قصة والد ودّع أولاده على يد الاحتلال

mainThumb
قصة والد ودّع أولاده على يد الاحتلال

26-04-2025 10:37 AM

printIcon

أخبار اليوم - في فجرٍ رماديٍّ ثقيل، اهتزّ حي الشيخ رضوان في مدينة غزة على وقع صاروخٍ اخترق السكون، حمل معه الموت وترك خلفه ذكرياتٍ محطّمة، وغبارًا يخنق الأمل.

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية فجرًا، حينما استيقظ الحاج نضال الصرافيتي (75 عامًا) على صوت الانفجار. نهض مذعورًا يبحث عن ابنه "علي"، كما اعتاد أن يفعل في كل لحظة قلق.

"علي.. يا علي!" كان ينادي الحاج نضال من قلبه قبل لسانه، لكنه لم يجد ردًّا. لم يكن الصدى سوى صمتٍ موحش، وصوت تناثر الردم، وانهيار منزل لم يتبقَّ منه إلا غرفة واحدة.

مجزرة إسرائيلية

ويقول الحاج نضال، وهو يشير بيده إلى منزله الذي بات كومة من الركام، لصحيفة "فلسطين": "كان علي يسكن في الطابق الرابع، قبل أن يرتقي هو وأسرته المكوّنة من ثلاثة أطفال وزوجته، وقبل أن يصبح المنزل كومة من الحجارة".

ويضيف: إن "علي" أسير محرّر، أمضى 16 عامًا في سجون الاحتلال قبل أن يعانق الحرية عام 2015، لكنه استُهدف بصاروخ من طائرات الغدر الإسرائيلية فجرًا، ليرتقي مع زوجته نرمين الشربجي، ابنة خالته المصرية، وأطفاله الثلاثة: سارة (6 أعوام)، نضال (4 أعوام)، وحسني (عامان).

ويردف العم أبو حسني: "ما الذنب الذي اقترفه ابني وزوجته وأطفالهم ليُستهدفوا وتتمزق أجسادهم وتتبعثر في المكان؟! وأين العالم والضمير العربي مما نتعرض له من حرب إبادة جماعية؟!"

ويتوقف الأب المكلوم عن الحديث لثوانٍ معدودة قبل أن يكمل: "كان علي عكازي، وظلي، ورفيق دربي، وونيسي. كان كلما ناديته يرد بسرعة، يهبط الدرج كالسهم. فجرًا، بعد أن هزّ الصاروخ الإسرائيلي المكان، ناديته، ولكن لا مجيب. حينها أدركت أنه لن يرد بعد اليوم، وأنه المستهدف".

ويلفت الحاج نضال إلى أنه، رغم اشتداد القصف على مدينة غزة، رفض ابنه التوجه جنوب القطاع. وأُصيب في نوفمبر 2023 خلال استهداف منزل مجاور، وظل "علي" رافضًا لفكرة الرحيل. ثم أصيب مرة ثانية بعد استهدافه المباشر أثناء تعبئته للمياه في نوفمبر 2024، بشظية استقرّت في بطنه، لكنه لم يغادر بيته.

ويتابع بحزن: "كانت نرمين، زوجة ابني علي، مرآته في الصبر. رفضت مغادرة القطاع رغم أنها تحمل الجنسية المصرية، وتمسكت ببيتها وبزوجها، وبقيت إلى جانبه حتى آخر لحظة. أصرّت على البقاء رغم توسلاتنا لها بأن تذهب إلى أهلها في مصر، لكنها كانت ترد: لن أترك زوجي وحده، لن يبيت ليلة من دوني".

ويمضي الحاج نضال والدموع تتلألأ في عينيه، قائلًا: "حين ودّع علي قبل ثلاثة أيام صديقه الشهيد يوسف بكر، وقبلها بعشرة أيام رفيق دربه كمال موسى، قال لمن حوله: دورنا قادم".

ثلاثة شهداء

ويشير الحاج أبو حسني، بحزن شديد، إلى أن ابنه الشهيد "علي" هو الابن الثالث الذي يودّعه، فقد سبقه شقيقاه: "محمد"، الذي استُشهد عام 1994 بعدما دهسه جيب عسكري إسرائيلي وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، و"حسني"، الذي استُشهد عام 2004 إثر استهداف طيران الاحتلال له قرب مسجد الشنطي في حي النصر.

ويكمل الحاج نضال، بصوت خافت كأنه يخشى أن تنكسر كلماته تحت ثقل الحزن: "واليوم، التحق علي بشقيقيه، ليكمل مثلث الفقد في قلبي. لم يعد لي من الذكور أحد. تبقّى لي أربع بنات، والباقي ذكريات وألم".

وقد دُمّر منزل الصرافيتي بالكامل، ولم يبقَ منه سوى غرفة واحدة والذكريات التي تحف المكان من كل جانب، لافتًا إلى أن عائلته، باستشهاد ابنه علي، تكون قد قدّمت عشرة شهداء خلال الحرب المدمّرة على القطاع.

وفي جنازة خافتة، غاب الصوت وغابت الدموع، شُيّع "علي" وزوجته وأطفاله "سارة، نضال، وحسني"، ووُروا الثرى في مقبرة الشيخ رضوان بمدينة غزة، حيث دُفنوا في قبر شقيقه "حسني"، نظرًا لعدم توفّر قبور جديدة، ولصعوبة الوصول إلى المقبرة الشرقية بسبب خطورة الوضع الأمني واستمرار القصف الإسرائيلي.

وقد بلغت حصيلة الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، 51,355 شهيدًا، و117,248 جريحًا، بحسب بيان صادر عن وزارة الصحة.









المصدر / فلسطين أون لاين