أخبار اليوم - أمٌّ تبحث عن أطفالها بين ركام منزلها الذي قصفه الاحتلال الإسرائيلي على رؤوس ساكنيه، مشهد هزَّ وجدان الفنانة التشكيلية وفاء الكحلوت، وكان أحد أسباب عودتها للرسم خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، لتنقل للعالم الوجع الذي يختلج في نفوس الغزيين وهم يبحثون عن أبنائهم الذين قضوا نيامًا تحت ركام منازل ظنّوها آمنة. كان ذلك المشهد جزءًا من مشاهد عديدة جعلت الفنانة الكحلوت تكسر صمت ريشتها وتعود لتجسيد الواقع من حولها، واقع يفوق كل ضروب الخيال من حيث ما يتعرض له شعبنا من إبادة وتهجير لم يكن ليخطر بخيال أي فنان، مهما بالغ في التخيل. تقول الكحلوت لصحيفة "فلسطين": "رسمت الوجع، والفقد، والصمود.
جسَّدت مشاهد من قصف الاحتلال الإسرائيلي، نظرات الأطفال، الأم التي تحتضن ابنها الشهيد، البيت المهدوم والكرامة المرفوعة. كانت لوحاتي ليست مجرد صور، بل شهادات حيّة على ما نمرّ به". وتعتبر الكحلوت أن الفن ليس فقط لتجميل الحياة والبحث عن جوانبها المضيئة، بل هو في الحرب مقاومة، يوصل صوت الضحايا الذين لا يستطيعون الحديث والتعبير عمّا يصيبهم. يصبح الفن توثيقًا، وصراخًا، وتعبيرًا عن وجع جماعي، ومساحةً للتنفّس والتمسّك بالإنسانية. وتضيف: "في الحرب، كل لوحة رسمتها كانت نزفًا، وكل ضربة فرشاة كانت دمعة.
أنا الآن أعمل على تجميع لوحاتي خلال الحرب في معرض فني أسميته (رماد وأمل)، أحاول من خلاله توثيق كل المراحل التي مررنا بها، طامحةً بأن أوصل رسالتي للعالم، وأعرض لوحاتي خارج فلسطين إن سنحت الفرصة". لم يخطر ببال الفنانة الكحلوت، التي اختارت دراسة الفنون الجميلة لعشقها البحث عن مواطن الجمال في الحياة، أن تنقلب الأمور وتصبح فرشاتها تجسيدًا للمعاناة. فقد شاركت من قبل في معارض محلية ودولية بلوحات تعكس الحياة اليومية، والتراث الفلسطيني، وقضايا المرأة والحرية. أما مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد انقلبت موازين كل شيء، "فحتى اللوحات لم تعد تحتمل ألوان الفرح. أثّرت الحرب على نفسيتي وعلى قدرتي على الإنتاج، لكنها، في المقابل، صارت دافعًا لأُعبّر أكثر، أصرخ من خلال ريشتي، وأرسم الألم بدلًا من كبته". لكن نقص المواد كان تحديًا كبيرًا، "حاولت العمل بأي مواد متوفرة، من بقايا كرتون وورق وألوان بسيطة، لأنني أؤمن أن الفن بالإحساس، وليس بالمواد". وتضيف: "بعد شهور من الحرب، شعرتُ أنني يجب أن أعود للرسم، وأن الفن وسيلتي للنجاة.
بدأت بالبحث عن بدائل محلية للمواد، باستخدام مواد معاد تدويرها، وتبادلت المواد الخام مع فنانين آخرين. الإبداع يُخلق من التحدي، ووجدت نفسي من جديد بالعودة للرسم، رغم قلّة الإمكانيات". وأثناء الرسم، تشعر الكحلوت وكأنها تنفصل لحظيًا عن الواقع: "أنا أرسم الآن ليس لأكون مبدعة، بل لأتنفّس. أخلق ركن أمان صغير، وأسمح لمشاعري بالخروج على الورقة، حتى لو كانت فوضى. الرسم يصبح مقاومة وراحة في الوقت ذاته". لكن تعترض المسيرة عقبات. فهناك محطات في الحرب أكبر من أن يستوعبها الفنان.
تقول الكحلوت: "وقت نزوح الناس من منطقة لأخرى، كانت المشاهد أكبر من أن أستوعبها، وكل لحظة كانت تكسر جزءًا مني، لدرجة أنني شعرت أنني فقدت القدرة على الرسم، وكأن الفن ما عاد يكفي ليحكي وجع الناس". وتضيف: "في لحظات شعرت فيها أن الريشة ثقيلة، والورقة غريبة، كأنني فقدت صوتي. الألم كان أكبر من أي تعبير، وكل شيء شعرت أنه تافه أمام ما يحدث. لكن مع الوقت فهمت أنني، عندما أرسم، حتى لو خطّ بسيط، فهو مقاومة، وهو حياة".
فلسطين أون لاين