون بخبرتهم ودورهم سواء بالإقصاء أو الاستهداف أو بالصمت أو بالترفع فيما يتصدر الحديث عن الديمقراطية من نعرفهم جيدا فحارتنا وأزقتنا ضيقة كما يقول الأردنيون.
والحقيقة أن مقولة الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون ترد على لساني لأنني مؤمن بها وهي أقرب إلى وصفة ونصيحة لها علاقة بواحدة من أسس بناء الديمقراطية ومن الصعب إنجاز تحول ديمقراطي وبنفس الوقت إبعاد أو إقصاء من يؤمنون بالديمقراطية ومن اتخذوها في الماضي إطارا لخبرتهم واحتكاكهم وبرنامجهم السياسي.
هؤلاء دفعوا طوال عقود ثمنا لانحيازهم المبدئي للديمقراطية وفكرة ان يعود بعض المؤمنين بكل ما هو عكس الديمقراطية لتقمص دور الديمقراطي مؤلمة لا بل مضحكة أحيانا خلافا لأنها مضللة بكل الأوقات.
قوة الديمقراطية
○ ما هو المقصود بقولك المرتبط في ان الديمقراطية قوة للدولة والوطن؟
• يمكننا هنا ولو قليلا إطلاق بعض الخيال للتحليل وقراءة الوقائع الموضوعية، فالديمقراطية قوة حقيقية ليس في يد الشعب فقط ولكن في أذرع الدولة ومؤسساتها، والدول الديمقراطية هي الأقوى في عالمنا اليوم ومن يراقب النمو الاقتصادي والدخل القومي وكفاءة نظام الخدمات والقطاع العام والتعليم والصحة وتطورهما يفهم مسبقا تلك المعادلة التي تقول إن الديمقراطية تنتج تلك القيم الإنتاجية المتطورة في كل القطاعات.
وبالتالي نعم وفي عالم اليوم العصري فقط الدول الديمقراطية هي القوية ويمكنكم ان تقرأوا الخريطة معنا حيث لا صراعات أهلية ولا إثنية ولا عسكرية في دول الديمقراطية وحيث التعليم متطور، وعليه نعم ثقتي كبيرة بان الديمقراطية الحقيقية قوة للدولة قبل الناس وبان غيابها أو عدم وجودها يبقي الدولة على الحافة أو ضعيفة أو تتلمس احتياجاتها الأساسية وهي مفارقة تثبت مجددا بان علينا معرفة المستفيد من غياب الديمقراطية في بعض البلدان.
بكل حال وبعيدا عن التنظير ما يقوله عالم اليوم إن الديمقراطية قوة حقيقية وفعالة ومنتجة، وأن الدول الديمقراطية هي الأقوى من الدول التي يحكمها الارتجال والعشوائية وأنماط الإدارة والحكم غير الديمقراطية.
ولنا في العدو الإسرائيلي الذي يجثم على صدورنا وأرواحنا كأردنيين وفلسطينيين وعرب مثال حيوي وقوي على ذلك.
المساعدات الأمريكية
قلت وتقول في العديد من المنابر والمنتديات إن المساعدات الأمريكية المالية والاقتصادية عبء على بلادك، هل توضح وجهة نظرك هنا؟
• قد لا يتعلق الأمر بحرفية تلك العبارة لكن الدول تتبادل المصالح ووجهة نظري بأن ملف المساعدات الأمريكية يدار بطريقة خاطئة لا بل لا يفهم في سياقه الحقيقي.
وما قلته وأقوله إن بلادنا تستضيف قواعد عسكرية أمريكية دائمة وثابتة وبالتالي من الطبيعي ان يدفع الأمريكيون بدلا لوجود هذه القواعد في الإطار المالي، وعلى هذا البدل ان يكون منصفا عمليا لأن تلك القواعد العسكرية لها علاقة بخدمة الأهداف الأمريكية وليس بخدمتي أنا كمواطن.
فوق ذلك فنحن في التحالف الإستراتيجي والسياسي ندور في الفلك الأمريكي ونحن حلفاء يفترض ان نكون شركاء وليس اجراء، وفي الشراكة السياسية تتبادل الدول المصالح والشريك الذي لديه فائض مالي يدفع لصديقه أو حليفه ويلبي بعض احتياجاته حتى يستفيد الطرف الأول.
وأجزم شخصيا باننا لا ندير كأردنيين هذا الملف بمهنية ومهارة تفاوضية، فالأمريكيون يدفعون لنا بصراحة من أجل أنفسهم وليس من أجلنا ولخدمتهم وليس لخدمتنا وما أريده ان ترتفع الفاتورة وان نتصرف مؤسسيا على هذا الأساس، بمعنى ان لا تستمر المساعدات الأمريكية المالية والاقتصادية سيفا مسلطا على رقاب الحراك الأردني وهوامش المناورة خصوصا في الموقف السياسي والتنويع الدبلوماسي. تلك المساعدات أعلم انها مهمة وأساسية لكن ليس لدرجة تعيق فيها حركتنا، وأشعر أحيانا اننا نتبرع بذلك وقد لا يكون مطلوبا منا بدلا من تلك المساعدات خلافا، لان الولايات المتحدة تدفع مالا لكل شركائها وحلفائها في العالم أكثر بكثير مما ينبغي ان تدفع. لما لا يصلح الإجابة على أسئلة وطنية محلية أردنية باستخدام الذرائع والمساعدات فذلك افتئات يؤذي ما يقول الأمريكيون انه يشكل قيمهم الحضارية المزعومة.
