عربات البرّد .. صمود يتجول بين الرُّكام في شوارع غزَّة

mainThumb
عربات البرّد.. صمود يتجول بين الرُّكام في شوارع غزَّة

22-04-2025 10:56 AM

printIcon

أخبار اليوم - في شوارع مدينة غزة، المزدحمة بركام الحرب، يشقّ صوت أنشودة "برّاد برّاد بوظة" طريقه بين الأزقة، ليجذب إليه جموع الأطفال بفرحة غامرة، بالرغم من الألم المحيط.

صوت بائع البرد ليس مجرد موسيقى صيفية، بل هو مصدر رزق جديد لكثير من سكان قطاع غزة الذين فقدوا أعمالهم من جرّاء الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع، التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023م.

وخلف عربة حديدية بسيطة، يجرّها الشاب سمير، النازح من مدينة بيت لاهيا، يبتسم وهو يسكب للأطفال مشروب "البرد" المثلج، ذلك المشروب المحبوب في فصل الصيف، مقابل مبلغ زهيد.

وقد وجد الثلاثيني سمير، الذي يعيل أسرته المكوّنة من سبعة أفراد، في بيع المثلجات فرصة للعمل في ظل انعدام الفرص الحقيقية جرّاء الحرب الطاحنة على غزة.

مسافات طويلة

يقول سمير: "فقدت عملي بسبب الحرب، واضطررت للنزوح بعدما دُمّر منزلي المؤلف من طابقين، ولم يتبقَّ لي شيء سوى هذه العربة التي أتنقل بها من حيٍّ لآخر".

يخرج سمير صباحًا ويعود بعد العصر إلى خيمته في مركز الإيواء بالقرب من أبراج المخابرات غربي مدينة غزة، بعدما يجوب مناطق المدينة، خاصة تلك القريبة من مراكز الإيواء، ويقدّم مشروباته للأطفال، حتى لمن لا يملكون النقود.

ويقطع الثلاثيني يوميًا مسافات طويلة تحت الشمس، لكنه يرى فيها ما يسدّ به ولو جزئيًا احتياجات أسرته.

وليس سمير الوحيد في هذا العمل، بل يشاركه المعاناة نفسها مئات الغزيين، ومن بينهم الشقيقان شادي ومحمود، اللذان يتنقلان بعربة صغيرة في أزقة مخيم الشاطئ، بين الركام، يبيعان المثلجات والماء البارد.

شاهد حيّ

يقول شادي: "أرفض مغادرة المخيم، لا نريد نزوحًا جديدًا، فأبيع بالقليل لأطفال المخيم، وأشتري بما أجمعه علبة لحم أو اثنتين لنأكلها. نحن ستة أفراد، وهذا كل ما يمكنني فعله".

ويضيف: "في بعض الأحيان، أعمل لثلاثة أيام متواصلة دون توقف، فقط لأوفّر وجبة متواضعة لعائلتي. فالغلاء ينهشنا، ولا طعام ولا ماء يدخل بسهولة، ناهيك عن انعدام فرص العمل، خاصة في مجال البناء، وهو مجالي الأصلي قبل الحرب".

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد شنّ في السابع من أكتوبر 2023م، حربًا طاحنة على قطاع غزة، تسببت بفقدان عشرات الآلاف من سكان غزة لأعمالهم، وتوقّفت مشاريع الإعمار، وأُغلقت المعابر، وتعطلت الحياة الاقتصادية بشكل شبه كامل.

ولم تعد الكثير من العائلات تجد قوت يومها، مما دفع البعض إلى ابتكار حلول بديلة، مثل بيع المشروبات الباردة أو المأكولات البسيطة في الشوارع.

ورغم بساطة هذه الأعمال، فإنها تمثل نافذة صغيرة لتوفير قوت بعض الأسر، في ظل استمرار الحرب والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وشح المياه والوقود.

ويختم شادي حديثه بنداء مؤلم: "نناشد العالم أن يقف معنا، فالحرب دمّرت حياتنا. نريد فقط أن نعيش بكرامة، وأن تُفتح المعابر وتُدخل مواد الإعمار، لنعود لأعمالنا ونبني بيوتنا من جديد".

وبينما تستمر الأزمة في غزة، تظل عربات البراد رمزًا للمقاومة المدنية، ومحاولة للبقاء وسط أنقاض الحياة. في ظل الحصار والبطالة، تحوّلت عربات البوظة والمياه المثلجة إلى وسيلة كريمة للعيش، وشاهد حيّ على أن شعب غزة، وإن أرهقته الحرب، لا يزال قادرًا على خلق فرص من العدم.

فلسطين أون لاين