أخبار اليوم - أثار تجدد الاشتباكات بين أهالي جزيرة الوراق النيلية في مصر والشرطة، خلال الأيام الماضية، ردود فعل واسعة، ومطالب بفتح تحقيق في الأحداث.
وأُصيب العشرات من أهالي الجزيرة، بعد اقتحام قوات الشرطة للجزيرة، مساء السبت، وإطلاقها أعيرة الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، بحسب شهود عيان.
وقالت صفحة “جزيرة الوراق مباشر” على فيسبوك، المهتمة بنقل أخبار الجزيرة، إن قوات الشرطة اقتحمت عددًا من المنازل، الأحد، وألقت القبض على عدد من الأهالي، خاصة من قاموا بتصوير الاعتداءات.
أهالي الجزيرة: لا نرفض مبدأ تطوير الجزيرة، لكن نرفض التهجير القسري
وبحسب شهادات الأهالي، فقد بدأت قوات الشرطة هجومها عصر السبت الماضي، واستمر حتى منتصف الليل، حيث اقتحمت الجزيرة من جهة محور روض الفرج، مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة، إلى جانب إلقاء الحجارة على منازل الأهالي والسكان المتواجدين في الشوارع، ما أسفر عن إصابة العشرات بحالات اختناق وإصابات جسدية، بينهم أطفال وكبار في السن، واعتقال آخرين.
ويأتي هذا الهجوم بعد مرور 17 يومًا فقط على أحداث 26 مارس/ آذار الماضي، التي شهدت اعتداءً مماثلًا من قبل قوات الشرطة، أسفر عن اعتقال 12 من سكان الجزيرة، بالإضافة إلى أربعة من المتضامنين من منطقة شبرا. وقد اعتصم أهالي الجزيرة حينها للمطالبة بالإفراج عن ذويهم، قبل أن تُفاجأ الجزيرة بهجوم جديد يؤكد إصرار السلطات على مواصلة سياسات القمع والترويع.
وينظم الأهالي وقفات احتجاجية شبه يومية، لمطالبة قوات الأمن بالسماح لهم بإدخال المؤن ومواد البناء، وإعلان رفضهم التهجير من الجزيرة، فيما تفرض الشرطة كمائن على المعديات التي تمثل الوسيلة الوحيدة للأهالي للخروج أو الدخول إلى الجزيرة.
وأعربت المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن إدانتها للاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها جزيرة الوراق، والتي تصاعدت مساء السبت الماضي، مع تسجيل انتهاك جديد وخطير من قبل قوات الشرطة بحق السكان.
وذكّرت المفوضية باجتماع مجلس عائلات جزيرة الوراق، الذي انعقد في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، والذي جدد فيه الأهالي تمسكهم بحقهم المشروع في البقاء على أراضيهم، ورفضهم القاطع لجميع أشكال الإخلاء القسري، مطالبين برفع الحصار المفروض على الجزيرة منذ عام 2017، واستئناف حركة المعديات بشكل طبيعي، وضمان حصول المصابين على العلاج المناسب.
وتابعت: رغم تأكيد السكان، في مناسبات عدة، أنهم لا يرفضون مبدأ تطوير الجزيرة، فإنهم يطالبون بأن يتم ذلك بالتشاور معهم، وبضمان حقهم في العودة بعد التطوير، وليس عبر تهجيرهم قسرًا، وهي السياسات التي ترد عليها الدولة بالمزيد من العنف والتضييق، عبر منع دخول مواد البناء، وفرض قيود على حرية التنقل، والملاحقات الأمنية المستمرة.
وزادت المفوضية: جزيرة الوراق تعيش، منذ يوليو/ تموز 2017، تحت حصار أمني متواصل، عقب تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي وصَفَ فيها وجود السكان على الجزيرة بأنه “تعدٍّ على أملاك الدولة”، ما تبعته سلسلة من الاقتحامات والاعتداءات الأمنية المتكررة، سقط خلالها قتيل من الأهالي، واعتُقل العشرات، في ظل خطة تهدف لإخلاء السكان قسرًا لصالح إقامة مدينة من الجيل الرابع.
وأكدت المفوضية أن ما يحدث في الوراق يُعد انتهاكًا صارخًا للمادة 63 من الدستور المصري، التي تعتبر التهجير القسري جريمة لا تسقط بالتقادم، فضلًا عن مخالفة الالتزامات الدولية التي تعهدت بها مصر، ولا سيما المادة 11 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تنص على حق كل فرد في مستوى معيشي كافٍ، بما في ذلك السكن الملائم.
واستند موقف المفوضية كذلك إلى التعليق العام رقم 7 لعام 1997 الصادر عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي يشدد على ضرورة تجنّب اللجوء إلى الإخلاء القسري، وضمان وجود بدائل متاحة بالتشاور مع المتضررين، ووجوب توفير سبل الانتصاف القانونية والتعويض العادل، فضلًا عن ضمان عدم تشريد الأفراد أو انتهاك حقوقهم الأساسية جراء أي عملية إخلاء.
وطالبت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين على خلفية أحداث الوراق، ووقف جميع أشكال الملاحقة الأمنية بحق السكان والمتضامنين.