خلافا لذلك يعود نصف المساعدات المالية إلى الولايات المتحدة وهذا أمر يعرفه الجميع وبدون الخوض في تفاصيله، الأمريكيون يدفعون باليمين ويتشاطرون ويستعيدون نصف ما يقدمونه على الأقل بشمالهم أما عبر إجبارنا على شراء القمح والتجهيزات العسكرية منهم أو عبر بعض ممارسات السمسرة وتوجيه الإنفاق، بمعنى أنهم لا يدفعون لنا لأننا نتميز بعيون سوداء.
هذا موضوع معقد قليلا لكن من جهتي ما اقترحه هو توقف الكلام عن المساعدات الأمريكية باعتبارها حبل إنقاذ لنا، فهذا ليس صحيحا أو قيدا على الكثير من قراراتنا وحريتنا في الحركة السياسية والتجارية وهذا ليس صحيحا أيضا.
في القضية الفلسطينية
في المقاربة الوطنية السياسية وحصرا تلك المتعلقة بقضية الأردنيين المركزية الأولى وهي القضية الفلسطينية أصر العبادي علنا وعدة مرات على مقولة أخرى اشتهر بها بعنوان «الصراع مع العدو الإسرائيلي والشعب الأردني قادم ووشيك لا محالة لا بل حتمي».
وعندما استوضحت «القدس العربي» طالب العبادي بالتوقف عن إنكار المخاطر الحقيقية، لأن الأجندة التي تبتلع الأرض في فلسطين المحتلة وتطارد الشعب الفلسطيني هي ذاتها الأجندة التي تستهدف بالضرورة فيزيائيا وجود الأردن دولة وشعبا.
لذلك يرى ان الصراع حرفي وإنكاره أو التقليل من مخاطره مع إسرائيل المتشددة الاستعمارية ضرب من الجنون السياسي ووصفة في إظهار عدم الجاهزية وإيذاء الذات.
ويطالب العبادي من أبناء الشعب الأردني إعادة قراءة العلني وليس الممحي حيث البنود الأولى الأربعة في ميثاق حزب الليكود الإسرائيلي أحد أبرز الأحزاب الحاكمة اليوم تقول بالنص وليس بالتفسير بانها تستهدف كيان الأردنيين ومشروعهم.
لذلك وجب الاستعداد، ولا بد من تسليح الشعب الأردني بتقدير العبادي الذي يزيد بإضافة خاصة بـ«القدس العربي» بانه شغوف في اللحظة التي يرى فيها الفتيات الأردنيات مسلحات أيضا ومعهن بناته شخصيا في باب الاستعداد لمواجهة قادمة لا محالة مع العدو، مع التوضيح بان الصراع أردنيا مع إسرائيل قد لا يحدث اليوم أو غدا وقد يحتاج لسنوات لكن الوطنية الحقيقية تقتضي الاستعداد له والاستثمار في السنوات المقبلة والتوقف عن إدارة تدوير المواقف الكلاسيكية الوهمية خصوصا عن عملية سلام أو تطبيع أو شراكة.
(بسام البدارين - القدس العربي)
مجددا قد يكون الدكتور ممدوح العبادي أحد أكثر السياسيين المشتبكين في الأردن بالحضور أحيانا والمناوشة والرأي أحيانا أخرى من الجيل القديم من السياسيين اليوم.
ومرة أخرى العبادي سياسي أردني مخضرم تجده في ندوة ثم على منبر أو في سياق حديث إذاعي أو تلفزيوني وهو برلماني ووزير سابق صاحب رأي ويحتفظ بمراقبات ويتميز دون غيره من أبناء جيله بإطلاق عبارات سياسية هادفة سرعان ما يستخدمها الآخرون وتصبح بمثابة فتوى سياسية في بعض القضايا.
السؤال الأكثر طرحا على العبادي في المنتديات واللقاءات والنقاشات: لماذا لم تؤسس حزبا؟
وهو نفسه السؤال الذي أعادت طرحه «القدس العربي» في حديث مع نقيب الأطباء ونائب رئيس الوزراء السابق الدكتور ممدوح العبادي في إطار مناقشة لملفات محددة في المشهد السياسي الأردني عموما الآن. وفي ما يأتي نص الحوار.
صفعة الجريمة الإلكترونية
في آخر التجليات وبعد النقاش العاصف اجتماعيا بالقانون المعدل للجرائم الإلكترونية يعيد العبادي التذكير بتلك المساحات السلبية وأحيانا العدمية التي تنزع اليقين من الناس بسبب مغامرات الحكومات في التشريعات المتسرعة، موضحا بأن ما ينتج الريبة بصورة غير مبررة هو إصرار بعض المغامرات التشريعية أحيانا على تجاهل الحاجة الملحة في القوانين المهمة والأساسية إلى تدشين حوار وطني عقلاني قبل المضي قدما بسن تشريعات من الصنف الذي يؤثر على قطاعات واسعة في المجتمع دون حوارات وطنية الطابع.
معدل الجرائم الإلكترونية واحد من تلك المفارقات لكن الأهم ان بعض الاجتهادات الحكومية بتحليل العبادي تراكم في الإحباط وإنتاجه عبر مثل هذه التسريبات التشريعية في قوانين أساسية دون حساب الكلف والفواتير، والأغرب ان ذلك يحصل بدون سبب حقيقي ومقنع.
