بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
قد يستغرب البعض من حقيقة أنَّ أكثر ما يهمُّ المستثمر للولوج إلى أيِّ فرصة حقيقية في أي اقتصاد حول العالم هي مستوى الأمن الوطني في تلك الدولة، ذلك أنَّ الكثير يعتقد أنَّ أهمَّ ما ينظر إليه المستثمر هو الإعفاءات الجمركية والضريبية. في حين أنَّ الدراسات العالمية أثبتت أنَّ ما يحدِّد قرار المستثمر نحو التوجُّه إلى دولة دون غيرها هو مجموعة عوامل أساسها ومرجعيتها مستوى الأمن القومي أو الوطني، وتلك العوامل تتكوَّن بشكلٍ أساسسيٍّ من عامل استقرار الدولة، أمنياً، واستقرار قوانينها وإجراءاتها، وشفافية التعامل مع دوائرها المختلفة، بعيداً عن الفساد، أو طول الإجراءات، ومستوى وعدالة القضاء، وسرعة التقاضي، ويعزِّز تلك العوامل مجموعة من العوامل الاقتصادية التي هي في الأساس نتاج تحقُّق عوامل الاستقرار والأمن الوطني المذكورة أعلاه، ويأتي ضمن هذه الباقة من العوامل ما تحقِّقه سياسات الدولة من مستوى النفاذ إلى الأسواق العالمية، واستقرار نقدي، وحرية انتقال وتحويل العملات، بما في ذلك حرية تحويل رأس المال والأرباح، ومن ثمَّ يأتي معدل العائد المتوقَّع على الاستثمار، وهو أمر يضع حدوده وتوقُّعاته المستثمر، ضمن خبرته في مجال استثماراته، وضمن دراسات الجدوى وفرضياتها المختلفة. وأخيراً وليس آخراً، تأتي منظومة الإعفاءات الضريبية والجمركية، ومجموعة أخرى من العوامل، تتعلَّق بتوافر البنية التحتية والرقمية، ومستوى الانفتاح الاقتصادي، والاتفاقيات الدولية، ومتسوى علاقة الدولة بمحيطها القريب، والعالم بشكل عام. بيد أنَّ المقومات، أو العوامل الأولى الرئيسة أعلاه تحتاج إلى ضمانة عالية من الاستقرار، وعدم التقلُّب بتغيُّر الحكومات، والأحزاب الحاكمة، أو حتى أنظمة الحكم.
ومن هنا فقد عمدت معظم دول العالم المتقدم، وكثير من الدول الناشئة إلى تشكيل مجلس خاص للأمن القومي، أو الوطني كما يسمّى في العديد من دول العالم، وذلك لأهداف وطنية متعددة، على رأسها الأهداف الساعية للاستقرار الاقتصادي، والتي تشكِّل المجموعة الأولى من العوامل الأساسية المشار إليها أعلاه أهم بنودها. ذلك أنَّ الاستقرار الأمني، والاستقرار الاقتصادي، بما يعنيه ذلك من استقرار التشريعات، والشفافية، أي الحد من الفساد، والعدالة ما تضمنه من نزاهة القوانين من جهة، وسرعة التقاضي من جهة ثانية، وضمان العلاقات المتوازنة مع دول العالم، وما يعنيه ذلك اقتصادياً من النفاذ على الأسواق وحرية التجارة، وحرية انتقال رأس المال، والاستقرار النقدي، عبر ضمان استقلالية البنك المركزي، ودوره في استقرار القوة الشرائية، كل ذلك مجتمعاً هو تماماً الجزء الأهم من الأمن الوطني، وهو عمود السارية والوسط في مظلة تحقيق أهداف سياسات جذب الاستثمار. ولعلَّ من المفيد القول، إنَّ تطوير عوامل الاستقرار المشار إليها أعلاه، والتي تشير بدورها إلى أهمية دور الأمن الوطني، هو تماماً السبيل الرئيس نحو تحسين صورة أي اقتصاد عالمي في مجال التنافسية وسهولة بدء الأعمال. فغياب الأمن الوطني الاقتصادي، عبر عدم تحقُّق، أو ضعف أيٍّ من المؤشرات المشار إليها، هو بحد ذاته أحد الأركان الرئيسة في عزوف الاستثمار المحلي أو الخارجي عن الاستثمار في أيِّ دولة. ومن هنا فقد بات أمر الاهتمام بالأمن الوطني بمفهومه الشامل، السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، محركاً أساسياً لعوامل تحقيق التنافسية