د.بيتي السقرات/ الجامعة الأردنية
حين دخل النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، كانت هناك حالة من التوتر القبلي العميق بين الأوس والخزرج، نتيجة صراعات متجذّرة في الجاهلية. وفي أحد المواقف، كادت نار الفتنة أن تشتعل، يذكيها أحد المنافقين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم تدخّل قائلًا: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة". فبكوا وتعانقوا، وانطفأت الفتنة في مهدها.
هذا النموذج النبوي في إطفاء الصراع وإحياء روح الأخوة يمثل أحد أرقى أشكال التناغم المجتمعي المبني على العدالة والوعي.
في زمن تتعدد فيه التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يبرز التناغم المجتمعي كإحدى الركائز الأساسية لبناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة.
هذا التناغم لا يعني أن نكون نُسَخًا متشابهة، بل أن نتعايش ضمن إطار من الاحترام المتبادل، والاعتراف بالتنوع، وتفعيل القيم الإنسانية في ظلّ العدالة والمساواة.
غير أن هذا التناغم يحتاج إلى بيئة تُنَمّيه وتُسهِم في استمراره، وهي ما توفّره دولة القانون. فحين تسود ثقافة القانون، يشعر الأفراد بالأمان والعدالة، وتُكفل لهم الحقوق، وتُحمى الحريات، ويُحاسب كل من يتجاوز، على أسس واضحة، دون تمييز أو تمييع للمسؤوليات.
ثقافة دولة القانون ليست مجرد وجود نصوص مكتوبة، بل هي وعي جمعي بأن القانون فوق الجميع، وأن مؤسسات الدولة قائمة على الشفافية والمساءلة، وليست رهينة لمزاج الأفراد أو الأهواء السياسية.
من هنا، فإن التناغم المجتمعي وثقافة دولة القانون هما وجهان لعملة واحدة: فالقانون يضمن التعايش، والتعايش يعزز احترام القانون. ومتى غاب أحدهما، تفككت الروابط، واستشرى الظلم، وتصدّعت بنية الدولة.
ولذلك، فإن الاستثمار في نشر الوعي القانوني، وتعزيز التربية على المواطنة، وتمكين المؤسسات القضائية، هو استثمار مباشر في تماسك المجتمع وبناء الدولة المدنية الحديثة.
وإنّنا، كمجتمع أردني، نسير مع قيادتنا واثقين بها وبنهجها، الممتد من قبس الرسالة التي تنشر الرحمة في أرجاء المعمورة، لتكون كلمات جلالة الملك نورًا لمن أحبّ الأردن، ونارًا تحرق كل عدو.
نفحة من رحمات الجنة لمن تاب وأناب، وسيفٌ يقطع من يتمادى في غيّه.
الرحمة تسبق العدل في ظلّ سيد البلاد، لكن الأردن هو القلب والروح التي لا يجوز أن نقبل باستباحتها.
اللهم احفظ الأردن شعبًا، ودُرّة تاجه الجيش، وقائد الجيش، سبط النبي، الذي لن نجد مثله قائدًا.