وهنا يأمل العبادي بعد توجيه التحية للوقفة التي تعارض تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية الجديدة بان يستجيب أعضاء مجلس النواب لمطالب الشارع في هذا السياق واصفا القانون الجديد بانه عرفي بامتياز ويجب ان يرفض، مع العلم بوجود بعض الأخطاء في الممارسات التعبيرية.
ثم يطالب العبادي بالاطلاع على أي بلد «غير محترم» تحاول حكومته تمرير قانون من هذا الصنف قائلا إن المبدأ القانوني معروف عندما يتعلق الأمر بان تكون العقوبة على قد المخالفة.
لكن يبدو أن هذا القانون جزء من تقليد التشريعات الجاهزة المعلبة التي ترد للحكومات وأصحاب القرار حيث نقص ملموس في فكرة ومنهجية أصحاب القرار الحقيقية.
ثم يختم العبادي بإشارة تختصر إلى حد بعيد مضمون القانون المشار إليه وهو يقول: «أنت لا تقرر إعدام من يصفعك صفعة على الوجه» فالصفعة لها كلفة وعليها جزاء لكن عقوبتها ليست الإعدام.
متى تشتي؟
○ ما الذي تعنيه مقولتك الشهيرة «لو بدها تشتي لغيمت» والتي تطرحها كلما سئلت عن منظومة التحديث السياسي في البلاد؟
• مضمون هذه العبارة الدارجة يعرفها البسطاء والفلاحون، حيث دوما ثمة مؤشرات على المطر تسبقه، وشخصيا أرى دوما من واجبي الحث والتحفيز والتذكير بالنواقص حيث لا يتسع المقام عندي وعند أمثالي اليوم لأي مجاملات على حساب المصلحة الوطنية، فمستقبلي الوظيفي وراءي وأزعم بأن الشعب الأردني الطيب يستحق من النخب السياسية ان تتحدث معه وعنه بصراحة.
وفي السياق كل ما قلت وأقول إن مطر التحديث السياسي ينبغي ان تسبقه غيم النوايا والإجراءات حتى تصبح العملية فيها مصداقية أكثر لا بل حتى تنجح وتصبح منتجة.
وبصراحة أقولها لا أشعر حتى اللحظة وأنا مراقب إيجابي ولست مناكفا لا سمح الله، بأن الغيوم المطلوبة متاحة ولصالح التحديث السياسي والعمل الحزبي على صعيد الإجراءات، على الأقل الخطوات لا تبدو مشجعة، فذهنية الأزمة والتأزيم هي التي تتصدر وبعض الملفات تترك بدون علاج والمناخ العام في احتمال الرأي والرأي الآخر مضاد لإطلاق الطاقات الحزبية خلافا للتدخلات وقد قلت ذلك علنا بالجملة والأطنان.
باختصار وحتى لا أفهم بشكل خاطئ لا يمكنك القول بإطلاق تجربة حزبية منتجة ومفيدة للوطن عبر آلية التدخل الذي وصل أحيانا إلى الفك والتركيب والحل والدمج، وتلك تدخلات تؤثر وتعيق مسيرة العمل الحزبي الحقيقي وجوهرها وأغلب التقدير انها تدفعني وغيري لمثل تلك المقولة خلافا لأن النسب والأرقام في المجتمع تدلل على ذلك الأمر.
○ يأخذ عليك كثيرون خصوصا في طبقة السلطة الرسمية وانت أصلا من طبقة رجال الدولة والمثقفين سياسيا، أنك لا تشعل شمعة بدلا من لعن الظلام بمعنى ان الدكتور العبادي يتخذ موقفا سلبيا ولا ينضم للعمل الحزبي أو حتى يؤسس حزبا؟
• الحقيقة أنني أراقب المشهد بكل تفاصيله ولو كان لدي أدنى يقين بأن الصورة حقيقية ومنتجة لكنت أول من يخوض ويؤسس وسط الناس في المسألة الحزبية، فأنا رجل مسيس وأفهم الأشياء وأعلم بها وحياتي عموما بدأت مع قوى الشارع وفي العمل النقابي.
وبالتالي بصراحة لا أنضم للأحزاب السياسية الموجودة الآن أو لا أفكر بتأسيس حزب جديد، لأن وجداني ليس مطمئنا كما قلت للنوايا والإجراءات، ولأن التدخلات من الصعب إنكارها وأعدكم بان أكون أول المصفقين لمسار التحديث السياسي والعمل الحزبي عندما يزداد يقيني ولو قليلا فأنا لست عبثيا ومع المشاركة.
لكن سؤالي دوما على أي أساس وقد أهدرنا في موضوعة الإصلاح السياسي في الأردن الكثير من الوقت وما عادت المصلحة تتطلب ان يسترسل أمثالي بعد كل هذا العمر في عملية إهدار الوقت الوطني.
○ ما الذي تعنيه عبارتك الدائمة عندما تقول «الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون»؟
• لا يمكنك عمليا بناء أي أساس بدون خبراء أساس، ولا يمكنك الشعور بالاطمئنان عندما ترى مشهدا في العمل الديمقراطي والسياسي يتصدره مرحليا من لم تظهر ديمقراطيتهم بأي صيغة وعلى أي نحو في الماضي لا في الميول ولا في الأيديولوجيا ولا حتى في الإجراء.
