كرة وركام .. كيف سرقت الحرب ضحكات الشَّقيقين سعوديّ؟

mainThumb
كرة وركام... كيف سرقت الحرب ضحكات الشَّقيقين سعوديّ؟

14-04-2025 10:56 AM

printIcon

أخبار اليوم - بينما ركض محمد سعودي (13 عامًا) يناور أصدقاءه بكرة القدم محاولًا تسديد هدفه الأول في مرمى من الحجارة، ناداه شقيقه أحمد (11 عامًا) بصوت عالٍ ليمرر له. كان الشقيقان يلعبان بسعادة وسط زحام الحرب وأصوات القصف التي لا تهدأ، محاولَين صنع لحظات من الحياة في قلب الموت. بدا الشقيقان مغمورين باللعب وهما يتبادلان الكرة بمهارة عالية مع أطفال في مثل عمرهم، في ساحة مدرسة دار الأرقم بحي التفاح شرق مدينة غزة، التي تحوّلت إلى مركز لإيواء نازحي حرب الإبادة الإسرائيلية. قضى الأطفال وقتًا ممتعًا وهم يلعبون الكرة عصر الخميس 3 أبريل/نيسان 2025، وتعالت أصواتهم وضحكاتهم حينها، لكن هذه اللحظات لم تدم طويلًا، وحلّ مكانها صمت رهيب.

كان ذلك ناتجًا عن استهداف مركز الإيواء مباشرة بعدد من القنابل ألقتها مقاتلات جيش الاحتلال الإسرائيلي. ما بعد الجريمة! لم تمضِ سوى لحظات، حتى انقشع غبار القصف وتكشفت معالم الجريمة الإسرائيلية، وقد تحوّلت ساحة اللعب إلى ركام وغبار وصرخات. وبينما تناثرت أشلاء عشرات الشهداء بين الركام، وجد مصابون أنفسهم عالقين تحته. "لا أعرف ما الذي حصل بالتحديد. وجدت نفسي فجأة أسفل الركام"، قال أحمد مسترجعًا اللحظات الأولى للقصف الإسرائيلي. وأضاف لصحيفة "فلسطين": "كنا نلعب، لم نرتكب أي ذنب، أردنا فقط الترفيه عن أنفسنا. لم أتوقع أن تقصفنا الطائرات."

وأُصيب أحمد بجروح بالغة في ساقه اليمنى، وتحديدًا في مفصل الركبة حيث اخترقته الشظايا وعلقت بداخله، وخضع لعملية جراحية حاول الأطباء خلالها علاجه. ومن المقرر أن يخضع لعمليات أخرى لاحقًا، حسبما أخبر "فلسطين" والد الطفلين الزهري سعودي (68 عامًا). أما إصابة محمد، فهي الأخطر والأصعب كما يصفها والده، بسبب الحروق الشديدة التي طالت وجهه وأجزاء واسعة من جسده، وكذلك أطرافه المليئة بالشظايا الصغيرة.

قال محمد لـ"فلسطين": "عندما وجدت نفسي تحت الركام والغبار يحيط بي من كل جانب، أدركت أننا تعرضنا للقصف قبل أن أغيب عن الوعي، لأجد نفسي بعد ساعات في المستشفى." وفي الساعات الأولى بعد الإصابة، اعتقد والداه أنه سيفقد بصره بسبب الجروح والحروق التي أصابت وجهه، لكنها لم تنل من عينيه. ألمٌ وعلاج يطول في إحدى زوايا المستشفى الأهلي العربي "المعمداني"، وسط مدينة غزة، وعلى سرير طبي واحد بالكاد يتسع لجسدين صغيرين، يرقد الشقيقان، يتقاسمان الألم تمامًا كما كانا يتقاسمان اللعب والضحكات. وكانت عائلة الطفلين قد دمر جيش الاحتلال منزلها في منطقة الشعف بحي الشجاعية شرق غزة، مثل مئات آلاف العائلات التي أصبحت مراكز الإيواء والخيام المنتشرة في ساحات وشوارع القطاع الساحلي، ملاذًا أخيرًا.

لكن هذه المراكز هي أيضًا في دائرة الاستهداف. "نزحنا خلال الحرب أكثر من عشر مرات، لم يترك لنا الاحتلال مكانًا آمنًا.. فأين نذهب؟" تساءل والد الطفلين بصوت خافت يحمل الكثير من الألم. وأضاف: "المستشفى مكتظ بالجرحى، ولا يوجد سرير إضافي لهما، لذلك تشاركا سريرًا واحدًا كما تشاركا لعب كرة القدم، وركوب الدراجات الهوائية، وتقاسما الحياة بكل تفاصيلها." يرافق الوالد طفليه باستمرار في المستشفى، يقف بقربهما، وتغرق عيناه بالدموع وهو ينظر إليهما عاجزًا. يقول: "هربنا من الموت إلى الموت. لم أتخيل أن أراهما يتألمان هكذا. كانا يركضان ويلعبان، والآن لا يستطيعان الحركة إلا بمساعدة أحد." على سرير علاج واحد، تختصر صورة الشقيقين حكاية أطفال غزة المحاصرين بين الموت والدمار والخوف، منذ أن بدأ جيش الاحتلال حرب الإبادة الجماعية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وينتظران العلاج واستعادة القدرة على الركض مجددًا، فقد أحبا كرة القدم واعتادا لعبها معًا.



فلسطين أون لاين