أنواع الطهارة
قسّم العلماء الطهارة إلى عدّة تقسيمات، ويُلاحظ أنّها كلّها تصبُّ في نفس المعنى وإن اختلفت الألفاظ الدَّالة عليها، ومن ذلك أنّ الطَّهارة الشَّرعيَّة إلى قسمين كما يأتي:
القسم الأوَّل: الطَّهارة الحقيقيَّة: وتشمل الطَّهارة من الخبائث والنَّجائس، ويكون محلُّ هذه الطَّهارة الجسم، واللِّباس، والمكان.
القسم الثَّاني: الطَّهارة الحُكميَّة: وهي الطَّهارة التي تتضمَّن الطُّهر من الحدث، لذا يكون محلُّها الجسم فقط ولا تتعلَّق باللِّباس ولا بالمكان، وتنقسم الطَّهارة الحكمية إلى ثلاثة أنواع كما يأتي: طهارة كُبرى: والتي تتمُّ من خلال الغُسل.
طهارة صُغرى: والتي تتمُّ من خلال الوضوء. التَّيمم: وهو البدل عن الطَّهارة الكُبرى والصُّغرى والذي يُلجأ إليه عند تعذُّر كلا النوعين السَّابقيْن.
ويمكن تقسيم الطَّهارة في الشَّرع تقسيماً آخر كما يأتي:النَّوع الأوَّل: الطَّهارة الحسيَّة: وهي الطَّهارة التي تتعلَّق بطهارة الجوارح؛ وتشتمل على كلٍّ من الطَّهارة من الحدث؛ من خلال الغُسل، والوضوء، والتَّيمم، والطَّهارة من الخبث؛ والذي يكون من خلال الغسل والمَسح والنَّضح.
النَّوع الثَّاني: الطَّهارة المعنويَّة: وهي الطَّهارة التي تتعلَّق بالقلب وسلامته من أثر الذُّنوب التي تُحدثها الجوارح.
وقسّم بعض العلماء الطَّهارة إلى طهارة الظَّاهر وطهارة الباطن، وبيانهما فيما يأتي:[٣] طهارة الظَّاهر: فهي الطَّهارة التي يكون محلُّها الجسم، والثَّوب، والمكان، وتتعلَّق بزوال الخبث والنَّجس منهم.
طهارة الباطن: فهي الطِّهارة التي يكون محلُّها القلب، وتتعلَّق بزوال كل الصِّفات السَّيئة منه؛ مثل الحسد، والشِّرك، والكِبر، والكُفر، والنِّفاق، ونحو ذلك، وإبدالها بالصِّفات الحميدة من مثل الإيمان والتَّوحيد، والإخلاص، الصِّدق، والتَّوكل على الله -تعالى-، وغيرها من الصِّفات المحمودة.
أحكام الوضوء
للوضوء أحكامٌ وتفصيلاتٌ متعدِّدةً، نوردها مفصَّلةً فيما يأتي: أسباب الوضوء قال جمهور الفُقهاء من الشَّافعية والمالكيَّة والحنفيَّة ورأي عند الحنابلة أنَّ سبب وجوب الوضوء هو إرادة المسلم للشُّروع في الصِّلاة مع وجود الحَدث، واستدلوا بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْ)، حيث فسَّر ابن عباس -رضي الله عنه- هذه الآية الكريمة بأنَّ الوضوء يجب على من قام إلى الصَّلاة مُريداً إياها وهو مُحدثٌ، ولحديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ).
ويجب الوُضوء أيضاً عند إرادة الطَّواف بالبيت الحرام؛ سواءً كان هذا الطَّواف فريضةً أم نافلةً، ودليل ذلك فعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، حيث إنَّه كان يتوضَّأ قبل أن يطوف، ولحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قالَتْ: فَشَكَوْتُ ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: افْعَلِي كما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي)حيث إنَّ الرَّسول- صلَّى الله عليه وسلَّم- منعها من الطَّواف ما دامت حائضاً لاشتراط الطُّهر للطواف والوضوء له، ويجب الوضوء أيضاً إن أراد المسلم مسَّ المُصحف مباشرةً بلا حائل، لقوله -تعالى-: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
ويُستحبُّ الوضوء بلا وجوبٍ في أحوال عدَّة، نذكر منها ما يأتي: عند قراءة القُرآن بدون مسِّ المُصحف.
عند ذكر الله -سُبحانه وتعالى- بكافَّة الأذكار المتنوِّعة. تجديد الوضوء عند كلِّ صلاة؛ حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ).
الجنب الذي يريد معاودة الجماع، لقول الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتَى أحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ أرادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ).
كما يُستحبُّ الوضوء للجُنب إن أراد النَّوم، أو الأكل، أو الشُّرب، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وهو جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ).
قبل الغُسل
حيث يُستحبّ لمن أراد الغُسل أن يسبقه بوضوءٍ لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أنْ يُدْخِلَ يَدَهُ في الإنَاءِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ)
قبل النَّوم
فيستحب لمن أراد النَّوم أن يتوضَّأ قبله لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ).
شروط الوضوء
يُشترط لصحَّة الوضوء شروطٌ عدَّةٌ، نوردها فيما يأتي: أن يعمَّ الماء الطَّهور البشرة في أماكن الوضوء الواجبة، بحيث لو بقي جزءٌ منها بدون أن يصله الماء ولو بمقدارٍ يسير بطل الوضوء، وقال الشَّافعيَّة بوجوب شمول الماء على المكان الواجب في الوضوء وما يُحيط به؛ ولذلك لضمان تحقُّق المطلوب في عموم الماء للمكان الواجب.
إزالة كلُّ ما يَمنع من وصول الماء إلى البشرة في الأماكن الواجب غسلها في الوضوء؛ وهذا يتضمَّن كل ما له جسم يَحول بين الماء وبين البشرة؛ مثل الشَّمع، والعجين، والطّين، وكلُّ ما يشكِّل حائلاً يمنع من وصول الماء للجسد.
انقطاع الحدث عند القيام بالوضوء.
أن يعلم المُتوضِّئ الكيفيَّة الصَّحيحة للوضوء؛ فلا بدَّ لإتمام الوضوء بالشَّكل المطلوب أن يتعلَّمه الشَّخص حتى يضمن أداءه بالشَّكل الصَّحيح، وأضاف الشافعية وجوب معرفة الشَّخص لسُنن الوضوء وفُروضه، وأن يُميِّز كل منهما عن الآخر أثناء قيامه بذلك.
النِّية
بحيث يَستحضر الشَّخص نيَّة الوضوء عند إرادته الوضوء؛ لأنَّ الوضوء عبادةٌ، لذلك افتقر إلى النَّية حتى يصحَّ ويترتَّب عليه الأجر مثلُه مثل سائر العبادات، ويُشترط أيضاً في النِّية عدم وجود صارف عنها؛ حيث إنَّ نيَّة الوضوء يجب أن تستمر طيلة مدَّة الوضوء وألَّا يقطعها شيء.
جريان الماء على العضو الواجب في الوضوء، وقاله الشافعيّة.
أن يكون الماء المُستخدم للوضوء مباحاً استخدامه، ولا يصح ُّبالماء المُحرَّم؛ وهو الماء المَملوك للآخر وبدون رضاه، وهو قول الحنابلة.
ويُشترط في الشَّخص الذي يُريد الوضوء عدَّة أمورٍ حتى يصحَّ الوضوء منه؛ ومن هذه الشّروط: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، وإن كان الشَّخص من أصحاب الأعذار؛ بأن يكون حدثه مستمٌر، فيجب عليه أن يَنتظر دخول وقت الفَرض من صلاةٍ أو غيره قبل أن يتوضَّأ، وإن توضَّأ قبل دخول وقت الفرض لم يصحَّ وضوءه، وإن وجد شيئاً من النَّجاسات في موضع البول والغائط وجب عليه إزالته بالتطهّر منه قبل البدء بالوضوء.
فروض الوضوء
يُقصد بالفرض ما طلب الشَّارع فعله على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يُثاب فاعله ويُعاقب تاركه، وللوضوء فروضٌ ثمانية؛ منها ما هو متفّقٌ على فرضيَّته ومنها ما هو مُختلف في فرضيَّته، ونورد هذه الفروض فيما يأتي: النِّية: ويُقصد بها قصد الوضوء وإرادته، ويكون وقت وجوب النِّية عند البدء في أوَّل الوضوء، وهو غَسل الوجه، ويُغتفر تقديم النِّية عن أوَّل الوضوء بزمنٍ قليلٍ، ويكون محلُّ النِّية في القلب ولا يُتلفَّظ بها باللسان، وكيفيَّة النيَّة؛ أن ينوي المُتوضّئ الوضوء، أو ينوي رفع الحدث، وتجدر الإشارة إلى أنَّ فرض النِّية من الفُروض المختلف فيها؛ حيث أوجبها الجمهور لصحَّة الوضوء، بينما قال الحنفيَّة بسُنِّتيها لا بفرضيِّتها؛ فلو أنَّ شخصاً اغتسل للتَّبرُّد والنَّظافة ولو ينوِ الوضوء جاز عندهم، بخلاف الجمهور الذين اشترطوا النِّية لاعتبار الوضوء.
غسل الوجه: وهو من الفروض المتَّفق عليها لثبوتها بالقرآن والسُّنة والإجماع؛ فمن القرآن الكريم قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وحدود الوجه تبدأ من مَنبت شعر الرأس إلى أسفل الذَّقن طولاً، ومن شحمة الأُذُن اليمنى إلى شحمة الأُذُن اليسرى عرضاً.
غسل اليدين إلى المِرفقين: وهذا الفرض أيضاً مُجمعٌ على فرضيَّته في الوضوء لقوله -تعالى-: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)،ولا خلاف أيضاً على أنَّ المرفقين يدخُلان في الغُسل ويَشملهُما، فبهذا تكون اليد المُشار إليها في الآية تبدأ من أطراف الأصابع وتنتهي بالمرافق، ويجبُّ على من يرتدي خواتم ضيِّقة أن يقوم بتخليلها حتى يتأكَّد من وصول الماء إلى البشرة.
مسحُ الرأس: وهو من الفروض المُجمع عليها، ودليله الآية الكريمة: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ)، ويُشرع مسح جميع الرأس وتعميمه بالماء لفعل الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك، ولكن الآية لا تَفرض تعميم الرأس بالماء، بل الفرض مسح بعض الرأس، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في المقدار الواجب في مسح الرأس؛ فقال الإمام مالك بوجوب مسح الرَّأس كلِّه للاحتياط، وقال الشَّافعيَّة إنَّ المسح الواجب يتحقَّق بأقلِّ مقدارٍ يُطلق عليه المسح ولو بلغ ذلك شعرةً من مَنبتها في الرَّأس، وقال الحنفيَّة إنَّ المقدار الواجب هو رُبع الرَّأس.
غسل الرِّجلين مع الكعبين: وهو من الفروض المُتَّفق عليها بالإجماع، بدليل الآية الكريمة: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن)، حيث إنَّ الأرجل منصوبةٌ عطفاً على الوجه الذي يُغسل، ولم تُعطف على الرَّأس الذي يُسمح؛ لذا تُغسل الأرجل ولا تُمسح، ويشمل غسل الأرجل الكعبين، وهما العظم النَّاتئ عند مفصل السَّاق والقدم، وقد حذَّر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عدم غسلهما في الحديث فقال: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ).
التَّرتيب بين هذه الفروض: وذلك لأنَّ الله -تعالى- رتَّبها في الآية الكريمة وقام بإدخال ممسوحٍ بين مغسولين؛ فدلَّ ذلك على أنَّ هذا التَّرتيب مقصودٌ بذاته، وإلِّا لذُكر المتشابه ثمَّ المُختلف، وقال الحنفيَّة والمالكيَّة بسُنيَّة التَّرتيب لابفرضيَّته.
المُوالاة: ويُقصد بها الإتيان بالفروض تباعاً بلا فاصلٍ يفصل بينها وقبل جفاف العضو السَّابق من الماء، وقال الحنفيَّة بسُنيَّة الموالاة لا بفرضيَّتها.
الدَّلك: أي تمرير اليد على العضو مع الماء أو بعده، وهو فرضٌ عند المالكيَّة فقط، وسُنَّةٌ عند الجمهور.
سنن الوضوء للوضوء سننٌ عديدة، نورد بعضها فيما يأتي:
استعمال السِّواك عند الوضوء، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ علَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ).
التَّسمية في أوَّل الوضوء.
غسل الكفَّين ثلاثاً قبل البدء بالوُضوء، والمضمضة والاستنشاق والمُبالغة فيها لغير الصَّائم.
تخليل كلٍّ من الأصابع في اليدين والرِّجلين، وتخليل اللِّحية في حال كانت كثيفةً؛ وذلك لضمان وصول الماء إلى هذه الأماكن.
التَّيامن في الوضوء؛ بحيث يبدأ المُتوضِّئ بغسل الجهة اليُمنى من العضو الواجب في الوضوء ثم يُتبعه بالجهة اليسرى.
إعادة غسل كلِّ الوجه واليدين والرِّجلين ثلاث مراتٍ.
الدُّعاء بعد الوضوء وقول الأذكار الخاصَّة فيه، حيث قال الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ).
صلاة ركعتي الوضوء بعد الإنتهاء منه.
نواقض الوضوء
نواقض الوضوء عديدة، منها كلُّ ما يخرج من السَّبيلين من البول، والغائط، والدَّم، والمَني، والمَذي، والرِّيح، سواءً كان الخارج منهما قليلاً أو كثيراً، ويُنتقض الوضوء بزوال العقل؛ سواءً كان ذلك بالنَّوم العميق أو بالإغماء أو السُّكر أو الجُنون، فمتى ما زال العقل انتقض الوضوء، ويُنقض الوضوء أيضاً بمسِّ فرج الآدمي من خلال اليد مباشرةً وبدون حائل بينهما، ويَنتقض بالأمور التي تُوجب الغُسل مثل الحيض، والنِّفاس، والجنابة، والدُّخول في الإسلام، وكذلك بالرِّدة عن الإسلام، كما يُنتقض الوضوء من خلال مسِّ الرَّجل للمرأة بشهوةٍ، أو مسِّ المرأة للرَّجل بشهوةٍ.
أحكام الغسل
موجبات الغسل يُقصد بالغُسل إفاضة الماء الطَّهور على البدن بحيث يعمُّه جميعاً وعلى وجهٍ مخصوصٍ، وهناك العديد من الأمور التي تُوجب الغُسل على المسلم؛ منها خروج المَنيّ، لقوله -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، سواءً خرج من الرَّجل أم من المرأة، باليَقظة أو بالنَّوم، وتعدّدت آراء الفقهاء في اشتراط نُزول المَني بشهوةٍ لكي يكون موجباً للغُسل؛ بحيث ذهب الجمهور إلى القول باشتراط الشَّهوة في المني لإيجاب الغُسل، بينما قال الشَّافعيَّة بأنَّ نزول المنيِّ مُطلقاً موجبٌ للغُسل وإن كان بغير شهوةٍ، وإن خَرج المني خلال النَّوم وتذكَّر الشَّخص أنَّه احتلم فعندها يجب الغُسل عليه، وإن وجده بعد اليقظة ولم يَذكر احتلاماً كذلك يجب عليه الغُسل ما دام المنيُّ موجوداً.
أمَّا إن وجد بللاً ولم يَعرف هل هو منيٌّ أم لا، فقد تعدّدت آراء الفقهاء في هذا المسألة بين مُوجبٍ للغُسل من باب الاحتياط وبين من لم يُوجب الغسل؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة، وإن اغتسل الشَّخص من المني ثمَّ عاود النُّزول مرةً أخرى، فالصّواب عدم وجوب الغُسل عليه مرةً أخرى ما دام نُزوله لم يكن بشهوةٍ؛ أمَّا إذا كان سبب النُّزول شهوةً جديدةً طَرأت عليه بعد الغُسل الأوَّل، فعندها وجب عليه غُسلٌ جديدٌ.
ويجب الغُسل أيضا بالتقاء الخِتانين -أي الجِماع-، فبوقوع الجماع الفِعلي يجب الغُسل على كلٍّ من الرَّجل والمرأة، وإن لم يَترتَّب عليه نزولٌ للمني، ويجب الغسل أيضاً في كلٍ من الحيض والنِّفاس، لقوله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ومن السُّنة قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي)، بالإضافة إلى إجماع العلماء على وجوب الغُسل على الحائض والنّفساء، كما يجب الغُسل أيضاً بالموت؛ فإذا مات المسلم وجب على المسلمين تَغسيله، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في شخصٍ توفَّاه الله بالحجِّ: (غْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ)، ويستثنى من وجوب غسل من مات من المسلمين؛ الشُّهداء فإنَّهم لا يُغَسَّلون.
ويعدُّ إسلام الكافر واحداً من الأمور التي تُوجب الغُسل عليه؛ وهو قول المالكيَّة والحنابلة، ودليلهم ما جاء عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما عرف أنَّ ثمامة بن أثال -رضي الله عنه- دخل الإسلام، فأمره بالاغتسال، بينما قال الحنفيَّة والشَّافعيَّة بعدم وُجوب الغُسل على الكافر عند إسلامه إن كان على غير جَنابة، وإنَّما يُستحبُّ له ذلك، أمَّا إن كان على جنابةٍ فيجب الغُسل عليه لهذا السَّبب لا لإسلامه، ودليلهم وجود العديد من الأشخاص الذين دخلوا الإسلام بدون أن يأمرهم الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالاغتسال، وبهذا يُفهم أمره لثمامة -رضي الله عنه- بالاغتسال من قَبيل الاستحباب لا الوجوب.
الأغسال المستحبة هناك العديد من الأغسال التي يُستحبُّ للمسلم القيام بها، ومنها ما يأتي: كما ويُستحب الإغتسال عند كلِّ جِماعٍ جديد.
