إن تعلم الأطفال لا ينحصر في الوقت الذي يقضونه في المدرسة، فهم يتعلمون بطرق مختلفة في سياقات متنوعة: مع الأصدقاء وأفراد الأسرة في المنزل والملعب وغيرها من الأماكن.
يحمل الأطفال معهم عن دخولهم المدرسة شخصياتهم وهوياتهم المتميزة التي تشمل القيم، المهارات، المعارف، والاهتمامات المرتبطة بحياتهم خارج المدرسة. والأمر نفسه يحدث عندما بقوم الأطفال بنقل خبراتهم التي يتعلمونها داخل المدرسة إلى المنزل، على سبيل المثال: الواجبات المدرسية، تطبيق ما تعلموه من خبرات تعليمية في المدرسة في مواقف يواجهونها في حياتهم اليومية. إن حياة الأطفال خارج المدرسة توفر فرص وتحديات ذات طابع مختلف يمكن أن تدعم وتطور خبراتهم التعليمية. والأخذ بهذه النظرة الشاملة لحياة الأطفال التعلمية يستلزم دعم تعلم الأطفال بشكل أوسع يشتمل على حياة الأطفال وخبراتهم التعلمية داخل وخارج المدرسة.
ولهذا شهدت العقود الماضية اهتماما متزايدا من قبل المتخصصين والباحثين التربويين بدراسة موضوع العلاقة ما بين البيت والمدرسة ودور أولياء الأمور في تعليم وتطوير أبناءهم. كما اعتبرته الأنظمة التعليمية المختلفة - في أمريكا الشمالية، أوروبا، استراليا، وغيرها - من الأولويات التي يتم التركيز عليها في كافة المستويات.
وقد تزايد الوعي كذلك بضرورة فهم العوامل الموجودة خارج محيط المدرسة والتعرف على مدى تأثيرها على نجاح الطفل وأداؤه في المدرسة. كما تزايد الاهتمام كذلك ببيئة الأطفال الأسرية وثقافاتهم باعتبارها من مصادر التعلم التي تدعم التعلم المدرسي.
وازدادت التساؤلات حول مدى الارتباط بين ما يتعلمه الطفل في المدرسة وما يمارسه خارجها في محيط البيئة المنزلية، وكتبت العديد من البحوث التي تسعى نحو الوصول لفهم أفضل وأعمق حول العلاقة ما بين المدرسة وأولياء الأمور وكل ذلك يصب في سعي المربين نحو دعم تعلم الأطفال لأقصى حد ممكن لاسيما في السنوات التعليمية الأولى.
وتشير الدارسات الحديثة إلى أن لمشاركة أولياء الأمور في العملية التعليمية دور كذلك في تقليص الفجوة بين الأطفال - من ذوي الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج لرعاية - وأقرانهم من ذوي الظروف الاعتيادية. واستوجب ذلك كله أن تقوم المدرسة بتوفير المعلومات والمواد والموارد التعليمية للأطفال وأولياء أمورهم بطريقة سهلة وميسرة.
ما المقصود بمشاركة أولياء الأمور في تعليم أبناءهم؟
رغم تزايد الاهتمام بقضية مشاركة أولياء الأمور في تعليم أبنائهم ودراسة العلاقة بين البيت والمدرسة ونشر عدد كبير من البحوث في هذا المجال واتفاقها على أهمية هذه الموضوع، إلا أن مصطلح مشاركة أولياء الأمور Parental involvement لا يزال يشوبه الغموض وهناك تعريفات كثيرة ومتعددة ومصطلحات أخرى مرادفة قد تختلف أو تتفق في جوانب معينة، فعلى سبيل المثال تطلق تسميات انجليزية مختلفة لوصف عملية مشاركة أولياء الأمور في تعليم أبناءهم: Involvement التدخل أو الارتباط ،Engagement الارتباط ، Participationالمشاركة ، Partnership الشراكة. ولكل من هذه المصطلحات دلالات معينة قد تعكس تقاسم السلطة والقوة ما بين الأسرة والمدرسة.
فمثلا مصطلح التدخل يرتبط بأنشطة متنوعة يقوم أولياء الأمور من خلالها بدعم تعليم أبناءهم داخل المدرسة وخارجها بإشراف وتوجيه من المدرسة كمساعدة الطفل في حل الواجبات المدرسية أو حضور اليوم المفتوح مثلا.
أما الارتباط فيقصد به الأنشطة المرتبطة بالتعلم داخل المنزل والتي يمكن للطفل أن يتعلم منها من خلال تفاعله مع والديه وأفراد أسرته وقد تكون مرتبطة بالتعلم المدرسي بشكل مباشر أو غير مباشر لكنها ليست تحت توجيه المدرسة كتشجيع الطفل على قراءة القصص أو ممارسة الهوايات المفيدة.
ويقصد بـ (Participation المشاركة) أي مساهمة أولياء الأمور في عملية اتخاذ القرارات في المدرسة كمشاركتهم في مجالس الآباء مثلا.
وفي النهاية يقصد بـ (Partnership الشراكة) تقاسم السلطة وتوزيع المسؤوليات والأدوار بشكل متقارب ما بين الأسرة والمدرسة[8]. وسنعتمد في هذه الدراسة على المصطلح الأول Involvement لأنها تتضمن مجموعة واسعة من الأنشطة المرتبطة بالتعلم داخل المدرسة وخارجها وسيتم ترجمتها إلى اللغة العربية بعبارة"مشاركة أولياء الأمور" وذلك كونها أسهل وأكثر تداولا.