لا تنطبق مقولة فرسان الحرب نفسهم فرسان السلم هنا.
ولو أردت ان تتحول حقا باتجاه الديمقراطية فذلك التحول ينتجه ويزرعه ويصنعه الديمقراطيون الذين يؤمنون بالديمقراطية نهجا واستراتيجية تفعيل وتمثيلا وحكما وإدارة.
من جهتي مؤسف قليلا ان يمتلئ المشهد بمن نعرف يقينا طوال الوقت بأنهم كانوا ضد الديمقراطية والإصلاح، لا بل لا يؤمنون بهما ولم يعبروا يوما من أزقتها وقناعتي راسخة دوما بان الديمقراطية فرصة ومنحة لا بل قوة للوطن والدولة، لكن إعداد طبق العجة يتطلب كسر بعض البيض أو حتى وجود بيضات.
ومن غير المنطقي ان ينزوي الديمقراطيون بخبرتهم ودورهم سواء بالإقصاء أو الاستهداف أو بالصمت أو بالترفع فيما يتصدر الحديث عن الديمقراطية من نعرفهم جيدا فحارتنا وأزقتنا ضيقة كما يقول الأردنيون.
والحقيقة أن مقولة الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون ترد على لساني لأنني مؤمن بها وهي أقرب إلى وصفة ونصيحة لها علاقة بواحدة من أسس بناء الديمقراطية ومن الصعب إنجاز تحول ديمقراطي وبنفس الوقت إبعاد أو إقصاء من يؤمنون بالديمقراطية ومن اتخذوها في الماضي إطارا لخبرتهم واحتكاكهم وبرنامجهم السياسي.
هؤلاء دفعوا طوال عقود ثمنا لانحيازهم المبدئي للديمقراطية وفكرة ان يعود بعض المؤمنين بكل ما هو عكس الديمقراطية لتقمص دور الديمقراطي مؤلمة لا بل مضحكة أحيانا خلافا لأنها مضللة بكل الأوقات.
قوة الديمقراطية
○ ما هو المقصود بقولك المرتبط في ان الديمقراطية قوة للدولة والوطن؟
• يمكننا هنا ولو قليلا إطلاق بعض الخيال للتحليل وقراءة الوقائع الموضوعية، فالديمقراطية قوة حقيقية ليس في يد الشعب فقط ولكن في أذرع الدولة ومؤسساتها، والدول الديمقراطية هي الأقوى في عالمنا اليوم ومن يراقب النمو الاقتصادي والدخل القومي وكفاءة نظام الخدمات والقطاع العام والتعليم والصحة وتطورهما يفهم مسبقا تلك المعادلة التي تقول إن الديمقراطية تنتج تلك القيم الإنتاجية المتطورة في كل القطاعات.
وبالتالي نعم وفي عالم اليوم العصري فقط الدول الديمقراطية هي القوية ويمكنكم ان تقرأوا الخريطة معنا حيث لا صراعات أهلية ولا إثنية ولا عسكرية في دول الديمقراطية وحيث التعليم متطور، وعليه نعم ثقتي كبيرة بان الديمقراطية الحقيقية قوة للدولة قبل الناس وبان غيابها أو عدم وجودها يبقي الدولة على الحافة أو ضعيفة أو تتلمس احتياجاتها الأساسية وهي مفارقة تثبت مجددا بان علينا معرفة المستفيد من غياب الديمقراطية في بعض البلدان.
بكل حال وبعيدا عن التنظير ما يقوله عالم اليوم إن الديمقراطية قوة حقيقية وفعالة ومنتجة، وأن الدول الديمقراطية هي الأقوى من الدول التي يحكمها الارتجال والعشوائية وأنماط الإدارة والحكم غير الديمقراطية.
ولنا في العدو الإسرائيلي الذي يجثم على صدورنا وأرواحنا كأردنيين وفلسطينيين وعرب مثال حيوي وقوي على ذلك.
المساعدات الأمريكية
قلت وتقول في العديد من المنابر والمنتديات إن المساعدات الأمريكية المالية والاقتصادية عبء على بلادك، هل توضح وجهة نظرك هنا؟
• قد لا يتعلق الأمر بحرفية تلك العبارة لكن الدول تتبادل المصالح ووجهة نظري بأن ملف المساعدات الأمريكية يدار بطريقة خاطئة لا بل لا يفهم في سياقه الحقيقي.
وما قلته وأقوله إن بلادنا تستضيف قواعد عسكرية أمريكية دائمة وثابتة وبالتالي من الطبيعي ان يدفع الأمريكيون بدلا لوجود هذه القواعد في الإطار المالي، وعلى هذا البدل ان يكون منصفا عمليا لأن تلك القواعد العسكرية لها علاقة بخدمة الأهداف الأمريكية وليس بخدمتي أنا كمواطن.
فوق ذلك فنحن في التحالف الإستراتيجي والسياسي ندور في الفلك الأمريكي ونحن حلفاء يفترض ان نكون شركاء وليس اجراء، وفي الشراكة السياسية تتبادل الدول المصالح والشريك الذي لديه فائض مالي يدفع لصديقه أو حليفه ويلبي بعض احتياجاته حتى يستفيد الطرف الأول.
