معاذ الصلاحين
متخصص في تحليل الإسلام السياسي وديناميكيات الجماعات الإسلامية
في ضوء ما شهدته الساحة الأردنية مؤخرًا من أحداث مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وبعض أعضائها، يبرز مشهد معقّد يستدعي قراءة أعمق تتجاوز الانطباعات السريعة والتصنيفات الثنائية المعتادة.
جماعة الإخوان: أبعد من ثنائية الصقور والحمائم
لطالما قُسمت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى جناحين:
• الصقور: الأقرب إلى حركة حماس وخطوطها السياسية.
• الحمائم: الأكثر اعتدالًا في تعاملهم مع الدولة الأردنية.
إلا أن الواقع الداخلي للجماعة يُظهر وجود تيار ثالث، تيار براغماتي/رمادي، لا ينتمي صراحة لأي من الطرفين، ويتأرجح وفقًا للظرف السياسي وضغط الأجهزة الأمنية.
كما أن الفجوة الجيلية باتت تؤدي دورًا مؤثرًا؛ إذ يتجه شباب الإخوان نحو خطاب حماسي يتماهى مع المزاج الإقليمي، بينما يميل الجيل الأقدم إلى الحذر والانضباط.
الدولة العميقة واستراتيجيات التعامل
ما يجري لا ينفصل عن استراتيجية الدولة الأردنية طويلة الأمد في إدارة ملف الإسلام السياسي. منذ عام 2013، شهدت العلاقة تصعيدًا تدريجيًا في سياق إقليمي أوسع يستهدف تقليم أظافر جماعات الإسلام السياسي، بالتوازي مع ترك هامش محدود لحزب جبهة العمل الإسلامي لتفريغ الاحتقان السياسي والاجتماعي.
تأتي الاعترافات المتلفزة وبيانات الدولة في هذا السياق لتدشين مرحلة جديدة من التعامل، تجمع بين الإقصاء القانوني والضغط الأمني والإعلامي، دون الانزلاق نحو صدام مفتوح.
المزاج الشعبي بين التأييد والتحفظ
لا يمكن اختزال المزاج الشعبي الأردني في موقف موحد. فثمة:
• مؤيدون لغزة والدفاع عنها، يندرج تحتهم المخيمات وبعض الحراكات العشائرية والشبابية.
• تيار محافظ وطني يعتبر استقرار الأردن أولوية مطلقة، ويرفض أي مغامرات أو مشاريع مسلحة.
• رأي عام متردد يدعم القضية الفلسطينية إنسانيًا، لكنه يتحفظ على ممارسات يمكن أن تهدد السلم الداخلي.
البعد الإقليمي: الحسابات الأردنية المعقدة
لا شك في أن المشهد الأردني يتفاعل مع توازنات إقليمية حساسة. فالعلاقة بين الأردن وحماس تمر بمرحلة حساسة في ظل تحالفات الأردن الجديدة مع مصر والسعودية والإمارات.
وفي الوقت ذاته، يدرك الأردن أهمية إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الدوحة وأنقرة، الحاضنتين الرئيسيتين للإخوان. لذا تتحرك الدولة الأردنية بحذر بين هذين المحورين.
السيناريوهات المحتملة
أمام هذا الواقع، يمكن توقع عدة مسارات:
1. تجميد جلسات البرلمان مؤقتًا، وتقليص تأثير حزب جبهة العمل الإسلامي.
2. حل البرلمان مبكرًا إذا تصاعدت الأزمة، أو برزت فرص سياسية مواتية.
3. استمرار البرلمان بصيغة محسوبة مع تحجيم الكتلة الإسلامية.
4. مواصلة الاستهداف الأمني والإعلامي دون خطوات دراماتيكية.
خاتمة
ما يجري ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو اختبار دقيق لثبات مؤسسات الدولة في التعامل مع جماعة إسلامية تمتلك حضورًا اجتماعيًا متجذرًا، واختبارٌ لقدرة الإخوان على إعادة ترتيب صفوفهم الداخلية وسط ضغوط إقليمية وشعبية وأمنية متشابكة.
ستبقى أوراق اللعبة موزعة بين عمان الرسمية، غزة، والعواصم الإقليمية، فيما تحاول كل جهة إعادة ضبط توازناتها في ظل واقع لا يقبل الهامش الواسع ولا المناورة غير المحسوبة