غُسل الجُمعة
وهو في الحقيقة من الأغسال التي تعدّدت آراء الفقهاء في حكمها؛ فهناك من قال بوجوبها على من أتى صلاة الجُمعة، وينسب هذا القول للإمام مالك، وابن عثميمن، وهناك من قال باستحباب غُسل الجمعة لا وجوبه، وهذا هو مذهب الجُمهور من علماء السَّلف والخلف، والرَّأي الثَّالث قال بوجوب غُسل الجمعة فقط على من له عرَقٌ أو ريحٌ ممَّا يؤذي الآخرين من المُصلِّين، وهذا قول للإمام أحمد وقول ابن تيمية، ويبدأ وقت الغُسل من فجر الجُمعة إلى صلاتها، ويُسنُّ غُسل الجمعة للمرأة أيضاً إن أتت الصَّلاة.
غُسل العيدين
ومن العلماء من قال بوجوبه، والصَّحيح الاستحباب لا الوجوب، فيُستحبُّ لمن أراد حضور صلاة العيدين الاغتسال قبلهما.
من قام بتغسيل الميِّت يستحبُّ له الاغتسال، ولمن دخل مكَّة، ولمن أحرم، سواءً أكان إحرامه بحجٍّ أم بعمرةٍ، لفعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك.
استحباب الغسل للمجنون وللمُغمى عليه إن أفاقا من الجُنون أو الإغماء.
الاغتسال يوم عرفة.
اغتسال المُستحاضة
لكلِّ صلاةٍ جديدةٍ، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فأمَرَهَا أنْ تَغْتَسِلَ، فَقالَ: هذا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)، كما تستطيع أن تجمع للظُّهر والعصر غُسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غُسلا واحداً.
الاغتسال بعد دفن المشرك.
فروض الغسل للغسل فروضٌ عدَّة لا بدَّ من الإتيان بها حتى يقع الغُسل صحيحاً، نوردها فيما يأتي
النِّية
حيث وجب على من أراد الغُسل أن ينويه في قلبه، لأنَّ النِّية تجب في كلِّ العبادات، للحديث الشهير: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، وقد ذهب الجمهور من المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة إلى القول بفرضيِّتها للحديث السَّابق، بينما قال الحنفيَّة بعدم فرضيَّة النِّية في الغُسل، بل قالوا بسُنِّيتها، ومن اجتمع عليه سَببان من أسباب الغُسل؛ مثل غُسل الحيض والجنابة، فيُجزِئ عندها غُسلٌ واحدٌ عن كلا السَّببين على الصَّحيح من قول الفقهاء.
أن يَعمُّ الماء جميع أجزاء البدن: وهذا من الفروض المتَّفق عليها في الغُسل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ البدن يُراد به البشرة وما نَما عليها من شعر، لذا لا بدَّ من إيصال الماء لكِليهما لكي يصحَّ الغُسل.
أمَّا فيما يتعلَّق بالمضمضة والاستنشاق
فقد ذهب الحنفيَّة والحنابلة إلى وُجوبهما في الغُسل، بينما قال المالكيَّة والشَّافعيَّة بعدم وجوبهما في الغُسل.
أما حكم نقض المرأة لظفائرها أثناء الغُسل، وهل يُعدُّ من الأمور الواجبة أم لا؛ فقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والمالكيَّة إلى القول بعدم وُجوب ذلك على المرأة في الغُسل، وإنما يكفى وُصول الماء لجذور شعرها، وهذا هو الحدُّ المطلوب، وأمَّا إذا لم يصل الماء لأُصول الشَّعر فوجب عليها عندها نقضه، بينما قال الحنابلة بعدم وجوب نقض الظفائر في غُسل الجنابة، ووجوبه في غُسل الحيض والنِّفاس.
المُولاة
وهومن الفروض المُختلف فيها، ويعني المُتابعة في غسل الأعضاء وعدم التَّأخير بينها بحيث يجفُّ العضو السَّابق قبل البدء بغسل العُضو اللاَّحق، والذين قالوا بوجوب الموالاة هم المالكيَّة، وابن تيمية، بينما قال الحنفية والشافعية بأنَّ الموالاة في الغُسل سُنَّةٌ وليس بفرض.
سنن الغسل
للغُسل سننٌ عدَّة يُستحبّ الإتيان بها ويُؤجر المسلم عليها، ومن هذه السُّنن ما يأتي:
التَّسمية
حيث قال جمهور العلماء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والمالكيَّة بسنيَّة التَّسمية عند الغُسل، بينما قال الحنابلة بوجوبها.
غسل الكفَّين إلى الرُّسغين ثلاثاً قبل البدء بالغُسل
لحديث ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-: (وَضَعْتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا).
أن يُزال الأذى من نجاسةٍ ونحوه قبل البدء بالغُسل:
حيث إنَّ إزالتها واجبةٌ في نفسها ولكن ما يُسنُّ هنا هو تقديم ذلك على الغُسل.
الوضوء
قبل الغُسل: لفعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كما يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ)، مع تعدّد أقوال العلماء في إشراك القدمين في هذا الوضوء الذي يسبق الغُسل أو تأخيرهما حتى ينتهي من الغُسل.
التَّيامن
بأن يبدأ المُغتسِل بإفاضة الماء وإيصاله لجزء بدنه الأيمن ثمَّ يُتبعه بالجزء الأيسر، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ).
ثليث الغُسل
والمُراد فيه أن يَغسل كلَّ عضوٍ من أعضاء الجسد الواجب غسله ثلاث مرَّات، وهذا قول الجمهور، بينما ذهب المالكيَّة إلى القول بأنَّ التَّثليث لا يُستحبُّ في الغُسل وليس بسُنَّة.
أحكام عامة في الغسل هناك بعض المسائل التي تتعلَّق بالغُسل والتي لا بدَّ من الإشارة إليها لأهميَّتها، ومن هذا المسائل أنَّ مقدار الماء الذي يُسنُّ الاغتسال به يبلغ خمسة أمداد -والمُدّ وحدة قياس للحجم ويُقدَّر بمقدار ملْء كفَّي الإنسان المعتدل-، ممَّا يدلُّ على عدم جواز الإسراف بالماء لغير حاجةٍ وإن كان ذلك في الغُسل.
ومن المسائل أيضاً قيام الغُسل محلُّ الوضوء
بحيث لو اغتسل المسلم ولم يتوضَّأ قام غُسله محلَّ الوضوء وأجزأ عنه ذلك، كما يَجوز للرَّجل أن يغتسل من الجنابة مع زوجته من نفس الإناء.
ويُسنُّ للجُنب الاغتسال بعد الجماع وقبل النوم، ويَجوز له النَّوم على الجنابة بدون غُسل، كما يجوز للرَّجل أن يغتسل ببقيَّة الماء الذي اغتسلت زوجته فيه من الجنابة، ويجوز لها أن تغتسل بما تبقَّى من الماء الذي اغتسل فيه زوجها، وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في نيَّة من اجتمع عليه أكثر من غُسل على أربعة أقوال:
القول الأوَّل: أن ينوي رفع الحدثين معاً فيرتفع الاثنان.
القول الثَّاني: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط بحيث يُجزئ هذا عن الحدث الأصغر أيضاً.
القول الثَّالث: أن ينوي ما لا يتمُّ إباحته إلا بالوضوء؛ مثل الصَّلاة أو الطَّواف، فبذلك يرتفع عنه الحدث وإن لم ينوِ رفعه. القول الرَّابع: أن ينوي استباحة ما يُباح بالغُسل مثل قراءة القرآن، فعندها يرتفع الحدثان معاً.
أحكام التيمم
الأسباب الموجبة للتيمم يُباح التَّيمم للمسلم في حالاتٍ عدَّة كما يأتي: فقد الماء أو عدم كفايته للوضوء أو الغُسل: ويُعرف هذا بالفقد الحسِّي للماء، كما يجوز التَّيمم أيضاً عند فقد الماء الشَّرعي؛ ومعناه وجود الماء مع عدم استطاعة الوصول إليه، إمَّا لبُعد المسافة عنه وعلى إختلاف بين الفقهاء في تحديد مقدار هذه المسافة، أو لتوافر الماء مع غلوِّ ثمنه ووصوله إلى أكثر من ثمن المثل.
عدم القدرة على استعمال الماء بالرّغم من توافره:
ويكون ذلك إمَّا بسبب تواجد الماء بالقُرب من مكانٍ خطر مثل حيوان متوحش وغيره مما يُخشى على النّفس من الاقتراب منه، أو لكون الشَّخص محبوس أو مُكره ولا يستطيع استخدام الماء.
المرض: أو بُطء الشفاء من المرض في حال تمَّ استخدام الماء للوضوء أو الغُسل؛ فلو خشي المسلم على عضوٍ من أعضاء جسده أن يَمرض أو يَزيد مرضه من استعمال الماء، أو تَطول مدة شفاؤه بسبب الماء، فعندها يستطيع التَّيمم ولا يجوز له استخدام الماء للضَّرر المُترتِّب بسببه.
في حال احتياج الماء المُتواجد وعدم كفايته للشخص وللوضوء أو الغُسل معاً، سواءً كان الاحتياج للماء في الحال أم في المستقبل، فإن كان هذا الاحتياج للماء ضروريَّاً بحيث يؤدِّي فقده إلى هلاك الشَّخص أو إلى وقوع أذىً شديدٍ له؛ مثل شدَّة العطش ونحو ذلك، جاز له استخدامه في حاجته ويتمّم عوضاً عن الوضوء أو الغُسل.
في حال شدَّة الحرِّ أو شدَّة البرد؛ بحيث يخاف على نفسه الضَّرر إذا استعمل الماء البارد ولم يستطع تسخينه، ولا يجوز ذلك للوضوء وإن كان الماء بارداً. في حال خاف المسلم خروج الصَّلاة عن وقتها؛ فإن لم يتوفّر الماء وخاف المسلم خروج وقت الصلاة فله التيمّم، أمّا إن ظنّ أنّه سيُدرك ركعة من الصلاة في حال اغتسل أو توضّأ فلا يجوز التيمم، وهذا عند المالكية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ أسباب التَّيمم هي ذاتها أسباب الوضوء؛ فإذا وجب الوضوء على المسلم لأيّ سببٍَّ من أسباب وجوبه؛ مثل إرادة الصَّلاة، أو مسِّ المصحف، أو الطَّواف، ولم يجد الماء، أو في حال تواجده مع عدم القدرة على استعماله، فعندها يجب عليه التَّيمم، ومدَّة التَّيمم تبقى مادام سبب وجوده باقياً؛ بمعنى أنَّ التَّيمم يكون صحيحاً وباقياً ما لم يتوفَّر الماء، أو لم تتوفَّر القدرة على استعماله، فإن تيمَّم الشَّخص لصلاة الضُّحى وبقي على طهارة ولم يتوفَّر الماء بعد أو لم يقدر على استعماله، فيحكم على طهارته بالبقاء.
ويجوز له أن يُصلّي الظُّهر بنفس التَّيمم الأوَّل؛ وسبب ذلك أنَّ التَّيمم يقوم مقام الماء في رفع الحدث وثُبوت الطَّهارة إلى حين وجود الماء، ولا يبطل التَّيمم بمجرد دخول وقت صلاةٍ جديدةٍ ولا بخروج وقتها، بل يبقى ما بقي الشَّخص غير مُحدثٍ وما لم يتواجد الماء، مثله مثل الوضوء، ويرى بعض الفقهاء كالشافعية وجوب التيمّم لكلّ فرض عين.
شروط التَّيمم
للتَّيمم شروطٌ لابدَّ من توافرها لكي يصح؛ وشروط التَّيمم هي ذاتها شروط صحَّة الطَّهارة بالوضوء والغُسل، ولكن يُضاف إليها أمورٌ عدَّة منها ما يأتي:
أن يتواجد السَّبب الذي أجاز التَّيمم، وأن يكون التَّيمم بترابٍ باختلاف أنواعه وألوانه، وأن يكون هذا التُّراب طاهراً، لقوله -تعالى-: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا).
أن لا يكون التُّراب مستعملاً؛ وهو التراب الذي بقي على العضو أو ما تناثر عنه؛ لأنَّ ذلك يُفقده طُهوريَّته فيصبح بالاستعمال طاهراً غير مُطهِّر، ويجوز للمجموعة التَّيمم من مكانٍ واحدٍ، كما يجوز للفرد أن يُعيد التَّيمم أكثر من مرة من نفس التراب، ويُشترط في التراب ألَّا يُخالطه دقيق ونحو ذلك حتى وإن كان قليلاً؛ وعلَّة ذلك أنَّ الدقيق يمنع من وصول التراب للعضو المَمسوح، واشترط الشافعية أن يكون للتراب غُبار فلا يصحُّ بغير التراب ولا بتراب فيه نداوة، بينما أجاز بعض العلماء التَّيمم بالغبار الذي يكون على الجدار أو الثَّوب.
أن يَقصد الشخص التراب
أي يَقصد نَقل التراب إلى العضو المراد مَسحه ولو تمَّ ذلك من خلال غيره جاز أيضاً، المهم ألَّا يكون التراب قد وصل صدفةً إلى العضو وبدون قصده، كأن ينقله الرَّيح عليه، وأن يمسح وجهه ويديه بالتَّراب بضربتين أو بضربةٍ واحدة، وأن يُزيل النَّجاسة أولاً وقبل التَّيمم، فلو تيمَّم بوجود النَّجاسة لم يَجز ذلك، سواءً كانت النَّجاسة في بدنه أو في ثوبه أو في محله.
أن يجتهد الشخص في معرفة القبلة قبل الشروع في التَّيمّم
وذلك من باب إتاحة الوقت الأكبر لِعلَّه وجود الماء في أثناء هذا الفترة، وأن يتيمَّم بعد دخول وقت الصَّلاة سواءً كانت الصَّلاة فريضةً أم نافلة؛ وعلَّة ذلك أنَّ التَّيمم طهارةٌ ضروريَّةٌ لا اختيارية، والضَّرورة لن تحصل إلَّا بدخول وقت الصَّلاة ولا ضرورة قبله.
أن يتيمَّم لكلِّ فرض عين
وذلك لأنَّ التَّيمم وإن كان طهارة إلا أنَّه طهارةٌ ضرورية، لذا تُقدَّر بقدرها، فيُصلِّي بها فرضاً واحداً ويجمع معها ما شاء من النَّوافل، وهو ما ذهب إليه الشافعية، ويجوز جمع أكثر من فرض في تيممٍ واحدٍ للضَّرورة والمشقَّة.
فروض التَّيمُّم يقصد بفروض التَّيمُّم أو أركانه الأمور التي يتوقَّف عليها وجود التَّيمم، وتُعدُّ ركيزةً من ركائزه الأساسيَّة، ولا يصحُّ التَّيمُّم بدونها، وتفصيلها فيما يأتي:
مذهب الحنفيَّة: حيث قَصَروا أركان التَّيمم على رُكنين فقط؛ وذلك لأنَّ الرَُّكن عند الحنفيَّة يقتصر فقط على ما يكون جزءً من حقيقة الشَّي وليس بخارجٍ عنه، نوردهما فيما يأتي: الضَّربتان.
أن يَستوعب المسح وجهه ويديه حتى المرفقين. مذهب الجمهور: للتَّيمم عندهم فروضٌ أربعةٌ أو خمسةٌ على اختلافٍ بينهم:
النِّية: والتي يكون وقتها عند مسح الوجه، ويكون مضمون النِّية استباحة الصَّلاة، ومحلُّها القلب.
مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب: لقوله -تعالى-: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في حدِّ اليد المقصودة بالآية الكريمة؛ فقال الحنفيَّة والشَّافعيَّة إنَّ المقصود مسح اليدين إلى المرفقين مثله مثل الوضوء؛ ولأنَّ التَّيمم يقوم مقامه، بينما قال المالكيَّة والحنابلة بسمح اليدين إلى الكوعين فقط.
التَّرتيب بين عضوي التَّيمُّم الوجه واليدين: وهذا الفرض قال به الشَّافعية والحنابلة، بينما قال المالكيَّة والحنفيَّة باستحباب التَّرتيب لا بوجوبه.
المُوالاة في التَّيمم: بأن يُتابع المسح بين عضوي التَّيمم بلا انقطاع، وهو فرضٌ عند الحنابلة والمالكيَّة، بينما قال الشَّافعية والحنفيَّة بسُنيَّة المُوالاة لا بوجوبها.
الصَّعيد الطَّاهر: وهو فرضٌ عند المالكيَّة، ويُقصد به التَّيمُّم بكلِّ ما صعد على الأرض من أجزائها؛ مثل التُّراب، والحجارة، والحصى، والجليد، والمعادن التي لم تُنقل من محلِّها، ووافق الحنفيَّة المالكيَّة بجواز التَّيمُّم بكلِّ ما صعد عن الأرض ولم يَخصُّ التَّيمُّم بالتُّراب، بينما قال الشَّافعيَّة والحنابلة باقتصار التّيمُّم على التُّراب الطَّاهر ذي الغبار وعدم صحَّة التَّيمُّم بكلِّ ما سوى ذلك.
عدد الضربات؛ فالفرض عند الحنفية والشافعية ضربتان اثنتان؛ واحدةً للوجه، وواحدةً لليدين، وأمَّا المالكية والحنابلة فالفرض عندهم الضَّربة الأولى فقط؛ بأن يضع يديه على التراب، أمَّا الضَّربة الثانية تُعدُّ سنَّةً لا فريضة.
وجوب نزع الشّخص ما يلبسه من خواتم عند التَّيمم؛ وذلك لأنَّ التراب كثيفٌ ولا يَصل إلى ما تحت الخاتم بخلاف الماء.
ويختلف التَّيمم عن الوضوء بعدم وجوب إيصال التراب لمنبت الشعر لصعوبة ذلك، بخلاف الماء الذي يَسهل إيصاله.
كما أنَّ التَّيمم يخلو من المضمضة والاستنشاق بخلاف الوضوء.
سنن التَّيمُّم للتَّيمُّم سننٌ عديدةٌ يُؤجر المسلم على فعلها ولا يُعاقب على تركها، ومن هذه السُّنن: التَّسمية، وتفريق الأصابع عند الضَّرب على التُّراب حتى يثير الغبار أكثر ليَسهل لاحقاً تعميم الوجه به، ويُسنُّ أيضاً تخفيف التُّراب بعد الضَّرب عليه؛ بأن يَنفخ المُتيمِّم على يديه قبل مسح وجهه بهما، ويُسنُّ نزع الخاتم في الضَّربة الأُولى ويجب وجوباً في الضَّربة الثَّانية، ويُسنُّ أن يَبتدئ بمسح أعلى وجهه بالتُّراب كما يَفعل عند الوضوء.
