الطَّبيب المغربيُّ "أمغار" .. حين يسير القلب قبل القدمين إلى غزَّة

mainThumb
الطَّبيب المغربيُّ "أمغار"... حين يسير القلب قبل القدمين إلى غزَّة

21-04-2025 12:34 PM

printIcon

أخبار اليوم - لم تكن رحلة الطبيب المغربي أيوب أمغار إلى قطاع غزة مجرد مهمة طبية عابرة، بل كانت تحقيقًا لحلم قديم حمله منذ صغره، وحبًا راسخًا لفلسطين ظل يتنامى في وجدانه حتى أوصله إلى قلب الحرب، إلى غزة الجريحة.

أيوب أمغار، عضو التنسيقية المغربية "أطباء من أجل فلسطين"، قطع آلاف الكيلومترات، ليسافر من المغرب إلى قطاع غزة المحاصر، ويكون شاهدًا وطبيبًا في واحدة من أكثر الفصول الإنسانية قسوة في العصر الحديث.

يقول أيوب لصحيفة "فلسطين": "لدينا قسم أديناه بأن نقدم الطب والتمريض للبشرية في أي مكان نصل إليه، وكانت غزة أشد الناس حاجة لتقديم هذه الخدمة في هذا الوقت وفي هذه الحرب".

منذ طفولته، نما في قلبه حب فلسطين، وكان يحلم دومًا بزيارة هذه الأرض المباركة. وعندما حانت الفرصة، لم يتردد لحظة واحدة. "لطالما حلمت أن أزور أرض فلسطين، لتقديم ما أستطيع تقديمه. اللحظة الأولى التي دخلت فيها قطاع غزة كانت لحظة اختلطت فيها مشاعري بين السعادة والحزن. فرحي كان كبيرًا بوصولي إلى هذه الأرض التي طالما تمنيت زيارتها، وحزني عميق على ما أصابها من دمار وتخريب".

استمرت رحلة الطبيب المغربي في غزة 21 يومًا، نصفها في ظل وقف إطلاق النار، والنصف الآخر تحت وابل القصف الإسرائيلي المتجدد. منذ اللحظات الأولى، أدرك أيوب أن الواقع أصعب بكثير مما تنقله الشاشات. "وجدنا وضعًا كارثيًا بكل ما تعنيه الكلمة، فلا يوجد سوى مستشفى واحد فقط يقدم خدمات للمواطنين، وسط نقص حاد في الأجهزة والمستلزمات الطبية".

عمل أمغار ضمن الطاقم الطبي في مستشفى الصحابة بغزة، وغطى قسم النساء والتوليد، في ظل دمار أصاب غالبية المرافق الصحية. لم تكن المهمة سهلة، فالاحتلال لم يتوقف عن قصفه، والمرضى يتوافدون بالعشرات، ولا مكان ولا دواء كافٍ للجميع.

يتذكر أيوب تلك الليلة القاسية، عندما استأنف الاحتلال حرب الإبادة منتهكا اتفاق وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار، ويصفها قائلاً: "وكأن زلزالًا ضرب المنطقة، قصف شامل لكل قطاع غزة، مشهد لا يمكن وصفه ولا يتخيله العقل البشري".

قلوب محروقة

في المستشفى "الأهلي العربي المعمداني" بغزة، رأى الطبيب مئات المصابين يتوافدون تباعًا، بعضهم مفترش الأرض لعدم وجود أسرّة، ومشاهد لأطفال مقطعة أطرافهم، يصرخون من الألم دون توفر المسكنات.

يتوقف صوته عند قصة طفلة صغيرة لا تغيب عن باله، كانت يدها شبه مبتورة، تتلوى من الألم وتصرخ بشكل هستيري، تنهض وتقع، حتى أنها سقطت على مصابين آخرين ممددين على الأرض. "لم يكن هناك شيء نملكه لنساعدها سوى قلوبنا المحروقة"، يقول أمغار، ويضيف: "كل يوم كنت أرى فيه هذه المشاهد كان يساوي سنوات من الألم".

رغم هذا الوضع الصعب، لم يخفِ إعجابه الشديد بكفاءة الطاقم الطبي الفلسطيني الذي واصل أداء واجبه الإنساني في أصعب الظروف، متحديًا نقص الإمكانيات والإرهاق اليومي.

وفيما يتعلق بتخصص النساء والتوليد، يقول أمغار: "لم يكن سوى مستشفى واحد شمال (ما يسمى) محور نيتساريم يستقبل حالات الولادة، بينما تم تدمير بقية المستشفيات وإخراجها من الخدمة".

ويضيف: "المرأة في غزة تعاني وضعًا كارثيًا، خاصة الحوامل، فلا مقومات للحياة الكريمة، فكيف بمن فقدت زوجها وأطفالها؟"

ومنذ بدء الاحتلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد وجرح أكثر من 167 ألف مواطن معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة ومنظمات معنية بحقوق الإنسان.

وخلال الحرب الجارية، استهدف الاحتلال الإسرائيلي العشرات من مستشفيات قطاع غزة بالقصف أو الحرق أو التدمير أو إخراجها عن الخدمة.

وفي نهاية رحلته، وجه الطبيب أمغار نداءً عاجلًا إلى المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، من أجل تقديم الدعم الفوري للقطاع الصحي في غزة، محذرًا من استمرار الصمت الذي يخنق أرواح الأبرياء.

وقصة أمغار ليست مجرد قصة طبيب، بل قصة إنسان حمل هم شعب، وأحب أرضًا قبل أن يطأ ترابها، فكان مثلاً حيًا في التضامن الإنساني والواجب الأخلاقي في زمن الحرب.