أخبار اليوم - بينما تستعر نيران الحرب على قطاع غزة، وتحت غطاء الانشغال الدولي بالمجازر والمأساة الإنسانية، تتحرك سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدوء على جبهة موازية في الضفة الغربية، مستهدفة الاقتصاد عبر سياسات "ناعمة" تسعى إلى ترسيخ التبعية وفرض وقائع اقتصادية جديدة على الأرض.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بالدمار المباشر الذي تُخلفه آلياته العسكرية في غزة، بل يواصل في الوقت ذاته تنفيذ مخطط اقتصادي طويل المدى في الضفة الغربية، يعتمد على تفكيك البنية الاقتصادية الداخلية، وإغراق السوق بالمنتجات الإسرائيلية، ومنع أي قدرة على الاستقلال المالي.
وقال الدكتور نور أبو الرب، المختص في الشأن الاقتصادي، إن الاحتلال يوظّف أسلوبين متوازيين في التعامل مع الاقتصاد الفلسطيني، أحدهما مباشر والآخر غير معلن.
وأضاف أبو الرب لـ "فلسطين أون لاين": "في قطاع غزة، تُنفّذ حكومة الاحتلال سياسة التدمير الشامل عبر القصف المباشر للمصانع والمنشآت الاقتصادية وتجريف الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الحصار المالي والتجاري الخانق".
وتابع: "أما في الضفة الغربية، فتعتمد سلطات الاحتلال على أدوات غير مرئية، مثل التحكم في المعابر، وتقييد حركة البضائع، وربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي كليًا".
وأوضح أن الحرب أدت إلى تراجع الطلب على المنتجات الإسرائيلية داخليًا، ما دفع الاحتلال إلى تصدير الفائض الإنتاجي إلى الضفة الغربية بأسعار منخفضة وجودة منافسة.
وبين أن المنتجات الإسرائيلية تُعرض بأسعار تقلّ عن كلفة الإنتاج المحلي، ما يُجبر المصانع الفلسطينية على خفض الإنتاج، وتقليص العمالة، وأحيانًا الإغلاق الكامل، ما ينعكس بشكل مباشر على مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، ويُضعف قدرة السلطة على تمويل الخزينة العامة.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تسعى من خلال هذه السياسات إلى خلق شلل اقتصادي تدريجي، يمنع أي نهوض فلسطيني مستقبلي، ويجعل الضفة الغربية سوقًا استهلاكيًا فقط، خاضعًا بالكامل للمنتج الإسرائيلي، وغير قادر على المنافسة أو الاكتفاء الذاتي.
وأكد أبو الرب أن الاحتلال يمارس حربًا صامتة في الضفة الغربية، أقل دويًا من القنابل، لكنها لا تقل فتكًا حيث أن الاقتصاد الفلسطيني يُخنق تدريجيًا، والنتيجة المرجوة من الاحتلال هي تفكيك أي بنية تسمح بالاستقلال، سياسيًا أو اقتصاديًا.
وأوضح أبو الرب أن السياسات الإسرائيلية المتبعة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، شملت فرض حظر كامل على دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى أماكن عملهم داخل أراضي 48. وقد بلغ عدد هؤلاء العمال نحو 215 ألف عامل، كانوا يشكّلون ركيزة أساسية في الاقتصاد الفلسطيني، ويساهمون بجزء معتبر من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقديرات رسمية.
وأضاف أبو الرب أن الاحتلال لا يتعامل مع ملف العمالة فقط كقضية أمنية، بل كأداة ضغط اقتصادي ممنهجة. فحرمان العدد الكبير من العمال من مصدر دخلهم اليومي أدى إلى حالة ارتباك في السوق المحلي، وارتفاع نسب الفقر، وانخفاض القدرة الشرائية، في ظل غياب البدائل وفرص التوظيف داخل الضفة الغربية. كما يساهم ذلك في إضعاف النسيج الاقتصادي الفلسطيني وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية.
وأشار أبو الرب أن الواقع لا ينعكس فقط على مستوى الأفراد والعائلات، بل يُلقي بظلاله على الاقتصاد الكلي، حيث تعاني السلطة الفلسطينية من تراجع في الإيرادات، في وقت تتزايد فيه الضغوط على شبكات الحماية الاجتماعية.
وحذّر أبو الرب من أن استمرار النهج سيقود إلى تآكل تدريجي في البنية الاقتصادية للضفة الغربية، يصعب معالجته على المدى القصير.
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي د. نائل موسى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل مصادرة الأراضي الزراعية الفلسطينية من خلال بناء جدار الفصل العنصري والتوسع في بناء المستوطنات، مما يؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، خاصة تلك التي تتمتع بخصوبة عالية.
وأضاف موسى لـ"فلسطين أون لاين" أن الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة على الأراضي، بل يتحكم أيضًا في مصادر المياه العذبة، حيث يسيطر على الأراضي التي تحتوي على آبار ارتوازية غنية بالمياه، مما يحد من الكمية المتاحة للفلسطينيين لاستخدامها في الزراعة والحياة اليومية.
وقد شهد عام 2024 تصعيدًا ملحوظًا في سياسات مصادرة الأراضي، حيث صادرت سلطات الاحتلال أكثر من 52 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وهو أعلى رقم منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. وتضمنت هذه المصادرات إعلان 24 ألف دونم كـ"أراضي دولة"، بهدف توسيع المستوطنات مثل "معاليه أدوميم" و"يفيت" في غور الأردن.
كما تطرق موسى إلى "أموال المقاصة" التي تُعدّ من أبرز الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها حكومة الاحتلال للضغط على الفلسطينيين، حيث بلغت الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة نحو 7.26 مليار شيكل.
فلسطين أون لاين