ويُسنُّ التَّيامن في التَّيمم؛ بأن يُقدِّم اليد اليُمنى على اليد اليُسرى، ومسح اليدين إلى المرفقين خُروجاً من الخلاف حول حدِّ اليد الواجب مسحه، ولا تسنُّ الزِّيادة على الضَّربتين بل يقتصر عليهما، ويُسنُّ للمسلم الموالاة في التَّيمم في حال كان الشَّخص لا يُعاني من الحدث الدَّائم، وإلَّا فعندها تجب عليه الموالاة وجوباً، كما يُسنُّ أثناء التَّيمم استقبال القبلة، وأن ينطق بالشَّهادتين بعد فراغه من التَّيمُّم.
مبطلات التَّيمُّم يَبطل التَّيمم بكلِّ ما يَبطل الوضوء به من الأحداث والأسباب وغيرها، فإن كان الشَّخص مُتيمِّماً عن حدثٍ أصغر فيبطُل تيمُّمه بمبطلات الوضوء؛ كالبول والغائط والريح، وإن كان مُتيمِّماً لحدثٍ أكبر فيبطل تيمُّمه بما يُبطل الطَّهارة ويُوجب الغُسل، كما يَبطل التَّيمم أيضاً بزوال السَّبب الذي أجازه؛ فإن وجد الشَّخص الماء بعد فقده أو تمكَّن من استخدامه بعد عدم القدرة على ذلك، بطُل التَّيمم عندها.
إذا تيمَّم لفقد الماء ثمَّ وجده هناك العديد من الحالات التي تندرج تحت هذه المسألة، منها ما هو مُتَّفقٌ عليها ومنها ما هو مختلفٌ فيها كما يأتي:الأمور المُتفَّق عليها: إنَّ الشَّخص الذي قام بالتَّيمُّم إن وجد الماء بعد خُروج وقت الصَّلاة بالكُّليَّة فلا يجب عليه إعادة الصَّلاة.
ما تعدّدت حوله الآراء: إذا وجد الشخص الماء في وقت الصَّلاة؛ فذهب الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلة إلى القول بعدم وجوب إعادة الصَّلاة عليه، ما دام قد بحث عن الماء ولم يُقصِّر في طلبه؛ ولأنَّه صلَّى وأدَّى فرضه كما أُمر فسقط عنه، بينما ذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى القول بانتقاض طهارة المُتيمِّم عند ملاقاته للماء، فعليه إعادة الطَّهارة والصَّلاة مرة أخرى.
وفصَّل الشَّافعيَّة في المسألة؛ فقالوا إن وجد الماء قبل الصَّلاة بطل لأنَّ التَّيمم يُشترط فيه دخول الوقت، وأمَّا إن رأى الماء أثناء صلاته فيَبطل تيمُّمه ويُعيد الصَّلاة، إلَّا أن يكون مسافراً فعندها لا يَبطل تيمُّمه ولا يُعيد الصَّلاة، وأمَّا إن رأى الماء بعد انتهائه من الصَّلاة فعليه إعادتها إن لم يكن مسافراً، وأمَّا إن كان مُسافراً فلا يلزمه الإعادة.
أحكام النَّجاسات أنواع النجاسات النَّجاسة عكس الطَّهارة، وهو اسمٌ يطلق على كلِّ مُستقذرٍ شرعاً، وللنَّجاسات أنواعٌ عدَّة، منها غائط وبول الآدمي، وأمَّا بول الرَّضيع؛ فإن كان ذكراً يُعدُّ طاهراً، وإن كانت أنثى يُعدُّ نجساً لحديث علي -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ في بولِ الغلامِ الرَّضيعِ يُنضَحُ بولُ الغلامِ، ويُغسَلُ بولُ الجاريةِ)، وفيما يتعلَّق ببول ما يُؤكل لحمه من الحيوانات فهي من الأمور المُختلف فيها، ومنها ما هو متَّفقٌّ على طهارته مثل بول الإبل، ومن النَّجاسات أيضاً المذي؛ وهو عبارة عن سائلٍ لزجٍ رقيق يخرج عند الشَّهوة، ولا يخرج دفقاً ولا يعقبه فتورٌ في الشَّهوة، وقد لا يُحس بخروجه، والوَدي؛ وهو ماءٌ ثخينٌ يخرج عقب البول، ويُعدُّ المني من الأمور المُختلف في نجاستها، وأكثر العلماء على أنَّه طاهرٌ وليس بنجس ولكنَّه مُوجبٌ للغُسل، ويُفضَّل إزالته عن المكان الذي أصابه من باب النَّظافه لا لنجاسته.
ومن النَّجاسات دم الحيض، وروث الحيوانات التي لا يُؤكل لحمها، ولُعاب الكلب، ولحم الخنزير، والمَيتة؛ وهي الحيوان الذي مات دون أن يُذكَّى ذكاةً شرعيَّةً، ويُستثنى منه ميتتان السَّمك والجراد للحديث: (أحلَّت لَكُم ميتتانِ ودَمانِ، فأمَّا الميتَتانِ، فالحوتُ والجرادُ، وأمَّا الدَّمانِ، فالكبِدُ والطِّحالُ)، ويُعدُّ نجساً كذلك كل ما انفصل عن الحيوان وهو حيٌّ، فعندها يأخذ هذا الجزء حكم المَيتة، ويُعدُّ نجساً كلُّ ما تبقَّى في الإناء من الطُّيور الجارحة والحيوانات التي لا يُؤكل لحمها، وهو ما يُعرف بسُؤر السِّباع، وكذلك لحم كلِّ ما لا يُؤكل لحمه من الحيوان، وتعدّدت آراء العلماء في حكم الخمر هل يعدُّ نجساً أم لا، ومذهب الجمهور أنَّ الخمر نجس، وقال بعض الفقهاء مثل ربيعة والليث والمزني والألباني بأنَّه طاهر، وأنَّ تحريم الخمر لا يَستلزم نجاسته.
وتعدّدت آراء الفقهاء في حكم دم الإنسان من غير دم الحيض
فقال أصحاب المذاهب الأربعة بأنَّ دم الإنسان نجس، وقال جماعة من المتأخّرين مثل الشوكاني والألباني وابن عثيمين إلى القول بطهارة دم الإنسان، وأمَّا فيما يتعلَّق بقيء الإنسان، فهمنهم من قال بنجاسته ومنهم من قال إنَّه طاهر؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة.
كما تعدّدت آراء العلماء في حكم الإفرازات التي تَخرج من فرج المرأة أو ما يُعرف برطوبة فرج المرأة على قولين: الفريق الأوَّل: إنَّ هذه الإفرازات نجسةٌ ويجب إزالتها؛ لأنَّها خارجة من السَّبيلين فتأخذ حكم ما يخرج منه وهو النَّجاسة.
الفريق الثاني: إنَّ إفرازات فرج المرأة طاهرة؛ لأنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يأمر النِّساء بغسلها، كما أنَّ مخرج الإفرزات يَختلف عن مخرج البول والغائط.
ما يعفى عنه من النجاسات هناك العديد من النَّجاسات التي يُعفى عنها، سواءً كانت في البدن أم في الثَّوب أم في المكان، ويكون سبب العفو عنها عموم البلوى وصعوبة التَّحرّز منها، فيُعفى عمَّا أصاب ثوب وبدن المرأة من بول أو غائط رضيعها أثناء إرضاعه، ويُعفى عن البلل الذي يُحدثه الباسور بشكلٍّ يومي إذا أصاب بدن الشَّخص أو ثوبه، ويُطالب بغسلهما مرةً واحدةً في اليوم، وأمًّا إن أصاب ذلك يده فيغسلها في كلِّ مرة، كما يُعفى عن السَّلس؛ سواءً كان في البول أو الغائط أو المذي أو الودي أو المني، فلا يُطالب بغسلها عن ثوبه أو مكانه أو بدنه إلا مرَّة واحدة إن كانت تسيل باستمرار.
ويُعفى أيضاً عمَّا يصيب بدن وثوب كلٍّ من الطَّبيب والجزار من الدِّماء أثناء ممارستهم لأعمالهم، كما يُعفى عن الدَّم الذي يُصيب بدن وثوب المُصلِّي إن كان قليلاً، ويُعفى من النَّجاسات ما أصاب بدن وثوب الشَّخص من بولِ وروث البغال والخيل والحمير إن كان يُباشر عمله بجوارها، لصعوبة احترازه منها، ويُعفى عن كلٍّ من أثر الذُّباب والنَّاموس، وأثر دم موضع الحجامة، والطِّين العالق بالحذاء والمُختلط بالنَّجاسة، وغائط البراغيث وإن كثر، والماء الذي يَخرج من فم النَّائم إن كان خارجاً من المعدة، ومَيتة القمل إن كانت قليلة.
ويُعفى عن البخار الذي يخرج من النَّجاسات وإن علقت رائحته بالثَّوب أو الجسد، ويُعفى عن رشاش البول الرَّقيق، وعن نجاسة ميتة الغنم والإبل إن وقعت في بئر، فعندها لا تنجُس الماء بهما، ويُعفى عن روث السَّمك بالماء ما لم يغيّره، وعن الدَّم الباقي في اللَّحم والعظم، وعن بول وروث البهائم إن أصابت الحبَّ حين درسه، وعمَّا يصيب اللَّبن من روثٍ أو نجاسةٍ عند حلبه من ثدي الحيوان، ويُعفى كذلك عمَّا يُصيب العسل من روث الحيوانات إن صُنع بها بيت النحل، وعن نجاسة فمِ الرَّضيع عند ملامسته لثدي أُّمِّه، وما يَسقط في السَّائل من نملٍ وغيره إن لم يُغيّره.
ما تزال به النجاسات الأصل في التَّطهير أن يكون من خلال الماء، وأن يكون ذلك الماء طُهوراً، فلا يقوم مقامه شيء إلَّا بإذن الشَّارع، وهذا قول الجمهور، بينما قال أبو حنيفة بجواز التَّطهير بكلِّ ما يُزيل النَّجاسة ولا يُشترط الماء، فمتى ما زالت النَّجاسة بأيِّ شيءٍ تحقّقت الطَّهارة، ويتمُّ تطهير النَّجاسات وإزالتها بطرقٍ متنوِّعةٍ بحسب اختلافها وبحسب الطَّريقة التي وردت في الشَّرع بشأنها؛ فيتمُّ تطهير الحذاء مثلاً من خلال المسح وتتابع المشي به، ويتمُّ تطهير المُتنجِّس الذي لا يُمكن غسله مثل الأرض والبئر بصبِّ الماء عليه، أو بسحب الماء منه حتى تختفي أثر النَّجاسة.
ويكون تطهير الثَّوب من الحيض بفركه ودلكه بأطراف الأصابع ليخرج جسمه، ثمَّ يُزال أثره بالماء، أمَّا تطهير الثَّوب من بول الرَّضيع فيكون بالنَّضح إن كان الرضيع ذكراً، وبالغسل إن كانت أنثى، ويُطهَّر الثوب الذي أصابه المذي برشِّ الموضع بالماء، ويُطهَّر ذيل ثوب المرأة الذي يُصيب الطَّريق بمجرد ملامستة للأرض الطَّاهرة، ويكون تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله سبع مراتٍ وأوَّل هذه المرات يكون بالتُّراب، ويُطهَّر جلد المَيتة بدباغته، وإن أصاب البول الأرض يُصبُّ عليه الماء صبَّاً.
ويتمُّ تطهير مكان السَّبيلن بالاستنجاء؛ أي من خلال استخدام الماء، أو بالاستجمار الذي يتم من خلال استخدام الحجر أو الورق؛ على أن تكون الحجارة ونحوها مما يُستخدم في الاستجمار من الأشياء الجامدة والتي تُزيل النَّجاسة، وأن يكون عددها ثلاثاً فأكثر.
وبالرُّغم من صحَّة الاستجمار إلَّا أنَّ الاستنجاء باستخدام الماء أفضل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ خروج الرّيح لا يُوجب الاستنجاء أو الاستجمار.
أنواع الطهارة
قسّم العلماء الطهارة إلى عدّة تقسيمات، ويُلاحظ أنّها كلّها تصبُّ في نفس المعنى وإن اختلفت الألفاظ الدَّالة عليها، ومن ذلك أنّ الطَّهارة الشَّرعيَّة إلى قسمين كما يأتي:
القسم الأوَّل: الطَّهارة الحقيقيَّة: وتشمل الطَّهارة من الخبائث والنَّجائس، ويكون محلُّ هذه الطَّهارة الجسم، واللِّباس، والمكان.
القسم الثَّاني: الطَّهارة الحُكميَّة: وهي الطَّهارة التي تتضمَّن الطُّهر من الحدث، لذا يكون محلُّها الجسم فقط ولا تتعلَّق باللِّباس ولا بالمكان، وتنقسم الطَّهارة الحكمية إلى ثلاثة أنواع كما يأتي: طهارة كُبرى: والتي تتمُّ من خلال الغُسل.
طهارة صُغرى: والتي تتمُّ من خلال الوضوء. التَّيمم: وهو البدل عن الطَّهارة الكُبرى والصُّغرى والذي يُلجأ إليه عند تعذُّر كلا النوعين السَّابقيْن.
ويمكن تقسيم الطَّهارة في الشَّرع تقسيماً آخر كما يأتي:النَّوع الأوَّل: الطَّهارة الحسيَّة: وهي الطَّهارة التي تتعلَّق بطهارة الجوارح؛ وتشتمل على كلٍّ من الطَّهارة من الحدث؛ من خلال الغُسل، والوضوء، والتَّيمم، والطَّهارة من الخبث؛ والذي يكون من خلال الغسل والمَسح والنَّضح.
النَّوع الثَّاني: الطَّهارة المعنويَّة: وهي الطَّهارة التي تتعلَّق بالقلب وسلامته من أثر الذُّنوب التي تُحدثها الجوارح.
وقسّم بعض العلماء الطَّهارة إلى طهارة الظَّاهر وطهارة الباطن، وبيانهما فيما يأتي:[٣] طهارة الظَّاهر: فهي الطَّهارة التي يكون محلُّها الجسم، والثَّوب، والمكان، وتتعلَّق بزوال الخبث والنَّجس منهم.
طهارة الباطن: فهي الطِّهارة التي يكون محلُّها القلب، وتتعلَّق بزوال كل الصِّفات السَّيئة منه؛ مثل الحسد، والشِّرك، والكِبر، والكُفر، والنِّفاق، ونحو ذلك، وإبدالها بالصِّفات الحميدة من مثل الإيمان والتَّوحيد، والإخلاص، الصِّدق، والتَّوكل على الله -تعالى-، وغيرها من الصِّفات المحمودة.
أحكام الوضوء
للوضوء أحكامٌ وتفصيلاتٌ متعدِّدةً، نوردها مفصَّلةً فيما يأتي: أسباب الوضوء قال جمهور الفُقهاء من الشَّافعية والمالكيَّة والحنفيَّة ورأي عند الحنابلة أنَّ سبب وجوب الوضوء هو إرادة المسلم للشُّروع في الصِّلاة مع وجود الحَدث، واستدلوا بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْ)، حيث فسَّر ابن عباس -رضي الله عنه- هذه الآية الكريمة بأنَّ الوضوء يجب على من قام إلى الصَّلاة مُريداً إياها وهو مُحدثٌ، ولحديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ).
ويجب الوُضوء أيضاً عند إرادة الطَّواف بالبيت الحرام؛ سواءً كان هذا الطَّواف فريضةً أم نافلةً، ودليل ذلك فعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، حيث إنَّه كان يتوضَّأ قبل أن يطوف، ولحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قالَتْ: فَشَكَوْتُ ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: افْعَلِي كما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي)حيث إنَّ الرَّسول- صلَّى الله عليه وسلَّم- منعها من الطَّواف ما دامت حائضاً لاشتراط الطُّهر للطواف والوضوء له، ويجب الوضوء أيضاً إن أراد المسلم مسَّ المُصحف مباشرةً بلا حائل، لقوله -تعالى-: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
ويُستحبُّ الوضوء بلا وجوبٍ في أحوال عدَّة، نذكر منها ما يأتي: عند قراءة القُرآن بدون مسِّ المُصحف.
عند ذكر الله -سُبحانه وتعالى- بكافَّة الأذكار المتنوِّعة. تجديد الوضوء عند كلِّ صلاة؛ حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ).
الجنب الذي يريد معاودة الجماع، لقول الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتَى أحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ أرادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ).
كما يُستحبُّ الوضوء للجُنب إن أراد النَّوم، أو الأكل، أو الشُّرب، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وهو جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ).
قبل الغُسل
حيث يُستحبّ لمن أراد الغُسل أن يسبقه بوضوءٍ لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أنْ يُدْخِلَ يَدَهُ في الإنَاءِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ)
قبل النَّوم
فيستحب لمن أراد النَّوم أن يتوضَّأ قبله لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ).
شروط الوضوء
يُشترط لصحَّة الوضوء شروطٌ عدَّةٌ، نوردها فيما يأتي: أن يعمَّ الماء الطَّهور البشرة في أماكن الوضوء الواجبة، بحيث لو بقي جزءٌ منها بدون أن يصله الماء ولو بمقدارٍ يسير بطل الوضوء، وقال الشَّافعيَّة بوجوب شمول الماء على المكان الواجب في الوضوء وما يُحيط به؛ ولذلك لضمان تحقُّق المطلوب في عموم الماء للمكان الواجب.
إزالة كلُّ ما يَمنع من وصول الماء إلى البشرة في الأماكن الواجب غسلها في الوضوء؛ وهذا يتضمَّن كل ما له جسم يَحول بين الماء وبين البشرة؛ مثل الشَّمع، والعجين، والطّين، وكلُّ ما يشكِّل حائلاً يمنع من وصول الماء للجسد.
انقطاع الحدث عند القيام بالوضوء.
