كتب : عبد الهادي راجي المجالي
بالرغم من الفخر الذي شعرت به أمس ، وأنا أتابع ابداعكم ويقظتكم ...شعرت بالجرح أيضا ، فالشعبة التي كلفت بمتابعة الخلية ، بالرصد والسهر من أجل تلقي أوامر العمليات ، والتنبيهات الصارمة بحمل السلاح وارتداء واقيات الرصاص ، حتما وحين تنتهي المهمة سيذهب أفرادها إلى بيوتهم ، ولن نعرفهم لن نقرأ الأسماء في الصحف ...ولن نعرف كنيتهم أو أسماء عشائرهم ، لكن ما نعرفه عنهم أن أحدهم سيذهب اليوم للمدينة الطبية ، وسيقف على الدور عند الصيدلية ، كي يحضر للوالدة دواء السكري
وبعضهم سيذهب للمؤسسة الإستهلاكية العسكرية مع الأولاد لشراء مؤونة الدار ، وبعضهم سيعود لقريته النائية في الجنوب ، لأن موسم الجميد اقترب ويحتاج أن يقبل كف العمة ، ووجه الخال ، ويحضر لداره رطلا من الجميد .
بالمقابل لدينا أكثر من (500) وزير متقاعد ، هؤلاء أغرقوا البلد بالديون ، لم يقدموا شيئا سوى البكاء والعويل والتظلم ، على أمل أن يعودوا للمنصب ، هؤلاء إن أصاب أحدهم البروستاتا بفعل الجلوس الطويل ، حتما لن يقف على الدور في مدينة الحسين الطبية ، ستمنحه الدولة (سويت) في الإستشاري ، أو جناحا في التخصصي وستدفع نفقات علاج البروستاتا ، وسيحمل الوطن المسؤولية باعتبار أن ما أصابه كان بفعل الخدمة العامة ، وليس بفعل اللهط العام .
حين تغادرون الوظيفة يا ضباط الأمن ، ستحفظون كل الأسرار في قلوبكم ، لن تطلبوا تكريما من أحد ، ولن تطلبوا شكرا ، لأنكم في قرارة أنفسكم تعرفون أنكم قمتم بأداء الواجب ، لكن من يغادرون الوزارات لدينا ، تقدم لهم بعض جوائز الترضية ، ويتم تعينهم سفراء في الخارج ، ويرسل لهم في الحقيبة الدبلوماسية مبالغ كبيرة بالدولار ، لأجل الولائم ولأجل تذاكر الأولاد ، ولأجل اشتراكات السباحة للعائلة ، ولأجل عضوية النادي ...على اعتبار أنهم كانوا يخوضون حربا طاحنة في أعالي البحار ويرفعون علم الوطن ، على اعتبار أنهم وصلوا جزر الفوكلاند وخاضوا حربا ضروسة ، ضد الغطرسة والتجبر وقوى الإستعمار .
اتعبتموني يا ضباط المخابرات والأمن ..
أعرف أنكم حين تتسلمون (قسيمة الراتب) ستقرأون اقتطاعات الإسكان واقتطاعات صندوق التقاعد ، واقتطاعات الطعام ..ومع كل ذلك تشكرون الوطن وتعتبرونه الروح التي تسري في عروقكم ، وترضون به المصير والملاذ والمرتجى ..
بالمقابل الوزراء المتقاعدون ، والمؤلفة قلوبهم ، والطبقة السياسية الإنتهازية تتلقى قسيمة اخر الشهر مثلكم ، ولكنها قسيمة مشاركتهم في عضويات مجالس إدارة الشركات التي تمتلكها الدولة ، وهي قسيمة تتضمن وضع (3000) الالاف دينار في الحساب ، لقاء حضور معاليه جلسات معدودة لمجلس إدارة الشركة الفلانية ، علما بأنه أمضى الجلسات نائما ، سيتلقى أيضا قسيمة بالراتب التقاعدي المهول تقول : تم ايداع الراتب في البنك ، وسيتلقى قسيمة بالشيكات التي حصل عليها لقاء محاضرات أقامها في جامعات مغمورة ، وقسيمة أخرى من بيع مذكراته ، وأخرى من وظائف شكلية منحتها له بعض المؤسسات الأكاديمية من أجل تخليص معاملاتها في الدولة .
أنتم يا ضباط المخابرات والأمن تصنعون البطولة ، أنتم من يغرس الكبرياء ، من يعلم الصبر معنى الصبر ، أنتم الوطن ...لم تطلبوا يوما شاشة لعرض وجوهكم عليها والحصول على لايكات وإعجابات ، لكن غيركم من حزب (غراب البين) ومن مسؤولين سابقين ، ومن طبقة يسار ارتمت في حضن الدولة ، كما ارتمت فاتن حمامة في حضن عمر الشريف ..حتما يريدون تلك الشاشات ، كي يظهروا للشعب معاركهم الكلامية ، كي يظهروا بلاغة ألسنتهم ..وكي يقسموا باسم التراب وباسم القرى المنسية ، ويبدأون ببث تزلف وتسحيج سخيف للوطن ولكم ...وتشعر في لحظة أنهم هم من خاضوا المعركة وهم من خاضوا النزال ، منذ متى كان البزنس بارك يعبر عن العسكر ، منذ متى كان البزنس بارك يعكس صورة القرية والعشيرة ..وينحاز للفقراء ، الذي ارتضوا الوطن هما وسكرا وقبرا وحياة وملتجأ .
على كل حال شكرا لكم ، للأمهات اللواتي كان حليبهن طهرا من طهر على طهر ..شكرا للعشيرة التي علمتكم سجاياها وكرمها وأخلاقها ، شكرا للرضى الذي التحفه الوالد والبسمة التي أطلقتها الأم حين تم ترفيعكم ..وشكرا لكم لأنكم جعلتم روحي غاضبة ، كما يجب ..
ماحدث أمس يحتاج منا سحق طبقة سياسية انتهازية ، أرهقت البلد ومازالت تمتص دمنا وعرقنا وتعبنا ، يحتاج منا لصياغة مشروعنا الوطني الجديد ، لاصياغة لجان إصلاح تتحلى بالكثير من المراهقة والدلع والفشل في ذات الوقت ، يحتاج منا أن تعرف الدولة من هم (زلمها) ومن هم الذين وظفوا الوطنيات الكاذبة في سبيل عصرها والإستفادة من خزائن البنك المركزي ...
شكرا لكم ياضباط الأمن والمخابرات ، أنتم الأردن الحقيقي الذي لم يزيف ولم يزور ولم يجثو على ركبتيه ، لقد حفظتم الدار وأهلها ..حماكم الله .
عبدالهادي راجي..