مدرسة إنسان .. حين يصبح التَّعليم مقاومة

mainThumb
مدرسة إنسان.. حين يصبح التَّعليم مقاومة

20-04-2025 12:06 PM

printIcon

أخبار اليوم - بين خيام النزوح في الزوايدة وسط قطاع غزة، وبين ملامح الطفولة المشردة التي تحمل من الألم ما يفوق أعمارها، قررت المشرفة التربوية وفاء حجازي أن تكون للعلم صوتًا، وللأمل ظلًا.

لم تقف مكتوفة الأيدي أمام ما رأته من واقع مأساوي يعيشه الأطفال الذين شردتهم آلة الحرب الإسرائيلية، بل جعلت من مهنتها رسالة، ومن معاناتهم دافعًا للبدء بفكرة غيّرت الواقع: "مدرسة إنسان".

جاءت الفكرة حينما كانت تتنقل بين الخيام في مخيم النزوح بمنطقة الزوايدة، وهناك لامس قلبها مشهد الأطفال وهم يتجولون بلا هدف، يحملون في عيونهم أسئلة بلا أجوبة، وأحلامًا اختنقت تحت الركام.

حجازي، مشرفة مبحث التاريخ والدراسات الاجتماعية، تقول لـ "فلسطين أون لاين": "من منطلق مسماي الوظيفي كمشرفة تربوية، ومن منطلق إنساني قبل كل شيء، آليت على نفسي أن أُسهم في تضميد جراحهم، لا بالدواء، بل بالعلم. أردت أن أعيد إليهم شيئًا من الحياة التي سُرقت، وأن أسد شيئًا من الفاقد التعليمي الذي حُرموا منه."

فجمعت عددًا من المعلمين والمعلمات المتطوعين، واستخدمت ما توفر من أدوات بسيطة داخل المخيم، وحوّلت خيمة إلى صف، وصوتها إلى منارة، ودفء قلبها إلى دفء حقيقي وسط برد النزوح القاسي.

"مدرسة إنسان" لم تكن مجرد مكان للتعليم، بل كانت مساحة آمنة للتنفيس، للعب، للحلم، وللحديث عن الألم دون خوف. كان الهدف أن يشعر الأطفال أن هناك من يراهم، من يُقدّر معاناتهم، ومن يؤمن بأن التعليم حق لا يسقط بالقصف ولا يتوقف بالدمار.

وتشير إلى أنها أطلقت عليها اسم "إنسان" انطلاقًا من رؤيتها بأن هذا الطفل هو إنسان، يحتاج إلى التعليم كما يحتاج إلى الحياة، التي أفقدهم الاحتلال فيها حق التعليم، بل وحتى حق الحياة ذاته.

وتوضح حجازي أن للمدرسة فكرة ورؤية ورسالة، وهي إعادة بناء الطفل الفلسطيني دينيًا وتربويًا وعلميًا، وإعادة ترتيب منظومته القيمية التي تأثرت جراء حرب الإبادة على غزة.

وقد بدأت المدرسة كمبادرة في 1 يونيو 2024، وتستهدف الأطفال من سن 6 سنوات حتى 12 عامًا، أي من الصف الأول الأساسي حتى السادس، وهم الفئة العمرية في سن التأسيس. وتقوم المدرسة بتدريس المباحث الأساسية: اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، الرياضيات، والعلوم، بنظام الدوام المتناوب: فترتان وثلاثة أيام في الأسبوع.

وتلفت حجازي إلى أنه بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى غزة، استمر العمل في المدرسة ولكن بطريقة أوسع، حيث أصبحت تستقبل الطلبة من الصف الأول الأساسي حتى الصف التاسع، من الذكور والإناث.

وتضم "مدرسة إنسان" كادرًا تعليميًا مؤهلًا تربويًا وعلميًا في كافة التخصصات، بالإضافة إلى سكرتيرة، ونائب مدير، ومرشد تربوي للذكور، ومرشدة للإناث، وأخصائية لضعاف التحصيل.

والمدرسة معتمدة من وزارة التربية والتعليم، وقد تأسست بجهد شخصي ذاتي خالص، رغم الإمكانات المتواضعة جدًا.

وتواجه حجازي تحديات عدة، أبرزها نقص في الخيام والسبورات والقرطاسية الخاصة بالمعلمات والطلاب، فضلًا عن الحاجة إلى حمامات منفصلة للطلاب والكادر التعليمي. كما أن المعلمات يعملن بنظام التطوع.

وتؤكد أن التعليم في المدرسة مجاني تمامًا، ولم تُفرض أي رسوم على الطلاب، مراعاةً لظروف الأهالي. ومع ذلك، فإن المشروع بحاجة إلى دعم، خاصة في ظل الإقبال الكبير من الأهالي على تسجيل أبنائهم. تقول: "نحن لا نستطيع استقبال جميع الطلاب، فنحن بحاجة إلى دعم الجهات المعنية لاستمرار تقديم خدماتنا التعليمية لأكبر شريحة من أبناء شعبنا المغلوب على أمره."

وبرغم كل التحديات، لا تزال حجازي على العهد، تزرع الأمل في حقول اليأس، وتكتب بالطبشور ما عجزت الحرب عن محوه.