أن يعلم المُتوضِّئ الكيفيَّة الصَّحيحة للوضوء؛ فلا بدَّ لإتمام الوضوء بالشَّكل المطلوب أن يتعلَّمه الشَّخص حتى يضمن أداءه بالشَّكل الصَّحيح، وأضاف الشافعية وجوب معرفة الشَّخص لسُنن الوضوء وفُروضه، وأن يُميِّز كل منهما عن الآخر أثناء قيامه بذلك.
النِّية
بحيث يَستحضر الشَّخص نيَّة الوضوء عند إرادته الوضوء؛ لأنَّ الوضوء عبادةٌ، لذلك افتقر إلى النَّية حتى يصحَّ ويترتَّب عليه الأجر مثلُه مثل سائر العبادات، ويُشترط أيضاً في النِّية عدم وجود صارف عنها؛ حيث إنَّ نيَّة الوضوء يجب أن تستمر طيلة مدَّة الوضوء وألَّا يقطعها شيء.
جريان الماء على العضو الواجب في الوضوء، وقاله الشافعيّة.
أن يكون الماء المُستخدم للوضوء مباحاً استخدامه، ولا يصح ُّبالماء المُحرَّم؛ وهو الماء المَملوك للآخر وبدون رضاه، وهو قول الحنابلة.
ويُشترط في الشَّخص الذي يُريد الوضوء عدَّة أمورٍ حتى يصحَّ الوضوء منه؛ ومن هذه الشّروط: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، وإن كان الشَّخص من أصحاب الأعذار؛ بأن يكون حدثه مستمٌر، فيجب عليه أن يَنتظر دخول وقت الفَرض من صلاةٍ أو غيره قبل أن يتوضَّأ، وإن توضَّأ قبل دخول وقت الفرض لم يصحَّ وضوءه، وإن وجد شيئاً من النَّجاسات في موضع البول والغائط وجب عليه إزالته بالتطهّر منه قبل البدء بالوضوء.
فروض الوضوء
يُقصد بالفرض ما طلب الشَّارع فعله على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يُثاب فاعله ويُعاقب تاركه، وللوضوء فروضٌ ثمانية؛ منها ما هو متفّقٌ على فرضيَّته ومنها ما هو مُختلف في فرضيَّته، ونورد هذه الفروض فيما يأتي: النِّية: ويُقصد بها قصد الوضوء وإرادته، ويكون وقت وجوب النِّية عند البدء في أوَّل الوضوء، وهو غَسل الوجه، ويُغتفر تقديم النِّية عن أوَّل الوضوء بزمنٍ قليلٍ، ويكون محلُّ النِّية في القلب ولا يُتلفَّظ بها باللسان، وكيفيَّة النيَّة؛ أن ينوي المُتوضّئ الوضوء، أو ينوي رفع الحدث، وتجدر الإشارة إلى أنَّ فرض النِّية من الفُروض المختلف فيها؛ حيث أوجبها الجمهور لصحَّة الوضوء، بينما قال الحنفيَّة بسُنِّتيها لا بفرضيِّتها؛ فلو أنَّ شخصاً اغتسل للتَّبرُّد والنَّظافة ولو ينوِ الوضوء جاز عندهم، بخلاف الجمهور الذين اشترطوا النِّية لاعتبار الوضوء.
غسل الوجه: وهو من الفروض المتَّفق عليها لثبوتها بالقرآن والسُّنة والإجماع؛ فمن القرآن الكريم قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وحدود الوجه تبدأ من مَنبت شعر الرأس إلى أسفل الذَّقن طولاً، ومن شحمة الأُذُن اليمنى إلى شحمة الأُذُن اليسرى عرضاً.
غسل اليدين إلى المِرفقين: وهذا الفرض أيضاً مُجمعٌ على فرضيَّته في الوضوء لقوله -تعالى-: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)،ولا خلاف أيضاً على أنَّ المرفقين يدخُلان في الغُسل ويَشملهُما، فبهذا تكون اليد المُشار إليها في الآية تبدأ من أطراف الأصابع وتنتهي بالمرافق، ويجبُّ على من يرتدي خواتم ضيِّقة أن يقوم بتخليلها حتى يتأكَّد من وصول الماء إلى البشرة.
مسحُ الرأس: وهو من الفروض المُجمع عليها، ودليله الآية الكريمة: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ)، ويُشرع مسح جميع الرأس وتعميمه بالماء لفعل الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك، ولكن الآية لا تَفرض تعميم الرأس بالماء، بل الفرض مسح بعض الرأس، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في المقدار الواجب في مسح الرأس؛ فقال الإمام مالك بوجوب مسح الرَّأس كلِّه للاحتياط، وقال الشَّافعيَّة إنَّ المسح الواجب يتحقَّق بأقلِّ مقدارٍ يُطلق عليه المسح ولو بلغ ذلك شعرةً من مَنبتها في الرَّأس، وقال الحنفيَّة إنَّ المقدار الواجب هو رُبع الرَّأس.
غسل الرِّجلين مع الكعبين: وهو من الفروض المُتَّفق عليها بالإجماع، بدليل الآية الكريمة: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن)، حيث إنَّ الأرجل منصوبةٌ عطفاً على الوجه الذي يُغسل، ولم تُعطف على الرَّأس الذي يُسمح؛ لذا تُغسل الأرجل ولا تُمسح، ويشمل غسل الأرجل الكعبين، وهما العظم النَّاتئ عند مفصل السَّاق والقدم، وقد حذَّر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عدم غسلهما في الحديث فقال: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ).
التَّرتيب بين هذه الفروض: وذلك لأنَّ الله -تعالى- رتَّبها في الآية الكريمة وقام بإدخال ممسوحٍ بين مغسولين؛ فدلَّ ذلك على أنَّ هذا التَّرتيب مقصودٌ بذاته، وإلِّا لذُكر المتشابه ثمَّ المُختلف، وقال الحنفيَّة والمالكيَّة بسُنيَّة التَّرتيب لابفرضيَّته.
المُوالاة: ويُقصد بها الإتيان بالفروض تباعاً بلا فاصلٍ يفصل بينها وقبل جفاف العضو السَّابق من الماء، وقال الحنفيَّة بسُنيَّة الموالاة لا بفرضيَّتها.
الدَّلك: أي تمرير اليد على العضو مع الماء أو بعده، وهو فرضٌ عند المالكيَّة فقط، وسُنَّةٌ عند الجمهور.
سنن الوضوء للوضوء سننٌ عديدة، نورد بعضها فيما يأتي:
استعمال السِّواك عند الوضوء، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ علَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ).
التَّسمية في أوَّل الوضوء.
غسل الكفَّين ثلاثاً قبل البدء بالوُضوء، والمضمضة والاستنشاق والمُبالغة فيها لغير الصَّائم.
تخليل كلٍّ من الأصابع في اليدين والرِّجلين، وتخليل اللِّحية في حال كانت كثيفةً؛ وذلك لضمان وصول الماء إلى هذه الأماكن.
التَّيامن في الوضوء؛ بحيث يبدأ المُتوضِّئ بغسل الجهة اليُمنى من العضو الواجب في الوضوء ثم يُتبعه بالجهة اليسرى.
إعادة غسل كلِّ الوجه واليدين والرِّجلين ثلاث مراتٍ.
الدُّعاء بعد الوضوء وقول الأذكار الخاصَّة فيه، حيث قال الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ).
صلاة ركعتي الوضوء بعد الإنتهاء منه.
نواقض الوضوء
نواقض الوضوء عديدة، منها كلُّ ما يخرج من السَّبيلين من البول، والغائط، والدَّم، والمَني، والمَذي، والرِّيح، سواءً كان الخارج منهما قليلاً أو كثيراً، ويُنتقض الوضوء بزوال العقل؛ سواءً كان ذلك بالنَّوم العميق أو بالإغماء أو السُّكر أو الجُنون، فمتى ما زال العقل انتقض الوضوء، ويُنقض الوضوء أيضاً بمسِّ فرج الآدمي من خلال اليد مباشرةً وبدون حائل بينهما، ويَنتقض بالأمور التي تُوجب الغُسل مثل الحيض، والنِّفاس، والجنابة، والدُّخول في الإسلام، وكذلك بالرِّدة عن الإسلام، كما يُنتقض الوضوء من خلال مسِّ الرَّجل للمرأة بشهوةٍ، أو مسِّ المرأة للرَّجل بشهوةٍ.
أحكام الغسل
موجبات الغسل يُقصد بالغُسل إفاضة الماء الطَّهور على البدن بحيث يعمُّه جميعاً وعلى وجهٍ مخصوصٍ، وهناك العديد من الأمور التي تُوجب الغُسل على المسلم؛ منها خروج المَنيّ، لقوله -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، سواءً خرج من الرَّجل أم من المرأة، باليَقظة أو بالنَّوم، وتعدّدت آراء الفقهاء في اشتراط نُزول المَني بشهوةٍ لكي يكون موجباً للغُسل؛ بحيث ذهب الجمهور إلى القول باشتراط الشَّهوة في المني لإيجاب الغُسل، بينما قال الشَّافعيَّة بأنَّ نزول المنيِّ مُطلقاً موجبٌ للغُسل وإن كان بغير شهوةٍ، وإن خَرج المني خلال النَّوم وتذكَّر الشَّخص أنَّه احتلم فعندها يجب الغُسل عليه، وإن وجده بعد اليقظة ولم يَذكر احتلاماً كذلك يجب عليه الغُسل ما دام المنيُّ موجوداً.
أمَّا إن وجد بللاً ولم يَعرف هل هو منيٌّ أم لا، فقد تعدّدت آراء الفقهاء في هذا المسألة بين مُوجبٍ للغُسل من باب الاحتياط وبين من لم يُوجب الغسل؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة، وإن اغتسل الشَّخص من المني ثمَّ عاود النُّزول مرةً أخرى، فالصّواب عدم وجوب الغُسل عليه مرةً أخرى ما دام نُزوله لم يكن بشهوةٍ؛ أمَّا إذا كان سبب النُّزول شهوةً جديدةً طَرأت عليه بعد الغُسل الأوَّل، فعندها وجب عليه غُسلٌ جديدٌ.
ويجب الغُسل أيضا بالتقاء الخِتانين -أي الجِماع-، فبوقوع الجماع الفِعلي يجب الغُسل على كلٍّ من الرَّجل والمرأة، وإن لم يَترتَّب عليه نزولٌ للمني، ويجب الغسل أيضاً في كلٍ من الحيض والنِّفاس، لقوله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ومن السُّنة قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي)، بالإضافة إلى إجماع العلماء على وجوب الغُسل على الحائض والنّفساء، كما يجب الغُسل أيضاً بالموت؛ فإذا مات المسلم وجب على المسلمين تَغسيله، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في شخصٍ توفَّاه الله بالحجِّ: (غْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ)، ويستثنى من وجوب غسل من مات من المسلمين؛ الشُّهداء فإنَّهم لا يُغَسَّلون.
ويعدُّ إسلام الكافر واحداً من الأمور التي تُوجب الغُسل عليه؛ وهو قول المالكيَّة والحنابلة، ودليلهم ما جاء عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما عرف أنَّ ثمامة بن أثال -رضي الله عنه- دخل الإسلام، فأمره بالاغتسال، بينما قال الحنفيَّة والشَّافعيَّة بعدم وُجوب الغُسل على الكافر عند إسلامه إن كان على غير جَنابة، وإنَّما يُستحبُّ له ذلك، أمَّا إن كان على جنابةٍ فيجب الغُسل عليه لهذا السَّبب لا لإسلامه، ودليلهم وجود العديد من الأشخاص الذين دخلوا الإسلام بدون أن يأمرهم الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالاغتسال، وبهذا يُفهم أمره لثمامة -رضي الله عنه- بالاغتسال من قَبيل الاستحباب لا الوجوب.
الأغسال المستحبة هناك العديد من الأغسال التي يُستحبُّ للمسلم القيام بها، ومنها ما يأتي: كما ويُستحب الإغتسال عند كلِّ جِماعٍ جديد.
غُسل الجُمعة
وهو في الحقيقة من الأغسال التي تعدّدت آراء الفقهاء في حكمها؛ فهناك من قال بوجوبها على من أتى صلاة الجُمعة، وينسب هذا القول للإمام مالك، وابن عثميمن، وهناك من قال باستحباب غُسل الجمعة لا وجوبه، وهذا هو مذهب الجُمهور من علماء السَّلف والخلف، والرَّأي الثَّالث قال بوجوب غُسل الجمعة فقط على من له عرَقٌ أو ريحٌ ممَّا يؤذي الآخرين من المُصلِّين، وهذا قول للإمام أحمد وقول ابن تيمية، ويبدأ وقت الغُسل من فجر الجُمعة إلى صلاتها، ويُسنُّ غُسل الجمعة للمرأة أيضاً إن أتت الصَّلاة.
غُسل العيدين
ومن العلماء من قال بوجوبه، والصَّحيح الاستحباب لا الوجوب، فيُستحبُّ لمن أراد حضور صلاة العيدين الاغتسال قبلهما.
من قام بتغسيل الميِّت يستحبُّ له الاغتسال، ولمن دخل مكَّة، ولمن أحرم، سواءً أكان إحرامه بحجٍّ أم بعمرةٍ، لفعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك.
استحباب الغسل للمجنون وللمُغمى عليه إن أفاقا من الجُنون أو الإغماء.
الاغتسال يوم عرفة.
اغتسال المُستحاضة
لكلِّ صلاةٍ جديدةٍ، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فأمَرَهَا أنْ تَغْتَسِلَ، فَقالَ: هذا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)، كما تستطيع أن تجمع للظُّهر والعصر غُسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غُسلا واحداً.
الاغتسال بعد دفن المشرك.
فروض الغسل للغسل فروضٌ عدَّة لا بدَّ من الإتيان بها حتى يقع الغُسل صحيحاً، نوردها فيما يأتي
النِّية
حيث وجب على من أراد الغُسل أن ينويه في قلبه، لأنَّ النِّية تجب في كلِّ العبادات، للحديث الشهير: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، وقد ذهب الجمهور من المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة إلى القول بفرضيِّتها للحديث السَّابق، بينما قال الحنفيَّة بعدم فرضيَّة النِّية في الغُسل، بل قالوا بسُنِّيتها، ومن اجتمع عليه سَببان من أسباب الغُسل؛ مثل غُسل الحيض والجنابة، فيُجزِئ عندها غُسلٌ واحدٌ عن كلا السَّببين على الصَّحيح من قول الفقهاء.
أن يَعمُّ الماء جميع أجزاء البدن: وهذا من الفروض المتَّفق عليها في الغُسل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ البدن يُراد به البشرة وما نَما عليها من شعر، لذا لا بدَّ من إيصال الماء لكِليهما لكي يصحَّ الغُسل.
أمَّا فيما يتعلَّق بالمضمضة والاستنشاق
فقد ذهب الحنفيَّة والحنابلة إلى وُجوبهما في الغُسل، بينما قال المالكيَّة والشَّافعيَّة بعدم وجوبهما في الغُسل.
أما حكم نقض المرأة لظفائرها أثناء الغُسل، وهل يُعدُّ من الأمور الواجبة أم لا؛ فقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والمالكيَّة إلى القول بعدم وُجوب ذلك على المرأة في الغُسل، وإنما يكفى وُصول الماء لجذور شعرها، وهذا هو الحدُّ المطلوب، وأمَّا إذا لم يصل الماء لأُصول الشَّعر فوجب عليها عندها نقضه، بينما قال الحنابلة بعدم وجوب نقض الظفائر في غُسل الجنابة، ووجوبه في غُسل الحيض والنِّفاس.
المُولاة
وهومن الفروض المُختلف فيها، ويعني المُتابعة في غسل الأعضاء وعدم التَّأخير بينها بحيث يجفُّ العضو السَّابق قبل البدء بغسل العُضو اللاَّحق، والذين قالوا بوجوب الموالاة هم المالكيَّة، وابن تيمية، بينما قال الحنفية والشافعية بأنَّ الموالاة في الغُسل سُنَّةٌ وليس بفرض.
سنن الغسل
للغُسل سننٌ عدَّة يُستحبّ الإتيان بها ويُؤجر المسلم عليها، ومن هذه السُّنن ما يأتي:
التَّسمية
حيث قال جمهور العلماء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والمالكيَّة بسنيَّة التَّسمية عند الغُسل، بينما قال الحنابلة بوجوبها.
غسل الكفَّين إلى الرُّسغين ثلاثاً قبل البدء بالغُسل
لحديث ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-: (وَضَعْتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا).
أن يُزال الأذى من نجاسةٍ ونحوه قبل البدء بالغُسل:
حيث إنَّ إزالتها واجبةٌ في نفسها ولكن ما يُسنُّ هنا هو تقديم ذلك على الغُسل.
الوضوء
قبل الغُسل: لفعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كما يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ)، مع تعدّد أقوال العلماء في إشراك القدمين في هذا الوضوء الذي يسبق الغُسل أو تأخيرهما حتى ينتهي من الغُسل.
التَّيامن
بأن يبدأ المُغتسِل بإفاضة الماء وإيصاله لجزء بدنه الأيمن ثمَّ يُتبعه بالجزء الأيسر، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ).
ثليث الغُسل
والمُراد فيه أن يَغسل كلَّ عضوٍ من أعضاء الجسد الواجب غسله ثلاث مرَّات، وهذا قول الجمهور، بينما ذهب المالكيَّة إلى القول بأنَّ التَّثليث لا يُستحبُّ في الغُسل وليس بسُنَّة.
أحكام عامة في الغسل هناك بعض المسائل التي تتعلَّق بالغُسل والتي لا بدَّ من الإشارة إليها لأهميَّتها، ومن هذا المسائل أنَّ مقدار الماء الذي يُسنُّ الاغتسال به يبلغ خمسة أمداد -والمُدّ وحدة قياس للحجم ويُقدَّر بمقدار ملْء كفَّي الإنسان المعتدل-، ممَّا يدلُّ على عدم جواز الإسراف بالماء لغير حاجةٍ وإن كان ذلك في الغُسل.
ومن المسائل أيضاً قيام الغُسل محلُّ الوضوء
بحيث لو اغتسل المسلم ولم يتوضَّأ قام غُسله محلَّ الوضوء وأجزأ عنه ذلك، كما يَجوز للرَّجل أن يغتسل من الجنابة مع زوجته من نفس الإناء.
