أخبار اليوم - ضمن منطقة سكنية قريبة من عدد من المعالم الدينية والتاريخية، يقع أحد أقدم المستشفيات، المعروف باسم "الأهلي العربي -المعمداني" في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، وهو المستشفى المسيحي الوحيد في القطاع. وفجر أمس قصفه الاحتلال تزامنا مع "أحد الشعانين"، وهو ما يبعث "رسالة حزينة"، بحسب أحد أشهر جراحي قطاع غزة. ماذا نعرف عنه؟ إلى الغرب من المستشفى، تفصله عن كنيسة "القديس فيليبس الإنجيلي" طريق تعرف بشارع "أم الليمون"، الذي يمتد من ميدان فلسطين في الشمال إلى ميدان عسقولة في الجنوب، ويصل إلى شارع عمر المختار. أما على بعد حوالي 230 مترا جنوب المستشفى، فتقع كنيسة "برفيريوس" اليونانية الأرثوذكسية، والتي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس الميلادي.
تُعرف المنطقة المحيطة بالمستشفى باسم "الشمعة"، وتحتوي على معالم دينية وتاريخية مهمة مثل كنيسة دير اللاتين، ومبنى مخصص للراهبات يُطلق عليه "الراهبات الوردية" و"دار السلام". كما تضم المنطقة حمام السمرة، وهو المعلم العثماني الأثري الوحيد المتبقي من تلك الفترة، ومدرسة الروم الأرثوذكس شرقي المستشفى. ويقع مسجد كاتب ولاية، الذي أُنشئ في القرن السابع الميلادي، شمال المستشفى بمسافة تقارب 180 مترا. بحسب الموقع الإلكتروني لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، افتتح المستشفى الأهلي العربي عام 1882 في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، وتحديدًا إلى الغرب من كنيسة القديس "فيليبس الإنجيلي" في منطقة الشمعة، إحدى المناطق التاريخية في غزة القديمة. أنشأت المستشفى البعثة التبشيرية البريطانية، وكان القس "إليوت" أول من تولى إدارته، قبل أن تنتقل المسؤولية لاحقًا إلى الأطباء البريطانيين المبتعثين آنذاك.
خلال الحرب العالمية الأولى عام 1919، تعرض المستشفى للسرقة والتدمير، إلا أنه أُعيد بناؤه في نفس العام. وبعد انتهاء الاستعمار البريطاني، سعت السلطات البريطانية إلى إغلاقه، لكن البعثة المعمدانية تدخلت وتولت إدارته. لاحقًا، نشب خلاف بين الإدارة المصرية، التي كانت تتولى شؤون قطاع غزة في ذلك الوقت، والبعثة المعمدانية حول ملكية أرض المستشفى، وذلك عقب إلغاء قانون الوقف الأهلي في غزة. ورغم ذلك، استمر المستشفى في تقديم خدماته، حتى بعد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967. وفي عام 1976، أوقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مساعداتها المالية للمستشفى، بالإضافة إلى وقف دعمها لمدرسة التمريض التابعة له، مما أدى إلى تراجع في نشاط المستشفى وتقليص عدد موظفيه، حتى اقتصر العدد في عام 1977 على ثلاثة أطباء و28 ممرضًا فقط. وفي أواخر السبعينيات، عادت ملكية المستشفى إلى أبرشية القدس الأسقفية، واستمر منذ ذلك الحين في تقديم خدماته حتى اليوم. كما بني طابق ثانٍ عام 1967 ضم مكتبين لطبيبين، وثلاث غرف للخدمات العلاجية، ومختبرًا قدم أيضًا خدمات تدريبية للطلبة وتأهيلهم كفنيي مختبرات، إضافة إلى أول وحدة علاج طبيعي في قطاع غزة.
وفي عام 2018، شيد مبنى ثانٍ تابع للمستشفى لتقديم خدمات تشخيصية مساندة. أبرز الاستهدافات فجر أمس، وقع أحدث استهداف للمستشفى المعمداني منذ بدء حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بقصف الاحتلال مبنى داخل حرمه وتدميره بالكامل، الأمر الذي أدى إلى إخلاء قسري للمرضى والعاملين داخل المستشفى، بحسب وزارة الصحة. وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 اقتحمت قوات الاحتلال المستشفى. وصرحت وزارة الصحة آنذاك بأن قوات الاحتلال دمرت بوابة المستشفى الرئيسية واعتقلت عددا من الكادر الطبي والمرضى. كما قصفت قوات الاحتلال في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2023 محيط المستشفى المعمداني مما أسفر عن ارتقاء شهداء وأضرار في مرافق المستشفى.
وسبق ذلك خروج "المعمداني" عن الخدمة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وذكرت جمعية الهلال الأحمر في 16 نوفمبر/تشرين الأول 2023 أن قوات الاحتلال، شنت حصارا على المستشفى استمر لعدة أيام متواصلة، ولمم تتمكن الفرق الطبية من الخروج من المستشفى والوصول إلى المصابين. لكن الحدث الأبرز كان في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما استهدف الاحتلال المستشفى المعمداني، الأمر الذي أسفر عن استشهاد نحو 500 مواطن. وأكدت شهادات الطاقم الطبي في حينها استخدام نوع خاص من القنابل تسبب بإصابات غير مسبوقة، بالإضافة إلى وجود أشلاء وجثث الأطفال والشهداء فوق أبنية المستشفى. رسالة حزينة تعقيبا على القصف الأخير للمستشفى، يقول د.فضل نعيم أحد أشهر أطباء الجراحة في غزة عبر منصة إكس: "مع (حلول) أحد الشعانين، الذي يفتتح أسبوع الآلام وعيد الفصح، تحمل الهجمات المتكررة على مستشفى المعمداني—وهو المستشفى المسيحي الوحيد في قطاع غزة—رسالة حزينة للغاية". ويضيف نعيم: "إنها تعيد إحياء الألم والحزن والشعور بالظلم، بينما يظل العالم، مسيحييه ومسلميه، في الغالب صامتًا، ومؤسف جدًا، متواطئًا بطرق عديدة في هذا العذاب المستمر".
ويمثل "التدمير الممنهج للنظام الصحي في قطاع غزة حكما بالإعدام على عشرات الآلاف من الفلسطينيين المحتاجين للرعاية الصحية"، بحسب بيان سابق لمنظمة الصحة العالمية. ووفق البيان ذاته، "مثل هذه الأعمال العدائية والغارات تؤدي إلى إحباط كل جهود ودعم المنظمة"، مؤكدة ضرورة إنهاء "هذا الرعب وحماية الرعاية الصحية، ووقف إطلاق النار".
فلسطين أون لاين