ودعت إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف في انتهاكات 12 أبريل/ نيسان الجاري وما سبقها، ومحاسبة كافة المسؤولين عن ارتكاب أو التستر على تلك الانتهاكات.
وحثت المفوضية الدولة المصرية على فتح حوار جاد مع سكان الجزيرة، يضمن احترام حقوقهم في السكن والكرامة، ووقف المشاريع القائمة على الإخلاء القسري.
وناشدت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وكافة أطراف المجتمع المدني، بالتضامن مع سكان جزيرة الوراق، والعمل المشترك على وقف هذه السياسات القمعية التي تهدد استقرارهم وأمنهم.
وختمت المنظمة بيانها بالتأكيد على أن استمرار هذه الانتهاكات لا يعكس فقط استخفافًا صارخًا بحقوق المواطنين، بل يكشف عن نية منهجية لإفراغ الجزيرة من سكانها لصالح مشروعات لا تراعي حق الناس في المدينة، ولا في تقرير مصير مجتمعاتهم، وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة الاجتماعية، والحق في التنمية، وكرامة الإنسان.
إلى ذلك، أعرب “حزب الدستور” عن قلقه وإدانته الشديدة لاستمرار التعامل الأمني العنيف في جزيرة الوراق، في تكرار مؤسف لنهج ثبت فشله، وقد حذر الحزب من عواقبه في بيانات سابقة.
وأكد الحزب أن استمرار استخدام القوة في التعامل مع قضايا تطوير المناطق المأهولة منذ زمن طويل، يقوّض الثقة بين الدولة والمواطن، ويهدد السلم المجتمعي، ويحول السكان الأصليين من شركاء في التنمية إلى ضحايا لها.
كما شدد الحزب على أن الاستثمار لا يجب أن يأتي على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين، ولا على مبدأ استقرار الملكية كأحد دعائم العيش في دولة مستقرة. وينبّه الحزب إلى أن التنمية الحقيقية لا تُبنى بالإقصاء أو القسر، بل بالحوار والتوافق.
وطالب الحزب بوقف فوري للتعامل الأمني، وبدء حوار جاد وشفاف مع أهالي الوراق، وكذلك مع سكان المناطق الأخرى المطروحة للاستثمار، مثل النجيلة والضبعة ورأس الحكمة وغيرها.
كما دعا إلى وضع آليات للاتفاق والتراضي في ما يستجد مستقبلًا، احترامًا لحقوق المواطنين ولدورهم في رسم مستقبل منطقتهم، وضمانًا لاستقرار ونجاح الاستثمارات.
وبدأت الأزمة بين أهالي الجزيرة والحكومة في صيف عام 2017، عندما طوّقت وحدات أمنية المنطقة بشكل مفاجئ، وبدأت بإخلاء المساكن وهدمها على رؤوس السكان، لتندلع مواجهات عنيفة مع رجال الأمن، تسبّبت في سقوط قتيل بالرصاص الحي، وإصابات بين الأهالي وقوات الأمن.
وأواخر شهر يوليو/ تموز 2023، نشرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية (مؤسسة رسمية) صورًا قالت إنها لمدينة “حورس”، جزيرة الوراق “سابقًا”.
وكشفت الهيئة عن خطة تحويل الجزيرة إلى منطقة استثمارية، وعلّقت الهيئة على الصور: “نعم. مدينة ومركز تجاري عالمي على أرض مصرية يضاهي أبرز مراكز التجارة حول العالم”.
استمرار الانتهاكات لا يعكس فقط استخفافًا صارخًا بحقوق المواطنين، بل يكشف عن نية منهجية لإفراغ الجزيرة من سكانها
وتابعت: تبلغ مساحة الجزيرة 1516 فدانًا، أي ما يعادل 6.36 كيلومتراً مربعاً، وتصل التكلفة التنفيذية للمشروع 17.5 مليار جنيه.
وحسب الهيئة المصرية للاستعلامات، قدّرت دراسة الجدوى الإيرادات الكلية بما يساوي 122.54 مليار جنيه مصري، فيما أوضحت أن الإيرادات السنوية تبلغ 20.422 مليار جنيه مصري لمدة 25 سنة.
وزادت: يضم المشروع 8 مناطق استثمارية، ومنطقة تجارية، ومنطقة إسكان متميز، كما سيتم إنشاء حديقة مركزية، ومنطقة خضراء، ومارينا 1 و2، وواجهة نهرية سياحية. كما سيشمل منطقة ثقافية، وكورنيشًا سياحيًا، وإسكانًا استثماريًا.
وسبق أن كشف مكتب “آر إس بيه” للهندسة العقارية في الإمارات، عن مخطط استثماري لمشروع جزيرة الوراق، يعود إلى عام 2013، اعتبر تطوير الجزيرة نموذجًا للتنمية المستقبلية في القاهرة، لما تملكه من موقع مذهل على نهر النيل، ليدمج تصميم المدينة الجديدة مع نظيرتها التاريخية في قلب العاصمة.
ويهدف المشروع إلى تحويل الجزيرة إلى منطقة خدمات مالية بعد إخلائها من السكان، على غرار جزيرة مانهاتن في مدينة نيويورك.