ويُسنُّ للجُنب الاغتسال بعد الجماع وقبل النوم، ويَجوز له النَّوم على الجنابة بدون غُسل، كما يجوز للرَّجل أن يغتسل ببقيَّة الماء الذي اغتسلت زوجته فيه من الجنابة، ويجوز لها أن تغتسل بما تبقَّى من الماء الذي اغتسل فيه زوجها، وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في نيَّة من اجتمع عليه أكثر من غُسل على أربعة أقوال:
القول الأوَّل: أن ينوي رفع الحدثين معاً فيرتفع الاثنان.
القول الثَّاني: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط بحيث يُجزئ هذا عن الحدث الأصغر أيضاً.
القول الثَّالث: أن ينوي ما لا يتمُّ إباحته إلا بالوضوء؛ مثل الصَّلاة أو الطَّواف، فبذلك يرتفع عنه الحدث وإن لم ينوِ رفعه. القول الرَّابع: أن ينوي استباحة ما يُباح بالغُسل مثل قراءة القرآن، فعندها يرتفع الحدثان معاً.
أحكام التيمم
الأسباب الموجبة للتيمم يُباح التَّيمم للمسلم في حالاتٍ عدَّة كما يأتي: فقد الماء أو عدم كفايته للوضوء أو الغُسل: ويُعرف هذا بالفقد الحسِّي للماء، كما يجوز التَّيمم أيضاً عند فقد الماء الشَّرعي؛ ومعناه وجود الماء مع عدم استطاعة الوصول إليه، إمَّا لبُعد المسافة عنه وعلى إختلاف بين الفقهاء في تحديد مقدار هذه المسافة، أو لتوافر الماء مع غلوِّ ثمنه ووصوله إلى أكثر من ثمن المثل.
عدم القدرة على استعمال الماء بالرّغم من توافره:
ويكون ذلك إمَّا بسبب تواجد الماء بالقُرب من مكانٍ خطر مثل حيوان متوحش وغيره مما يُخشى على النّفس من الاقتراب منه، أو لكون الشَّخص محبوس أو مُكره ولا يستطيع استخدام الماء.
المرض: أو بُطء الشفاء من المرض في حال تمَّ استخدام الماء للوضوء أو الغُسل؛ فلو خشي المسلم على عضوٍ من أعضاء جسده أن يَمرض أو يَزيد مرضه من استعمال الماء، أو تَطول مدة شفاؤه بسبب الماء، فعندها يستطيع التَّيمم ولا يجوز له استخدام الماء للضَّرر المُترتِّب بسببه.
في حال احتياج الماء المُتواجد وعدم كفايته للشخص وللوضوء أو الغُسل معاً، سواءً كان الاحتياج للماء في الحال أم في المستقبل، فإن كان هذا الاحتياج للماء ضروريَّاً بحيث يؤدِّي فقده إلى هلاك الشَّخص أو إلى وقوع أذىً شديدٍ له؛ مثل شدَّة العطش ونحو ذلك، جاز له استخدامه في حاجته ويتمّم عوضاً عن الوضوء أو الغُسل.
في حال شدَّة الحرِّ أو شدَّة البرد؛ بحيث يخاف على نفسه الضَّرر إذا استعمل الماء البارد ولم يستطع تسخينه، ولا يجوز ذلك للوضوء وإن كان الماء بارداً. في حال خاف المسلم خروج الصَّلاة عن وقتها؛ فإن لم يتوفّر الماء وخاف المسلم خروج وقت الصلاة فله التيمّم، أمّا إن ظنّ أنّه سيُدرك ركعة من الصلاة في حال اغتسل أو توضّأ فلا يجوز التيمم، وهذا عند المالكية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ أسباب التَّيمم هي ذاتها أسباب الوضوء؛ فإذا وجب الوضوء على المسلم لأيّ سببٍَّ من أسباب وجوبه؛ مثل إرادة الصَّلاة، أو مسِّ المصحف، أو الطَّواف، ولم يجد الماء، أو في حال تواجده مع عدم القدرة على استعماله، فعندها يجب عليه التَّيمم، ومدَّة التَّيمم تبقى مادام سبب وجوده باقياً؛ بمعنى أنَّ التَّيمم يكون صحيحاً وباقياً ما لم يتوفَّر الماء، أو لم تتوفَّر القدرة على استعماله، فإن تيمَّم الشَّخص لصلاة الضُّحى وبقي على طهارة ولم يتوفَّر الماء بعد أو لم يقدر على استعماله، فيحكم على طهارته بالبقاء.
ويجوز له أن يُصلّي الظُّهر بنفس التَّيمم الأوَّل؛ وسبب ذلك أنَّ التَّيمم يقوم مقام الماء في رفع الحدث وثُبوت الطَّهارة إلى حين وجود الماء، ولا يبطل التَّيمم بمجرد دخول وقت صلاةٍ جديدةٍ ولا بخروج وقتها، بل يبقى ما بقي الشَّخص غير مُحدثٍ وما لم يتواجد الماء، مثله مثل الوضوء، ويرى بعض الفقهاء كالشافعية وجوب التيمّم لكلّ فرض عين.
شروط التَّيمم
للتَّيمم شروطٌ لابدَّ من توافرها لكي يصح؛ وشروط التَّيمم هي ذاتها شروط صحَّة الطَّهارة بالوضوء والغُسل، ولكن يُضاف إليها أمورٌ عدَّة منها ما يأتي:
أن يتواجد السَّبب الذي أجاز التَّيمم، وأن يكون التَّيمم بترابٍ باختلاف أنواعه وألوانه، وأن يكون هذا التُّراب طاهراً، لقوله -تعالى-: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا).
أن لا يكون التُّراب مستعملاً؛ وهو التراب الذي بقي على العضو أو ما تناثر عنه؛ لأنَّ ذلك يُفقده طُهوريَّته فيصبح بالاستعمال طاهراً غير مُطهِّر، ويجوز للمجموعة التَّيمم من مكانٍ واحدٍ، كما يجوز للفرد أن يُعيد التَّيمم أكثر من مرة من نفس التراب، ويُشترط في التراب ألَّا يُخالطه دقيق ونحو ذلك حتى وإن كان قليلاً؛ وعلَّة ذلك أنَّ الدقيق يمنع من وصول التراب للعضو المَمسوح، واشترط الشافعية أن يكون للتراب غُبار فلا يصحُّ بغير التراب ولا بتراب فيه نداوة، بينما أجاز بعض العلماء التَّيمم بالغبار الذي يكون على الجدار أو الثَّوب.
أن يَقصد الشخص التراب
أي يَقصد نَقل التراب إلى العضو المراد مَسحه ولو تمَّ ذلك من خلال غيره جاز أيضاً، المهم ألَّا يكون التراب قد وصل صدفةً إلى العضو وبدون قصده، كأن ينقله الرَّيح عليه، وأن يمسح وجهه ويديه بالتَّراب بضربتين أو بضربةٍ واحدة، وأن يُزيل النَّجاسة أولاً وقبل التَّيمم، فلو تيمَّم بوجود النَّجاسة لم يَجز ذلك، سواءً كانت النَّجاسة في بدنه أو في ثوبه أو في محله.
أن يجتهد الشخص في معرفة القبلة قبل الشروع في التَّيمّم
وذلك من باب إتاحة الوقت الأكبر لِعلَّه وجود الماء في أثناء هذا الفترة، وأن يتيمَّم بعد دخول وقت الصَّلاة سواءً كانت الصَّلاة فريضةً أم نافلة؛ وعلَّة ذلك أنَّ التَّيمم طهارةٌ ضروريَّةٌ لا اختيارية، والضَّرورة لن تحصل إلَّا بدخول وقت الصَّلاة ولا ضرورة قبله.
أن يتيمَّم لكلِّ فرض عين
وذلك لأنَّ التَّيمم وإن كان طهارة إلا أنَّه طهارةٌ ضرورية، لذا تُقدَّر بقدرها، فيُصلِّي بها فرضاً واحداً ويجمع معها ما شاء من النَّوافل، وهو ما ذهب إليه الشافعية، ويجوز جمع أكثر من فرض في تيممٍ واحدٍ للضَّرورة والمشقَّة.
فروض التَّيمُّم يقصد بفروض التَّيمُّم أو أركانه الأمور التي يتوقَّف عليها وجود التَّيمم، وتُعدُّ ركيزةً من ركائزه الأساسيَّة، ولا يصحُّ التَّيمُّم بدونها، وتفصيلها فيما يأتي:
مذهب الحنفيَّة: حيث قَصَروا أركان التَّيمم على رُكنين فقط؛ وذلك لأنَّ الرَُّكن عند الحنفيَّة يقتصر فقط على ما يكون جزءً من حقيقة الشَّي وليس بخارجٍ عنه، نوردهما فيما يأتي: الضَّربتان.
أن يَستوعب المسح وجهه ويديه حتى المرفقين. مذهب الجمهور: للتَّيمم عندهم فروضٌ أربعةٌ أو خمسةٌ على اختلافٍ بينهم:
النِّية: والتي يكون وقتها عند مسح الوجه، ويكون مضمون النِّية استباحة الصَّلاة، ومحلُّها القلب.
مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب: لقوله -تعالى-: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في حدِّ اليد المقصودة بالآية الكريمة؛ فقال الحنفيَّة والشَّافعيَّة إنَّ المقصود مسح اليدين إلى المرفقين مثله مثل الوضوء؛ ولأنَّ التَّيمم يقوم مقامه، بينما قال المالكيَّة والحنابلة بسمح اليدين إلى الكوعين فقط.
التَّرتيب بين عضوي التَّيمُّم الوجه واليدين: وهذا الفرض قال به الشَّافعية والحنابلة، بينما قال المالكيَّة والحنفيَّة باستحباب التَّرتيب لا بوجوبه.
المُوالاة في التَّيمم: بأن يُتابع المسح بين عضوي التَّيمم بلا انقطاع، وهو فرضٌ عند الحنابلة والمالكيَّة، بينما قال الشَّافعية والحنفيَّة بسُنيَّة المُوالاة لا بوجوبها.
الصَّعيد الطَّاهر: وهو فرضٌ عند المالكيَّة، ويُقصد به التَّيمُّم بكلِّ ما صعد على الأرض من أجزائها؛ مثل التُّراب، والحجارة، والحصى، والجليد، والمعادن التي لم تُنقل من محلِّها، ووافق الحنفيَّة المالكيَّة بجواز التَّيمُّم بكلِّ ما صعد عن الأرض ولم يَخصُّ التَّيمُّم بالتُّراب، بينما قال الشَّافعيَّة والحنابلة باقتصار التّيمُّم على التُّراب الطَّاهر ذي الغبار وعدم صحَّة التَّيمُّم بكلِّ ما سوى ذلك.
عدد الضربات؛ فالفرض عند الحنفية والشافعية ضربتان اثنتان؛ واحدةً للوجه، وواحدةً لليدين، وأمَّا المالكية والحنابلة فالفرض عندهم الضَّربة الأولى فقط؛ بأن يضع يديه على التراب، أمَّا الضَّربة الثانية تُعدُّ سنَّةً لا فريضة.
وجوب نزع الشّخص ما يلبسه من خواتم عند التَّيمم؛ وذلك لأنَّ التراب كثيفٌ ولا يَصل إلى ما تحت الخاتم بخلاف الماء.
ويختلف التَّيمم عن الوضوء بعدم وجوب إيصال التراب لمنبت الشعر لصعوبة ذلك، بخلاف الماء الذي يَسهل إيصاله.
كما أنَّ التَّيمم يخلو من المضمضة والاستنشاق بخلاف الوضوء.
سنن التَّيمُّم للتَّيمُّم سننٌ عديدةٌ يُؤجر المسلم على فعلها ولا يُعاقب على تركها، ومن هذه السُّنن: التَّسمية، وتفريق الأصابع عند الضَّرب على التُّراب حتى يثير الغبار أكثر ليَسهل لاحقاً تعميم الوجه به، ويُسنُّ أيضاً تخفيف التُّراب بعد الضَّرب عليه؛ بأن يَنفخ المُتيمِّم على يديه قبل مسح وجهه بهما، ويُسنُّ نزع الخاتم في الضَّربة الأُولى ويجب وجوباً في الضَّربة الثَّانية، ويُسنُّ أن يَبتدئ بمسح أعلى وجهه بالتُّراب كما يَفعل عند الوضوء.
ويُسنُّ التَّيامن في التَّيمم؛ بأن يُقدِّم اليد اليُمنى على اليد اليُسرى، ومسح اليدين إلى المرفقين خُروجاً من الخلاف حول حدِّ اليد الواجب مسحه، ولا تسنُّ الزِّيادة على الضَّربتين بل يقتصر عليهما، ويُسنُّ للمسلم الموالاة في التَّيمم في حال كان الشَّخص لا يُعاني من الحدث الدَّائم، وإلَّا فعندها تجب عليه الموالاة وجوباً، كما يُسنُّ أثناء التَّيمم استقبال القبلة، وأن ينطق بالشَّهادتين بعد فراغه من التَّيمُّم.
مبطلات التَّيمُّم يَبطل التَّيمم بكلِّ ما يَبطل الوضوء به من الأحداث والأسباب وغيرها، فإن كان الشَّخص مُتيمِّماً عن حدثٍ أصغر فيبطُل تيمُّمه بمبطلات الوضوء؛ كالبول والغائط والريح، وإن كان مُتيمِّماً لحدثٍ أكبر فيبطل تيمُّمه بما يُبطل الطَّهارة ويُوجب الغُسل، كما يَبطل التَّيمم أيضاً بزوال السَّبب الذي أجازه؛ فإن وجد الشَّخص الماء بعد فقده أو تمكَّن من استخدامه بعد عدم القدرة على ذلك، بطُل التَّيمم عندها.
إذا تيمَّم لفقد الماء ثمَّ وجده هناك العديد من الحالات التي تندرج تحت هذه المسألة، منها ما هو مُتَّفقٌ عليها ومنها ما هو مختلفٌ فيها كما يأتي:الأمور المُتفَّق عليها: إنَّ الشَّخص الذي قام بالتَّيمُّم إن وجد الماء بعد خُروج وقت الصَّلاة بالكُّليَّة فلا يجب عليه إعادة الصَّلاة.
ما تعدّدت حوله الآراء: إذا وجد الشخص الماء في وقت الصَّلاة؛ فذهب الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلة إلى القول بعدم وجوب إعادة الصَّلاة عليه، ما دام قد بحث عن الماء ولم يُقصِّر في طلبه؛ ولأنَّه صلَّى وأدَّى فرضه كما أُمر فسقط عنه، بينما ذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى القول بانتقاض طهارة المُتيمِّم عند ملاقاته للماء، فعليه إعادة الطَّهارة والصَّلاة مرة أخرى.
وفصَّل الشَّافعيَّة في المسألة؛ فقالوا إن وجد الماء قبل الصَّلاة بطل لأنَّ التَّيمم يُشترط فيه دخول الوقت، وأمَّا إن رأى الماء أثناء صلاته فيَبطل تيمُّمه ويُعيد الصَّلاة، إلَّا أن يكون مسافراً فعندها لا يَبطل تيمُّمه ولا يُعيد الصَّلاة، وأمَّا إن رأى الماء بعد انتهائه من الصَّلاة فعليه إعادتها إن لم يكن مسافراً، وأمَّا إن كان مُسافراً فلا يلزمه الإعادة.
أحكام النَّجاسات أنواع النجاسات النَّجاسة عكس الطَّهارة، وهو اسمٌ يطلق على كلِّ مُستقذرٍ شرعاً، وللنَّجاسات أنواعٌ عدَّة، منها غائط وبول الآدمي، وأمَّا بول الرَّضيع؛ فإن كان ذكراً يُعدُّ طاهراً، وإن كانت أنثى يُعدُّ نجساً لحديث علي -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ في بولِ الغلامِ الرَّضيعِ يُنضَحُ بولُ الغلامِ، ويُغسَلُ بولُ الجاريةِ)، وفيما يتعلَّق ببول ما يُؤكل لحمه من الحيوانات فهي من الأمور المُختلف فيها، ومنها ما هو متَّفقٌّ على طهارته مثل بول الإبل، ومن النَّجاسات أيضاً المذي؛ وهو عبارة عن سائلٍ لزجٍ رقيق يخرج عند الشَّهوة، ولا يخرج دفقاً ولا يعقبه فتورٌ في الشَّهوة، وقد لا يُحس بخروجه، والوَدي؛ وهو ماءٌ ثخينٌ يخرج عقب البول، ويُعدُّ المني من الأمور المُختلف في نجاستها، وأكثر العلماء على أنَّه طاهرٌ وليس بنجس ولكنَّه مُوجبٌ للغُسل، ويُفضَّل إزالته عن المكان الذي أصابه من باب النَّظافه لا لنجاسته.
ومن النَّجاسات دم الحيض، وروث الحيوانات التي لا يُؤكل لحمها، ولُعاب الكلب، ولحم الخنزير، والمَيتة؛ وهي الحيوان الذي مات دون أن يُذكَّى ذكاةً شرعيَّةً، ويُستثنى منه ميتتان السَّمك والجراد للحديث: (أحلَّت لَكُم ميتتانِ ودَمانِ، فأمَّا الميتَتانِ، فالحوتُ والجرادُ، وأمَّا الدَّمانِ، فالكبِدُ والطِّحالُ)، ويُعدُّ نجساً كذلك كل ما انفصل عن الحيوان وهو حيٌّ، فعندها يأخذ هذا الجزء حكم المَيتة، ويُعدُّ نجساً كلُّ ما تبقَّى في الإناء من الطُّيور الجارحة والحيوانات التي لا يُؤكل لحمها، وهو ما يُعرف بسُؤر السِّباع، وكذلك لحم كلِّ ما لا يُؤكل لحمه من الحيوان، وتعدّدت آراء العلماء في حكم الخمر هل يعدُّ نجساً أم لا، ومذهب الجمهور أنَّ الخمر نجس، وقال بعض الفقهاء مثل ربيعة والليث والمزني والألباني بأنَّه طاهر، وأنَّ تحريم الخمر لا يَستلزم نجاسته.