وأجزم شخصيا باننا لا ندير كأردنيين هذا الملف بمهنية ومهارة تفاوضية، فالأمريكيون يدفعون لنا بصراحة من أجل أنفسهم وليس من أجلنا ولخدمتهم وليس لخدمتنا وما أريده ان ترتفع الفاتورة وان نتصرف مؤسسيا على هذا الأساس، بمعنى ان لا تستمر المساعدات الأمريكية المالية والاقتصادية سيفا مسلطا على رقاب الحراك الأردني وهوامش المناورة خصوصا في الموقف السياسي والتنويع الدبلوماسي. تلك المساعدات أعلم انها مهمة وأساسية لكن ليس لدرجة تعيق فيها حركتنا، وأشعر أحيانا اننا نتبرع بذلك وقد لا يكون مطلوبا منا بدلا من تلك المساعدات خلافا، لان الولايات المتحدة تدفع مالا لكل شركائها وحلفائها في العالم أكثر بكثير مما ينبغي ان تدفع. لما لا يصلح الإجابة على أسئلة وطنية محلية أردنية باستخدام الذرائع والمساعدات فذلك افتئات يؤذي ما يقول الأمريكيون انه يشكل قيمهم الحضارية المزعومة.
خلافا لذلك يعود نصف المساعدات المالية إلى الولايات المتحدة وهذا أمر يعرفه الجميع وبدون الخوض في تفاصيله، الأمريكيون يدفعون باليمين ويتشاطرون ويستعيدون نصف ما يقدمونه على الأقل بشمالهم أما عبر إجبارنا على شراء القمح والتجهيزات العسكرية منهم أو عبر بعض ممارسات السمسرة وتوجيه الإنفاق، بمعنى أنهم لا يدفعون لنا لأننا نتميز بعيون سوداء.
هذا موضوع معقد قليلا لكن من جهتي ما اقترحه هو توقف الكلام عن المساعدات الأمريكية باعتبارها حبل إنقاذ لنا، فهذا ليس صحيحا أو قيدا على الكثير من قراراتنا وحريتنا في الحركة السياسية والتجارية وهذا ليس صحيحا أيضا.
في القضية الفلسطينية
في المقاربة الوطنية السياسية وحصرا تلك المتعلقة بقضية الأردنيين المركزية الأولى وهي القضية الفلسطينية أصر العبادي علنا وعدة مرات على مقولة أخرى اشتهر بها بعنوان «الصراع مع العدو الإسرائيلي والشعب الأردني قادم ووشيك لا محالة لا بل حتمي».
وعندما استوضحت «القدس العربي» طالب العبادي بالتوقف عن إنكار المخاطر الحقيقية، لأن الأجندة التي تبتلع الأرض في فلسطين المحتلة وتطارد الشعب الفلسطيني هي ذاتها الأجندة التي تستهدف بالضرورة فيزيائيا وجود الأردن دولة وشعبا.
لذلك يرى ان الصراع حرفي وإنكاره أو التقليل من مخاطره مع إسرائيل المتشددة الاستعمارية ضرب من الجنون السياسي ووصفة في إظهار عدم الجاهزية وإيذاء الذات.
ويطالب العبادي من أبناء الشعب الأردني إعادة قراءة العلني وليس الممحي حيث البنود الأولى الأربعة في ميثاق حزب الليكود الإسرائيلي أحد أبرز الأحزاب الحاكمة اليوم تقول بالنص وليس بالتفسير بانها تستهدف كيان الأردنيين ومشروعهم.
لذلك وجب الاستعداد، ولا بد من تسليح الشعب الأردني بتقدير العبادي الذي يزيد بإضافة خاصة بـ«القدس العربي» بانه شغوف في اللحظة التي يرى فيها الفتيات الأردنيات مسلحات أيضا ومعهن بناته شخصيا في باب الاستعداد لمواجهة قادمة لا محالة مع العدو، مع التوضيح بان الصراع أردنيا مع إسرائيل قد لا يحدث اليوم أو غدا وقد يحتاج لسنوات لكن الوطنية الحقيقية تقتضي الاستعداد له والاستثمار في السنوات المقبلة والتوقف عن إدارة تدوير المواقف الكلاسيكية الوهمية خصوصا عن عملية سلام أو تطبيع أو شراكة.
(بسام البدارين - القدس العربي)
مجددا قد يكون الدكتور ممدوح العبادي أحد أكثر السياسيين المشتبكين في الأردن بالحضور أحيانا والمناوشة والرأي أحيانا أخرى من الجيل القديم من السياسيين اليوم.
ومرة أخرى العبادي سياسي أردني مخضرم تجده في ندوة ثم على منبر أو في سياق حديث إذاعي أو تلفزيوني وهو برلماني ووزير سابق صاحب رأي ويحتفظ بمراقبات ويتميز دون غيره من أبناء جيله بإطلاق عبارات سياسية هادفة سرعان ما يستخدمها الآخرون وتصبح بمثابة فتوى سياسية في بعض القضايا.
السؤال الأكثر طرحا على العبادي في المنتديات واللقاءات والنقاشات: لماذا لم تؤسس حزبا؟
وهو نفسه السؤال الذي أعادت طرحه «القدس العربي» في حديث مع نقيب الأطباء ونائب رئيس الوزراء السابق الدكتور ممدوح العبادي في إطار مناقشة لملفات محددة في المشهد السياسي الأردني عموما الآن. وفي ما يأتي نص الحوار.