الأفضل للدول. بل يمكن القول، في عالم الاقتصاد والسياسة اليوم، إنَّ أعمدة الأمن الوطني الثلاثة تقوم أساساً على عمود الواسطة، وهو الاقتصاد، الذي أثبت عبر دول العالم أجمع، أنه الكفيل بمساندة ودعم العمودين الآخرين، السياسي والاجتماعي. ومن هنا فإنَّ الدول التي تقود العالم اليوم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تعتمد المفهوم الشامل للأمن القومي، وعليه فقد تشكَّلت مجالس للأمن القومي، برئاسة رئيس الدولة، أي رأس الهرم في النظام السياسي، مع وجود عدد من الأعضاء الكافلين والضامنين للمصالح الوطنية بعيداً عن الاستقطاب الحزبي أو التبعية السياسية الجدلية في بعض الأحيان. ومن الأمثلة على ذلك مجلس الأمن القومي (National Security Council) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومجلس الدفاع والأمن القوميNational Security Council)) في بريطانيا، ومجلس الأمن الوطني (National Security Council).في الهند، ومجلس الأمن الروسي (Security Council of the Russian Federation)، ومجلس الدولة للأمن القومي (State Councilor's Office for National Security Affairs) في الصين، ومجلس الأمن الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة.
النماذج أعلاه تشير إلى أنَّ مجلس الأمن الوطني أو القومي هيئة عليا تهدف إلى تنسيق وتطوير سياسات الأمن الوطني، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وفي الدفاع في الدول، مع ضمان استقرار تلك السياسات وتواؤمها مع تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدول. عدد أعضاء مجالس الأمن الوطني في العالم يختلف من بلد إلى آخر، وقد تكون الهياكل والأسماء المستخدمة مختلفة أيضًا، بيد أنَّ الاتفاق العام هو أنَّ تلك المجالس هي الهيئة الاستشارية العليا للدولة، وهي الموجِّه الرئيس للاستراتيجيات التي تحكم عمل مؤسَّسات الدولة وهيئاتها، والكافل أو الضامن لاستقرار السياسات، وتحقيق الشفافية، والعدالة، وطمأنة كل من يتعامل مع الدول بأنَّ تغيُّر الحكومات، أو الاحزاب الحاكمة، لن يمسَّ المسلَّمات الأساسية للأمن الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي للدول. مجالس الأمن القومي، وإن كان المُسمّى يشير إلى البعد الأمني أو السياسي، إلا أنها مجالس ذات أهمية خاصة لتحقيق تنافسية اقتصادية أفضل، عبر دورها في تحقيق معظم المحاور الاثني عشر لتقرير التنافسية العالمية، وخاصة محاور استقرار الاقتصاد الكلي، والبنية التحتية، وكفاءة الأسواق، وثبات النظام المالي، وضمان تحقيق الحجم المناسب للسوق عبر سياسات متزنة مع الفاعلين الاقتصاديين كافَّة دون استقطاب أو تحزّب، وضمان ديناميكية الأعمال عبر سياسات تكفل الشفافية، وحسن التقاضي، والعدالة.
الدول الأكثر نجاحاً في تقارير التنافسية العالمية استخدمت مجالس الأمن الوطني أو القومي في تحقيق مراكز متقدمة في المتغيرات المختلفة التي تندرج تحت المحاور الاثني عشر، وذلك عبر الدور الضامن والكافل الذي يلعبه مجلس الأمن القومي، بعيداً عن هوى الحكومات أو الأشخاص القائمين عليها، وفي منأى عن تهديد الاستقطاب والتجاذب السياسي. فهو عمود الواسطة الذي يكفل استقرار المظلة أو الخيمة التي تظلل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدول. والحاجة إليه مرتبطة بالحاجة إلى استقرار وقوة الاقتصاد الوطني وضمان تحسُّن وتحسين تنافسيته أمام مجتمع المستثمرين عالمياً.
