في قلب الرُّكام .. "سمية" تقود أمنياتها بدراجة أخيها الشهيد

mainThumb
في قلب الرُّكام.. "سمية" تقود أمنياتها بدراجة أخيها الشهيد

24-04-2025 09:58 AM

printIcon

أخبار اليوم - في أحد زوايا مركز إيواء مزدحم بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة، تُطلق سمية الشريف (16 عامًا) ضحكة خافتة لطفل يشتري منها قطعة حلوى، بينما تمسح على مقعد دراجة هوائية صدئة، هي كل ما تبقّى من شقيقها الشهيد "يوسف".

ولم تكن الدراجة يومًا وسيلة ترفيه أو لهو بالنسبة لـ"سمية" بل أصبحت حبل النجاة الذي يربطها بحياة قاسية، فُرضت عليها في عمرٍ يفترض فيه أن تكون منشغلة بدراستها وأحلامها لا بالبحث عن الماء والسكاكر لتبيعها وتُعيل بها ستة أفراد فقدوا كل شيء بسبب الحرب الضروس المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

ومنذ استشهاد شقيقها "يوسف" والقول لـ"سمية" أصبحت الدراجة رفيقتها اليومية، ليس فقط كوسيلة تنقل، بل كرمز لذكرى غالية، ومحاولة للتمسك بالحياة.

شريط الذكريات

تقول سمية لـ "فلسطين أون لاين": "لجأت إلى الدراجة، لأنها من ريحة "يوسف"، ووسيلتي الوحيدة لمساعدة أهلي بعد ما خسرنا البيت والمعيل".

وتضيف بحزن: ورثت الدراجة عن شقيقي "يوسف" الذي استُشهد في 23 أكتوبر 2023، حين قصفت طائرات الاحتلال منزلنا في حي بئر النعجة شمال غرب مدينة غزة.

وتذكر أن يوسف كان يبلغ من العمر 23 عامًا، وأبى مغادرة البيت، مفضلاً الاستشهاد في بيته على النزوح للمجهول، متابعة: أما شقيقي "عبد الرحمن" توأم روحي فقد استشهد لاحقًا خلال اجتياح مخيم جباليا، برصاصة في الرأس وهو يبحث عن الحطب للطهي مع ابن عمي.


وتتذكر سمية، يوم استشهاد "عبد الرحمن" وكأن الزمن توقف هناك، حين خرج في 16 نوفمبر 2024 صباحًا ولم يعد، حينها تسلّل القلق إلى قلبها سريعًا، وعادت كل الذكريات تدق جدران روحها، وبعد ساعات من الانتظار، عاد عمها "صالح" يحمل خبر استشهاده، فيما بقي ابن عمها "محمد" مفقودًا حتى عُثر عليه لاحقًا جريحًا يصارع الموت وحده.

وتلفت بحزن، إلى أن الحرب لم تسرق منها إخوتها فقط، بل مزّقت استقرار عائلتها فهُدم منزلهم مرتين، الأولى في بئر النعجة، والثانية في منطقة العلمي، وتعرضت سيارة والدها للتدمير، وكان يعمل بائعًا بسيطًا يجوب الأسواق والمساجد بجلابيات الصلاة والمسابح، ومع غياب كل مصدر للدخل تحولت الدراجة الهوائية إلى وسيلة للتنقل والعمل.

وتلفت إلى أنها تعلمت ركوب الدراجة الهوائية منذ صغرها، قائلة بابتسامة خفيفة "حتى لما انكسرت إيدي وأنا صغيرة، ما تركت الدراجة، كنت أرجع أحاول لحالي لحد ما اتعلمت".

وتقطع سمية، يوميًا أكثر من خمسة كيلومترات، تجوب الشوارع المدمرة لجلب احتياجات العائلة، وشراء الحلوى والبسكويت لبيعها للأطفال في مركز الإيواء.

أمنيات معلقة

وتقول الفتاة: "أصبحت أشتري أشياء بسيطة وأبيعها للأطفال، عشان أقدر أشتري طحين أو مي أو أي شيء لأهلي، إحنا بلا بيت، بلا مصاري، وبلا أمان".

وبصمت تكافح سمية، وتحاول التماسك رغم الإرهاق، فصعودها ونزولها المتكرر إلى الطابق الثالث حاملة بين يديها جالونات المياه العذبة والمالحة حيث تسكن عائلتها في مركز الإيواء بات يؤلم جسدها النحيل، مع ذلك، ترفض الاستسلام.


وما يخفف من تعبها اليومي هو الدعم المعنوي من الناس الذين يشاهدونها في طريقها، مضيفة بفخر: "الناس ، وبحكولي برافو عليك، وأنتِ قوية، وأنا بحس إنه في ناس حاسة فيّ، وهاد بيعطيني دفعة أكمّل".

ونزحت سمية قسرا، مع عائلتها أكثر من عشر مرات منذ بداية الحرب الطاحنة على القطاع، تائهة بين بيوت الأقارب ومراكز الإيواء، تحمل على كتفيها هم العائلة، وذكريات إخوة رحلوا، وأمنيات معلقة في السماء.

وتحلم الفتاة في أن تنتهي حرب الإبادة، وتعود إلى مقاعد الدراسة، وتعيش بسلام مثل باقي فتيات العالم.

وتختم حديثها وعيناها تلمعان رغم التعب: "بتمنى نعيش بأمان، وأرجع أدرس وأحقق حلمي.. ما بدي شي كبير، بس بدي نعيش زي باقي الأطفال".

واستشهد منذ بدء الاحتلال الحرب الضروس على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، 51240 مواطنًا، فيما وصل عدد المصابين إلى 116931، وتبلغ نسبة النساء والأطفال من هؤلاء الضحايا نحو 72%، وفق وزارة الصحة.

 فلسطين أون لاين