حث الإسلام على أخذ كل ما هو طيب من الطعام والشراب لما فيه من قوام الحياة وديمومتها، ونهى عن استبداله بما هو محرم في النفقة والتجارة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، جاء في تفسير ابن كثير: 'أي: لا تعدلوا عن المال الحلال، وتقصدوا إلى الحرام، فتجعلوا نفقتكم منه' [تفسير ابن كثير 1/ 697].
ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية رفع الضرر عن المكلفين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرر سواء كان ضرراً صحياً، أو مادياً مما يؤثر على حياة الناس وصحتهم، ومن ذلك منع بيع المواد الغذائية الفاسدة أو المنتهية الصلاحية، أو القيام بالتلاعب بتاريخ الإنتاج أو الانتهاء من أجل بيعها وتحقيق الأرباح المادية.
فالتاجر الذي يعلم بانتهاء صلاحية المواد الغذائية يحرم عليه بيعها؛ لأنها تضر غالباً، ويعتبر بيع المواد الغذائية الفاسدة وأخذ ثمنها أكلاً لأموال الناس بالباطل؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، ويعتبر بيعها من الغشّ المحرم شرعا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم.
وإذا تسببت هذه المواد بموت أحد، وثبت من الناحية الطبية أن الوفاة كانت بسبب المادة الفاسدة التي أكلها، فالظاهر من كلام الفقهاء هنا أن المتسبب متعد، والتعدي سبب للضمان كمن وضع حجارة في الطريق العام فتأذى منها أحدهم، كما أن في التغرير ببيع مواد فاسدة على أنها سليمة نوع من الإكراه، قال الإمام الجويني رحمه الله: 'وإذا باع رجل طعاماً مسموماً إلى من يغلب على القلب أنه يأكل منه، فهذا محطوط عن رتبة الإكراه؛ من حيث لا إجبار، ولكنه من جهة إفضائه إلى الهلاك يضاهي الإكراه' [نهاية المطلب 16/ 127].
وعليه؛ فإنه يحرم بيع المواد الفاسدة أو الضارة بالصحة؛ لأن الواجب على كل مسلم أن يحرص على سلامة المسلمين، وتجنب ما يؤذيهم ويضر بصحتهم وسلامتهم، فيحرم بيع أي شيء يضرُّ بهم، ويحرم غشهم، وإن أدى أكل هذه المواد الفاسدة إلى موت الآكل، وكان البائع عالماً بالخطر والآكل غير عالم به، فإن على البائع الدية والكفارة؛ لأنه متسبب، وكذلك الحكم إن كان البائع لا يعلم بفساد المادة التي باعها؛ لأن وجود تاريخ الصلاحية على المادة، ووجوب الالتزام به بمثابة الإعلام له، ولولي الأمر أن يفرض على من يبيع هذه المواد الفاسدة عقوبات تعزيرية رادعة حسب ما يراه. والله تعالى أعلم.
دائرة الإفتاء الأردنية
رقم الفتوى: 3770
حث الإسلام على أخذ كل ما هو طيب من الطعام والشراب لما فيه من قوام الحياة وديمومتها، ونهى عن استبداله بما هو محرم في النفقة والتجارة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، جاء في تفسير ابن كثير: 'أي: لا تعدلوا عن المال الحلال، وتقصدوا إلى الحرام، فتجعلوا نفقتكم منه' [تفسير ابن كثير 1/ 697].
ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية رفع الضرر عن المكلفين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرر سواء كان ضرراً صحياً، أو مادياً مما يؤثر على حياة الناس وصحتهم، ومن ذلك منع بيع المواد الغذائية الفاسدة أو المنتهية الصلاحية، أو القيام بالتلاعب بتاريخ الإنتاج أو الانتهاء من أجل بيعها وتحقيق الأرباح المادية.
فالتاجر الذي يعلم بانتهاء صلاحية المواد الغذائية يحرم عليه بيعها؛ لأنها تضر غالباً، ويعتبر بيع المواد الغذائية الفاسدة وأخذ ثمنها أكلاً لأموال الناس بالباطل؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، ويعتبر بيعها من الغشّ المحرم شرعا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم.