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
قد يستغرب البعض من حقيقة أنَّ أكثر ما يهمُّ المستثمر للولوج إلى أيِّ فرصة حقيقية في أي اقتصاد حول العالم هي مستوى الأمن الوطني في تلك الدولة، ذلك أنَّ الكثير يعتقد أنَّ أهمَّ ما ينظر إليه المستثمر هو الإعفاءات الجمركية والضريبية. في حين أنَّ الدراسات العالمية أثبتت أنَّ ما يحدِّد قرار المستثمر نحو التوجُّه إلى دولة دون غيرها هو مجموعة عوامل أساسها ومرجعيتها مستوى الأمن القومي أو الوطني، وتلك العوامل تتكوَّن بشكلٍ أساسسيٍّ من عامل استقرار الدولة، أمنياً، واستقرار قوانينها وإجراءاتها، وشفافية التعامل مع دوائرها المختلفة، بعيداً عن الفساد، أو طول الإجراءات، ومستوى وعدالة القضاء، وسرعة التقاضي، ويعزِّز تلك العوامل مجموعة من العوامل الاقتصادية التي هي في الأساس نتاج تحقُّق عوامل الاستقرار والأمن الوطني المذكورة أعلاه، ويأتي ضمن هذه الباقة من العوامل ما تحقِّقه سياسات الدولة من مستوى النفاذ إلى الأسواق العالمية، واستقرار نقدي، وحرية انتقال وتحويل العملات، بما في ذلك حرية تحويل رأس المال والأرباح، ومن ثمَّ يأتي معدل العائد المتوقَّع على الاستثمار، وهو أمر يضع حدوده وتوقُّعاته المستثمر، ضمن خبرته في مجال استثماراته، وضمن دراسات الجدوى وفرضياتها المختلفة. وأخيراً وليس آخراً، تأتي منظومة الإعفاءات الضريبية والجمركية، ومجموعة أخرى من العوامل، تتعلَّق بتوافر البنية التحتية والرقمية، ومستوى الانفتاح الاقتصادي، والاتفاقيات الدولية، ومتسوى علاقة الدولة بمحيطها القريب، والعالم بشكل عام. بيد أنَّ المقومات، أو العوامل الأولى الرئيسة أعلاه تحتاج إلى ضمانة عالية من الاستقرار، وعدم التقلُّب بتغيُّر الحكومات، والأحزاب الحاكمة، أو حتى أنظمة الحكم.
ومن هنا فقد عمدت معظم دول العالم المتقدم، وكثير من الدول الناشئة إلى تشكيل مجلس خاص للأمن القومي، أو الوطني كما يسمّى في العديد من دول العالم، وذلك لأهداف وطنية متعددة، على رأسها الأهداف الساعية للاستقرار الاقتصادي، والتي تشكِّل المجموعة الأولى من العوامل الأساسية المشار إليها أعلاه أهم بنودها. ذلك أنَّ الاستقرار الأمني، والاستقرار الاقتصادي، بما يعنيه ذلك من استقرار التشريعات، والشفافية، أي الحد من الفساد، والعدالة ما تضمنه من نزاهة القوانين من جهة، وسرعة التقاضي من جهة ثانية، وضمان العلاقات المتوازنة مع دول العالم، وما يعنيه ذلك اقتصادياً من النفاذ على الأسواق وحرية التجارة، وحرية انتقال رأس المال، والاستقرار النقدي، عبر ضمان استقلالية البنك المركزي، ودوره في استقرار القوة الشرائية، كل ذلك مجتمعاً هو تماماً الجزء الأهم من الأمن الوطني، وهو عمود السارية والوسط في مظلة تحقيق أهداف سياسات جذب الاستثمار. ولعلَّ من المفيد القول، إنَّ تطوير عوامل الاستقرار المشار إليها أعلاه، والتي تشير بدورها إلى أهمية دور الأمن الوطني، هو تماماً السبيل الرئيس نحو تحسين صورة أي اقتصاد عالمي في مجال التنافسية وسهولة بدء الأعمال. فغياب الأمن الوطني الاقتصادي، عبر عدم تحقُّق، أو ضعف أيٍّ من المؤشرات المشار إليها، هو بحد ذاته أحد الأركان الرئيسة في عزوف الاستثمار المحلي أو الخارجي عن الاستثمار في أيِّ دولة. ومن هنا فقد بات أمر الاهتمام بالأمن الوطني بمفهومه الشامل، السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، محركاً أساسياً لعوامل تحقيق التنافسية