أخبار اليوم - شهر من السعادة شعرت معها الشابة ملك ابو العمرين أن الله كتب لها ما ينسيها كل ما مر بها من شقاء خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، هو مدة ارتباطها بخطيبها الشاب أحمد غراب الذي وجدت فيه مثالا للأدب الجم وكانت تعد الساعات الوقت الذي سيجمعهما فيه بيت واحد. ففي السابع من آذار لهذا العام كانت ملك (٢٠ عاما) خارجة من مدرسة عبد الله الدحيان في الشيخ رضوان حيث تقيم وأسرتها بعد هدم الاحتلال الإسرائيلي لمنزلهم في شارع النفق بغزة، لتراها حينها جدة أحمد لأمه وخالته.
تقول ملك بأسى لـ "فلسطين أون لاين": "تقيم جدته وخالته في مدرسة إيواء بجانبي، أعجبتا بي وجاءتا لخطبتي من اهلي كون والدة احمد متوفية منذ ست سنوات، وحصل القبول".
لم تر ملك، احمد سوى أربع مرات بحكم صعوبة الطريق بين غزة ودير البلح حيث يقيم هو، " كان اللقاء الأول حين أتى للرؤية الشرعية ثم اللقاء الثاني يوم عقد القران والمرة الثالثة يوم عيد الفطر أما المرة الرابعة فهي ثاني أيام عيد الفطر حين اصطحبني لدير البلح لرؤية الشقة التي سأسكن فيها بعد الزفاف".
كانت مدة تعارف ملك وخطيبها قليلة زمنيا لكنها شعرت وكأنها تعرفه منذ مدة طويلة، فقد كان الانسجام والتوافق عنوان تلك العلاقة، " كان أحمد يضع هدفا واحدا نصب عينيه وهو اسعادي بكل ما يستطيع، يتحمل كل تقلباتي المزاجية،لا يرفض لي طلبا ابدا". وفي ليلة السابع من ابريل أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامر تشريد لاهالي بعض المناطق في مدينة دير البلح وهي قريبة من مكان أسرة أحمد ، " كنا نتحدث عبر الهاتف، طلبت منه أن يعتني بنفسه كون الخطر قريب منهم، وطلبت منه أن يعدني بألا يتركني فقال لي: مش حيفرقنا إلا الموت". فقد كان اليوم التالي هو معاد زفاف ملك واحمد، " بسبب صعوبة الأوضاع لم نرد أن نقم مظاهر فرح، فكان الاتفاق على أن ارتدي ثوبا مطرزا، ويأتي لياخذني من المدرسة مع حقائبي التي تحتوي على الملابس التي اشتريتها".
وتتابع:" لكن احمد أراد أن يفرح مع اسرته وأقاربه وجيرانه فطلب مني إحضار فستان معي ليقيم حفلا بسيطا في منزلهم بعد وصولي ليفرح به محبوه". نامت الشابة ملك تلك الليلة وهي ترسم سيناريوهات ليوم العمر وتتمنى أن يمضي بسلام في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، واستيقظت مستغربة من أن احمد لم يرسل لها أي رسالة ولم يتصل بها ليطمئن بأنها جاهزة كي يأتي لياخذها كما اتفقوا في الساعة التاسعة صباحا. وتمضي بالقول :" فقد اتفقنا أن يأتي في التاسعة صباحا وأغادر غزة معه في الثانية عشرة ظهرا كي نقيم حفلا بسيطا في منزله قبل حلول الظلام، لم اجد منه أي رسالة أو اتصال". اتصلت ملك على هاتفه مرارا وإرسال رسائل له فلم تلق منه أي رد، إلى أن جاء ابن خالتها ليخبرها بأن والد احمد استشهد إثر قصف منزلهم، فكان الخبر كالصاعقة التي حلت على ملك، هل يعقل أنه استشهد وحده؟ أين أحمد؟ وأشقاؤه؟. "اتصلت عليهم بشكل هستيري دون أن ألقى أي رد، صرت أجري بشكل هستيري في ساحة المدرسة اريد الذهاب لدير البلح، أخبروني بأن أحمد مصاب، قلت لا مشكلة لو أصيب لو بترت رجله يده مهما حدث له لن أتركه، لو دمر البيت سأعيش معه في خيمة"، تواصل حديثها. وتضيف :" أراد أهلي الذهاب لدير البلح دون أن ياخذوني، صرت أجري وراءهم حتى نزلوا عند رغبتي واصطحبوني معهم، وهناك يا ويل قلبي شفت أحمد مرمي على الأرض في الثلاجات، مستشهد هو وكل أهله".
وتتابع والدموع تخنق صوتها:" صرت أصحيه اقله انتا كذبت عليا، قلتلي مش حسيبك، ما رضيش يصحى، حملوه قدامي قلتلهم سيبوه احمد بدوش يسيبني فش فيه اشي، فقدت أحمد للأبد هو وأهله يا الله ما احسنهم، الله يصبرني ويرحمهم". وتزيد بالقول :" كنت اقله دائما انتا كتير كويس، فيقلي أنا أكم ملوكة عندي، بوعدك ما تشوفي عندي إلا السعادة، مش قادرة اتحمل حد يعزيني فيه ويقلي عظم الله اجرك مش قادرة استوعب أنه راح، نصيبي اتعرف فيه وباهله عشان اضل ادعيلهم عقد ما كانوا مناح".
فقد أودت غارة للاحتلال الإسرائيلي على منزل عائلة غراب بدير البلح بحياة العريس أحمد وشقيقته هبة وشقيقته هديل التي استشهدت هي وابنها الوحيد محمود شاهين ( أثناء مبيتها في بيت عائلتها استعدادا لفرح شقيقها) ووالدهم ابو بلال غراب ولم يتبقى سوى محمد (١٩ عاما). وقد حولت صواريخ الاحتلال الغادرة لحظات الفرح التي حاولت عائلة غراب اقتناصها خلسة في ظل الظروف القاهرة التي يعيشها قطاع غزة إلى بيت عزاء مفتوح باستشهاد العريس وذويه، ليبقى الحزن غائرا في قلب ملك للابد.
فلسطين أون لاين