حسن شقورة .. جسد مشلول تجتمع عليه الحرب والجوع والمرض

mainThumb
حسن شقورة.. جسد مشلول تجتمع عليه الحرب والجوع والمرض

19-04-2025 11:05 AM

printIcon

أخبار اليوم - في أحد زوايا مركز الإيواء التابع لمدرسة الشارقة في منطقة الشاطئ غرب غزة، يجلس حسن شقورة، ابن الأربعة والثلاثين عامًا، في كرسي متحركٍ أكل منه الزمن ما أكل، لكن ابتسامته لا تزال تقاوم كل ما يمر به من وجع.

هو ليس نازحًا عاديًا، بل قصة إنسانية مؤلمة تنبض بالصبر والثبات، وتشهد على حجم المعاناة التي يرزح تحتها المواطنون، خصوصًا أصحاب الاحتياجات الخاصة، في ظل آلة حرب لا ترحم. يقول شقورة لصحيفة "فلسطين" بصوت خافت:  "أنا مشلول شبه كلي، لا أستطيع الحركة، لا أقدر حتى أهش الذباب عن وجهي، وتخيلوا كيف أعيش وسط حرب لا تفرق بين بيت ولا مدرسة، بين مقاتل أو مقعد". بدأت معاناته قبل أكثر من 20 عامًا، حينما كان فتىً في مقتبل العمر. في عام 2002، وبينما كانت نيران الاحتلال تلتهم جباليا، أصيب شقورة بإحدى القذائف، إصابة لم تُكتب في كتب الطب بشكل واضح، لكنه يسميها بـ"المرض الغريب".

بعدها بدأت رحلة العذاب، من مستشفى إلى آخر، داخل غزة وخارجها، حيث سافر إلى مصر أكثر من مرة برفقة أسرته بحثًا عن علاج يضع حدًا لمعاناته. "أهلي تعبوا، طرقوا كل الأبواب، واستدانوا كل ما استطاعوا، حتى فقدوا القدرة على توفير المزيد من العلاج، فاستسلموا للواقع، وأسلموني لكرسيّ المتحرك"، يقول شقورة.  تشخيص الأطباء كان صادمًا: تلف في المفاصل، وضمور في العضلات، وتفاقم حالة الروماتيزم بسبب الإهمال ونقص الرعاية، فأصبح جسده هشًا لا يقوى على أبسط الحركات، حتى التنقل من السرير إلى الكرسي بات مغامرة يومية.  رحلة عذاب حين بدأ الاحتلال حرب الإبادة على غزة، لم يكن لشقورة أمام سوى النزوح القسري، رغم أنه لا يملك من الحركة ما يمكنه من الهرب.

في البداية، لجأ مع والديه المسنين إلى مدرسة في جباليا. جلس هناك أيامًا وحيدًا، بلا قدرة على التنقل أو حتى الذهاب إلى دورة المياه دون مساعدة. بعد تفاقم القصف في المنطقة، اضطرت العائلة إلى الانتقال إلى منزل أحد إخوته في حي تل الهوى، ثم إلى مركز الإيواء الحالي في مدرسة الشارقة. "كل نزوح بالنسبة لي رحلة عذاب. أحتاج إلى من يحملني، ويحميني، ويطعمني، ويسقيني. في الأيام العادية، أنا بحاجة إلى طعام خاص، ونظافة خاصة، فكيف الآن؟" يضيف: "أعيش الحرب أضعافًا.

ليس فقط قصف، بل جوع، وعطش، وخوف، وألم لا يوصف... ومع هذا لساني لا يفتر عن قول الحمد لله". في المركز، لا تتوفر احتياجاته. الفراش صلب، الماء شحيح، والطعام لا يلائم حالته الصحية. ومع ذلك، لا يشكو، فقط يناشد: "نفسي أستكمل علاجي، نفسي أحصل على كرسي يناسب إعاقتي. والله ما بدي شي من الدنيا إلا أعيش بكرامة وأقل وجع ممكن". يقول شقورة إن ما يؤلمه ليس فقط الإعاقة أو القصف، بل الشعور بالعجز وسط عجز أكبر. يشعر بالحزن حين يرى والدته الطاعنة في السن تجهد نفسها لمساعدته، وحين لا يستطيع أن يذهب لدورة المياه إلا بصعوبة بالغة. في الليل، حين يصمت القصف قليلًا، يسمع أنينه في داخله، لكن يواسي نفسه بذكر الله والدعاء.

"لم يبقَ لنا شيء. نحن الفقراء، المرضى، المشردين، نحارب في كل الجبهات: الجبهة الصحية، والاقتصادية، والنفسية. لكننا لم نفقد الإيمان ولا الأمل"، يقول بعينين دامعتين. ورغم ظروفه الصعبة، فإن حلمه بسيط: أن تنتهي الحرب، أن يتمكن من العودة إلى حياة يمكن التكيف معها، أن يسافر لإجراء الفحوصات والعلاج اللازم، وأن يحصل على كرسي يساعده على التنقل دون ألم. في النهاية، حسن شقورة ليس مجرد اسم في قائمة نازحين، ولا مجرد حالة طبية منسية، بل هو شهادة حية على وجع لا يُروى إلا بالدموع. هو الوجه الإنساني لمعاناة لا تنتهي، لكنه أيضًا مثال للثبات والصبر في وجه أبشع الظروف.  قضيته صرخة لكل ضمير حي، لكل من يستطيع أن يخفف من ألمه، أو يمنحه بصيص أمل في زمنٍ أصبح فيه الأمل سلعة نادرة.

 

 

 فلسطين أون لاين