الأفضل للدول. بل يمكن القول، في عالم الاقتصاد والسياسة اليوم، إنَّ أعمدة الأمن الوطني الثلاثة تقوم أساساً على عمود الواسطة، وهو الاقتصاد، الذي أثبت عبر دول العالم أجمع، أنه الكفيل بمساندة ودعم العمودين الآخرين، السياسي والاجتماعي. ومن هنا فإنَّ الدول التي تقود العالم اليوم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تعتمد المفهوم الشامل للأمن القومي، وعليه فقد تشكَّلت مجالس للأمن القومي، برئاسة رئيس الدولة، أي رأس الهرم في النظام السياسي، مع وجود عدد من الأعضاء الكافلين والضامنين للمصالح الوطنية بعيداً عن الاستقطاب الحزبي أو التبعية السياسية الجدلية في بعض الأحيان. ومن الأمثلة على ذلك مجلس الأمن القومي (National Security Council) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومجلس الدفاع والأمن القوميNational Security Council)) في بريطانيا، ومجلس الأمن الوطني (National Security Council).في الهند، ومجلس الأمن الروسي (Security Council of the Russian Federation)، ومجلس الدولة للأمن القومي (State Councilor's Office for National Security Affairs) في الصين، ومجلس الأمن الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة.
النماذج أعلاه تشير إلى أنَّ مجلس الأمن الوطني أو القومي هيئة عليا تهدف إلى تنسيق وتطوير سياسات الأمن الوطني، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وفي الدفاع في الدول، مع ضمان استقرار تلك السياسات وتواؤمها مع تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدول. عدد أعضاء مجالس الأمن الوطني في العالم يختلف من بلد إلى آخر، وقد تكون الهياكل والأسماء المستخدمة مختلفة أيضًا، بيد أنَّ الاتفاق العام هو أنَّ تلك المجالس هي الهيئة الاستشارية العليا للدولة، وهي الموجِّه الرئيس للاستراتيجيات التي تحكم عمل مؤسَّسات الدولة وهيئاتها، والكافل أو الضامن لاستقرار السياسات، وتحقيق الشفافية، والعدالة، وطمأنة كل من يتعامل مع الدول بأنَّ تغيُّر الحكومات، أو الاحزاب الحاكمة، لن يمسَّ المسلَّمات الأساسية للأمن الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي للدول. مجالس الأمن القومي، وإن كان المُسمّى يشير إلى البعد الأمني أو السياسي، إلا أنها مجالس ذات أهمية خاصة لتحقيق تنافسية اقتصادية أفضل، عبر دورها في تحقيق معظم المحاور الاثني عشر لتقرير التنافسية العالمية، وخاصة محاور استقرار الاقتصاد الكلي، والبنية التحتية، وكفاءة الأسواق، وثبات النظام المالي، وضمان تحقيق الحجم المناسب للسوق عبر سياسات متزنة مع الفاعلين الاقتصاديين كافَّة دون استقطاب أو تحزّب، وضمان ديناميكية الأعمال عبر سياسات تكفل الشفافية، وحسن التقاضي، والعدالة.
الدول الأكثر نجاحاً في تقارير التنافسية العالمية استخدمت مجالس الأمن الوطني أو القومي في تحقيق مراكز متقدمة في المتغيرات المختلفة التي تندرج تحت المحاور الاثني عشر، وذلك عبر الدور الضامن والكافل الذي يلعبه مجلس الأمن القومي، بعيداً عن هوى الحكومات أو الأشخاص القائمين عليها، وفي منأى عن تهديد الاستقطاب والتجاذب السياسي. فهو عمود الواسطة الذي يكفل استقرار المظلة أو الخيمة التي تظلل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدول. والحاجة إليه مرتبطة بالحاجة إلى استقرار وقوة الاقتصاد الوطني وضمان تحسُّن وتحسين تنافسيته أمام مجتمع المستثمرين عالمياً.
