من سطح البيت إلى سرير الشَّلل .. حكاية دينا

mainThumb
من سطح البيت إلى سرير الشَّلل... حكاية دينا

26-04-2025 10:42 AM

printIcon

أخبار اليوم - بين أنين الألم وهمسات والديها، تغفو وتفيق الطفلة دينا الخولي، فيما تحيط أسلاك الأجهزة الطبية وأنابيبها بجسدها النحيل، كأغلالٍ لا فِكاكَ منها. على أسرّة العلاج في المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" في قلب مدينة غزة، ترقد الطفلة ولا تقوى على الحركة، بعدما خذلتها أطرافها السفلية عن الوقوف مجددًا.

بعينين غائرتين في وجهها، تنظر دينا من حولها، فلا تجد سوى أجهزة طبية تفوح منها رائحة الدواء، وقد غابت عن ملامحها أي إشارات توحي بأنها كانت، قبل أيام قليلة، تركض وتعلو ضحكاتها البريئة فوق سطح منزلها في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة.

طفولة منكوبة

الطفلة البالغة من العمر 14 عامًا، كانت تلعب مع أشقائها عصر السبت 12 أبريل/نيسان 2025. لم يرتكبوا ذنبًا سوى أن ابتساماتٍ واسعة ملأت وجوههم، وهم يتقاسمون لحظات اللعب فوق سطح بدا أنه الملاذ الأخير لطفولةٍ محاصرة بالحديد والدمار.

وبينما كانت دينا تمرح ويتطاير شعرها خلفها، اخترق فجأة صوت غريب سماء المنطقة، طنين منخفض تحوّل فيما بعد إلى كارثة.

"سمعنا صوت مسيّرة صغيرة، أعقبه إطلاق نار. لم نتوقع أن تُستهدف السطح الذي يلعب عليه الأطفال"، قال محمد الخولي (40 عامًا)، والد دينا، وهو يجلس بجانب سرير ابنته: "كانت تركض، ثم سقطت أرضًا".

"وجدت الأطفال يصرخون بشدة عندما وصلنا إليهم، بينما كانت دينا غارقة في دمائها، وهي غائبة عن الوعي تمامًا. بكى الأطفال وقد جفّت الدماء في عروقهم".

سلاح فتاك

المسيّرة التي تحدث عنها والد دينا، واحدة من الطائرات الحربية الإسرائيلية بدون طيار، من نوع "كواد كابتر"، والتي باتت مألوفة في سماء القطاع منذ أن بدأ جيش الاحتلال حرب الإبادة على غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

رصاصة واحدة من الطائرة نفسها كانت كافية لتُحدث شرخًا كبيرًا في حياة عائلة بأكملها.

اخترقت الرصاصة عنق الطفلة من الجهة اليمنى، وأصابت المريء، قبل أن تصيب العمود الفقري، مسببة كسورًا حادة في الفقرتين السادسة والسابعة من الأعلى، وأحدثت شللاً نصفيًا فوريًا، وتوقُّف الرئة اليمنى عن التنفس.

اليوم، لم تعد دينا قادرة على تحريك أطرافها السفلية أو التنفس بشكل طبيعي. جسدها بات موصولًا بأنابيب وأنظمة تغذية ومراقبة طبية، ولا تغادر السرير أو تتحرك إلا بعناية مشددة من طاقم التمريض وبمساعدة والديها.

أمنية حياة

"أول ما سألتني عنه هو: متى سأرجع ألعب؟" قال والدها بصوت مخنوق وقد اغرورقت عيناه بالدموع لصحيفة "فلسطين". "كيف أشرح لها أنها لن تتمكن من الجري قريبًا، وربما مطلقًا؟"

أما والدتها، عالمية الخولي (39 عامًا)، فتحكي بصوت مكسور لـ"فلسطين": "لم أجد إجابة على سؤالها، كنت فقط أبكي".

في المستشفى، تحاول دينا التكيف مع عالمٍ جديد. فالأجهزة الطبية المحيطة بها، وسرير العلاج الذي لم تغادره منذ إصابتها، يحرمانها ما تبقى من طفولتها. وبينما يجتهد الأطباء في تخفيف الألم، يقف والداها عاجزين أمام مشهد ابنتهم التي تبدلت حياتها في لحظة.

يقول والدها: "إننا نسعى للحصول على تحويلة للعلاج خارج غزة، لكن المشكلة في إغلاق المعابر والتحكم الإسرائيلي بها. ففي كثير من الأحيان، يُغلقها الاحتلال أمام الجميع".

فرصة نجاة!

"استخدام الطائرات الصغيرة لمهاجمة المدنيين، حتى الأطفال، أصبح ظاهرة مقلقة خلال الحرب. لا يكاد يمر أسبوع دون إصابات مماثلة"، يقول الحكيم في قسم الجراحة بالمستشفى المعمداني، قاسم أبو شريعة.

عن الحالة الصحية لدينا، يضيف: "رصاصة المسيّرة الإسرائيلية أضرّت الطفلة كثيرًا، حتى أنها أصبحت غير قادرة على تناول الطعام عبر الفم. فقط بإمكانها ذلك من خلال أنبوب متصل بجسدها، يمدّها بالغذاء السائل".

كذلك يؤكد أبو شريعة أن الحالة الصحية لدينا لا تحتمل بقائها في غزة، ويجب تحويلها إلى الخارج لإجراء العمليات اللازمة وتلقّي العلاج المناسب.

رغم كل شيء، تبتسم دينا أحيانًا، حين يزورها شقيقها الصغير عمر (9 أعوام)، ويضع في يدها دمية من القماش، أو عندما يحاول والدها إضحاكها بحكاية قديمة. لكن تلك الابتسامة تخبو سريعًا عندما تعود عيناها إلى الأنابيب، وتدرك أنها أصبحت حبيسة أسرّة العلاج.

في حين تقول أمها: "كل ما نريده اليوم، أن نمنحها فرصة للحياة؛ أن تنجو من الشلل. فقط نريد نقلها خارج غزة لإكمال علاجها".


 فلسطين أون لاين