الشاب "دغمش" يصارع ألم الإصابة في غزة

mainThumb
الشاب "دغمش" يصارع ألم الإصابة في غزة

26-04-2025 10:47 AM

printIcon

أخبار اليوم - في مساء 15 نوفمبر 2023، وبينما كانت الشمس قد أذنت بالغروب، وأحياء غزة تغرق تحت وابل القصف الإسرائيلي في الأيام الأولى لحرب الإبادة، قصد الشاب خالد دغمش، البالغ من العمر 30 عامًا، مسجد "أحباء السنة" في حي التفاح لأداء صلاة المغرب، بحثًا عن السكينة وسط الفوضى ورغم الخوف.

لم يكن يعلم أن تلك اللحظات الروحية ستكون بداية فصل قاسٍ من الألم والمعاناة لا يزال يعيش تفاصيله حتى اللحظة.

بينما كان دغمش ساجدًا في صلاته، استهدفت طائرة إسرائيلية المسجد بصاروخ مباشر، حوّل المكان المقدّس إلى كتلة من الركام. استشهد من استشهد، وخرج هو بجسد ممزق، فقد على إثره ساقه اليسرى التي بُترت من أعلى الركبة، وتعرض جسده لشظايا غائرة في مختلف أنحاء جسده.

نُقل إلى مستشفى المعمداني، حيث دخل في غيبوبة استمرت أسبوعًا كاملًا. وعندما استعاد وعيه، لم يهنأ حتى بجرعة الأمان القليلة تلك، إذ اقتحم جيش الاحتلال أروقة المستشفى في الساعة التاسعة صباحًا، ليجبر الطواقم الطبية على إخلاء الجرحى سريعًا.

نقل هو والجرحى إلى المستشفى الإندونيسي شمال القطاع، وهناك أُجريت له عملية جراحية أولية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يقول دغمش لصحيفة "فلسطين": "عشت أيام لا تنسى ولا يمكن أن تغتفر، حيث كنت بأمس الحاجة للراحة والأمان، ونقلت إلى المستشفى وأنا في غيبوبة".

ولكن حتى هذا الملاذ لم يدم طويلًا، فبعد أيام فقط، تعرّض المستشفى الإندونيسي للقصف أيضًا، وتبعه اقتحام عنيف من جنود الاحتلال، دخلوا إلى قسم الجراحة، وأخرجوا الجرحى بالقوة، وعندما وصلوا إلى دغمش، فكّوا الرباط الطبي عن ساقه المصابة، وضربوه عليها بعنف حتى بدأ النزيف من جديد. ثم أجبروه على المشي رغم إصابته، ودفعوه أرضًا حين سقط عن نقالة خاصة بالمرضى، مما تسبب له بكسر في الظهر.

يضيف دغمش: "هنا أصبح الوجع مضاعفًا لا يحتمل، وبقيت ما يقارب أربعة أشهر وأنا ممددًا على السرير بسبب اعتداء إسرائيلي ينتهك الكرامة والإنسانية".

"لا ضمير في التعامل مع المرضى، رغم كل الاتفاقيات التي تنص على حماية المرضى والكوادر الطبية والمستشفيات، وقد شتمنا الجنود بألفاظ نابية"، يواصل رواية حدث موجع في حياته.

لاحقًا، نُقل إلى المستشفى الأردني في محاولة لإعادة خياطة الغرز الطبية التي تمزقت نتيجة الاعتداء، ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلة الألم اليومية التي لا تنتهي.

يتابع دغمش حديثه: "لا يمر يوم دون أن أشعر بألم لا يُحتمل... لا يسكن ولا يصمت فلا أنام ليلًا، والمسكنات بالكاد تؤثر، الألم يسكن في كل جزء مني".

ويشير إلى أن الحصار المطبق على القطاع تسبب بشح الأدوية وانقطاع بعضها سواء في العيادات الحكومية أو حتى في الصيدليات الخاصة.

ويوضح دغمش أنه كل أسبوعين تقريبا يضطر الوقوف في طوابير المرضى والجرحى ليحصل على كورس من المسكنات القوية.

اليوم، وبعد خمسة أشهر، يستطيع الشاب أن يتحرك باستخدام عكازين، ساقه اليسرى مبتورة بالكامل، واليمنى مصابة بشظايا تعيق حركته بشكل طبيعي.

فلم يعد قادرًا على العمل في مهنته التي أحبها — الدهان — ولم يعد يستطيع إعالة أطفاله الخمسة الذين ينتظرون عودته إلى حياته الطبيعية.

"أنتظر تركيب طرف صناعي، حتى أعود للعمل، مش بس عشان أوفر لأطفالي، لكن عشان أحس إني ما زلت إنسان... ما زلت قادر"، يضيف دغمش بصوت مكسور لكنه لا يخلو من الأمل.

وتختزل ملامح دغمش المأساة التي يعيشها آلاف الجرحى في غزة، فلا تكمن المعاناة فقط في الإصابة الجسدية، بل في قسوة تفاصيل الرحلة بعدها في ظل حرب لا ترحم.

المصدر / فلسطين أون لاين