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
قد يستغرب البعض من حقيقة أنَّ أكثر ما يهمُّ المستثمر للولوج إلى أيِّ فرصة حقيقية في أي اقتصاد حول العالم هي مستوى الأمن الوطني في تلك الدولة، ذلك أنَّ الكثير يعتقد أنَّ أهمَّ ما ينظر إليه المستثمر هو الإعفاءات الجمركية والضريبية. في حين أنَّ الدراسات العالمية أثبتت أنَّ ما يحدِّد قرار المستثمر نحو التوجُّه إلى دولة دون غيرها هو مجموعة عوامل أساسها ومرجعيتها مستوى الأمن القومي أو الوطني، وتلك العوامل تتكوَّن بشكلٍ أساسسيٍّ من عامل استقرار الدولة، أمنياً، واستقرار قوانينها وإجراءاتها، وشفافية التعامل مع دوائرها المختلفة، بعيداً عن الفساد، أو طول الإجراءات، ومستوى وعدالة القضاء، وسرعة التقاضي، ويعزِّز تلك العوامل مجموعة من العوامل الاقتصادية التي هي في الأساس نتاج تحقُّق عوامل الاستقرار والأمن الوطني المذكورة أعلاه، ويأتي ضمن هذه الباقة من العوامل ما تحقِّقه سياسات الدولة من مستوى النفاذ إلى الأسواق العالمية، واستقرار نقدي، وحرية انتقال وتحويل العملات، بما في ذلك حرية تحويل رأس المال والأرباح، ومن ثمَّ يأتي معدل العائد المتوقَّع على الاستثمار، وهو أمر يضع حدوده وتوقُّعاته المستثمر، ضمن خبرته في مجال استثماراته، وضمن دراسات الجدوى وفرضياتها المختلفة. وأخيراً وليس آخراً، تأتي منظومة الإعفاءات الضريبية والجمركية، ومجموعة أخرى من العوامل، تتعلَّق بتوافر البنية التحتية والرقمية، ومستوى الانفتاح الاقتصادي، والاتفاقيات الدولية، ومتسوى علاقة الدولة بمحيطها القريب، والعالم بشكل عام. بيد أنَّ المقومات، أو العوامل الأولى الرئيسة أعلاه تحتاج إلى ضمانة عالية من الاستقرار، وعدم التقلُّب بتغيُّر الحكومات، والأحزاب الحاكمة، أو حتى أنظمة الحكم.
ومن هنا فقد عمدت معظم دول العالم المتقدم، وكثير من الدول الناشئة إلى تشكيل مجلس خاص للأمن القومي، أو الوطني كما يسمّى في العديد من دول العالم، وذلك لأهداف وطنية متعددة، على رأسها الأهداف الساعية للاستقرار الاقتصادي، والتي تشكِّل المجموعة الأولى من العوامل الأساسية المشار إليها أعلاه أهم بنودها. ذلك أنَّ الاستقرار الأمني، والاستقرار الاقتصادي، بما يعنيه ذلك من استقرار التشريعات، والشفافية، أي الحد من الفساد، والعدالة ما تضمنه من نزاهة القوانين من جهة، وسرعة التقاضي من جهة ثانية، وضمان العلاقات المتوازنة مع دول العالم، وما يعنيه ذلك اقتصادياً من النفاذ على الأسواق وحرية التجارة، وحرية انتقال رأس المال، والاستقرار النقدي، عبر ضمان استقلالية البنك المركزي، ودوره في استقرار القوة الشرائية، كل ذلك مجتمعاً هو تماماً الجزء الأهم من الأمن الوطني، وهو عمود السارية والوسط في مظلة تحقيق أهداف سياسات جذب الاستثمار. ولعلَّ من المفيد القول، إنَّ تطوير عوامل الاستقرار المشار إليها أعلاه، والتي تشير بدورها إلى أهمية دور الأمن الوطني، هو تماماً السبيل الرئيس نحو تحسين صورة أي اقتصاد عالمي في مجال التنافسية وسهولة بدء الأعمال. فغياب الأمن الوطني الاقتصادي، عبر عدم تحقُّق، أو ضعف أيٍّ من المؤشرات المشار إليها، هو بحد ذاته أحد الأركان الرئيسة في عزوف الاستثمار المحلي أو الخارجي عن الاستثمار في أيِّ دولة. ومن هنا فقد بات أمر الاهتمام بالأمن الوطني بمفهومه الشامل، السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، محركاً أساسياً لعوامل تحقيق التنافسية