عودة الخطاب الطائفي مع موسم الانتخابات العراقية وانتقاد لغياب القضاء

mainThumb
عودة الخطاب الطائفي مع موسم الانتخابات العراقية وانتقاد لغياب القضاء

13-04-2025 02:10 PM

printIcon

أخبار اليوم - عاودت أحزاب وجماعات عراقية مختلفة، استعمال الخطاب الطائفي وحتى المناطقي منه، في مواقفها وتصريحاتها اليومية التي ترد بالعادة عبر قنوات فضائية ومواقع إلكترونية تابعة لها، في مؤشر على دخول العراق السباق الانتخابي المبكر، وهو نهج لم يعد غريباً على العراقيين، مع تكرره قبيل كل انتخابات عامة تشهدها البلاد.

وتعتمد قوى سياسية وجماعات مسلحة تمتلك أجنحة سياسية لها، على هذا الخطاب باعتباره إحدى وسائل حشد الشارع، في وقت يواجه القضاء والادعاء العام انتقادات حادة إزاء عدم تحرّكه لضبط تلك المواقف والتصريحات التي عادة ما تكون مصحوبة بلغة تحريض وكراهية. ومع أنّ هذه الخطابات لا تجد مريدين ومؤيدين، فإنّ نشطاء يستغربون تغاضي الجهات القضائية عن حملات التحريض والطائفية وعدم محاسبة مطلقيها.

وخلال الأيام الماضية، أثارت تصريحات طائفية للنائب عن فصيل "عصائب أهل الحق" والقيادي فيها علي تركي، غضباً شعبياً واسعاً في العراق وسط مطالبات بمحاسبته قانونياً بتهمة الخطاب الطائفي وإثارته الفتنة، حيث دعا إلى تحويل مدينة سامراء إلى "مدينة شيعية"، معتبراً أن "المدينة ستكون صبغتها شيعية أكثر مما هي صبغة وطنية"، في تصريح يهدد بعمليات تغيير ديمغرافي وعمليات تهجير قد يتعرّض لها سكان سامراء ذات الأغلبية العربية السنية.

ومع أنّ التصريحات أثارت ضجة كبيرة في الشارع العراقي، عاد تركي ليؤكد مرة أخرى "مشروعه" بالقول: "سنحمي سامراء وسنبنيها". وتطلق قيادات بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وشريحة الأفراد الذين يظهرون على شاشات التلفاز العراقية، منذ فترة خطاباً طائفياً ضد العرب السنة وآخر عنصرياً ضد الأكراد، في نهج اعتبره العراقيون مهدداً للسلم والأمن العراقي العام. وأمام ذلك تصمت الجهات الرقابية والقضائية ولا تتخذ أي إجراءات في اتجاه محاسبة مطلقي هذه الخطابات، على الرغم من الشكاوى والمطالبات بالمنع والعقاب.

وسبق أن أثارت تصريحات أعضاء بارزين في المليشيات عدة أزمات، بعد تطاولها على رموز إسلامية، والتحريض على مكونات عراقية، بالإضافة إلى مهاجمة دول خليجية من منطلق طائفي.

والشهر الماضي، دعا رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، إلى تشريع قانون يجرّم الطائفية في العراق، مع إغلاق وحجب وإزالة الصفحات والمنشورات والفيديوهات والتسجيلات التي تدعو للطائفية، مبيناً في تصريحات أنّ "الطائفية التي عانيناها لسنوات، قد مضت، كما مضى الإرهاب وسيمضي الفساد، لكن ما تبقى من تلك الآثار بدأ يظهر مجدداً في أحاديث الإعلام التقليدي، ويُروّج له عبر (الذباب الإلكتروني) في مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى نقض مظلومية قديمة بظلم جديد، أو مظلومية جديدة بظلم تاريخي، وينعق خلف ذلك من ينعق قائلاً إن الطائفة توازي الأرض والقومية والتاريخ".

ويقول نشطاء عراقيون، لـ"العربي الجديد"، إنّ القضاء العراقي هو الجهة الوحيدة القادرة على محاسبة الطائفيين ومعاقبتهم، لكن القضاء لا يتحرّك تجاه هذه الخطابات التي عادة ما تتسبب بموجات غضب لدى الشرائح المستهدفة. ووفقاً لعضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، فإنّ "حماية العراقيين تقع على عاتق الأمن والقضاء، وللأسف فإن هاتين الجهتين لا تؤديان الواجب كما ينبغي إزاء الطائفيين والمدفوعين بالمال السياسي لإثارة الطائفية".

