م.علي أبو نقطة
في اللحظات الفاصلة من عمر الدول تتضح حقيقة الانتماء بعيدًا عن الشعارات والأيديولوجيات. واليوم، يقف الأردن على أعتاب لحظة وعي حقيقية، تتطلب استدعاء الحكمة الوطنية الجامعة، والانحياز المطلق للدولة كإطار ضامن للهوية، وحاضنة جامعة للتعددية والتنوع.
لقد علمتنا التجربة التاريخية أن الدول لا تسقط بتعدد الآراء، بل بسقوط الإجماع على احترام المصالح العليا الوطنية. والخطر الحقيقي لا يكمن في الاختلاف حول السياسات، بل في تجاوز مرجعية الدولة إلى صراعات الهوية والانتماء، واستغلال الظرف السياسي لتوسيع دائرة التأييد الشعبي. إن أي تجاوز على هيبة الدولة ومؤسساتها الدستورية، أو إضعاف لصورة النظام العام، يمثل تهديدًا وجوديًا، لا مجرد خلاف سياسي عابر.
لا أحد فوق الدولة، ولا مكان لمعارك جانبية تستقوي على مؤسساتها، فالدولة الأردنية صلبة وقوية، وجميعنا نكبر بقوتها ونضعف بضعفها. لا يمكن لعاقل أو صاحب نية صافية أن يعمل أو يتمنى وهن الأردن، فهو سفينتنا جميعاً، ومن مصلحة الجميع صونها من الغرق.
في الدول التي ترسخت فيها دعائم الاستقرار، لا يعلو صوت فوق صوت المؤسسات، وحين يخطئ فرد أو جماعة، يكون القضاء هو المرجع والحَكَم. والأردن، الذي عايش مراحل مختلفة من التحديات، أثبت أن لا أحد فوق القانون، وأن العدالة كانت ولا تزال حاسمة وعادلة لكل من خان أو تجاوز, والأمثلة كثيرة.
إن التجاوز على الدولة ليس خطأ عابراً، بل جرم جسيم يتطلب الاعتذار الصريح وتحمل المسؤولية الكاملة، دون مواربة أو تهرب. في الوقت ذاته، يجب التفريق بين الأعمال الفردية وسلوك الجماعات. فليس من العدل تعميم خطأ فرد على الكل. ويتعين عليها أن تعلن بوضوح فردية التصرف وانه لا يمثلها ولا يعبر عن نهجها أو رؤيتها, لاسيما أنها كانت جزءاً من النسيج الأردني الذي لم يُعرف عنه حمل السلاح أو ممارسة العنف داخلياً.
اليوم نحن بحاجة ماسة إلى مراجعات فكرية وتنظيمية صادقة داخلياً، لتقديم مصلحة الأردن أولاً وأخيراً، دون أي ارتهان خارجي أو حسابات تتجاوز حدود الوطن وعلى الجميع الابتعاد والتوقف عن أي ممارسات تؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، والتفريق بدلاً من التجميع، وإضعاف الوحدة الوطنية التي نحتاجها أكثر من أي وقت مضى.
إن المعارضة الوطنية الرشيدة مصلحة وطنية كبرى؛ تعزز مسيرة الإصلاح، وتضمن استمرارية التقدم، عبر النقد البناء ورؤية النصف الممتلئ من الكأس. معارضة تقدس مقام الملك والوطن وثوابته، وتختلف فقط في السياسات والأولويات الحكومية وأساليب الأداء، دون مساس بالثوابت الوطنية العليا.
إن ما نحتاجه اليوم ليس فقط إجراءات قانونية، بل عملية سياسية – اجتماعية أعمق، تعيد ضبط الإيقاع الوطني على أساس مصلحة الأردن أولاً، وأخيراً، ودائماً, يحصّن الدولة بدلاً من أن يستنزفها، ولا يسمح لتحولات اللحظة بالانزلاق إلى ممارسات تضر بلحمتنا ونسيج مجتمعنا، فالأردن أمانة الجميع.