صفعة الجريمة الإلكترونية
في آخر التجليات وبعد النقاش العاصف اجتماعيا بالقانون المعدل للجرائم الإلكترونية يعيد العبادي التذكير بتلك المساحات السلبية وأحيانا العدمية التي تنزع اليقين من الناس بسبب مغامرات الحكومات في التشريعات المتسرعة، موضحا بأن ما ينتج الريبة بصورة غير مبررة هو إصرار بعض المغامرات التشريعية أحيانا على تجاهل الحاجة الملحة في القوانين المهمة والأساسية إلى تدشين حوار وطني عقلاني قبل المضي قدما بسن تشريعات من الصنف الذي يؤثر على قطاعات واسعة في المجتمع دون حوارات وطنية الطابع.
معدل الجرائم الإلكترونية واحد من تلك المفارقات لكن الأهم ان بعض الاجتهادات الحكومية بتحليل العبادي تراكم في الإحباط وإنتاجه عبر مثل هذه التسريبات التشريعية في قوانين أساسية دون حساب الكلف والفواتير، والأغرب ان ذلك يحصل بدون سبب حقيقي ومقنع.
وهنا يأمل العبادي بعد توجيه التحية للوقفة التي تعارض تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية الجديدة بان يستجيب أعضاء مجلس النواب لمطالب الشارع في هذا السياق واصفا القانون الجديد بانه عرفي بامتياز ويجب ان يرفض، مع العلم بوجود بعض الأخطاء في الممارسات التعبيرية.
ثم يطالب العبادي بالاطلاع على أي بلد «غير محترم» تحاول حكومته تمرير قانون من هذا الصنف قائلا إن المبدأ القانوني معروف عندما يتعلق الأمر بان تكون العقوبة على قد المخالفة.
لكن يبدو أن هذا القانون جزء من تقليد التشريعات الجاهزة المعلبة التي ترد للحكومات وأصحاب القرار حيث نقص ملموس في فكرة ومنهجية أصحاب القرار الحقيقية.
ثم يختم العبادي بإشارة تختصر إلى حد بعيد مضمون القانون المشار إليه وهو يقول: «أنت لا تقرر إعدام من يصفعك صفعة على الوجه» فالصفعة لها كلفة وعليها جزاء لكن عقوبتها ليست الإعدام.
متى تشتي؟
○ ما الذي تعنيه مقولتك الشهيرة «لو بدها تشتي لغيمت» والتي تطرحها كلما سئلت عن منظومة التحديث السياسي في البلاد؟
• مضمون هذه العبارة الدارجة يعرفها البسطاء والفلاحون، حيث دوما ثمة مؤشرات على المطر تسبقه، وشخصيا أرى دوما من واجبي الحث والتحفيز والتذكير بالنواقص حيث لا يتسع المقام عندي وعند أمثالي اليوم لأي مجاملات على حساب المصلحة الوطنية، فمستقبلي الوظيفي وراءي وأزعم بأن الشعب الأردني الطيب يستحق من النخب السياسية ان تتحدث معه وعنه بصراحة.
وفي السياق كل ما قلت وأقول إن مطر التحديث السياسي ينبغي ان تسبقه غيم النوايا والإجراءات حتى تصبح العملية فيها مصداقية أكثر لا بل حتى تنجح وتصبح منتجة.
وبصراحة أقولها لا أشعر حتى اللحظة وأنا مراقب إيجابي ولست مناكفا لا سمح الله، بأن الغيوم المطلوبة متاحة ولصالح التحديث السياسي والعمل الحزبي على صعيد الإجراءات، على الأقل الخطوات لا تبدو مشجعة، فذهنية الأزمة والتأزيم هي التي تتصدر وبعض الملفات تترك بدون علاج والمناخ العام في احتمال الرأي والرأي الآخر مضاد لإطلاق الطاقات الحزبية خلافا للتدخلات وقد قلت ذلك علنا بالجملة والأطنان.
باختصار وحتى لا أفهم بشكل خاطئ لا يمكنك القول بإطلاق تجربة حزبية منتجة ومفيدة للوطن عبر آلية التدخل الذي وصل أحيانا إلى الفك والتركيب والحل والدمج، وتلك تدخلات تؤثر وتعيق مسيرة العمل الحزبي الحقيقي وجوهرها وأغلب التقدير انها تدفعني وغيري لمثل تلك المقولة خلافا لأن النسب والأرقام في المجتمع تدلل على ذلك الأمر.
○ يأخذ عليك كثيرون خصوصا في طبقة السلطة الرسمية وانت أصلا من طبقة رجال الدولة والمثقفين سياسيا، أنك لا تشعل شمعة بدلا من لعن الظلام بمعنى ان الدكتور العبادي يتخذ موقفا سلبيا ولا ينضم للعمل الحزبي أو حتى يؤسس حزبا؟
• الحقيقة أنني أراقب المشهد بكل تفاصيله ولو كان لدي أدنى يقين بأن الصورة حقيقية ومنتجة لكنت أول من يخوض ويؤسس وسط الناس في المسألة الحزبية، فأنا رجل مسيس وأفهم الأشياء وأعلم بها وحياتي عموما بدأت مع قوى الشارع وفي العمل النقابي.