الأفضل للدول. بل يمكن القول، في عالم الاقتصاد والسياسة اليوم، إنَّ أعمدة الأمن الوطني الثلاثة تقوم أساساً على عمود الواسطة، وهو الاقتصاد، الذي أثبت عبر دول العالم أجمع، أنه الكفيل بمساندة ودعم العمودين الآخرين، السياسي والاجتماعي. ومن هنا فإنَّ الدول التي تقود العالم اليوم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تعتمد المفهوم الشامل للأمن القومي، وعليه فقد تشكَّلت مجالس للأمن القومي، برئاسة رئيس الدولة، أي رأس الهرم في النظام السياسي، مع وجود عدد من الأعضاء الكافلين والضامنين للمصالح الوطنية بعيداً عن الاستقطاب الحزبي أو التبعية السياسية الجدلية في بعض الأحيان. ومن الأمثلة على ذلك مجلس الأمن القومي (National Security Council) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومجلس الدفاع والأمن القوميNational Security Council)) في بريطانيا، ومجلس الأمن الوطني (National Security Council).في الهند، ومجلس الأمن الروسي (Security Council of the Russian Federation)، ومجلس الدولة للأمن القومي (State Councilor's Office for National Security Affairs) في الصين، ومجلس الأمن الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة.
النماذج أعلاه تشير إلى أنَّ مجلس الأمن الوطني أو القومي هيئة عليا تهدف إلى تنسيق وتطوير سياسات الأمن الوطني، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وفي الدفاع في الدول، مع ضمان استقرار تلك السياسات وتواؤمها مع تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدول. عدد أعضاء مجالس الأمن الوطني في العالم يختلف من بلد إلى آخر، وقد تكون الهياكل والأسماء المستخدمة مختلفة أيضًا، بيد أنَّ الاتفاق العام هو أنَّ تلك المجالس هي الهيئة الاستشارية العليا للدولة، وهي الموجِّه الرئيس للاستراتيجيات التي تحكم عمل مؤسَّسات الدولة وهيئاتها، والكافل أو الضامن لاستقرار السياسات، وتحقيق الشفافية، والعدالة، وطمأنة كل من يتعامل مع الدول بأنَّ تغيُّر الحكومات، أو الاحزاب الحاكمة، لن يمسَّ المسلَّمات الأساسية للأمن الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي للدول. مجالس الأمن القومي، وإن كان المُسمّى يشير إلى البعد الأمني أو السياسي، إلا أنها مجالس ذات أهمية خاصة لتحقيق تنافسية اقتصادية أفضل، عبر دورها في تحقيق معظم المحاور الاثني عشر لتقرير التنافسية العالمية، وخاصة محاور استقرار الاقتصاد الكلي، والبنية التحتية، وكفاءة الأسواق، وثبات النظام المالي، وضمان تحقيق الحجم المناسب للسوق عبر سياسات متزنة مع الفاعلين الاقتصاديين كافَّة دون استقطاب أو تحزّب، وضمان ديناميكية الأعمال عبر سياسات تكفل الشفافية، وحسن التقاضي، والعدالة.
الدول الأكثر نجاحاً في تقارير التنافسية العالمية استخدمت مجالس الأمن الوطني أو القومي في تحقيق مراكز متقدمة في المتغيرات المختلفة التي تندرج تحت المحاور الاثني عشر، وذلك عبر الدور الضامن والكافل الذي يلعبه مجلس الأمن القومي، بعيداً عن هوى الحكومات أو الأشخاص القائمين عليها، وفي منأى عن تهديد الاستقطاب والتجاذب السياسي. فهو عمود الواسطة الذي يكفل استقرار المظلة أو الخيمة التي تظلل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدول. والحاجة إليه مرتبطة بالحاجة إلى استقرار وقوة الاقتصاد الوطني وضمان تحسُّن وتحسين تنافسيته أمام مجتمع المستثمرين عالمياً.
التعليقات