وتعدّدت آراء الفقهاء في حكم دم الإنسان من غير دم الحيض
فقال أصحاب المذاهب الأربعة بأنَّ دم الإنسان نجس، وقال جماعة من المتأخّرين مثل الشوكاني والألباني وابن عثيمين إلى القول بطهارة دم الإنسان، وأمَّا فيما يتعلَّق بقيء الإنسان، فهمنهم من قال بنجاسته ومنهم من قال إنَّه طاهر؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة.
كما تعدّدت آراء العلماء في حكم الإفرازات التي تَخرج من فرج المرأة أو ما يُعرف برطوبة فرج المرأة على قولين: الفريق الأوَّل: إنَّ هذه الإفرازات نجسةٌ ويجب إزالتها؛ لأنَّها خارجة من السَّبيلين فتأخذ حكم ما يخرج منه وهو النَّجاسة.
الفريق الثاني: إنَّ إفرازات فرج المرأة طاهرة؛ لأنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يأمر النِّساء بغسلها، كما أنَّ مخرج الإفرزات يَختلف عن مخرج البول والغائط.
ما يعفى عنه من النجاسات هناك العديد من النَّجاسات التي يُعفى عنها، سواءً كانت في البدن أم في الثَّوب أم في المكان، ويكون سبب العفو عنها عموم البلوى وصعوبة التَّحرّز منها، فيُعفى عمَّا أصاب ثوب وبدن المرأة من بول أو غائط رضيعها أثناء إرضاعه، ويُعفى عن البلل الذي يُحدثه الباسور بشكلٍّ يومي إذا أصاب بدن الشَّخص أو ثوبه، ويُطالب بغسلهما مرةً واحدةً في اليوم، وأمًّا إن أصاب ذلك يده فيغسلها في كلِّ مرة، كما يُعفى عن السَّلس؛ سواءً كان في البول أو الغائط أو المذي أو الودي أو المني، فلا يُطالب بغسلها عن ثوبه أو مكانه أو بدنه إلا مرَّة واحدة إن كانت تسيل باستمرار.
ويُعفى أيضاً عمَّا يصيب بدن وثوب كلٍّ من الطَّبيب والجزار من الدِّماء أثناء ممارستهم لأعمالهم، كما يُعفى عن الدَّم الذي يُصيب بدن وثوب المُصلِّي إن كان قليلاً، ويُعفى من النَّجاسات ما أصاب بدن وثوب الشَّخص من بولِ وروث البغال والخيل والحمير إن كان يُباشر عمله بجوارها، لصعوبة احترازه منها، ويُعفى عن كلٍّ من أثر الذُّباب والنَّاموس، وأثر دم موضع الحجامة، والطِّين العالق بالحذاء والمُختلط بالنَّجاسة، وغائط البراغيث وإن كثر، والماء الذي يَخرج من فم النَّائم إن كان خارجاً من المعدة، ومَيتة القمل إن كانت قليلة.
ويُعفى عن البخار الذي يخرج من النَّجاسات وإن علقت رائحته بالثَّوب أو الجسد، ويُعفى عن رشاش البول الرَّقيق، وعن نجاسة ميتة الغنم والإبل إن وقعت في بئر، فعندها لا تنجُس الماء بهما، ويُعفى عن روث السَّمك بالماء ما لم يغيّره، وعن الدَّم الباقي في اللَّحم والعظم، وعن بول وروث البهائم إن أصابت الحبَّ حين درسه، وعمَّا يصيب اللَّبن من روثٍ أو نجاسةٍ عند حلبه من ثدي الحيوان، ويُعفى كذلك عمَّا يُصيب العسل من روث الحيوانات إن صُنع بها بيت النحل، وعن نجاسة فمِ الرَّضيع عند ملامسته لثدي أُّمِّه، وما يَسقط في السَّائل من نملٍ وغيره إن لم يُغيّره.
ما تزال به النجاسات الأصل في التَّطهير أن يكون من خلال الماء، وأن يكون ذلك الماء طُهوراً، فلا يقوم مقامه شيء إلَّا بإذن الشَّارع، وهذا قول الجمهور، بينما قال أبو حنيفة بجواز التَّطهير بكلِّ ما يُزيل النَّجاسة ولا يُشترط الماء، فمتى ما زالت النَّجاسة بأيِّ شيءٍ تحقّقت الطَّهارة، ويتمُّ تطهير النَّجاسات وإزالتها بطرقٍ متنوِّعةٍ بحسب اختلافها وبحسب الطَّريقة التي وردت في الشَّرع بشأنها؛ فيتمُّ تطهير الحذاء مثلاً من خلال المسح وتتابع المشي به، ويتمُّ تطهير المُتنجِّس الذي لا يُمكن غسله مثل الأرض والبئر بصبِّ الماء عليه، أو بسحب الماء منه حتى تختفي أثر النَّجاسة.
ويكون تطهير الثَّوب من الحيض بفركه ودلكه بأطراف الأصابع ليخرج جسمه، ثمَّ يُزال أثره بالماء، أمَّا تطهير الثَّوب من بول الرَّضيع فيكون بالنَّضح إن كان الرضيع ذكراً، وبالغسل إن كانت أنثى، ويُطهَّر الثوب الذي أصابه المذي برشِّ الموضع بالماء، ويُطهَّر ذيل ثوب المرأة الذي يُصيب الطَّريق بمجرد ملامستة للأرض الطَّاهرة، ويكون تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله سبع مراتٍ وأوَّل هذه المرات يكون بالتُّراب، ويُطهَّر جلد المَيتة بدباغته، وإن أصاب البول الأرض يُصبُّ عليه الماء صبَّاً.
ويتمُّ تطهير مكان السَّبيلن بالاستنجاء؛ أي من خلال استخدام الماء، أو بالاستجمار الذي يتم من خلال استخدام الحجر أو الورق؛ على أن تكون الحجارة ونحوها مما يُستخدم في الاستجمار من الأشياء الجامدة والتي تُزيل النَّجاسة، وأن يكون عددها ثلاثاً فأكثر.
وبالرُّغم من صحَّة الاستجمار إلَّا أنَّ الاستنجاء باستخدام الماء أفضل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ خروج الرّيح لا يُوجب الاستنجاء أو الاستجمار.
أنواع الطهارة
قسّم العلماء الطهارة إلى عدّة تقسيمات، ويُلاحظ أنّها كلّها تصبُّ في نفس المعنى وإن اختلفت الألفاظ الدَّالة عليها، ومن ذلك أنّ الطَّهارة الشَّرعيَّة إلى قسمين كما يأتي:
القسم الأوَّل: الطَّهارة الحقيقيَّة: وتشمل الطَّهارة من الخبائث والنَّجائس، ويكون محلُّ هذه الطَّهارة الجسم، واللِّباس، والمكان.
القسم الثَّاني: الطَّهارة الحُكميَّة: وهي الطَّهارة التي تتضمَّن الطُّهر من الحدث، لذا يكون محلُّها الجسم فقط ولا تتعلَّق باللِّباس ولا بالمكان، وتنقسم الطَّهارة الحكمية إلى ثلاثة أنواع كما يأتي: طهارة كُبرى: والتي تتمُّ من خلال الغُسل.
طهارة صُغرى: والتي تتمُّ من خلال الوضوء. التَّيمم: وهو البدل عن الطَّهارة الكُبرى والصُّغرى والذي يُلجأ إليه عند تعذُّر كلا النوعين السَّابقيْن.
ويمكن تقسيم الطَّهارة في الشَّرع تقسيماً آخر كما يأتي:النَّوع الأوَّل: الطَّهارة الحسيَّة: وهي الطَّهارة التي تتعلَّق بطهارة الجوارح؛ وتشتمل على كلٍّ من الطَّهارة من الحدث؛ من خلال الغُسل، والوضوء، والتَّيمم، والطَّهارة من الخبث؛ والذي يكون من خلال الغسل والمَسح والنَّضح.
النَّوع الثَّاني: الطَّهارة المعنويَّة: وهي الطَّهارة التي تتعلَّق بالقلب وسلامته من أثر الذُّنوب التي تُحدثها الجوارح.
وقسّم بعض العلماء الطَّهارة إلى طهارة الظَّاهر وطهارة الباطن، وبيانهما فيما يأتي:[٣] طهارة الظَّاهر: فهي الطَّهارة التي يكون محلُّها الجسم، والثَّوب، والمكان، وتتعلَّق بزوال الخبث والنَّجس منهم.
طهارة الباطن: فهي الطِّهارة التي يكون محلُّها القلب، وتتعلَّق بزوال كل الصِّفات السَّيئة منه؛ مثل الحسد، والشِّرك، والكِبر، والكُفر، والنِّفاق، ونحو ذلك، وإبدالها بالصِّفات الحميدة من مثل الإيمان والتَّوحيد، والإخلاص، الصِّدق، والتَّوكل على الله -تعالى-، وغيرها من الصِّفات المحمودة.
أحكام الوضوء
للوضوء أحكامٌ وتفصيلاتٌ متعدِّدةً، نوردها مفصَّلةً فيما يأتي: أسباب الوضوء قال جمهور الفُقهاء من الشَّافعية والمالكيَّة والحنفيَّة ورأي عند الحنابلة أنَّ سبب وجوب الوضوء هو إرادة المسلم للشُّروع في الصِّلاة مع وجود الحَدث، واستدلوا بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْ)، حيث فسَّر ابن عباس -رضي الله عنه- هذه الآية الكريمة بأنَّ الوضوء يجب على من قام إلى الصَّلاة مُريداً إياها وهو مُحدثٌ، ولحديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ).
ويجب الوُضوء أيضاً عند إرادة الطَّواف بالبيت الحرام؛ سواءً كان هذا الطَّواف فريضةً أم نافلةً، ودليل ذلك فعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، حيث إنَّه كان يتوضَّأ قبل أن يطوف، ولحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قالَتْ: فَشَكَوْتُ ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: افْعَلِي كما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي)حيث إنَّ الرَّسول- صلَّى الله عليه وسلَّم- منعها من الطَّواف ما دامت حائضاً لاشتراط الطُّهر للطواف والوضوء له، ويجب الوضوء أيضاً إن أراد المسلم مسَّ المُصحف مباشرةً بلا حائل، لقوله -تعالى-: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
ويُستحبُّ الوضوء بلا وجوبٍ في أحوال عدَّة، نذكر منها ما يأتي: عند قراءة القُرآن بدون مسِّ المُصحف.
عند ذكر الله -سُبحانه وتعالى- بكافَّة الأذكار المتنوِّعة. تجديد الوضوء عند كلِّ صلاة؛ حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ).
الجنب الذي يريد معاودة الجماع، لقول الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتَى أحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ أرادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ).
كما يُستحبُّ الوضوء للجُنب إن أراد النَّوم، أو الأكل، أو الشُّرب، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وهو جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ).
قبل الغُسل
حيث يُستحبّ لمن أراد الغُسل أن يسبقه بوضوءٍ لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أنْ يُدْخِلَ يَدَهُ في الإنَاءِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ)
قبل النَّوم
فيستحب لمن أراد النَّوم أن يتوضَّأ قبله لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ).
شروط الوضوء
يُشترط لصحَّة الوضوء شروطٌ عدَّةٌ، نوردها فيما يأتي: أن يعمَّ الماء الطَّهور البشرة في أماكن الوضوء الواجبة، بحيث لو بقي جزءٌ منها بدون أن يصله الماء ولو بمقدارٍ يسير بطل الوضوء، وقال الشَّافعيَّة بوجوب شمول الماء على المكان الواجب في الوضوء وما يُحيط به؛ ولذلك لضمان تحقُّق المطلوب في عموم الماء للمكان الواجب.
إزالة كلُّ ما يَمنع من وصول الماء إلى البشرة في الأماكن الواجب غسلها في الوضوء؛ وهذا يتضمَّن كل ما له جسم يَحول بين الماء وبين البشرة؛ مثل الشَّمع، والعجين، والطّين، وكلُّ ما يشكِّل حائلاً يمنع من وصول الماء للجسد.
انقطاع الحدث عند القيام بالوضوء.
أن يعلم المُتوضِّئ الكيفيَّة الصَّحيحة للوضوء؛ فلا بدَّ لإتمام الوضوء بالشَّكل المطلوب أن يتعلَّمه الشَّخص حتى يضمن أداءه بالشَّكل الصَّحيح، وأضاف الشافعية وجوب معرفة الشَّخص لسُنن الوضوء وفُروضه، وأن يُميِّز كل منهما عن الآخر أثناء قيامه بذلك.
النِّية
بحيث يَستحضر الشَّخص نيَّة الوضوء عند إرادته الوضوء؛ لأنَّ الوضوء عبادةٌ، لذلك افتقر إلى النَّية حتى يصحَّ ويترتَّب عليه الأجر مثلُه مثل سائر العبادات، ويُشترط أيضاً في النِّية عدم وجود صارف عنها؛ حيث إنَّ نيَّة الوضوء يجب أن تستمر طيلة مدَّة الوضوء وألَّا يقطعها شيء.
جريان الماء على العضو الواجب في الوضوء، وقاله الشافعيّة.
أن يكون الماء المُستخدم للوضوء مباحاً استخدامه، ولا يصح ُّبالماء المُحرَّم؛ وهو الماء المَملوك للآخر وبدون رضاه، وهو قول الحنابلة.
ويُشترط في الشَّخص الذي يُريد الوضوء عدَّة أمورٍ حتى يصحَّ الوضوء منه؛ ومن هذه الشّروط: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، وإن كان الشَّخص من أصحاب الأعذار؛ بأن يكون حدثه مستمٌر، فيجب عليه أن يَنتظر دخول وقت الفَرض من صلاةٍ أو غيره قبل أن يتوضَّأ، وإن توضَّأ قبل دخول وقت الفرض لم يصحَّ وضوءه، وإن وجد شيئاً من النَّجاسات في موضع البول والغائط وجب عليه إزالته بالتطهّر منه قبل البدء بالوضوء.
فروض الوضوء
يُقصد بالفرض ما طلب الشَّارع فعله على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يُثاب فاعله ويُعاقب تاركه، وللوضوء فروضٌ ثمانية؛ منها ما هو متفّقٌ على فرضيَّته ومنها ما هو مُختلف في فرضيَّته، ونورد هذه الفروض فيما يأتي: النِّية: ويُقصد بها قصد الوضوء وإرادته، ويكون وقت وجوب النِّية عند البدء في أوَّل الوضوء، وهو غَسل الوجه، ويُغتفر تقديم النِّية عن أوَّل الوضوء بزمنٍ قليلٍ، ويكون محلُّ النِّية في القلب ولا يُتلفَّظ بها باللسان، وكيفيَّة النيَّة؛ أن ينوي المُتوضّئ الوضوء، أو ينوي رفع الحدث، وتجدر الإشارة إلى أنَّ فرض النِّية من الفُروض المختلف فيها؛ حيث أوجبها الجمهور لصحَّة الوضوء، بينما قال الحنفيَّة بسُنِّتيها لا بفرضيِّتها؛ فلو أنَّ شخصاً اغتسل للتَّبرُّد والنَّظافة ولو ينوِ الوضوء جاز عندهم، بخلاف الجمهور الذين اشترطوا النِّية لاعتبار الوضوء.
غسل الوجه: وهو من الفروض المتَّفق عليها لثبوتها بالقرآن والسُّنة والإجماع؛ فمن القرآن الكريم قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وحدود الوجه تبدأ من مَنبت شعر الرأس إلى أسفل الذَّقن طولاً، ومن شحمة الأُذُن اليمنى إلى شحمة الأُذُن اليسرى عرضاً.
غسل اليدين إلى المِرفقين: وهذا الفرض أيضاً مُجمعٌ على فرضيَّته في الوضوء لقوله -تعالى-: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)،ولا خلاف أيضاً على أنَّ المرفقين يدخُلان في الغُسل ويَشملهُما، فبهذا تكون اليد المُشار إليها في الآية تبدأ من أطراف الأصابع وتنتهي بالمرافق، ويجبُّ على من يرتدي خواتم ضيِّقة أن يقوم بتخليلها حتى يتأكَّد من وصول الماء إلى البشرة.
مسحُ الرأس: وهو من الفروض المُجمع عليها، ودليله الآية الكريمة: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ)، ويُشرع مسح جميع الرأس وتعميمه بالماء لفعل الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك، ولكن الآية لا تَفرض تعميم الرأس بالماء، بل الفرض مسح بعض الرأس، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في المقدار الواجب في مسح الرأس؛ فقال الإمام مالك بوجوب مسح الرَّأس كلِّه للاحتياط، وقال الشَّافعيَّة إنَّ المسح الواجب يتحقَّق بأقلِّ مقدارٍ يُطلق عليه المسح ولو بلغ ذلك شعرةً من مَنبتها في الرَّأس، وقال الحنفيَّة إنَّ المقدار الواجب هو رُبع الرَّأس.
غسل الرِّجلين مع الكعبين: وهو من الفروض المُتَّفق عليها بالإجماع، بدليل الآية الكريمة: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن)، حيث إنَّ الأرجل منصوبةٌ عطفاً على الوجه الذي يُغسل، ولم تُعطف على الرَّأس الذي يُسمح؛ لذا تُغسل الأرجل ولا تُمسح، ويشمل غسل الأرجل الكعبين، وهما العظم النَّاتئ عند مفصل السَّاق والقدم، وقد حذَّر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عدم غسلهما في الحديث فقال: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ).
التَّرتيب بين هذه الفروض: وذلك لأنَّ الله -تعالى- رتَّبها في الآية الكريمة وقام بإدخال ممسوحٍ بين مغسولين؛ فدلَّ ذلك على أنَّ هذا التَّرتيب مقصودٌ بذاته، وإلِّا لذُكر المتشابه ثمَّ المُختلف، وقال الحنفيَّة والمالكيَّة بسُنيَّة التَّرتيب لابفرضيَّته.
المُوالاة: ويُقصد بها الإتيان بالفروض تباعاً بلا فاصلٍ يفصل بينها وقبل جفاف العضو السَّابق من الماء، وقال الحنفيَّة بسُنيَّة الموالاة لا بفرضيَّتها.
الدَّلك: أي تمرير اليد على العضو مع الماء أو بعده، وهو فرضٌ عند المالكيَّة فقط، وسُنَّةٌ عند الجمهور.