وبالتالي بصراحة لا أنضم للأحزاب السياسية الموجودة الآن أو لا أفكر بتأسيس حزب جديد، لأن وجداني ليس مطمئنا كما قلت للنوايا والإجراءات، ولأن التدخلات من الصعب إنكارها وأعدكم بان أكون أول المصفقين لمسار التحديث السياسي والعمل الحزبي عندما يزداد يقيني ولو قليلا فأنا لست عبثيا ومع المشاركة.
لكن سؤالي دوما على أي أساس وقد أهدرنا في موضوعة الإصلاح السياسي في الأردن الكثير من الوقت وما عادت المصلحة تتطلب ان يسترسل أمثالي بعد كل هذا العمر في عملية إهدار الوقت الوطني.
○ ما الذي تعنيه عبارتك الدائمة عندما تقول «الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون»؟
• لا يمكنك عمليا بناء أي أساس بدون خبراء أساس، ولا يمكنك الشعور بالاطمئنان عندما ترى مشهدا في العمل الديمقراطي والسياسي يتصدره مرحليا من لم تظهر ديمقراطيتهم بأي صيغة وعلى أي نحو في الماضي لا في الميول ولا في الأيديولوجيا ولا حتى في الإجراء.
لا تنطبق مقولة فرسان الحرب نفسهم فرسان السلم هنا.
ولو أردت ان تتحول حقا باتجاه الديمقراطية فذلك التحول ينتجه ويزرعه ويصنعه الديمقراطيون الذين يؤمنون بالديمقراطية نهجا واستراتيجية تفعيل وتمثيلا وحكما وإدارة.
من جهتي مؤسف قليلا ان يمتلئ المشهد بمن نعرف يقينا طوال الوقت بأنهم كانوا ضد الديمقراطية والإصلاح، لا بل لا يؤمنون بهما ولم يعبروا يوما من أزقتها وقناعتي راسخة دوما بان الديمقراطية فرصة ومنحة لا بل قوة للوطن والدولة، لكن إعداد طبق العجة يتطلب كسر بعض البيض أو حتى وجود بيضات.
ومن غير المنطقي ان ينزوي الديمقراطيون بخبرتهم ودورهم سواء بالإقصاء أو الاستهداف أو بالصمت أو بالترفع فيما يتصدر الحديث عن الديمقراطية من نعرفهم جيدا فحارتنا وأزقتنا ضيقة كما يقول الأردنيون.
والحقيقة أن مقولة الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون ترد على لساني لأنني مؤمن بها وهي أقرب إلى وصفة ونصيحة لها علاقة بواحدة من أسس بناء الديمقراطية ومن الصعب إنجاز تحول ديمقراطي وبنفس الوقت إبعاد أو إقصاء من يؤمنون بالديمقراطية ومن اتخذوها في الماضي إطارا لخبرتهم واحتكاكهم وبرنامجهم السياسي.
هؤلاء دفعوا طوال عقود ثمنا لانحيازهم المبدئي للديمقراطية وفكرة ان يعود بعض المؤمنين بكل ما هو عكس الديمقراطية لتقمص دور الديمقراطي مؤلمة لا بل مضحكة أحيانا خلافا لأنها مضللة بكل الأوقات.
قوة الديمقراطية
○ ما هو المقصود بقولك المرتبط في ان الديمقراطية قوة للدولة والوطن؟
• يمكننا هنا ولو قليلا إطلاق بعض الخيال للتحليل وقراءة الوقائع الموضوعية، فالديمقراطية قوة حقيقية ليس في يد الشعب فقط ولكن في أذرع الدولة ومؤسساتها، والدول الديمقراطية هي الأقوى في عالمنا اليوم ومن يراقب النمو الاقتصادي والدخل القومي وكفاءة نظام الخدمات والقطاع العام والتعليم والصحة وتطورهما يفهم مسبقا تلك المعادلة التي تقول إن الديمقراطية تنتج تلك القيم الإنتاجية المتطورة في كل القطاعات.
وبالتالي نعم وفي عالم اليوم العصري فقط الدول الديمقراطية هي القوية ويمكنكم ان تقرأوا الخريطة معنا حيث لا صراعات أهلية ولا إثنية ولا عسكرية في دول الديمقراطية وحيث التعليم متطور، وعليه نعم ثقتي كبيرة بان الديمقراطية الحقيقية قوة للدولة قبل الناس وبان غيابها أو عدم وجودها يبقي الدولة على الحافة أو ضعيفة أو تتلمس احتياجاتها الأساسية وهي مفارقة تثبت مجددا بان علينا معرفة المستفيد من غياب الديمقراطية في بعض البلدان.
بكل حال وبعيدا عن التنظير ما يقوله عالم اليوم إن الديمقراطية قوة حقيقية وفعالة ومنتجة، وأن الدول الديمقراطية هي الأقوى من الدول التي يحكمها الارتجال والعشوائية وأنماط الإدارة والحكم غير الديمقراطية.
ولنا في العدو الإسرائيلي الذي يجثم على صدورنا وأرواحنا كأردنيين وفلسطينيين وعرب مثال حيوي وقوي على ذلك.
المساعدات الأمريكية
قلت وتقول في العديد من المنابر والمنتديات إن المساعدات الأمريكية المالية والاقتصادية عبء على بلادك، هل توضح وجهة نظرك هنا؟
• قد لا يتعلق الأمر بحرفية تلك العبارة لكن الدول تتبادل المصالح ووجهة نظري بأن ملف المساعدات الأمريكية يدار بطريقة خاطئة لا بل لا يفهم في سياقه الحقيقي.
