أخبار اليوم - ساعة تلو الأخرى، تتواتر التصريحات والتقارير الصادرة من إسرائيل عن الاستعداد للشروع في «عملية كبرى» بقطاع غزة، بهدف تحرير من تبقى من رهائن والقضاء التام على قدرات حركة «حماس»، وهو هدف ربما يلتف حوله جميع الإسرائيليين، إلا أن التساؤل عن كيفية تحقيق هذا الهدف، والثمن الذي ستدفعه إسرائيل حتى تصل إلى مبتغاها، يثيران كثيراً من الانقسامات والخلافات في الشارع الإسرائيلي، وبين صناع القرار أنفسهم.
38 مليار دولار تكلفة الحرب
وربما يبرز البعد الاقتصادي للتوسع في الحرب بشن عملية برية واسعة، أحد أوجه الخلاف، مع كشف صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مطالبة الجيش بزيادة موازنته العسكرية بقيمة 2.6 مليار دولار، حيث أشارت الصحيفة إلى رفض وزارة المالية بشكل قاطع، زيادة هذا الحجم من الإنفاق، ونقلت عن مسؤولين في الوزارة أن أي زيادة اضطرارية في حجم الإنفاق العسكري، ستأتي على حساب الوضع الاقتصادي للإسرائيليين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة ستلجأ إلى فرض مزيد من الضرائب على كاهل المواطنين، أو تقليص واقتطاع ميزانيات من بعض الوزارات، بوصفها خيارات ممكنة حال الاستجابة لطلب الجيش.
وأنفقت إسرائيل 141.6 مليار شيقل (38 مليار دولار) على صراعاتها العسكرية في غزة ولبنان حتى نهاية عام 2024، وفقاً لتقرير لوزارة المالية الإسرائيلية صدر منتصف الشهر الماضي.
وأدت الزيادة في الإنفاق على الحرب إلى ارتفاع عجز الميزانية إلى 8.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024. وبالإضافة إلى هذه الجزئية، يتساءل البعض عن جاهزية الجيش لسيناريو الانخراط أكثر في غزة من الناحية العملياتية مع عودة عمليات الفصائل المسلحة، وسقوط أول قتيل في صفوف الجيش الإسرائيلي قبل أيام، بعد استئناف الحرب قبل نحو 5 أسابيع، وفي ظل تنامي المطالب حتى من عسكريين حاليين وسابقين بإنهاء الحرب، وازدياد عدد الموقعين على عرائض تدعو حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى ذلك.
سموتريتش «يفقد صبره»
إلا أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش حاول التقليل من شأن هذه المخاوف، وقال إن إسرائيل لن تلجأ إلى تجنيد واسع ومكثف للاحتياط، وإنه «عند اتخاذ قرار الهجوم على غزة، ستنتظم الغالبية العظمى في الاحتياط من منطلق الشعور بالمسؤولية والإيمان بصدق الطريق».
ولم يكتفِ سموتريتش بذلك؛ بل واصل ضغطه على نتنياهو، ولوح مجدداً بالانسحاب من الحكومة، ما لم تتم الاستجابة لطلبه بتوسيع الحرب على قطاع غزة، حسبما ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم»، نقلاً عن مقربين من الوزير اليميني المتطرف.
وقالت الصحيفة إن «سموتريتش يفقد صبره على نتنياهو، ويضع جملة من المطالب تشمل الاستيلاء على أراضٍ في غزة، وفرض الحكم العسكري وتنفيذ خطة (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب وتحقيق النصر».
وأضافت أن سموتريتش أجرى مشاورات مع مقربين منه لإيجاد طريقة تتجاوز تعثر المفاوضات والعملية العسكرية، وأنه سيطلب من نتنياهو الالتزام بوعوده بشأن استمرار الحرب، وتحقيق النصر على الحركة «ضمن مسار حرب كاملة الأركان لا حرب جزئية أو شبه حرب... علينا اتخاذ قرار لإنهاء ملف غزة مرة واحدة وإلى الأبد، حتى نثبت أننا قادرون على تحقيق الهدف وتدمير (حماس)».
وتابع سموتريتش: «أقول لرئيس الوزراء؛ إن الأعذار انتهت والبديل للاستسلام هو احتلال أراضٍ في غزة والقضاء على (حماس)».
وذهب سموتريتش إلى ما هو أبعد من ذلك، وعدّ إعادة الرهائن ليست الهدف الأهم، وأنه «علينا الاعتراف بهذه الحقيقة»، وهو ما أثار غضب عائلات الرهائن، التي تنظم مظاهرات شبه يومية للضغط على الحكومة من أجل إنهاء الحرب والعمل على استعادة ذويهم، حيث رأت تلك العائلات أن تصريحات سموتريتش «تصف الشعور بالخزي، والجمهور ينكشف على الحقيقة الصعبة بأن الحكومة قررت بوضوح التنازل عن الرهائن، والتاريخ سيذكر كيف انعدم إحساس سموتريتش تجاه إخوته وأخواته في الأسر واختار عدم إنقاذهم».
مشهد ضبابي
ولم تكن دعوة وزير المالية الإسرائيلي لإعادة احتلال أراضٍ في غزة، إلا صدى لتصريحات نسبت لمسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين خلال الأيام الأخيرة، وتمحورت حول احتلال نحو 50 في المائة من مساحة القطاع، بوصفه أداة ضغط على «حماس» من أجل إعلان استسلامها، والخروج من المشهد مع تأمين تحرير باقي الرهائن.
ويرى مراقبون أن ضبابية المشهد على الأرض تزيد الضغط على الجيش الإسرائيلي أكثر من «حماس»، فبينما يتحدث الجيش عن جهوده لتكثيف الضغط على الحركة، وتقسيم القطاع إلى جزر معزولة بهدف تحرير الرهائن، يظل فشله في تحرير أي من الرهائن منذ استئناف الحرب حقيقة لا يرغب نتنياهو وحلفاؤه في مواجهتها.
وفي السياق، نقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر عسكرية، أن الحركة «نجحت في الحفاظ على عدد كبير من عناصرها بعدد من الألوية والسرايا، تحديداً في رفح وخان يونس»، على الرغم من أن الجيش يصب تركيزه في عملياته الحالية على دحر كتيبة «حماس» في رفح.
ومن بين أوراق عدة للضغط على «حماس»، تعالت أصوات داخل إسرائيل للمطالبة بإعادة اعتقال أسرى فلسطينيين تم إطلاق سراحهم مؤخراً خلال صفقات التبادل، ما يشي بأن إمكانية العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار تتلاشى يوماً بعد الآخر، وأن الأمور في طريقها إلى مزيد من التصعيد.
وفي ظل سيناريوهات عدة، يبقى المشهد مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وعلى مزيد من التساؤلات بشأن شكل التصعيد العسكري الذي تتجه إسرائيل لتنفيذه، وماذا يمكن أن يحل بالفلسطينيين أكثر مما تعرضوا له طيلة الأشهر الماضية، فضلاً عن موقف الإدارة الأميركية بعد حديث عن رغبة لدى ترمب في إنهاء هذه الحرب خلال أسابيع قليلة.