أخبار اليوم - مع تصاعد الحرب المستمرة على قطاع غزة، لم تعد آثارها تقتصر على الدمار والبنية التحتية فحسب، بل امتدت لتضرب العمق الاقتصادي للأسر الفلسطينية.
ومن بين الظواهر الاقتصادية التي برزت بحدة خلال الأشهر الماضية ما يُعرف بـ"الادخار السالب"، الذي بات سمة واضحة لأغلبية العائلات في القطاع، نتيجة فقدان مصادر الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
يشير مفهوم الادخار السالب إلى الحالة التي تتجاوز فيها النفقات مستوى الدخل، مما يضطر الأفراد والأسر إلى الاستدانة أو بيع ممتلكاتهم أو استخدام مدخراتهم السابقة لتغطية الحاجات الأساسية، وهو عكس الادخار الإيجابي الذي يتم فيه تخصيص جزء من الدخل للادخار بعد تغطية النفقات.
وقال المواطن ماهر زريق، أحد بائعي الملابس في قطاع غزة، إنه كان يدخر نحو 20 ألف دولار من أرباح تجارته، موضحًا أنه كان يرفض المساس بهذه المدخرات تحت أي ظرف، خشية الأوضاع الطارئة التي يعرف جيدًا أن القطاع قد يمر بها في أي لحظة، نظرًا لكونه ساحة صراع مستمر مع الاحتلال.
وأضاف زريق لـ "فلسطين أون لاين" أن استمرار الحرب وتوقف الأنشطة التجارية بشكل كامل، دفعه مضطرًا إلى إنفاق تلك المدخرات تدريجيًا، حتى لم يتبقَّ منها سوى 750 دولارًا فقط، مشيرًا إلى أنه يواجه خطر الوقوف دون أي مصدر دخل قريبًا.
وأوضح أن الحرب المسعورة لم تكتفِ بحرمانه من عمله ومدخراته، بل تسببت أيضًا في تدمير منزله بشكل كامل، ما اضطره للإقامة مؤقتًا في منزل أهل زوجته، في ظروف معيشية صعبة وغير مستقرة.
من جهتها، أوضحت السيدة هنادي أبو مكتومة، أن زوجها كان يعمل في الداخل المحتل قبل اندلاع الحرب، وكان يدّخر جزءًا من أمواله على شكل مصوغات ذهبية، كانت ترتديها وتحتفظ بها كمدخرات مضمونة للمستقبل.
وأضافت لـ "فلسطين أون لاين": "كنا نعتبر الذهب وسيلة ادخار آمنة، لكن الحرب الأخيرة أجبرتني على بيع كل ما أملك من مصاغ، قطعة تلو الأخرى، لتوفير احتياجات أسرتي المكونة من 8 أفراد... لم يتبقَّ شيء".
وأشارت أبو مكتومة إلى أن غلاء الأسعار، لا سيما المواد الغذائية الأساسية، شكّل عبئًا إضافيًا على العائلات، وأسهم في تسريع استنزاف ما تبقى من مدخرات.
ونوّهت إلى أن الأموال التي كان زوجها يودعها في أحد المصارف اضطر إلى سحبها وإنفاقها عبر التطبيقات الإلكترونية، في ظل شلل القطاع المصرفي، مؤكدة أن معظم الأسر باتت تواجه شبح الفقر المدقع، دون أي دعم حقيقي أو بدائل للعيش الكريم.
يؤكد الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ألحق دمارًا واسعًا بالبنية التحتية الاقتصادية، حيث تم تدمير آلاف المنشآت الصناعية والتجارية، ما أدى إلى توقف قطاعات كاملة عن العمل وفقدان آلاف الأسر لمصادر دخلها.
وأوضح الدقران لـ "فلسطين أون لاين" أن الانهيار الاقتصادي دفع العديد من المواطنين إلى اللجوء لمدخراتهم لتغطية الاحتياجات الأساسية، في ظل انعدام فرص العمل وتوقف الأنشطة الإنتاجية.
وأشار إلى أن شح الموارد وارتفاع الأسعار ساهما بشكل كبير في تفاقم الأزمة، إذ تجاوزت كلفة المعيشة اليومية قدرة المواطن، ما جعل الإنفاق يفوق الدخل في معظم الحالات، وبالتالي استُنزفت المدخرات سريعًا.
ونوّه إلى أن مفهوم الادخار لدى سكان غزة لا يقتصر على النقود فقط، بل يشمل أيضًا المصوغات الذهبية، التي كانت تُعد وسيلة شعبية للحفاظ على القيمة المالية.
وأضاف أن كثيرًا من العائلات كانت تدخر الذهب لاستخدامه مستقبلًا للزواج أو الاستثمار في العقارات، لكنه اليوم يُباع لتأمين الاحتياجات اليومية، في مؤشر واضح على تدهور الوضع المعيشي.
فلسطين أون لاين