أخبار اليوم - بعد استنفاد الطواقم الطبية جميع خياراتها المحدودة في تطبيب الجريحة مها السلوت (27 عامًا)، كتب الفريق الطبي في المستشفى الميداني البلجيكي وسط القطاع أمر خروجها من المستشفى.
لكن الجريحة، الأم لطفلة واحدة، لا تزال قعيدة الفراش ولا تقوى على تحريك جسدها، الذي أصيب بكسور في منطقة الحوض والظهر من جراء قصف إسرائيلي لمنزل والدها في مدينة دير البلح، ويتم نقلها بمساعدة زوجها باستخدام أدوات طبية مساعدة.
وحينما سأل زوجها الطبيب المشرف على حالتها، أجابه: "هذا ما يمكن فعله لها في الوقت الراهن!".
وأوصى الطبيب الزوج الشاب بضرورة التركيز على التغذية السليمة كعامل مساعد في الشفاء، لكن (اللحوم، الأسماك، الفواكه، وغيرها)، كما يقول الزوج، غير متوفرة في الأسواق بسبب إغلاق جيش الاحتلال لجميع معابر ومنافذ غزة منذ 2 مارس/آذار الماضي وحتى اللحظة.
حتى أن خيارات الزوج في البحث عن بدائل لهذه الأطعمة تكاد تكون معدومة داخل القطاع، الذي يشهد حرب إبادة جماعية منذ 18 شهرًا، وتنتشر فيه حالة "الجوع الشديد" بين سكانه البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة.
وبصعوبة بالغة، استطاع الحصول من أحد مربي الدجاج البلدي (المنزلي) على بضع بيضات يبلغ ثمن الواحدة منها (7 شواقل/ 2 دولار)، وليس هذا فحسب، بل إن البائع أبلغه أن دوره سيأتي بعد عدة أيام نتيجة قلة الإنتاج وكثرة الطلب من الأسر الغزية لمرضاها وجرحاها، وحتى النساء المرضعات.
وقال الزوج: "لا تزال الحالة الصحية لزوجتي على حالها، وينتظرها العديد من العمليات الجراحية في قادم الأيام.. الأوضاع في غزة صعبة للغاية. الاحتلال دمّر جميع الأراضي الزراعية ومشاريع التربية الحيوانية، والآن يحكم سيطرته على غزة عبر القصف والتجويع".
ودفعت هذه الأوضاع منظمة الصحة العالمية للتعبير عن قلقها العميق من تفشي الجوع ونقص الأدوية في غزة، مؤكدةً أنها تعاني من صعوبة متزايدة في إدخال المساعدات الطبية لعلاج جرحى القصف الإسرائيلي المتواصل.
في المقابل، أعلنت منظمة "اليونيسف" الأممية إغلاق 21 مركزًا لعلاج سوء التغذية في غزة، نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية وأوامر الإخلاء العسكرية التي يصدرها جيش الاحتلال للسكان المدنيين.
لا طعام ولا سفر
الظروف ذاتها تعيشها الجريحة هالة صالح (30 عامًا)، التي لا تزال طريحة الفراش، دون تحسن في الحركة أو صحة جسدها، الذي يفقد كيلوغرامًا بعد آخر بسبب غياب التغذية السليمة.
فقدت الأم اثنين من أطفالها في يناير 2024، ونجت من الموت برفقة زوجها وطفلها الثالث بعد قصف إسرائيلي استهدف منزلهم في محافظة رفح، لكنها لم تسلم من إصابات صعبة في جميع أعضاء جسدها، أبرزها تهشم في عظام القدم ومنطقة الحوض.
وفي محاولة للتغلب على حالة "الجوع الشديد" التي تضرب المحاصرين في غزة، لجأت إلى تناول أقراص الفيتامينات التي تحصل عليها بين الحين والآخر بصعوبة بالغة من المراكز الصحية الحكومية، وأحيانًا تشتريها من الصيدليات الخاصة.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن مخزونات الأدوية في غزة وصلت إلى مستويات خطيرة، بسبب منع دخول المساعدات، مما يهدد قدرة المستشفيات على مواصلة تقديم الرعاية، حتى بشكل جزئي.
وبحسب بيانات وزارة الصحة، فإن 37% من قائمة الأدوية الأساسية، وأكثر من نصف أدوية السرطان وأمراض الدم، وكذلك 51% من أدوية صحة الأم والطفل، أصبحت خارج المخزون تمامًا.
وقالت الجريحة هالة: "لا أزال على هذا الحال منذ أكثر من عام، لا رعاية طبية ولا تغذية سليمة تساعد على الاستشفاء. الأطباء أبلغوني بأن حالتي مدرجة ضمن كشوفات العلاج في الخارج"، لافتةً إلى أن حصولها على أدوات طبية مساعدة لأجل حركتها أمر في غاية الصعوبة، كالبحث عن الطعام أو الدواء أيضًا.
وبعد تحليل بيانات الطوارئ الطبية، قدّرت منظمة الصحة العالمية أن واحدًا من كل مئة شخص في غزة أصيب بإصابات غيّرت مجرى حياته، وتشمل هذه الإصابات حروقًا خطيرة، وصدمات في الرأس والعمود الفقري، وبترًا في الأطراف.
كما تعطلت خدمات إعادة تأهيل المصابين بشكل كبير، وأفادت منظمة الصحة العالمية بأنه يمكن توفير 12% فقط من المعدات اللازمة للمصابين، مثل الكراسي المتحركة والعكازات.
وتتمنى الأم فتح معبر رفح، الذي يحول احتلاله العسكري الإسرائيلي منذ مايو/ أيار 2024 دون سفر 12 ألف حالة مرضية في غزة إلى العلاج في الخارج، وأن تغادر برفقة زوجها لتلقي العلاج المناسب لحالتهما الصحية.
سوء التغذية
والآن، مع قلة الطعام والمياه النظيفة، تتزايد حالات سوء التغذية والأمراض، كما حدث مع الشاب حمودة النجار (19 عامًا)، الذي شعر بأعراض صحية طارئة، ما دفعه للذهاب إلى أحد المستشفيات الميدانية وسط القطاع، وبعد إجرائه فحوصات طبية ومخبرية، أبلغه الأطباء بأن سوء التغذية هو السبب وراء تلك الأعراض.
وقال النجار: "لا لحوم، ولا فواكه، ولا خضراوات، ولا عصائر طبيعية تتوفر في الأسواق.. من أين ستأتي التغذية السليمة؟".
وليس "الجوع الشديد" وحده ما يواجهه الغزيون، بل هناك شح شديد في مياه الشرب والمياه الصالحة للاستخدام الآدمي، ما يزيد من مخاطر الأزمات البيئية والصحية، مع لجوء السكان إلى استخدام مياه ملوثة تزيد من تعقيد المشهد الحالي.
وقبل أيام، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في بيان، إن غزة تشهد أسوأ وضع إنساني منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، فيما قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، إن المدنيين في غزة محاصرون ويتعرضون للقصف والتجويع، بينما تتكدس إمدادات الغذاء والدواء والوقود والمأوى المؤقت عند معابر القطاع.
وإزاء الأوضاع الراهنة، أعلنت وزارة الصحة أن نحو 60 ألف طفل في غزة مهددون بمضاعفات صحية خطيرة بسبب معاناتهم من سوء التغذية، محذّرة من أن استمرار إغلاق المعابر أمام دخول الإمدادات الغذائية والدوائية سيؤدي إلى تفاقم أعداد المصابين بسوء التغذية.
المصدر / فلسطين أون لاين