وإذا تسببت هذه المواد بموت أحد، وثبت من الناحية الطبية أن الوفاة كانت بسبب المادة الفاسدة التي أكلها، فالظاهر من كلام الفقهاء هنا أن المتسبب متعد، والتعدي سبب للضمان كمن وضع حجارة في الطريق العام فتأذى منها أحدهم، كما أن في التغرير ببيع مواد فاسدة على أنها سليمة نوع من الإكراه، قال الإمام الجويني رحمه الله: 'وإذا باع رجل طعاماً مسموماً إلى من يغلب على القلب أنه يأكل منه، فهذا محطوط عن رتبة الإكراه؛ من حيث لا إجبار، ولكنه من جهة إفضائه إلى الهلاك يضاهي الإكراه' [نهاية المطلب 16/ 127].
وعليه؛ فإنه يحرم بيع المواد الفاسدة أو الضارة بالصحة؛ لأن الواجب على كل مسلم أن يحرص على سلامة المسلمين، وتجنب ما يؤذيهم ويضر بصحتهم وسلامتهم، فيحرم بيع أي شيء يضرُّ بهم، ويحرم غشهم، وإن أدى أكل هذه المواد الفاسدة إلى موت الآكل، وكان البائع عالماً بالخطر والآكل غير عالم به، فإن على البائع الدية والكفارة؛ لأنه متسبب، وكذلك الحكم إن كان البائع لا يعلم بفساد المادة التي باعها؛ لأن وجود تاريخ الصلاحية على المادة، ووجوب الالتزام به بمثابة الإعلام له، ولولي الأمر أن يفرض على من يبيع هذه المواد الفاسدة عقوبات تعزيرية رادعة حسب ما يراه. والله تعالى أعلم.
دائرة الإفتاء الأردنية
رقم الفتوى: 3770
حث الإسلام على أخذ كل ما هو طيب من الطعام والشراب لما فيه من قوام الحياة وديمومتها، ونهى عن استبداله بما هو محرم في النفقة والتجارة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، جاء في تفسير ابن كثير: 'أي: لا تعدلوا عن المال الحلال، وتقصدوا إلى الحرام، فتجعلوا نفقتكم منه' [تفسير ابن كثير 1/ 697].
ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية رفع الضرر عن المكلفين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرر سواء كان ضرراً صحياً، أو مادياً مما يؤثر على حياة الناس وصحتهم، ومن ذلك منع بيع المواد الغذائية الفاسدة أو المنتهية الصلاحية، أو القيام بالتلاعب بتاريخ الإنتاج أو الانتهاء من أجل بيعها وتحقيق الأرباح المادية.
فالتاجر الذي يعلم بانتهاء صلاحية المواد الغذائية يحرم عليه بيعها؛ لأنها تضر غالباً، ويعتبر بيع المواد الغذائية الفاسدة وأخذ ثمنها أكلاً لأموال الناس بالباطل؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، ويعتبر بيعها من الغشّ المحرم شرعا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم.
وإذا تسببت هذه المواد بموت أحد، وثبت من الناحية الطبية أن الوفاة كانت بسبب المادة الفاسدة التي أكلها، فالظاهر من كلام الفقهاء هنا أن المتسبب متعد، والتعدي سبب للضمان كمن وضع حجارة في الطريق العام فتأذى منها أحدهم، كما أن في التغرير ببيع مواد فاسدة على أنها سليمة نوع من الإكراه، قال الإمام الجويني رحمه الله: 'وإذا باع رجل طعاماً مسموماً إلى من يغلب على القلب أنه يأكل منه، فهذا محطوط عن رتبة الإكراه؛ من حيث لا إجبار، ولكنه من جهة إفضائه إلى الهلاك يضاهي الإكراه' [نهاية المطلب 16/ 127].
وعليه؛ فإنه يحرم بيع المواد الفاسدة أو الضارة بالصحة؛ لأن الواجب على كل مسلم أن يحرص على سلامة المسلمين، وتجنب ما يؤذيهم ويضر بصحتهم وسلامتهم، فيحرم بيع أي شيء يضرُّ بهم، ويحرم غشهم، وإن أدى أكل هذه المواد الفاسدة إلى موت الآكل، وكان البائع عالماً بالخطر والآكل غير عالم به، فإن على البائع الدية والكفارة؛ لأنه متسبب، وكذلك الحكم إن كان البائع لا يعلم بفساد المادة التي باعها؛ لأن وجود تاريخ الصلاحية على المادة، ووجوب الالتزام به بمثابة الإعلام له، ولولي الأمر أن يفرض على من يبيع هذه المواد الفاسدة عقوبات تعزيرية رادعة حسب ما يراه. والله تعالى أعلم.
دائرة الإفتاء الأردنية
رقم الفتوى: 3770
التعليقات