وما قلته وأقوله إن بلادنا تستضيف قواعد عسكرية أمريكية دائمة وثابتة وبالتالي من الطبيعي ان يدفع الأمريكيون بدلا لوجود هذه القواعد في الإطار المالي، وعلى هذا البدل ان يكون منصفا عمليا لأن تلك القواعد العسكرية لها علاقة بخدمة الأهداف الأمريكية وليس بخدمتي أنا كمواطن.
فوق ذلك فنحن في التحالف الإستراتيجي والسياسي ندور في الفلك الأمريكي ونحن حلفاء يفترض ان نكون شركاء وليس اجراء، وفي الشراكة السياسية تتبادل الدول المصالح والشريك الذي لديه فائض مالي يدفع لصديقه أو حليفه ويلبي بعض احتياجاته حتى يستفيد الطرف الأول.
وأجزم شخصيا باننا لا ندير كأردنيين هذا الملف بمهنية ومهارة تفاوضية، فالأمريكيون يدفعون لنا بصراحة من أجل أنفسهم وليس من أجلنا ولخدمتهم وليس لخدمتنا وما أريده ان ترتفع الفاتورة وان نتصرف مؤسسيا على هذا الأساس، بمعنى ان لا تستمر المساعدات الأمريكية المالية والاقتصادية سيفا مسلطا على رقاب الحراك الأردني وهوامش المناورة خصوصا في الموقف السياسي والتنويع الدبلوماسي. تلك المساعدات أعلم انها مهمة وأساسية لكن ليس لدرجة تعيق فيها حركتنا، وأشعر أحيانا اننا نتبرع بذلك وقد لا يكون مطلوبا منا بدلا من تلك المساعدات خلافا، لان الولايات المتحدة تدفع مالا لكل شركائها وحلفائها في العالم أكثر بكثير مما ينبغي ان تدفع. لما لا يصلح الإجابة على أسئلة وطنية محلية أردنية باستخدام الذرائع والمساعدات فذلك افتئات يؤذي ما يقول الأمريكيون انه يشكل قيمهم الحضارية المزعومة.
خلافا لذلك يعود نصف المساعدات المالية إلى الولايات المتحدة وهذا أمر يعرفه الجميع وبدون الخوض في تفاصيله، الأمريكيون يدفعون باليمين ويتشاطرون ويستعيدون نصف ما يقدمونه على الأقل بشمالهم أما عبر إجبارنا على شراء القمح والتجهيزات العسكرية منهم أو عبر بعض ممارسات السمسرة وتوجيه الإنفاق، بمعنى أنهم لا يدفعون لنا لأننا نتميز بعيون سوداء.
هذا موضوع معقد قليلا لكن من جهتي ما اقترحه هو توقف الكلام عن المساعدات الأمريكية باعتبارها حبل إنقاذ لنا، فهذا ليس صحيحا أو قيدا على الكثير من قراراتنا وحريتنا في الحركة السياسية والتجارية وهذا ليس صحيحا أيضا.
في القضية الفلسطينية
في المقاربة الوطنية السياسية وحصرا تلك المتعلقة بقضية الأردنيين المركزية الأولى وهي القضية الفلسطينية أصر العبادي علنا وعدة مرات على مقولة أخرى اشتهر بها بعنوان «الصراع مع العدو الإسرائيلي والشعب الأردني قادم ووشيك لا محالة لا بل حتمي».
وعندما استوضحت «القدس العربي» طالب العبادي بالتوقف عن إنكار المخاطر الحقيقية، لأن الأجندة التي تبتلع الأرض في فلسطين المحتلة وتطارد الشعب الفلسطيني هي ذاتها الأجندة التي تستهدف بالضرورة فيزيائيا وجود الأردن دولة وشعبا.
لذلك يرى ان الصراع حرفي وإنكاره أو التقليل من مخاطره مع إسرائيل المتشددة الاستعمارية ضرب من الجنون السياسي ووصفة في إظهار عدم الجاهزية وإيذاء الذات.
ويطالب العبادي من أبناء الشعب الأردني إعادة قراءة العلني وليس الممحي حيث البنود الأولى الأربعة في ميثاق حزب الليكود الإسرائيلي أحد أبرز الأحزاب الحاكمة اليوم تقول بالنص وليس بالتفسير بانها تستهدف كيان الأردنيين ومشروعهم.
لذلك وجب الاستعداد، ولا بد من تسليح الشعب الأردني بتقدير العبادي الذي يزيد بإضافة خاصة بـ«القدس العربي» بانه شغوف في اللحظة التي يرى فيها الفتيات الأردنيات مسلحات أيضا ومعهن بناته شخصيا في باب الاستعداد لمواجهة قادمة لا محالة مع العدو، مع التوضيح بان الصراع أردنيا مع إسرائيل قد لا يحدث اليوم أو غدا وقد يحتاج لسنوات لكن الوطنية الحقيقية تقتضي الاستعداد له والاستثمار في السنوات المقبلة والتوقف عن إدارة تدوير المواقف الكلاسيكية الوهمية خصوصا عن عملية سلام أو تطبيع أو شراكة.
(بسام البدارين - القدس العربي)
التعليقات