انهيار أخلاقي

mainThumb
د. بثينة محادين

23-04-2025 10:21 AM

printIcon

د. بثينة محادين

نعيش في عصر يتميز بالإنحطاط الأخلاقي على كافة الجوانب وفي مختلف الإتجاهات ، لا بل ويحتاج البعض لشهادات تقدير وامتياز على إبداعاتهم في رسم لوحاتهم الفنية والتنافس على تلوينها بألوان الإنحطاط والتردي؛ وكأنها ستباع في مزاد علني. أصبح كل شخص يسعى لإصطياد فريسة ما، لأن معتقداته تهيء له بأن كل ما يستطيع الحصول عليه هو مجرد وسيلة فقط لا أكثر للوصول إلى أهدافه وإرضاء إهتماماته وإشباع رغباته والحصول عليها، والفريسة قد تكون مال أو وظيفة أو شخص أو أي شيء يحتاجه. وللأسف مفهوم الفريسة أصبح هو الأنسب للتعبير عن بعض الأنفس المريضة التي تسعى لتحقيق أهدافها؛ ليتحول كل ما يريدون الحصول عليه إلى فريسة وليس إلى هدف، لأن الهدف من الفريسة هو الغذاء ليصبح البعض كالحيوانات تماماً في تحقيق أهدافهم ورغباتهم. مع التركيز على البعض الذين لا يوجد رادع لهم سواء بالتربية أو الدين أو الأخلاق، فما بالكم بمن تنعدم عندهم جميع هذه المنظومة. لهذا لم يعد هنالك ما يميز بعض هؤلاء الأشخاص عن غيرهم؛ بسبب التستر وراء الأقنعة التي تحمل تحتها وجوهاً مشوهة ،بشعة ،بلا مبادىء ولا قيم .


لا بل وأصبح الخلوق ملفتاً للنظر منبوذاً محارباً بجميع الطرق وشتى الوسائل، تُشن عليه حروباً في الخفاء؛ غير مرئية لأحد؛ بسبب بشاعة أساليبها وسوء طرقها؛ وكأننا نخوض حرباً مع الشياطين وليس مع البشر. لصبح الإنحطاط عدوى أو فيروس ينتقل من شخص إلى آخر، والمؤلم أنك تجد تلك الفيروسات أكثر إنتشاراً عند الطبقات العليا التي تصل لأعلى الدرجات؛ إما بالعلم أو المنصب او المال ، وهنا يجب وضع العديد من علامات الإستفهام والتعجب؟! لأن هذه الطبقات تستطيع التأثير في غيرها بطريقة عجيبة وتستغل حاجة الآخرين لهم دون شفقة ولا رحمة.

"خالف تعرف"، هو المثل الأنسب الذي يوجز التعبير عن المرحلة الإنحطاطية التي وصلنا لها، فالعديد من الأشخاص يتعمدون أن يكون لهم رأي مخالف حتى لو كان خاطئاً لكي يلفتون الأنظار تجاههم، معتقدين أن هذا سيميزهم عن غيرهم، وستبقى صورتهم عالقة في الذاكرة، متجاهلين الصورة السيئة التي تركوها عنهم. لكن الغشاوة التي أصابت بصيرتهم قبل أبصارهم هي التي وصلت بهم إلى هنا. إن التجرد من القيم والأخلاق والمباديء الإنسانية التي فُطر الإنسان البشري عليها ما هو إلا إنحطاط داخلي يؤدي مستقبلاً إلى الإنحطاط الفكري، الذي يصل بك إلى النجومية في التردي والإنحطاط، ليشار لك بذلك مهما طالت مدة التمويه. وسيكون البعض عرضة للتأثر بالمحيط المنحط المحيط بهم عندما يفقدون مبادئهم و قيمهم التي تميزهم عن غيرهم،
هؤلاء الذين يهمهم فقط عدم معرفة الناس بأفعالهم المتردية ،وان تكون صورتهم امام الناس فقط كاملة ،وهم يفتكون بمشاعر البعض ويمارسون ابشع وسائل الظلم لأقرب الناس لهم ،لا يدركون بأن مرحلة التخفي هذه ستمر وسيفضحهم الله امام الجميع
وسينتصر الله لمصلحة الحق حتى وإن طالت الأقنعة لن ينال ويحصد الشخص الا نتائج افعاله.

لذلك علينا التمسك بما تبقى من ربيع أخلاقنا، ومحاربة هذا الفيروس بالإبتعاد عن أماكن العدوى قدر الإمكان وعدم الإلتصاق بالأشخاص المصابين بالإنحطاط الأخلاقي والفكري مهما كان السبب، علينا الإبتعاد عنهم وتحذير الآخرين منهم خوفاً من وصول العدوى لأبنائنا وأعز ما نملك، فلنبتعد عن قول "إبعد عن الشر وغنيله" لأن الشر سوف يتمكن منا عند ترك هؤلاء الأشخاص "يصولون ويجولون" وجعلهم يتمكنون منا بأساليبهم الشيطانية.


وسأختم بقول الشاعر أحمد شوقي: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وإذا أصيب القوم في أخلاقهم، فأقم عليهم مأتماً و عويلا، صلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوّم النفس بالأخلاق تستقم.