سنن الوضوء للوضوء سننٌ عديدة، نورد بعضها فيما يأتي:
استعمال السِّواك عند الوضوء، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ علَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ).
التَّسمية في أوَّل الوضوء.
غسل الكفَّين ثلاثاً قبل البدء بالوُضوء، والمضمضة والاستنشاق والمُبالغة فيها لغير الصَّائم.
تخليل كلٍّ من الأصابع في اليدين والرِّجلين، وتخليل اللِّحية في حال كانت كثيفةً؛ وذلك لضمان وصول الماء إلى هذه الأماكن.
التَّيامن في الوضوء؛ بحيث يبدأ المُتوضِّئ بغسل الجهة اليُمنى من العضو الواجب في الوضوء ثم يُتبعه بالجهة اليسرى.
إعادة غسل كلِّ الوجه واليدين والرِّجلين ثلاث مراتٍ.
الدُّعاء بعد الوضوء وقول الأذكار الخاصَّة فيه، حيث قال الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ).
صلاة ركعتي الوضوء بعد الإنتهاء منه.
نواقض الوضوء
نواقض الوضوء عديدة، منها كلُّ ما يخرج من السَّبيلين من البول، والغائط، والدَّم، والمَني، والمَذي، والرِّيح، سواءً كان الخارج منهما قليلاً أو كثيراً، ويُنتقض الوضوء بزوال العقل؛ سواءً كان ذلك بالنَّوم العميق أو بالإغماء أو السُّكر أو الجُنون، فمتى ما زال العقل انتقض الوضوء، ويُنقض الوضوء أيضاً بمسِّ فرج الآدمي من خلال اليد مباشرةً وبدون حائل بينهما، ويَنتقض بالأمور التي تُوجب الغُسل مثل الحيض، والنِّفاس، والجنابة، والدُّخول في الإسلام، وكذلك بالرِّدة عن الإسلام، كما يُنتقض الوضوء من خلال مسِّ الرَّجل للمرأة بشهوةٍ، أو مسِّ المرأة للرَّجل بشهوةٍ.
أحكام الغسل
موجبات الغسل يُقصد بالغُسل إفاضة الماء الطَّهور على البدن بحيث يعمُّه جميعاً وعلى وجهٍ مخصوصٍ، وهناك العديد من الأمور التي تُوجب الغُسل على المسلم؛ منها خروج المَنيّ، لقوله -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، سواءً خرج من الرَّجل أم من المرأة، باليَقظة أو بالنَّوم، وتعدّدت آراء الفقهاء في اشتراط نُزول المَني بشهوةٍ لكي يكون موجباً للغُسل؛ بحيث ذهب الجمهور إلى القول باشتراط الشَّهوة في المني لإيجاب الغُسل، بينما قال الشَّافعيَّة بأنَّ نزول المنيِّ مُطلقاً موجبٌ للغُسل وإن كان بغير شهوةٍ، وإن خَرج المني خلال النَّوم وتذكَّر الشَّخص أنَّه احتلم فعندها يجب الغُسل عليه، وإن وجده بعد اليقظة ولم يَذكر احتلاماً كذلك يجب عليه الغُسل ما دام المنيُّ موجوداً.
أمَّا إن وجد بللاً ولم يَعرف هل هو منيٌّ أم لا، فقد تعدّدت آراء الفقهاء في هذا المسألة بين مُوجبٍ للغُسل من باب الاحتياط وبين من لم يُوجب الغسل؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة، وإن اغتسل الشَّخص من المني ثمَّ عاود النُّزول مرةً أخرى، فالصّواب عدم وجوب الغُسل عليه مرةً أخرى ما دام نُزوله لم يكن بشهوةٍ؛ أمَّا إذا كان سبب النُّزول شهوةً جديدةً طَرأت عليه بعد الغُسل الأوَّل، فعندها وجب عليه غُسلٌ جديدٌ.
ويجب الغُسل أيضا بالتقاء الخِتانين -أي الجِماع-، فبوقوع الجماع الفِعلي يجب الغُسل على كلٍّ من الرَّجل والمرأة، وإن لم يَترتَّب عليه نزولٌ للمني، ويجب الغسل أيضاً في كلٍ من الحيض والنِّفاس، لقوله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ومن السُّنة قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي)، بالإضافة إلى إجماع العلماء على وجوب الغُسل على الحائض والنّفساء، كما يجب الغُسل أيضاً بالموت؛ فإذا مات المسلم وجب على المسلمين تَغسيله، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في شخصٍ توفَّاه الله بالحجِّ: (غْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ)، ويستثنى من وجوب غسل من مات من المسلمين؛ الشُّهداء فإنَّهم لا يُغَسَّلون.
ويعدُّ إسلام الكافر واحداً من الأمور التي تُوجب الغُسل عليه؛ وهو قول المالكيَّة والحنابلة، ودليلهم ما جاء عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما عرف أنَّ ثمامة بن أثال -رضي الله عنه- دخل الإسلام، فأمره بالاغتسال، بينما قال الحنفيَّة والشَّافعيَّة بعدم وُجوب الغُسل على الكافر عند إسلامه إن كان على غير جَنابة، وإنَّما يُستحبُّ له ذلك، أمَّا إن كان على جنابةٍ فيجب الغُسل عليه لهذا السَّبب لا لإسلامه، ودليلهم وجود العديد من الأشخاص الذين دخلوا الإسلام بدون أن يأمرهم الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالاغتسال، وبهذا يُفهم أمره لثمامة -رضي الله عنه- بالاغتسال من قَبيل الاستحباب لا الوجوب.
الأغسال المستحبة هناك العديد من الأغسال التي يُستحبُّ للمسلم القيام بها، ومنها ما يأتي: كما ويُستحب الإغتسال عند كلِّ جِماعٍ جديد.
غُسل الجُمعة
وهو في الحقيقة من الأغسال التي تعدّدت آراء الفقهاء في حكمها؛ فهناك من قال بوجوبها على من أتى صلاة الجُمعة، وينسب هذا القول للإمام مالك، وابن عثميمن، وهناك من قال باستحباب غُسل الجمعة لا وجوبه، وهذا هو مذهب الجُمهور من علماء السَّلف والخلف، والرَّأي الثَّالث قال بوجوب غُسل الجمعة فقط على من له عرَقٌ أو ريحٌ ممَّا يؤذي الآخرين من المُصلِّين، وهذا قول للإمام أحمد وقول ابن تيمية، ويبدأ وقت الغُسل من فجر الجُمعة إلى صلاتها، ويُسنُّ غُسل الجمعة للمرأة أيضاً إن أتت الصَّلاة.
غُسل العيدين
ومن العلماء من قال بوجوبه، والصَّحيح الاستحباب لا الوجوب، فيُستحبُّ لمن أراد حضور صلاة العيدين الاغتسال قبلهما.
من قام بتغسيل الميِّت يستحبُّ له الاغتسال، ولمن دخل مكَّة، ولمن أحرم، سواءً أكان إحرامه بحجٍّ أم بعمرةٍ، لفعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك.
استحباب الغسل للمجنون وللمُغمى عليه إن أفاقا من الجُنون أو الإغماء.
الاغتسال يوم عرفة.
اغتسال المُستحاضة
لكلِّ صلاةٍ جديدةٍ، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فأمَرَهَا أنْ تَغْتَسِلَ، فَقالَ: هذا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)، كما تستطيع أن تجمع للظُّهر والعصر غُسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غُسلا واحداً.
الاغتسال بعد دفن المشرك.
فروض الغسل للغسل فروضٌ عدَّة لا بدَّ من الإتيان بها حتى يقع الغُسل صحيحاً، نوردها فيما يأتي
النِّية
حيث وجب على من أراد الغُسل أن ينويه في قلبه، لأنَّ النِّية تجب في كلِّ العبادات، للحديث الشهير: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، وقد ذهب الجمهور من المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة إلى القول بفرضيِّتها للحديث السَّابق، بينما قال الحنفيَّة بعدم فرضيَّة النِّية في الغُسل، بل قالوا بسُنِّيتها، ومن اجتمع عليه سَببان من أسباب الغُسل؛ مثل غُسل الحيض والجنابة، فيُجزِئ عندها غُسلٌ واحدٌ عن كلا السَّببين على الصَّحيح من قول الفقهاء.
أن يَعمُّ الماء جميع أجزاء البدن: وهذا من الفروض المتَّفق عليها في الغُسل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ البدن يُراد به البشرة وما نَما عليها من شعر، لذا لا بدَّ من إيصال الماء لكِليهما لكي يصحَّ الغُسل.
أمَّا فيما يتعلَّق بالمضمضة والاستنشاق
فقد ذهب الحنفيَّة والحنابلة إلى وُجوبهما في الغُسل، بينما قال المالكيَّة والشَّافعيَّة بعدم وجوبهما في الغُسل.
أما حكم نقض المرأة لظفائرها أثناء الغُسل، وهل يُعدُّ من الأمور الواجبة أم لا؛ فقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والمالكيَّة إلى القول بعدم وُجوب ذلك على المرأة في الغُسل، وإنما يكفى وُصول الماء لجذور شعرها، وهذا هو الحدُّ المطلوب، وأمَّا إذا لم يصل الماء لأُصول الشَّعر فوجب عليها عندها نقضه، بينما قال الحنابلة بعدم وجوب نقض الظفائر في غُسل الجنابة، ووجوبه في غُسل الحيض والنِّفاس.
المُولاة
وهومن الفروض المُختلف فيها، ويعني المُتابعة في غسل الأعضاء وعدم التَّأخير بينها بحيث يجفُّ العضو السَّابق قبل البدء بغسل العُضو اللاَّحق، والذين قالوا بوجوب الموالاة هم المالكيَّة، وابن تيمية، بينما قال الحنفية والشافعية بأنَّ الموالاة في الغُسل سُنَّةٌ وليس بفرض.
سنن الغسل
للغُسل سننٌ عدَّة يُستحبّ الإتيان بها ويُؤجر المسلم عليها، ومن هذه السُّنن ما يأتي:
التَّسمية
حيث قال جمهور العلماء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والمالكيَّة بسنيَّة التَّسمية عند الغُسل، بينما قال الحنابلة بوجوبها.
غسل الكفَّين إلى الرُّسغين ثلاثاً قبل البدء بالغُسل
لحديث ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-: (وَضَعْتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا).
أن يُزال الأذى من نجاسةٍ ونحوه قبل البدء بالغُسل:
حيث إنَّ إزالتها واجبةٌ في نفسها ولكن ما يُسنُّ هنا هو تقديم ذلك على الغُسل.
الوضوء
قبل الغُسل: لفعل النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كما يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ)، مع تعدّد أقوال العلماء في إشراك القدمين في هذا الوضوء الذي يسبق الغُسل أو تأخيرهما حتى ينتهي من الغُسل.
التَّيامن
بأن يبدأ المُغتسِل بإفاضة الماء وإيصاله لجزء بدنه الأيمن ثمَّ يُتبعه بالجزء الأيسر، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ).
ثليث الغُسل
والمُراد فيه أن يَغسل كلَّ عضوٍ من أعضاء الجسد الواجب غسله ثلاث مرَّات، وهذا قول الجمهور، بينما ذهب المالكيَّة إلى القول بأنَّ التَّثليث لا يُستحبُّ في الغُسل وليس بسُنَّة.
أحكام عامة في الغسل هناك بعض المسائل التي تتعلَّق بالغُسل والتي لا بدَّ من الإشارة إليها لأهميَّتها، ومن هذا المسائل أنَّ مقدار الماء الذي يُسنُّ الاغتسال به يبلغ خمسة أمداد -والمُدّ وحدة قياس للحجم ويُقدَّر بمقدار ملْء كفَّي الإنسان المعتدل-، ممَّا يدلُّ على عدم جواز الإسراف بالماء لغير حاجةٍ وإن كان ذلك في الغُسل.
ومن المسائل أيضاً قيام الغُسل محلُّ الوضوء
بحيث لو اغتسل المسلم ولم يتوضَّأ قام غُسله محلَّ الوضوء وأجزأ عنه ذلك، كما يَجوز للرَّجل أن يغتسل من الجنابة مع زوجته من نفس الإناء.
ويُسنُّ للجُنب الاغتسال بعد الجماع وقبل النوم، ويَجوز له النَّوم على الجنابة بدون غُسل، كما يجوز للرَّجل أن يغتسل ببقيَّة الماء الذي اغتسلت زوجته فيه من الجنابة، ويجوز لها أن تغتسل بما تبقَّى من الماء الذي اغتسل فيه زوجها، وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في نيَّة من اجتمع عليه أكثر من غُسل على أربعة أقوال:
القول الأوَّل: أن ينوي رفع الحدثين معاً فيرتفع الاثنان.
القول الثَّاني: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط بحيث يُجزئ هذا عن الحدث الأصغر أيضاً.
القول الثَّالث: أن ينوي ما لا يتمُّ إباحته إلا بالوضوء؛ مثل الصَّلاة أو الطَّواف، فبذلك يرتفع عنه الحدث وإن لم ينوِ رفعه. القول الرَّابع: أن ينوي استباحة ما يُباح بالغُسل مثل قراءة القرآن، فعندها يرتفع الحدثان معاً.
أحكام التيمم
الأسباب الموجبة للتيمم يُباح التَّيمم للمسلم في حالاتٍ عدَّة كما يأتي: فقد الماء أو عدم كفايته للوضوء أو الغُسل: ويُعرف هذا بالفقد الحسِّي للماء، كما يجوز التَّيمم أيضاً عند فقد الماء الشَّرعي؛ ومعناه وجود الماء مع عدم استطاعة الوصول إليه، إمَّا لبُعد المسافة عنه وعلى إختلاف بين الفقهاء في تحديد مقدار هذه المسافة، أو لتوافر الماء مع غلوِّ ثمنه ووصوله إلى أكثر من ثمن المثل.
عدم القدرة على استعمال الماء بالرّغم من توافره:
ويكون ذلك إمَّا بسبب تواجد الماء بالقُرب من مكانٍ خطر مثل حيوان متوحش وغيره مما يُخشى على النّفس من الاقتراب منه، أو لكون الشَّخص محبوس أو مُكره ولا يستطيع استخدام الماء.
المرض: أو بُطء الشفاء من المرض في حال تمَّ استخدام الماء للوضوء أو الغُسل؛ فلو خشي المسلم على عضوٍ من أعضاء جسده أن يَمرض أو يَزيد مرضه من استعمال الماء، أو تَطول مدة شفاؤه بسبب الماء، فعندها يستطيع التَّيمم ولا يجوز له استخدام الماء للضَّرر المُترتِّب بسببه.
في حال احتياج الماء المُتواجد وعدم كفايته للشخص وللوضوء أو الغُسل معاً، سواءً كان الاحتياج للماء في الحال أم في المستقبل، فإن كان هذا الاحتياج للماء ضروريَّاً بحيث يؤدِّي فقده إلى هلاك الشَّخص أو إلى وقوع أذىً شديدٍ له؛ مثل شدَّة العطش ونحو ذلك، جاز له استخدامه في حاجته ويتمّم عوضاً عن الوضوء أو الغُسل.
في حال شدَّة الحرِّ أو شدَّة البرد؛ بحيث يخاف على نفسه الضَّرر إذا استعمل الماء البارد ولم يستطع تسخينه، ولا يجوز ذلك للوضوء وإن كان الماء بارداً. في حال خاف المسلم خروج الصَّلاة عن وقتها؛ فإن لم يتوفّر الماء وخاف المسلم خروج وقت الصلاة فله التيمّم، أمّا إن ظنّ أنّه سيُدرك ركعة من الصلاة في حال اغتسل أو توضّأ فلا يجوز التيمم، وهذا عند المالكية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ أسباب التَّيمم هي ذاتها أسباب الوضوء؛ فإذا وجب الوضوء على المسلم لأيّ سببٍَّ من أسباب وجوبه؛ مثل إرادة الصَّلاة، أو مسِّ المصحف، أو الطَّواف، ولم يجد الماء، أو في حال تواجده مع عدم القدرة على استعماله، فعندها يجب عليه التَّيمم، ومدَّة التَّيمم تبقى مادام سبب وجوده باقياً؛ بمعنى أنَّ التَّيمم يكون صحيحاً وباقياً ما لم يتوفَّر الماء، أو لم تتوفَّر القدرة على استعماله، فإن تيمَّم الشَّخص لصلاة الضُّحى وبقي على طهارة ولم يتوفَّر الماء بعد أو لم يقدر على استعماله، فيحكم على طهارته بالبقاء.
ويجوز له أن يُصلّي الظُّهر بنفس التَّيمم الأوَّل؛ وسبب ذلك أنَّ التَّيمم يقوم مقام الماء في رفع الحدث وثُبوت الطَّهارة إلى حين وجود الماء، ولا يبطل التَّيمم بمجرد دخول وقت صلاةٍ جديدةٍ ولا بخروج وقتها، بل يبقى ما بقي الشَّخص غير مُحدثٍ وما لم يتواجد الماء، مثله مثل الوضوء، ويرى بعض الفقهاء كالشافعية وجوب التيمّم لكلّ فرض عين.
شروط التَّيمم
للتَّيمم شروطٌ لابدَّ من توافرها لكي يصح؛ وشروط التَّيمم هي ذاتها شروط صحَّة الطَّهارة بالوضوء والغُسل، ولكن يُضاف إليها أمورٌ عدَّة منها ما يأتي:
أن يتواجد السَّبب الذي أجاز التَّيمم، وأن يكون التَّيمم بترابٍ باختلاف أنواعه وألوانه، وأن يكون هذا التُّراب طاهراً، لقوله -تعالى-: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا).
أن لا يكون التُّراب مستعملاً؛ وهو التراب الذي بقي على العضو أو ما تناثر عنه؛ لأنَّ ذلك يُفقده طُهوريَّته فيصبح بالاستعمال طاهراً غير مُطهِّر، ويجوز للمجموعة التَّيمم من مكانٍ واحدٍ، كما يجوز للفرد أن يُعيد التَّيمم أكثر من مرة من نفس التراب، ويُشترط في التراب ألَّا يُخالطه دقيق ونحو ذلك حتى وإن كان قليلاً؛ وعلَّة ذلك أنَّ الدقيق يمنع من وصول التراب للعضو المَمسوح، واشترط الشافعية أن يكون للتراب غُبار فلا يصحُّ بغير التراب ولا بتراب فيه نداوة، بينما أجاز بعض العلماء التَّيمم بالغبار الذي يكون على الجدار أو الثَّوب.