ويعاقب القانون العراقي المسيئين إلى الرموز الدينية لأي طائفة في البلاد، كما أن مجلس القضاء الأعلى العراقي كان قد وجّه، العام الماضي، محاكمه بتشديد الإجراءات بحق مرتكبي جرائم الإساءة إلى الرموز والمعتقدات الدينية.


نشطاء آخرون من الحركات المدنية والوطنية التي تأسست عقب تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أكدوا أن تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم الأحزاب والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، "يجتهد في صناعة حالات طائفية عند اشتداد الأزمات، وقد لا تكون أزمة داخلية، إنما يتأثر الخطاب الطائفي بالأبعاد والأحداث الخارجية، مثلما حصل عقب سقوط نظام بشار الأسد وصعود الثوار السوريون إلى سدة الحكم، وتأسيس حالة سياسية جديدة قطعت على الفصائل العراقية الطريق للتمدد في سورية".

في السياق، قال عضو مجلس النواب العراقي، حسين عرب، الذي قدّم استقالته يوم الخميس الماضي، إنّ "الطائفية هي صناعة سياسية بالأساس، إذ إن المجتمع العراقي ليس طائفياً ولا يتعامل بالأفكار الطائفية، إنه مجتمع منسجم ولا يقبل بالتنابز أو التمييز، بالتالي فإن الأحزاب التي تصنع الطائفية والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد، قد بلغت حالة من الاستهتار والاستخفاف بمشاعر وحتى دماء العراقيين، لا يمكن القبول بها".

واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الخطاب الطائفي هي طريقة بائسة للاحتيال على العراقيين ولم تعد تنفع معهم مطلقاً، لأن أهدافها واضحة، خصوصاً أن الانتخابات على الأبواب، وأنها زاد المفلسين سياسياً وشعبياً". من جهته، أشار الناشط السياسي علي الحجيمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "جميع الأحزاب العراقية تمارس الطائفية، لأنّ مهنتها الأساسية في الوضع السياسي الحالي هو التنافس طائفياً ومناطقياً على المناصب والمكاسب والحصص من الأموال والمنافع، بالتالي فإن مهاجمة طرف ونسيان طرف آخر، لا يعني الإنصاف".

وتابع أنّ "المحرك الأساسي لكل الحديث الطائفي في العراق، ينطلق من الباحثين والمحللين والصحافيين الممولين من قبل تحالف الإطار التنسيقي، ثم يمتد إلى نواب كتل هذا التحالف، وصولاً إلى قادة الأحزاب، كما هو الحال مع نوري المالكي الذي تحدث مؤخراً عن الإقليم الشيعي". وأكمل الحجيمي، أن "الطائفية غير موجودة بين أبناء الشعب العراقي، لكنها أساسية في العمل السياسي وفق النظام الذي رسمته الولايات المتحدة التي احتلت العراق ووضعته أمام حالة طائفية بحجج التشارك في إدارة الحكم، بالتالي يمكننا القول إن الأميركيين هم الذين أسسوا للطائفية في بلاد الرافدين، ثم جاءت إيران لتعزز هذا الخطاب، وعملت بها الأحزاب العراقية على نحو متواصل ولغاية الآن"، معتبراً أن "العراقيين عاقبوا الأحزاب السياسية في انتخابات 2021، ولم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، والعقوبات في الانتخابات المقبلة، ستكون الأشد".

ومنع الدستور العراقي وفق المادة السابعة منه، أي شكل من أشكال التحريض الطائفي، كما عاقبت المادة 200 من قانون العقوبات بالسجن لمدة 7 سنوات على إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية او الترويج لها، في حين أن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005 عاقب على الفتنة الطائفية، باعتبارها مادة إرهابية وفق المادة 4 من القانون. لكن لم يشرع العراق، قانوناً خاصاً بالتحريض أو الخطاب الطائفي، ما يجعل المتهمين بالطائفية يحتالون على المواد القانونية القديمة إذا ما تقدم أحد أو جهة بالشكوى ضدهم.