أن يَقصد الشخص التراب
أي يَقصد نَقل التراب إلى العضو المراد مَسحه ولو تمَّ ذلك من خلال غيره جاز أيضاً، المهم ألَّا يكون التراب قد وصل صدفةً إلى العضو وبدون قصده، كأن ينقله الرَّيح عليه، وأن يمسح وجهه ويديه بالتَّراب بضربتين أو بضربةٍ واحدة، وأن يُزيل النَّجاسة أولاً وقبل التَّيمم، فلو تيمَّم بوجود النَّجاسة لم يَجز ذلك، سواءً كانت النَّجاسة في بدنه أو في ثوبه أو في محله.
أن يجتهد الشخص في معرفة القبلة قبل الشروع في التَّيمّم
وذلك من باب إتاحة الوقت الأكبر لِعلَّه وجود الماء في أثناء هذا الفترة، وأن يتيمَّم بعد دخول وقت الصَّلاة سواءً كانت الصَّلاة فريضةً أم نافلة؛ وعلَّة ذلك أنَّ التَّيمم طهارةٌ ضروريَّةٌ لا اختيارية، والضَّرورة لن تحصل إلَّا بدخول وقت الصَّلاة ولا ضرورة قبله.
أن يتيمَّم لكلِّ فرض عين
وذلك لأنَّ التَّيمم وإن كان طهارة إلا أنَّه طهارةٌ ضرورية، لذا تُقدَّر بقدرها، فيُصلِّي بها فرضاً واحداً ويجمع معها ما شاء من النَّوافل، وهو ما ذهب إليه الشافعية، ويجوز جمع أكثر من فرض في تيممٍ واحدٍ للضَّرورة والمشقَّة.
فروض التَّيمُّم يقصد بفروض التَّيمُّم أو أركانه الأمور التي يتوقَّف عليها وجود التَّيمم، وتُعدُّ ركيزةً من ركائزه الأساسيَّة، ولا يصحُّ التَّيمُّم بدونها، وتفصيلها فيما يأتي:
مذهب الحنفيَّة: حيث قَصَروا أركان التَّيمم على رُكنين فقط؛ وذلك لأنَّ الرَُّكن عند الحنفيَّة يقتصر فقط على ما يكون جزءً من حقيقة الشَّي وليس بخارجٍ عنه، نوردهما فيما يأتي: الضَّربتان.
أن يَستوعب المسح وجهه ويديه حتى المرفقين. مذهب الجمهور: للتَّيمم عندهم فروضٌ أربعةٌ أو خمسةٌ على اختلافٍ بينهم:
النِّية: والتي يكون وقتها عند مسح الوجه، ويكون مضمون النِّية استباحة الصَّلاة، ومحلُّها القلب.
مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب: لقوله -تعالى-: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في حدِّ اليد المقصودة بالآية الكريمة؛ فقال الحنفيَّة والشَّافعيَّة إنَّ المقصود مسح اليدين إلى المرفقين مثله مثل الوضوء؛ ولأنَّ التَّيمم يقوم مقامه، بينما قال المالكيَّة والحنابلة بسمح اليدين إلى الكوعين فقط.
التَّرتيب بين عضوي التَّيمُّم الوجه واليدين: وهذا الفرض قال به الشَّافعية والحنابلة، بينما قال المالكيَّة والحنفيَّة باستحباب التَّرتيب لا بوجوبه.
المُوالاة في التَّيمم: بأن يُتابع المسح بين عضوي التَّيمم بلا انقطاع، وهو فرضٌ عند الحنابلة والمالكيَّة، بينما قال الشَّافعية والحنفيَّة بسُنيَّة المُوالاة لا بوجوبها.
الصَّعيد الطَّاهر: وهو فرضٌ عند المالكيَّة، ويُقصد به التَّيمُّم بكلِّ ما صعد على الأرض من أجزائها؛ مثل التُّراب، والحجارة، والحصى، والجليد، والمعادن التي لم تُنقل من محلِّها، ووافق الحنفيَّة المالكيَّة بجواز التَّيمُّم بكلِّ ما صعد عن الأرض ولم يَخصُّ التَّيمُّم بالتُّراب، بينما قال الشَّافعيَّة والحنابلة باقتصار التّيمُّم على التُّراب الطَّاهر ذي الغبار وعدم صحَّة التَّيمُّم بكلِّ ما سوى ذلك.
عدد الضربات؛ فالفرض عند الحنفية والشافعية ضربتان اثنتان؛ واحدةً للوجه، وواحدةً لليدين، وأمَّا المالكية والحنابلة فالفرض عندهم الضَّربة الأولى فقط؛ بأن يضع يديه على التراب، أمَّا الضَّربة الثانية تُعدُّ سنَّةً لا فريضة.
وجوب نزع الشّخص ما يلبسه من خواتم عند التَّيمم؛ وذلك لأنَّ التراب كثيفٌ ولا يَصل إلى ما تحت الخاتم بخلاف الماء.
ويختلف التَّيمم عن الوضوء بعدم وجوب إيصال التراب لمنبت الشعر لصعوبة ذلك، بخلاف الماء الذي يَسهل إيصاله.
كما أنَّ التَّيمم يخلو من المضمضة والاستنشاق بخلاف الوضوء.
سنن التَّيمُّم للتَّيمُّم سننٌ عديدةٌ يُؤجر المسلم على فعلها ولا يُعاقب على تركها، ومن هذه السُّنن: التَّسمية، وتفريق الأصابع عند الضَّرب على التُّراب حتى يثير الغبار أكثر ليَسهل لاحقاً تعميم الوجه به، ويُسنُّ أيضاً تخفيف التُّراب بعد الضَّرب عليه؛ بأن يَنفخ المُتيمِّم على يديه قبل مسح وجهه بهما، ويُسنُّ نزع الخاتم في الضَّربة الأُولى ويجب وجوباً في الضَّربة الثَّانية، ويُسنُّ أن يَبتدئ بمسح أعلى وجهه بالتُّراب كما يَفعل عند الوضوء.
ويُسنُّ التَّيامن في التَّيمم؛ بأن يُقدِّم اليد اليُمنى على اليد اليُسرى، ومسح اليدين إلى المرفقين خُروجاً من الخلاف حول حدِّ اليد الواجب مسحه، ولا تسنُّ الزِّيادة على الضَّربتين بل يقتصر عليهما، ويُسنُّ للمسلم الموالاة في التَّيمم في حال كان الشَّخص لا يُعاني من الحدث الدَّائم، وإلَّا فعندها تجب عليه الموالاة وجوباً، كما يُسنُّ أثناء التَّيمم استقبال القبلة، وأن ينطق بالشَّهادتين بعد فراغه من التَّيمُّم.
مبطلات التَّيمُّم يَبطل التَّيمم بكلِّ ما يَبطل الوضوء به من الأحداث والأسباب وغيرها، فإن كان الشَّخص مُتيمِّماً عن حدثٍ أصغر فيبطُل تيمُّمه بمبطلات الوضوء؛ كالبول والغائط والريح، وإن كان مُتيمِّماً لحدثٍ أكبر فيبطل تيمُّمه بما يُبطل الطَّهارة ويُوجب الغُسل، كما يَبطل التَّيمم أيضاً بزوال السَّبب الذي أجازه؛ فإن وجد الشَّخص الماء بعد فقده أو تمكَّن من استخدامه بعد عدم القدرة على ذلك، بطُل التَّيمم عندها.
إذا تيمَّم لفقد الماء ثمَّ وجده هناك العديد من الحالات التي تندرج تحت هذه المسألة، منها ما هو مُتَّفقٌ عليها ومنها ما هو مختلفٌ فيها كما يأتي:الأمور المُتفَّق عليها: إنَّ الشَّخص الذي قام بالتَّيمُّم إن وجد الماء بعد خُروج وقت الصَّلاة بالكُّليَّة فلا يجب عليه إعادة الصَّلاة.
ما تعدّدت حوله الآراء: إذا وجد الشخص الماء في وقت الصَّلاة؛ فذهب الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلة إلى القول بعدم وجوب إعادة الصَّلاة عليه، ما دام قد بحث عن الماء ولم يُقصِّر في طلبه؛ ولأنَّه صلَّى وأدَّى فرضه كما أُمر فسقط عنه، بينما ذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى القول بانتقاض طهارة المُتيمِّم عند ملاقاته للماء، فعليه إعادة الطَّهارة والصَّلاة مرة أخرى.
وفصَّل الشَّافعيَّة في المسألة؛ فقالوا إن وجد الماء قبل الصَّلاة بطل لأنَّ التَّيمم يُشترط فيه دخول الوقت، وأمَّا إن رأى الماء أثناء صلاته فيَبطل تيمُّمه ويُعيد الصَّلاة، إلَّا أن يكون مسافراً فعندها لا يَبطل تيمُّمه ولا يُعيد الصَّلاة، وأمَّا إن رأى الماء بعد انتهائه من الصَّلاة فعليه إعادتها إن لم يكن مسافراً، وأمَّا إن كان مُسافراً فلا يلزمه الإعادة.
أحكام النَّجاسات أنواع النجاسات النَّجاسة عكس الطَّهارة، وهو اسمٌ يطلق على كلِّ مُستقذرٍ شرعاً، وللنَّجاسات أنواعٌ عدَّة، منها غائط وبول الآدمي، وأمَّا بول الرَّضيع؛ فإن كان ذكراً يُعدُّ طاهراً، وإن كانت أنثى يُعدُّ نجساً لحديث علي -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ في بولِ الغلامِ الرَّضيعِ يُنضَحُ بولُ الغلامِ، ويُغسَلُ بولُ الجاريةِ)، وفيما يتعلَّق ببول ما يُؤكل لحمه من الحيوانات فهي من الأمور المُختلف فيها، ومنها ما هو متَّفقٌّ على طهارته مثل بول الإبل، ومن النَّجاسات أيضاً المذي؛ وهو عبارة عن سائلٍ لزجٍ رقيق يخرج عند الشَّهوة، ولا يخرج دفقاً ولا يعقبه فتورٌ في الشَّهوة، وقد لا يُحس بخروجه، والوَدي؛ وهو ماءٌ ثخينٌ يخرج عقب البول، ويُعدُّ المني من الأمور المُختلف في نجاستها، وأكثر العلماء على أنَّه طاهرٌ وليس بنجس ولكنَّه مُوجبٌ للغُسل، ويُفضَّل إزالته عن المكان الذي أصابه من باب النَّظافه لا لنجاسته.
ومن النَّجاسات دم الحيض، وروث الحيوانات التي لا يُؤكل لحمها، ولُعاب الكلب، ولحم الخنزير، والمَيتة؛ وهي الحيوان الذي مات دون أن يُذكَّى ذكاةً شرعيَّةً، ويُستثنى منه ميتتان السَّمك والجراد للحديث: (أحلَّت لَكُم ميتتانِ ودَمانِ، فأمَّا الميتَتانِ، فالحوتُ والجرادُ، وأمَّا الدَّمانِ، فالكبِدُ والطِّحالُ)، ويُعدُّ نجساً كذلك كل ما انفصل عن الحيوان وهو حيٌّ، فعندها يأخذ هذا الجزء حكم المَيتة، ويُعدُّ نجساً كلُّ ما تبقَّى في الإناء من الطُّيور الجارحة والحيوانات التي لا يُؤكل لحمها، وهو ما يُعرف بسُؤر السِّباع، وكذلك لحم كلِّ ما لا يُؤكل لحمه من الحيوان، وتعدّدت آراء العلماء في حكم الخمر هل يعدُّ نجساً أم لا، ومذهب الجمهور أنَّ الخمر نجس، وقال بعض الفقهاء مثل ربيعة والليث والمزني والألباني بأنَّه طاهر، وأنَّ تحريم الخمر لا يَستلزم نجاسته.
وتعدّدت آراء الفقهاء في حكم دم الإنسان من غير دم الحيض
فقال أصحاب المذاهب الأربعة بأنَّ دم الإنسان نجس، وقال جماعة من المتأخّرين مثل الشوكاني والألباني وابن عثيمين إلى القول بطهارة دم الإنسان، وأمَّا فيما يتعلَّق بقيء الإنسان، فهمنهم من قال بنجاسته ومنهم من قال إنَّه طاهر؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة.
كما تعدّدت آراء العلماء في حكم الإفرازات التي تَخرج من فرج المرأة أو ما يُعرف برطوبة فرج المرأة على قولين: الفريق الأوَّل: إنَّ هذه الإفرازات نجسةٌ ويجب إزالتها؛ لأنَّها خارجة من السَّبيلين فتأخذ حكم ما يخرج منه وهو النَّجاسة.
الفريق الثاني: إنَّ إفرازات فرج المرأة طاهرة؛ لأنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يأمر النِّساء بغسلها، كما أنَّ مخرج الإفرزات يَختلف عن مخرج البول والغائط.
ما يعفى عنه من النجاسات هناك العديد من النَّجاسات التي يُعفى عنها، سواءً كانت في البدن أم في الثَّوب أم في المكان، ويكون سبب العفو عنها عموم البلوى وصعوبة التَّحرّز منها، فيُعفى عمَّا أصاب ثوب وبدن المرأة من بول أو غائط رضيعها أثناء إرضاعه، ويُعفى عن البلل الذي يُحدثه الباسور بشكلٍّ يومي إذا أصاب بدن الشَّخص أو ثوبه، ويُطالب بغسلهما مرةً واحدةً في اليوم، وأمًّا إن أصاب ذلك يده فيغسلها في كلِّ مرة، كما يُعفى عن السَّلس؛ سواءً كان في البول أو الغائط أو المذي أو الودي أو المني، فلا يُطالب بغسلها عن ثوبه أو مكانه أو بدنه إلا مرَّة واحدة إن كانت تسيل باستمرار.
ويُعفى أيضاً عمَّا يصيب بدن وثوب كلٍّ من الطَّبيب والجزار من الدِّماء أثناء ممارستهم لأعمالهم، كما يُعفى عن الدَّم الذي يُصيب بدن وثوب المُصلِّي إن كان قليلاً، ويُعفى من النَّجاسات ما أصاب بدن وثوب الشَّخص من بولِ وروث البغال والخيل والحمير إن كان يُباشر عمله بجوارها، لصعوبة احترازه منها، ويُعفى عن كلٍّ من أثر الذُّباب والنَّاموس، وأثر دم موضع الحجامة، والطِّين العالق بالحذاء والمُختلط بالنَّجاسة، وغائط البراغيث وإن كثر، والماء الذي يَخرج من فم النَّائم إن كان خارجاً من المعدة، ومَيتة القمل إن كانت قليلة.
ويُعفى عن البخار الذي يخرج من النَّجاسات وإن علقت رائحته بالثَّوب أو الجسد، ويُعفى عن رشاش البول الرَّقيق، وعن نجاسة ميتة الغنم والإبل إن وقعت في بئر، فعندها لا تنجُس الماء بهما، ويُعفى عن روث السَّمك بالماء ما لم يغيّره، وعن الدَّم الباقي في اللَّحم والعظم، وعن بول وروث البهائم إن أصابت الحبَّ حين درسه، وعمَّا يصيب اللَّبن من روثٍ أو نجاسةٍ عند حلبه من ثدي الحيوان، ويُعفى كذلك عمَّا يُصيب العسل من روث الحيوانات إن صُنع بها بيت النحل، وعن نجاسة فمِ الرَّضيع عند ملامسته لثدي أُّمِّه، وما يَسقط في السَّائل من نملٍ وغيره إن لم يُغيّره.
ما تزال به النجاسات الأصل في التَّطهير أن يكون من خلال الماء، وأن يكون ذلك الماء طُهوراً، فلا يقوم مقامه شيء إلَّا بإذن الشَّارع، وهذا قول الجمهور، بينما قال أبو حنيفة بجواز التَّطهير بكلِّ ما يُزيل النَّجاسة ولا يُشترط الماء، فمتى ما زالت النَّجاسة بأيِّ شيءٍ تحقّقت الطَّهارة، ويتمُّ تطهير النَّجاسات وإزالتها بطرقٍ متنوِّعةٍ بحسب اختلافها وبحسب الطَّريقة التي وردت في الشَّرع بشأنها؛ فيتمُّ تطهير الحذاء مثلاً من خلال المسح وتتابع المشي به، ويتمُّ تطهير المُتنجِّس الذي لا يُمكن غسله مثل الأرض والبئر بصبِّ الماء عليه، أو بسحب الماء منه حتى تختفي أثر النَّجاسة.
ويكون تطهير الثَّوب من الحيض بفركه ودلكه بأطراف الأصابع ليخرج جسمه، ثمَّ يُزال أثره بالماء، أمَّا تطهير الثَّوب من بول الرَّضيع فيكون بالنَّضح إن كان الرضيع ذكراً، وبالغسل إن كانت أنثى، ويُطهَّر الثوب الذي أصابه المذي برشِّ الموضع بالماء، ويُطهَّر ذيل ثوب المرأة الذي يُصيب الطَّريق بمجرد ملامستة للأرض الطَّاهرة، ويكون تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله سبع مراتٍ وأوَّل هذه المرات يكون بالتُّراب، ويُطهَّر جلد المَيتة بدباغته، وإن أصاب البول الأرض يُصبُّ عليه الماء صبَّاً.
ويتمُّ تطهير مكان السَّبيلن بالاستنجاء؛ أي من خلال استخدام الماء، أو بالاستجمار الذي يتم من خلال استخدام الحجر أو الورق؛ على أن تكون الحجارة ونحوها مما يُستخدم في الاستجمار من الأشياء الجامدة والتي تُزيل النَّجاسة، وأن يكون عددها ثلاثاً فأكثر.
وبالرُّغم من صحَّة الاستجمار إلَّا أنَّ الاستنجاء باستخدام الماء أفضل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ خروج الرّيح لا يُوجب الاستنجاء أو الاستجمار.
التعليقات